التغيرات المناخية المتصاعدة وتأثيرها على زيادة الصراع بالشرق الأوسط
يعيش العالم حالة من التغيرات المناخية خاصة
الاحتباس الحراري، الذي أثر بشكل كبير على البيئة محدثا الكثير من الكوارث
والمخاطر البيئة، مثل انتشار الجفاف وارتفاع درجة حرارة الأرض وقلة المياه، فمثلاً
ضربت موجة من التغيرات المناخية القارة الأوروبية هذا العام، التي نادرا ما تشهد
هذه الظواهر من انتشار للجفاف واندلاع الحرائق نتيجة لارتفاع درجة الحرارة، أما
منطقة الشرق الأوسط فهي أكثر المناطق عرضة للتغيرات المناخية، وسيتسبب ذلك في وجود
حالة من الصراع مستقبلا على الموارد خاصة المياه نظرا لمحدوديتها مقارنة بأوروبا،
فمعظم المنطقة العربية تعيش حالة فقر مائي، وقد حذرت الكثير من التقارير إلى الأزمات التي تنتظر الشرق الأوسط نتيجة
للتغيرات المناخية.
لماذا الشرق الأوسط الأكثر تضرراً من التغيرات
المناخية؟
أعادت موجة التغيرات المناخية التي ضربت القارة الأوروبية خلال الأيام
الماضية، النقاش حول التهديدات التي تنتظر مناطق أخرى من العالم هي بطبيعتها مناطق
أكثر جفافا وتعاني ندرة في الموارد المائية وارتفاع درجات الحرارة. فالدول
الأوروبية التي يكشوها الثلج معظم أيام السنة ولديها وفرة في المياه، شهدت كوارث
متعددة مثل الجفاف الذي تسبب في خسائر فادحة في الثروة الحيوانية والزراعية، قدرت
بالمليارات كما في ألمانيا واليونان وبريطانيا وأستراليا، فما بالنا بمنطقة مثل
الشرق الأوسط التي تشهد بالفعل منذ سنوات الصراع على الموارد المائية المتمثلة في
بعض الأنهار الدولية المشتركة، بخلاف قلة الأمطار والمراعي.
وسبق أن حذرت العديد من التقارير الدولية المتخصصة من التغيرات المناخية
التي ستتعرض لها منطقة الشرق الأوسط خاصة الدول العربية، ففي تقرير صادر عن البنك
الدولي عام 2015، حذر من أن
منطقة
الشرق الأوسط ستكون أكثر الأماكن تضررا من التغيرات المناخية، الناتجة عن عمليات
التطور الصناعي المتسارعة خلال العقود السابقة، مما تسبب في زيادة الاحتباس
الحراري ورفع درجة حرارة الأرض 1.2 درجة مئوية(1).
ونتيجة لاستمرار الانبعاثات الغازية حول العالم، سيشهد كوكب الأرض المزيد
من التغيرات المناخية، فيما تعتبر الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين أكبر
المتسببين في هذه الانبعاثات، بينما ستكون المنطقة العربية المتضرر الأكبر رغم أن
معدل الانبعاثات الكربونية بالمنطقة لا تتجاوز 5 % من انبعاثات الغازات في العالم،
ونتيجة لذلك تعيش المنطقة حالة من ارتفاع درجات الحرارة، تسببت في اتساع موجات
الجفاف والتصحر ، ومن ناحية أخرى حدوث فيضانات وسيول مفاجئة نتيجة لارتفاع مستوى
سطح البحر بسبب ذوبان الجليد من المحيط
القطبي، ومن المتوقع أن تزيد درجات الحرارة في فصل الصيف بمعظم الدول العربية 8 درجات
مئوية في مناطق من الجزائر والسعودية والعراق في نهاية القرن الحالي.
أما بالنسبة للمناطق الواقعة على سواحل البحر المتوسط، فإنها معرضة
للاختفاء نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحار، مثل مدن نواكشوط بالمغرب ومنطقة الدلتا
في مصر ، وبنغازي في ليبيا، فمنسوب المياه في البحر المتوسط يزيد ثمانية ميللتر سنويا.
وبخلاف تسبب زيادة درجات الحرارة في انتشار الجفاف والتصحر، سيؤدي أيضا
لانتشار الأوبئة والأمراض التي تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الجو مثل حمى الضنك
والملاريا والكوليرا كما حدث مؤخرا في اليمن، وبعض الدول الأخرى، وما تلبث أن
تختفى هذه الأمراض حتى تعود مجددا، لأن سببها الرئيسي بقي دون تغير بل يتجه نحو
الأسوأ.
ونتيجة لقلة سقوط الأمطار والصراع على مياه الأنهار الأخذة في التناقص
مقابل زيادة عدد السكان، ستشهد دول المنطقة نقصا غذائيا حادا خلال السنوات المقبلة
مثل الأردن وليبيا والمغرب، فمن المرجح أن تنخفض المحاصيل الزراعية بنحو 30% بحلول
عام 2050 إذا وصل درجات حرارة الأرض ما بين 1.5 إلى 2 درجة مئوية، بسبب قلة المياه
وزيادة ملوحة الأراضي نتيجة لاختلاط مياه البحر بالأراضي الزراعية مثلما يحدث في
دلتا مصر ودول الشمال الأفريقي، فالدلتا معرض حوالي 25% من مساحتها للغرق نتيجة
للتغيرات المناخية، بخلاف تقليل خصوبة الأراضي المتبقية الصالحة للزراعة(2).
التغيرات المناخية ودورها في زيادة التوتر بالشرق
الأوسط
نظراً لحالة الجفاف وقلة المياه التي دخلت فيها منطقة الشرق الأوسط منذ
عقود، شهدت المنطقة توترات واسعة في هذا الشأن سواء داخل الدولة الواحدة أو بين
الدول التي تشترك في نهر واحد، مثل العراق
وتركيا وإيران، فقد استغلت أنقرة الظروف التي تمر بها العراق حاليا، للسطو على
مياه نهر دجلة، عبر حجز كميات ضخمة من المياه خلف سد "إليسو" الذي أنشئ
على نهر دجلة، في يونيو 2018 مما أدى إلى انخفاض كميات المياه المتدفقة بنسبة 50
%، والتسبب في جفاف الكثير من الأراضي العراقية(3).
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فإيران بدورها حولت مسار أنهار وجداول المائية
تتدفق باتجاه العراق لتحصرها داخل أراضيها فقط، لتوقف تدفق المياه التي تغذي نهر
الزاب المتجه للعراق، الذي يعتبر أحد ثلاثة روافد رئيسية لنهر دجلة، مما أثر على أهم المناطق بجنوب العراق. ونظرا لاعتماد
بلاد الرافدين على حوالي 70% من مياهها من خارج حدودها، فإنها ستواجه حالة من
الصراع مستقبلا مع جيرانها رغم النفوذ الإيراني الآن داخلها، بخلاف التدخلات
التركية وحالة الضعف التي يمر بها العراق بشكل عام، فحوالي ربع مليون هكتار من الأراضي العراقية تصحرت بسبب الجفاف وقلة
المياه، بجانب هجرة الكثير من العراقيين في الجنوب لقراهم نتيجة الشح المائي.
وبجانب العراق، استغلت تركيا أيضاً الأوضاع التي تمر بها سوريا لتخصم من
حصصها المائية، فقد خفضت أنقرة في فبراير 2018،مياه نهر الفرات عن الأراضي
السورية، مما أثر على شمالي البلاد التي تسعى تركيا للسيطرة عليها بزعم محاربة
الجماعات الكردية المسلحة، وسيهدد هذا الانخفاض 2 مليون نسمة من سكان محافظة حلب
التي تعتمد على نهر الفرات في الشرب أو الري، بجانب التأثير على انقطاع الطاقة
الكهربائية، بخلاف محافظات أخرى مثل دير الزور والرقة(4)، وتأتي
التحركات التركية سواء في العراق أو سوريا ضمن، مشروعها المائي "مشروع جنوب
شرق الأناضول"، والذي تعمل أنقرة على تنفيذه منذ سنوات، ولم تجد ظروفا أفضل
من تلك التي يعيشها السوريون والعراقيون الآن.
كذلك تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي لسرقة المياه العذبة من الأراضي الفلسطينية
المحتلة وسوريا وجنوب لبنان، لأنها تعاني من فقر مائي شديد، نتيجة التغيرات
المناخية التي تضرب المنطقة منذ سنوات، فإسرائيل تسرق من الأراضي السورية فقط حوالي
813 مليون متر مكعب مياه سنوياً ويقارب هذه النسبة مسلوب من الأراضي الفلسطينية
المحتلة، ونظرا لاستمرار سرقة الاحتلال مياه الدول العربية، أصبح هذا البند مطروح
بشكل دائم في الاجتماعات العربية، فمثلا تم طرح هذه القضية في المؤتمر الـ3 للمياه
بالكويت وذلك في أبريل 2018(5).
وفي تقرير لمؤسسة الاستشارات الدولية "برايس ووتر هاوس كوبرز" في
عام 2008، حددت 11 منطقة تشكل موضع خلاف بسبب المياه قابل لأن يتحول إلى نزاع
ومنها، تركيا وسوريا العراق، والعراق إيران، ومصر وإثيوبيا والسودان، وبالفعل نجد
أن الخلافات منذ وقت صدور التقرير أخذة في
التزايد، وأشعل وتيرتها الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية منذ عام 2011(6).
ختاماً، يمكن القول، إن
التغيرات المناخية ستؤثر بشكل أساسي على مياه المنطقة العربية العذبة فمن ناحية
ستؤدي لزيادة نسبة التصحر بالمنطقة، والذي يغطّي بالفعل حوالي 68% من المساحة
الإجماليّة للمنطقة العربية، بخلاف 20% من باقي المساحة مهددة بالتصحر ، ومن ناحية
أخرى ستؤدي التغيرات المناخية لزيادة حدة الصراعات في المنطقة سواء بين الدول
وبعضها البعض، أو داخل الدولة الواحدة نتيجة الضغط على الموارد وهجرة بعض السكان
من مناطقهم لمناطق أخرى بالدولة، كما يجري في السودان وبعض الدول الأفريقية من
خلافات على المراعي.
وإلى جانب ذلك ستكون بعض المدن العربية الساحلية مهددة بالاختفاء نتيجة لزيادة منسوب مياه البحار، وهذا ليس أقل خطرا من انتشار حالة الندرة المائية والجفاف الناتجة عن قلة الأمطار بفعل ارتفاع درجات الحرارة في كوكب الأرض، وبالتالي ستكون منطقة الشرق الأوسط أولى المناطق التي ستندلع فيها النزاعات وانتشار المجاعات نتيجة التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول الصناعية بالأساس، وإن كان هذا الضرر أصابها هي الأخرى بدرجات متفاوتة.
المصادر:
1- أخفضوا الحرارة في العالم
العربي، البنك الدولي، 10\4\2015، الرابط.
2- بسبب التغيرات المناخية:مصر
مهددة بغرق الدلتا ونقص المياه العذبة، الأهرام، 24\2\2013، الرابط.
3- تركيا وإيران
"تحاصران" الشعب العراقي، سكاي نيوز، 3\6\2018، الرابط.
4- مواقع كردية: تركيا تخفض معدل
مياه نهر الفرات المتدفقة إلى سوريا، روسيا اليوم، 11\2\2018، الرابط.
5- سرقة إسرائيل للمياه العربية
تتصدر أعمال مؤتمر «المياه»، الراي الكويتية، 30\4\2018، الرابط.
6- الصراع على مياه الشرق الأوسط، الخليج، 6\6\2008، الرابط.