المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تركيا وألمانيا: ملفات شائكة وتوترات لا تنتهي

الخميس 23/أغسطس/2018 - 02:04 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

على الرغم من مطالبة  وزير المالية الألماني، "أولاف شولتس" نظيره التركي "براءة ألبيرق" بقبول مساعدات صندوق النقد الدولي، حسب تقرير لمجلة "دير شبيجل"، في 18 أغسطس 2018 الجاري؛ حيث طالب صندوق النقد الدولي برفع سعر الفائدة لوقف نزيف الليرة، عقب العقوبات الأمريكية الأخيرة المفروضة على تركيا.

في حين يقدر خبراء الصندوق حجم برنامج المساعدات الذي تحتاجه تركيا بما يتراوح بين 30 و 70 مليار دولار. وبحلول نهاية هذا العام، سيتعين على الدولة والدائنين من القطاع الخاص في تركيا إعادة جدولة التزامات مالية بقيمة 230 مليار يورو؛ أي ما يزيد عن ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

إلا أن هذا المطالب وإن كانت إيجابية في مظهرها الخارجي، لكنها تحمل الكثير من الخلافات بين برلين وأنقره  في العديد من الملفات التي طالما شكلت عصب تلك العلاقة المترددة، برغم  أن البلدين يربطهما علاقات تاريخية توصف بالجيدة، فقد أدت 50 سنة من هجرة الأتراك إلى ألمانيا و الترابط الاقتصادي الكبير بين البلدين إلى ظهور مساحة مشتركة كبيرة بين الحكومتين و بين البلدين، بيد أن العلاقات برغم ذلك أخذت في التدهور بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.

ملفات شائكة

تشكل الملفات الخلافية بين برلين وأنقره  بمثابة تداخل قضايا السياسة الداخلية والخارجية، إذ تنتقد أنقرة برلين بسبب تسامح الأخيرة مع أذرع حزب العمال الكردستاني المصنف وفق تركيا ضمن قوائم الإرهاب، إلى جانب تقديم الدعم لعناصر تابعة لجماعة فتح الله جولن، وممارسة ضغوط أخرى على المواطنين الأتراك، في المقابل، تنتقد ألمانيا الحكومة التركية بسبب ما تسميه انتهاكات ضد حقوق الإنسان، وغياب الديمقراطية، و ما صاحبه من جدل حول عودة العمل بعقوبة الإعدام، وأنشطة الاستخبارات التركية على أراضيها.

وفي هذا الشأن يمكن رصد أهم ملفات التوتر والخلاف بينهم على النحو التالي:

1) حركة فتح الله جولن: استغل أردوغان المحاولة الانقلابية للتخلص من عناصر في حركة جولن، وتعتبر الحكومة التركية أن الداعية الإسلامي فتح الله جولن و حركته هو من يقف وراء المحاولة الانقلابية، فيما ينفي جولن تلك الاتهامات، وبعد محاولة الانقلاب تم إلقاء القبض في تركيا على أكثر من 50 ألف شخص، فيما سُرح أكثر من 100 ألف موظف حكومي بدون حصولهم على تعويضات، وقد اعتبر أردوغان انتقادات الحكومة الألمانية و منظمات حقوق الإنسان و الاتحاد الأوروبي و حلف شمال الأطلسي لهذا الوضع "دعاية للإرهاب".

2) منح ألمانيا حق اللجوء السياسي للمطاردين: حيث منحت ألمانيا حق اللجوء لأكثر من 400 مواطن تركي بينهم دبلوماسيين و جنود وقضاة و موظفين حكوميين تتهمهم أنقرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، و يشدد القانون الألماني على ضرورة توفر "أدلة ملموسة و مقنعة" لتسليم المتهمين.

3) حرية الصحافة والإعلام: تعرض الصحفيين والإعلاميين في تركيا للعديد من الضغوط والاعتقال، كما تم القبض على رئيس التحرير السابق لصحيفة "جان دوندار"، الذي اعتُقل لفترة وجيزة، قبل أن يُفرج عنه مع استمرار محاكمته التي انتهت إلى الحكم وفي مايو من العام الماضي، حكم عليه بالسجن لخمسة أعوام و10 أشهر، بسبب نشره معلومات بشأن شحنات أسلحة تركية متجهة لسورية، لكن "دوندار" لم يسجن؛ حيث سافر إلى أوروبا ليستقر الآن في ألمانيا التي منحته جواز سفرها، ولم يكن اختيار "دوندار" لألمانيا عبثيًا، إذ يبدو أن برلين تبذل جهدًا كبيرًا في انتقاد تركيا على مستويات عدة، إلى حد أغضب الحكومة التركية بشدة.

وعليه استدعى وزير الخارجية الألماني"فرانك – فالتر شتاينماير" القائم بالأعمال التركي نظرًا للتطورات الخطيرة في تركيا و كانت الخارجية الألمانية تتحدث، لا عن احتجاز الصحفيين فحسب، لكن أيضًا، وبالأساس، عن توقيف نواب من حزب الشعوب الديمقراطي. يأتي هذا مع تصاعد الخلاف بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، الذي جاء بعد اعتقال الشرطة التركية 12 شخصًا، بينهم مديرة مكتب «منظمة العفو الدولية» في تركيا "إيديل إيسر" التي كانت تجتمع مع ناشطين حقوقيين في جزيرة قرب اسطنبول، و2 من المواطنين الألمان.

تصعيد ممتد

اتهم وزير المالية الألماني السابق "ولفغانغ شويبله"، السلطات التركية، بأنها تسلك مسلك ألمانيا الشرقية الاشتراكية، من خلال ممارسة الاعتقال العشوائي لأشخاص، ومنعهم عن تلقي دعم القنصلية من بلادهم، و كانت الخارجية الألمانية أصدرت بيانًا أشارت فيه إلى أن تركيا لم تعد مكانا آمنا للزيارة أو تشغيل الشركات، و أن الشركات تواجه مخاطر استثمارية في تركيا بسبب أوجه قصور قانونية، فيما حذرت الحكومة الألمانية مواطنيها و شركاتها من خطر الاعتقال التعسفي في تركيا.

على الجانب الآخر صعدت تركيا  من موقفها تجاه برلين؛ حيث وضعت السلطات التركية 68 شركة ألمانية على قائمة الإرهاب، و تضم هذه القائمة التي أصدرتها السلطات التركية شركات ألمانية عملاقة مثل "دايملر وباسف"، حتى أصحاب محلات "الشاورما"، في تطور ملفت يزيد من درجة التوتر بين برلين و أنقرة، وسط تلويحات ألمانية بتداعيات اقتصادية على تركيا، وتتهم تركيا تلك الشركات بإقامة علاقات مع الداعية الإسلامي جولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية و تتهمه السلطات بأنه وراء العملية الانقلابية الفاشلة.

مستقبل العلاقات

يعارض الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا الانضمام إليه منذ عقود السياسة التركية المتبعة داخليًا وخارجيًا، حيث لا يروق لدول الاتحاد وخاصة ألمانيا حملات الاعتقال التي تنفذها السلطات، وكذلك يرى الاتحاد أن إعادة تركيا العمل بحكم الإعدام من شانه إنهاء مفاوضات انضمام الأخيرة إلى الاتحاد المتوقفة حاليًا؛ عوضًا عما تصف به هذه الدول "أردوغان" بالديكتاتور والسلطان المهووس بالقوة الذى يريد إرجاع أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

إن التوتر الملحوظ في العلاقات بين أنقره والعواصم الأوروبية لابد وأن سيلقي بظلاله على المشهد التركي خاصة فيما يتعلق بتحالفاتها الإقليمية والدولية، ما دفع أنقرة لتبني بعض ردود الفعل التي ربما تعيد تشكيل خارطة العلاقات التركية الخارجية مرة أخرى، فالموقف الألماني كان جزءًا من تحرك أوروبي مشترك يهدف إلى التصعيد مع الجانب التركي، فالمواجهة تحولت من ثنائية بين تركيا وألمانيا، إلى مواجهة تركية – أوروبية شاملة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟