هل يقود خامنئي إيران إلى الحرب؟
تُعد تصريحات آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى
الإيراني، حول تصميم إيران على الحرب المحتملة مع إحدى مجموعات التحالف العربي أو
الغربي من أكثر التصريحات العسكرية غرابة في تاريخ التطورات العسكرية.
ولا تنبع هذه الغرابة من التوقيت الذي قيلت فيه هذه
التصريحات أو حتى من التوجه العسكري الإيراني من قِبل القيادة العسكرية للقوات
المسلحة الإيرانية في الوقت الحالي، بل تنبع من التناقض الواضح مع مواقف تابعيه في
الحرس الثوري وحتي في العمليات العسكرية للحرس الثوري الذي يُعرف بأنه الذراع
العسكري لعلي خامنئي.
ففي حديث لخامنئي في منتصف العام الجاري بمناسبة ذكرى
وفاة آية الله الخميني، صعّد خامنئي من لهجته بالتهديد الصاروخي. وجاء هذا التهديد
وهذا الخطاب بعد مدة قصيرة من هجوم إيران الصاروخي في مرتفعات الجولان السورية
باستخدام قذيفة كاتيوشا من العاصمة دمشق، كما جاء هذا الهجوم بعد شهرين من
التوترات واستهداف 7 قواعد إيرانية على الأقل وقاذفات صواريخ أثقل من الجانب
الإسرائيلي.
إن إطلاق هجوم واحد مقابل 7 هجمات لم تؤثر على الجانب
الإسرائيلي ولم تلحق به أضرار منها؛ نتيجة مقاومتها من أنظمة الدفاع الجوي
الإسرائيلي، بات أمراً ملفتاً للنظر في حديث خامنئي. وردت إسرائيل على هذه
الهجمات المحدودة من جانب الحرس الثوري
الإيراني، والتي تعادل ما يقارب ثلث هجمات حزب الله اللبناني اليومية خلال أيام
حرب الـ 33 يوماً، حيث قامت إسرائيل بإطلاق 50 صاروخاً على الأقل باتجاه دمشق، قام
الحرس الثوري الإيراني لاحقاً بالرد عليها.
وبعد ذلك بحوالي شهر طمأن خامنئي للمرة الثانية الشعب
الإيراني بقوله لهم إن "الحرب لن تندلع". وذلك قد جاء بعد أن قامت إيران
بإطلاق تصريحات تهديدية قام بعدها الحرس الثوري الإيراني بتدريبات بحرية كبيرة في
مضيق هرمز شارك فيها على الأقل حوالي 50 زورقاً، فضلاً عن التجارب الصاروخية
الباليستية المضادة للسفن.
ومن المثير للعجب كذلك أن شعار "الحرب لن تندلع"
الذي أعلنته رئاسة الأركان الإيرانية قد جاء في نفس التوقيت الذي أعلنت فيه مصادر استرالية أن وزارة الدفاع
الأمريكية تنظر في خطط جديدة لمهاجمة المؤسسات النووية الإيرانية وأن القوات
العسكرية الاسترالية من المقرر لها أن تشارك في هذه الهجمات.
وعلى الرغم من أن هذه الادعاءات قد تم تكذيبها من قِبل
وزير الدفاع الأمريكي، إلا أن رئيس الوزراء الاسترالي لم يكذب بالأساس استعداد
البنتاجون للهجوم على إيران وأكد فقط على أن توقيت هذا الهجوم بات وشيكاً.
الخلاف الواضح في هيكلية اتخاذ القرار في
المؤسسة الأمنية الإيرانية
يبرز الخلاف الواضح في تصريحات المرشد الإيراني مع
سياسات وتحركات القوات المسلحة الإيرانية وسياسييها اختلافاً واضحاً في هيكلية
اتخاذ القرار الأمني في إيران. فعلى الرغم من أن أسباب هذا الخلاف من الممكن أن
يكون الطيف الواسع من الإجراءات المتخذة والعملية على أرض الواقع، مثل القيود
المفروضة على القوات المسلحة الإيرانية في التنمية أو شراء المعدات الحربية الدفاعية،
والقيود الأخرى مثل توظيف القوات المحترفة والقابلة للثقة بها داخل إيران؛ بسبب
طبيعة أفراد القوات المسلحة الإيرانية أنفسهم والاختلافات المذهبية حول نشر إيديولوجية
النظام الإيراني في الخارج، إلا أنه، وبشكل عام، من المتوقع أن تكون نتيجة هذا
الخلاف الأمني هو اندلاع معارك عسكرية.
وعندما ننظر إلى الناحية التاريخية لهذا الأمر، فإننا
سنرى أن عدم القدرة على اتخاذ القرار الحاسم وعدم القدرة على إعلان استراتيجية
دفاعية بكلمات وخطاب واضح وصريح سيؤدي إلى معارك عسكرية ما بين هذه الأطراف.
وبالتأكيد سيُهزَم في هذه المعارك الطرف المتردد والمتشكك. وهنا، يتضح لنا أن أهم
مثال في التاريخ على هذه القضية هي هجوم صدام حسين العسكري على الكويت عام 1990
وما أعقبها من هجوم قوات التحالف الدولي على العراق.
ففي عام 1990، وفي أوج التصريحات النارية للرئيس العراقي
الأسبق حول الكويت، كان السفير الأمريكي في العراق، ابريل جلسبي، قد صدرت له أوامر
من واشنطن بأن ينقل وجهات نظر بلاده إلى الرئيس العراقي صدام حسين خلال لقاءه معه
في اجتماع بينهما. وخلال اللقاء، تجاهل السفير الأمريكي الأراضي الكويتية كلها
وأشار فقط إلى احتلال مدينة الكويت، وذلك في الوقت الذي كان من المحتمل للغاية أن
تتغير فيه الحدود الكلية لدولة الكويت.
وبعد ذلك اللقاء، أوصي السفير الأمريكي في العراق، في
رسالة له إلى واشنطن، بعدم المبالغة في انتقاد صدام حسين والنظام العراقي، وكذلك
بأن يتم معالجة القضية من خلال عقد اجتماع في مدينة جدة السعودية بين الكويت
والعراق. يُفَسّر هذا السلوكُ الأمريكي بإدراك صدام حسين عدم رغبة واشنطن في إرسال
مزيد من القوات العسكرية التابعة لها للخارج بعد حرب فيتنام.
وعند النظر إلى تصريحات سلسلة من المسؤولين الأمريكيين، مثل
الجنرالات المتقاعدين وكولن باول قائد الأركان الأمريكي في ذلك الوقت، بالإضافة
إلى إعلان واشنطن خفض قواتها العاملة في الخارج بعد انتهاء الحرب الباردة، فإن ذلك
سيعزز من تحليلنا بعدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تكرار سيناريو فيتنام
مرة أخرى.
وهذا التفسير الشخصي من صدام حسين يوضح لماذا لجأ خلال
هجوم قوات التحالف الدولي على بلاده، وعلى العاصمة بغداد، إلى نقل قواته الجوية
إلى إيران بدلاً من مواجهة قوات الائتلاف الدولي. حيث أراد صدام حسين أن تظل أحدث
أنواع الطائرات الجوية العراقية في مأمن من ضربات التحالف الدولي.
وتسبب خلال ذلك الوقت عدم اتخاذ قرار أمريكي حاسم
بالدفاع عن الكويت في بدء الحرب بالفعل، كما تسبب عدم حسم صدام حسين لقضية صموده
وحربه ضد قوات التحالف الدولي من عدمه في النصر المحقق لقوات التحالف الدولي
واحتمالية إيجاد منطقة حظر جوي بالعراق.
إن مسألة الحسم في اتخاذ القرارات العسكرية داخل إيران
قضية حساسة للغاية الآن أكثر ممن كان عليه الوضع في العراق أيام صدام حسين. وعند
المقارنة بين ذاك الوقت في العراق، وإيران الحالية، سنجد أن القوات الجوية
العراقية عام 1991، إلى جانب الصواريخ الباليستية والصواريخ بعيدة المدى
والمقاتلات الجوية الحدية من طراز "سوخو 24" و "ميراج اف 1"،
كانت آنذاك تستطيع تحقيق خسائر فادحة في قوات التحالف الدولي من الناحية السياسية
والاقتصادي، إلا أن الجانب الإيراني يعتمد استراتيجياً في الوقت الحالي على
الصواريخ فقط.
ومن خلال النظر في استخدام الصواريخ الإيرانية في اليمن
والصواريخ الفلسطينية المستخدمة ضد النظام الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي، سنجد أن
دلالة ذلك هي أنه، فقط، يمكن الاعتماد على الصواريخ الإيرانية في حالة شن هجوم
واسع وكبير.
فعلى سبيل المثال، تستطيع بطارية باتريوت الدفاعية التي
تملكها قوات التحالف إسقاط 16 صاروخاً باليستياً تطلقه إيران. فمن المعروف أنه من
أجل الإفلات من الأنظمة الدفاعية، ينبغي إطلاق عدد من الصواريخ يبلغ 3 إلى 5 أضعاف
القوة الدفاعية للخصم. وعليه، فإن إيران لم تستطع حتى الآن إطلاق أكثر من 50 صاروخاً
باليستياً ثقيلاً في تدريباتها الحربية السابقة.
وفي النهاية، يمكن القول إن ميل خامنئي إلى تفسير عدم
رغبة الولايات المتحدة في تكرار تجربة العراق بعد 15 عاماً هو تفسير لا بأس به،
إلا أن تطبيق هذا التفسير في السياسة العلنية الإيرانية سيدفع المحللين العسكريين
إلى الاعتقاد بأن إمكان الرد الإيراني العسكري على الهجوم عليها سيكون أقل، بل إنه
يدفع إلى الاعتقاد بأن الإيرانيين لن يفكروا في إمكان الهجوم عليهم عسكرياً
بالأساس. والدليل الواقعي على ذلك هو صمت إيران على الهجوم الإسرائيلي على مواقعها
العسكرية في سوريا.
إن تصريحات المرشد الإيراني على خامنئي المتناقضة
والغامضة وغير المناسبة لوقتها تبرز لنا حجم الاضطراب وعدم التنظيم في هيكل اتخاذ
القرار العسكري في إيران. كما أن هذه المواقف المذكورة داخل إيران، والتي تتناقض
فيها تصريحات خامنئي مع قوة الردع الإيراني بشكل على أرض الواقع، ستقلل أمام
الإيرانيين احتمالية الهجوم العسكري عليهم.
الكاتب: مرتضي
عظيمي، موقع "راديو زمانه" المعارض باللغة الفارسية.
التاريخ: 14 أغسطس 2018.