إيران غاضبة .. لكنها تحتاج صفقة نووية!
تدور الفكرة الرئيسية للمقال الذي كتبه "دنيس
روس" مستشار معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمساعد السابق للرئيس
الأمريكي "باراك أوباما"، حول المحددات الرئيسية التي ستجعل الجمهورية
الإسلامية بحاجة ماسة لعقد صفقة نووية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنها؛
الانسحاب الحتمي للشركات الأجنبية من السوق
الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية، تدهور الاقتصاد الإيراني وانخفاض قيمة العملة
في مقابل الدولار، عدم قدرة النظام على مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة في الشارع
الإيراني. في السياق ذاته، سيكون لروسيا دور هام في الاسراع بوتيرة المحادثات فيما
بين الجانبين، على خلفية رغبتها في تسوية الأزمة السورية.
فعلى الرغم من تهديدات إيران الفارغة من مضمونها، لكنها
ستتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، طالما كانت هناك وساطة روسية. فحتى بعد أن
اصبحت الصفقة النووية دون جدوي بعد خروج الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"
منها، لكن تظل هناك حالة من الشد والجذب بشأنها؛ حيث أيد أولئك الموالين للاتفاق
عدم وجود آى نوع من التفاوض مجدداً، في حين يقر المعارضون بأن الانسحاب سيؤدي لعقد
صفقة أفضل.
ويبدو أن "ترامب" نفسه يعتقد أن هناك إمكانية
لعقد صفقة أفضل؛ حيث عرض في الآونة الأخيرة بدء المحادثات مع إيران دون أي شروط
مسبقة. على صعيد أخر، أشار المرشد الأعلى "على خامنئي" إلى رفض أي نوع
من المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وجاء حظر "خامنئي" بعد أن
أعلن قائد الحرس الثوري "محمد على جعفري" بعدم السماح للمسؤولين بلقاء
أو التفاوض مع الشيطان الأكبر، فضلاً عن أن إيران ليست كوريا الشمالية.
ويشير التاريخ والديناميكيات السياسية إلى أن حالة الغضب
التي توجد عليها إيران حالياً، ستنتهي بعد فترة ليست بالطويلة، ومن الممكن أن يتوصل
الطرفين إلى اتفاق بعد فترة وجيزة. لكن من المستبعد أن تكون المفاوضات القادمة
كسابقتها، ومن المرجح أن يلعب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" دوراً
رئيسياً في عملية السلام بين الجانبين.
فإشارة "جعفري" لنموذج كوريا الشمالية يعنى أن
إيران ليست بمفردها، بل لها نفوذ كبير في
الشرق الأوسط يمكن أن تستند عليه في توجيه ضربات مضادة لواشنطن، وأن اقتراب
"أقصى ضغط" الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية مع "بيونج
يانج" لا يجدي مع إيران. ولكن
النموذج الكوري الشمالي يختلف عن الإيراني، ففي حالة كوريا الشمالية، كان هناك
اجماع دولي كبير على ضرورة وقف أنشطة البرنامج النووي، و كان هناك دعم أمريكي لفرض
عقوبات اقتصادية شديدة على النظام.
أما فيما يتعلق بإيران، فعلى النقيض خذل "ترامب"
الاجماع الدولي عبر الخروج من الاتفاق النووي، كما أنه من الصعب تطبيق منهج
"أقصى ضغط" في حالة طهران، لاسيما في ظل سعي الدول الأوروبية لبذل مجهود
كبير و تبني لوائح قانونية جديدة من أجل حماية شركاتها التي تمتلك معاملات تجارية
في إيران من التداعيات السلبية للعقوبات الأمريكية.
في الواقع، من المحتمل أن تتمكن إيران من تغطية الخسائر
الناتجة عن فرض الإدارة الامريكية الحزمة الثانية من العقوبات في الرابع من نوفمبر
القادم مع ارتفاع أسعار النفط، ومن الجدير بالذكر
أن الجولة القامة للعقوبات تتطلب
خفض المشتريات النفطية للدول من إيران، أو المخاطرة بعدم القدرة على القيام بأعمال
تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن قبل أن نجزم بأن إيران لا تحتاج أو لا تريد التفاوض
بشأن التغيير في الاتفاقية النووية، علينا أن نضع عدة نقاط هامة في الاعتبار:
أولاً: على
الرغم من لوائح الحظر الجديدة التي تبناها الاتحاد الأوروبي، ستنسحب البنوك
والشركات الأوروبية من إيران، فعندما تصبح الدول في موضع الاختيار بين واشنطن
وطهران، فلن يكون هناك مجالاً للخيار. في السياق ذاته، انسحبت بالفعل شركات كبرى
في مجال الطاقة، صناعة السيارات والشحن، مثل (توتال، بيجو، ميرسك)، علاوة على بنوك
كثيرة مثل (دويتشه الألماني)، وبالتالي، ستفعل البنوك والشركات متعددة الجنسية ما
يجب فعله في النهاية بغض النظر عن وجهة نظر حكوماتها.
ثانياً: كان
الاقتصاد الإيراني يترنح قبل إعادة فرض الحزمة الأولى من العقوبات في السادس من
اغسطس/أب الجاري؛ حيث خسرت العملة الإيرانية 50% من قيمتها بحلول شهر إبريل/
نيسان، مما يعنى أن حسابات البنوك الإيرانية خسرت نصف قيمتها، ومن هنا، يأتي
استياء المواطن الإيراني. ظهر عدم رضاء المواطنين في تظاهرات واسعة بدأت منذ
ديسمبر /كانون الأول لعام 2017 – قبل خروج "ترامب" من الاتفاق النووي-
اعتراضاً على المغامرات الخارجية للنظام، سوء الإدارة و الفساد المستشري داخل
المؤسسات الحكومية.
أخذت التظاهرات في التزايد، بالتوازي مع توقف تجار
البازار عن العمل في 25 يونيو/حزيران الماضي، فضلاً عن اضراب سائقي الشاحنات في جميع
أنحاء الجمهورية الإسلامية، إلى أن وصل الأمر لاستدعاء شرطة مكافحة الشغب لقمع
الاضطرابات في مشهد، شيراز، أصفهان، الكرج فضلاً عن الأحواز. كما كانت الشعارات
التي رددها المتظاهرون خلال الاحتجاجات مثل (لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران،
الموت للديكتاتور)، بسبب الاعتراض على السياسة الخارجية وانفاق الأموال من أجل
أهداف غير ذات قيمة بالنسبة للمواطنين مثيرة للقلق. و يكتسب النظام جزء كبير من
شرعيته من خلال أعماله الخارجية، وفكرة الخوف من قمع السلطة، وبالتالي، عندما يردد
المواطنون "الموت للديكتاتور"، فأن هذا يعد أمراً غير مُطمئن على مستقبل
نظام الجمهورية الإسلامية.
ثالثاً: عندما
يشعر أي نظام بخطر حقيقي فأن النمط التاريخي المتوقع هو تعديل سلوكه؛ حيث أعلن مؤسس
الجمهورية الإسلامية أيه الله "روح الله الخميني" أن إيران ستقاتل
العراق حتي الهزيمة، ولكنه أنهى الحرب في أغسطس/أب 1988 ، عندما دمرت القوات
الأمريكية في الخليج سفن البحرية الإيرانية، منصات النفط وقامت بإسقاط طائرة إيرانية
عن طريق الخطأ. و في التسعينات، توقفت إيران عن قتل المعارضين في أوروبا، عندما
هددت المانيا بفرض عقوبات.
وبعد
غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، وخوفاً من أن تكون هي القادمة، قدمت
إيران عروضاً بعيدة المدى للحد من برنامجها النووي، فضلاً عن دعمه لحزب الله
وحماس. كما اعلنت إيران أنها لن تتفاوض في عهد أوباما طالما أنهم يخضعون للعقوبات،
ولكن تم اللجوء للتفاوض بعد أن ضاعفت
الإدارة الأمريكية من العقوبات.
كل هذا يوحي بأنه مع تعثر الاقتصاد وازدياد الضغط على
النظام، سيبحث عن مخرج في الوقت المناسب و سيكون مستعداً للحوار. و لكن ازدياد سعر
النفط سيمنح الإيرانيون بعض الدعم، خاصةً و أن ميزانية الدولة تعتمد في جزء كبير
منها على النفط، وبعد فرض الحزمة الثانية من العقوبات ستر ي الحكومة الإيرانية حجم
الفراغ الذي ستتركه الشركات الأوروبية ومن المستعد لشغله.
لذلك، من المحتمل أن تبحث الحكومة الإيرانية عن طريق
للمحادثات ولكن بشكل غير مباشر، حتى لا يبدو وكأنه استسلام. لكن بدلاً من ذلك، من
المحتمل أن يحدث تقارب روسي إيراني في مطلع العام الجديد، ومن الواضح أن هناك
تقارب أمريكي روسي حالى، و اهتمام من قبل "فلاديمير بوتين" بإظهار قوة
روسيا على الساحة الدولية، وبالتالي، ستكون هناك رغبة روسية في حل الخلافات
الناشئة بين الإيرانيين والأمريكان، فضلاً عن حرص "بوتين" على أن تتناول
المحادثات بين الطرفين مستقبل الوضع في سوريا.
ختاماً: من المتوقع أن يتناول "بوتين" في اجتماعه القادم مع "ترامب" في مطلع عام 2019 ، امكانية توسيع بنود الاتفاق النووي لتشمل تجميد أجهزة الطرد المركزي و المواد المخصبة لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 عام، في مقابل اسقاط الولايات المتحدة الأمريكية لجميع العقوبات المفروضة على طهران. بعبارة أخرى، في مقابل تمديد القيود على الاتفاق النووي الإيراني في الفترة من 2030 حتى 2045، ستقوم واشنطن بإسقاط جميع العقوبات الحالية – النووية وغير النووية – ومن هنا، لن يكون هناك أي عقبات أمام تعاملات إيران مع البنوك الأمريكية.
المقال متاح باللغة
الإنجليزية على الرابط التالي:
https://foreignpolicy.com/2018/08/15/iran-is-throwing-a-tantrum-but-wants-a-deal/