التغيير في زيمبابوي: الاستحقاق الرئاسي والتحرر من حقبة "موغابي"
أعلنت لجنة الانتخابات في زيمبابوي، فجر يوم الجمعة
الموافق 4 أغسطس/آب2018 ، فوز مرشح "الاتحاد
الوطني الأفريقي لزيمبابوي- الجبهة الوطنية" " إيمرسون منانغاغوا "،
في انتخابات هي الأولى منذ الإطاحة "بروبرت موغابي" نوفمبر/تشرين الثاني
2017، وذلك بحصوله على 2.45 مليون صوت، مقابل 2.15 مليون صوت حصل عليها زعيم المعارضة
"نيلسون تشاميسا"، الذي كان على مقربة من أن يصبح أصغر رئيس لدولة
أفريقية عمرًا. وقد شهدت هذه الانتخابات منافسة حادة، حيث ضمت قائمة الترشيحات
23مرشحًا، ما يعكس تحول خطير في مسار الديمقراطية بزيمبابوي، لاسيما وأن البلاد لم
تشهد هذا العدد من المرشحين خلال حقبة الرئيس السابق "روبرت موغابي".
المنافسة الحزبية والمشاركة السياسية
عكست الانتخابات الأخيرة بزيمبابوي تحولات عميقة في
مسار العملية السياسية، بعد أن فُتحت الأبواب أمام تفعيل حقيقي لمبدأ المنافسة
الحزبية. وكان من أبرز المرشحين في هذه الانتخابات؛ الرئيس المنتخب "إميرسون
منانغاغوا"، ورئيس حركة التغيير الديمقراطي "نيلسون تشاميسا"،الذي
عكس ترشحه باعتباره المرشح الأصغر سنًا، والذي كان على مقربة من تولي المنصب
استنادًا إلى نسبة الأصوات التي حصل عليها خلال الجولة الأولى؛ مؤشر حقيقي بشأن
ارتفاع معدلات الوعي السياسي لدى الموطنين، وأيضا "جواس ماجورو" التي
تولت منصب نائبة سابقة للرئيس السابق "روبرت موغابي" بينما أقيلت من
منصبها في العام 2014، وأيضا "توكوزاني كوب", و "فيولي
مارياشا" و "نواها مانييكا"، عن أبرز ثلاث حركات سياسية بزيمبابوي
وهي على التوالي "التغيير الديمقراطي المنقسمة"، و"من أجل
الديمقراطية الموحدة"، و"حركة بناء زيمبابوي"، هذا على مستوى
المنافسة الحزبية. أما فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية فقد لوحظ إقبال كثيف من قبل
المواطنين على مراكز الاقتراع المختلفة، ما يعكس تطلع المواطنين لتحقيق تطلعاتهم،
وتفعيل استحقاقاتهم السياسية، التي تبدأ بانتخاب رئيس يحظى بشرعية القبول من
المواطنين، في انتخابات لها خصوصية كبيرة نظرًا لكونها الأولى عقب الإطاحة بنظام
"موغابي" التسلطي.
"ايمرسون منانغاغوا" وتوجهاته السياسية
أعلنت لجنة مراقبة الانتخابات، النتائج النهائية
للانتخابات الأخيرة والتي أسفرت عن فوز "ايمرسون منانغاغوا" بنسبة 50.8 %، بينما حصل "تشاميسا" على نسبة 44.3% ،
ومن ثم يصبح"منانغاغوا" الرئيس الشرعي للبلاد دون الحاجة لجولة إعادة،
في حين تم الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأسبوع الماضي، ليحصل حزب "زانو
بي أف" الذي ينتمي إليه الرئيس المنتخب على 144 مقعد، بينما حصل تحالف"
7 أحزاب" على 64 مقعد، فيما حصل "حزب الجبهة القومية" المشكل من
الشخصيات الوفية "لموغابي" على مقعد واحد. ولكن رغم حصول حزب "زانو
بي أف" على أغلبية المقاعد، إلا أن حصته تناقصت مقارنة بانتخابات عام 2013
التي حصل خلالها على 160 مقعد، فيما تعززت حصة تحالف المعارضة لينتقل من 49 مقعد
في انتخابات 2013 إلى 64 في الانتخابات الأخيرة(1).
ويعد"ايمرسون منانغاغوا" من أبرز
المناضلين الذين كانت بصماتهم واضحة في مسيرة استقلال زيمبابوي، حيث كان قياديًا
بارزًا في "جيش التحرير الوطني" خلال فترة السبعينات، وكان من المقربين
لدى الرئيس السابق "هربرت موغابي"، وعقب الاستقلال عام 1980، بدأ
"منانغاغوا" التدرج في المناصب الوزارية المختلفة. بينما في عام 2014 تم
تعينه في منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو
ما دفع محللين لاعتبار هذه الخطوة بمثابة تأهيل "لمنانغاغوا" كي يصبح
خلفًا "لموغابي" البالغ من العمر 94 عاما. وفي عام 2016 ظهرت بوادر
انقسامات بين أفراد الحزب الحاكم لينشق إلى مجموعتين ؛ الأولى تقودها "غريس موغابي" زوجة
الرئيس"موغابي" حينذاك؛ والأخرى لأنصار "منانغاغوا"، حيث توالت
السجالات ما بين الجانبين إلى أن تم إقالته في نوفمبر 2017 بإدعاء عدم الولاء
لرئيس الجمهورية. فكانت هذه الخطوة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث تحرك
العسكريون من أنصاره لتغيير الوضع السياسي ف البلاد، الأمر الذي أدى في نهاية
المطاف لتنحي "موغابي". وعقب قرار التنحي تم تنصيب "منانغاغوا"
رئيس مؤقت للبلاد منذ فبراير 2017، وحتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية
يوليو 2018(2).
أبرز التحديات
يواجه الرئيس
الجديد تحديات عدة، تتطلب منه ضرورة انتهاج إستراتيجية جديدة للتعامل معها،كي يتفادى المأزق الذي تعرض له
"موغابي" العام الماضي، ومن ثم ينبغي أن يرتكز اهتمامه نحو كسب القبول والرضاء الشعبي خلال فترته الرئاسية
منعًا لتكرار سيناريو نوفمبر 2017، ومن ابرز التحديات التي يواجهها "منانغاغوا"
تكمن في انتشار الفساد بنوعيه السياسي والمؤسسي، وهو ما كان ضمن الأسباب الرئيسة
وراء الإطاحة "بموغابي", ولعل تفعيل مسار الديمقراطية من أهم التطلعات
التي يطمح إليها مواطني زيمبابوي بعد أن عانوا ويلات القمع والتعسف الذي اعتمده النظام السابق في التعامل
مع المواطنين. أما على المستوى الاقتصادي نجد تدهور حاد في الأوضاع المالية، وتراجع
معدلات النمو الاقتصادي، إلى جانب فشل الحكومة في تسديد ديونها الخارجية، وهو ما
القي بعبء وثقل اقتصادي، لاسيما في ظل الانهيارات المتوالية في قيمة العملة. ولعل
من أبرز أسباب ارتفاع المديونية الخارجية، اتساع الفجوة ما بين الواردات
والصادرات كنتيجة
منطقية لموجة الجفاف التي اجتاحت البلاد، ما ترتب عليه تعرض أكثر من مليوني شخص
لأزمات غذائية، أما فيما يتعلق بتحدي الاندماج الوطني فهو الأبرز من بين الملفات
التي يفترض أن يضع لها الرئيس الجديد حلول قاطعة، لاسيما في ظل ردود الأفعال
السلبية والتوترات التي أعقبت الإعلان عن نتيجة الانتخابات الأخيرة. وما يجب وضعه
أيضا في الاعتبار؛ تداعيات سقوط نظام "موغابي" وما أعقبه من صعود فصيل
من الشباب الطامح لان يكون له دور حقيقي في العملية السياسية والرافض بشدة لفكرة
أبوية السلطة وشخصنتها(3).
ردود الفعل على خلفية الإعلان عن فوز "منانغاغوا"
قبيل الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات الرئاسية،
بدأت الكتل السياسية التي ينتمي إليها المرشحين الأوفر حظًا حينذاك وهما؛ "ايمرسون منانغاغوا" من حزب "زانو
بي أف "، أكبر الأحزاب السياسية والتي ينتمي إليه الرئيس السابق "هربرت
موغابي"، والآخر وهو " نيلسون تشاميسا" من حركة "التغيير
الديمقراطي"، حيث أعلنت كلا الكتلتين فوز مرشحيهما بالانتخابات، ما أدى لإثارة البلبلة، وسيادة
حالة من التوترات الأمنية، فيما أصرت كتلة
"تشاميسا" في الاتجاه نحو حشد أنصارها للضغط على هيئة الانتخابات للقبول
بمرشحهم، مدعين أن هذا الحراك ربما يمنع
لجنة الانتخابات من تزوير النتائج ، وهي المواجهات التي أسفرت عن مقتل قرابة الست
أشخاص وإصابة العشرات، ما ترتب عليه انتشار عناصر من الجيش والشرطة في شوارع
هراري، وعقب الإعلان رسميا عن النتائج يوم الخميس الموافق 2يوليو/تموز 2018، والتي
كشفت عن فوز المرشح "منانغاغوا" تزايدت حدة التوترات، حيث أعلنت
المعارضة رفضها لنتائج الانتخابات وعزمها الطعن عليها ، فيما شرعت قوات مكافحة
الشغب في تفريق المحتجين ومنعهم من اقتحام مقر لجنة الانتخابات ، بينما نفت لجنة
الانتخابات حدوث أي تلاعب في نتائج الانتخابات . وعلى الجانب الآخر رحب "منانغاغوا" بنتائج الانتخابات معلنا في تغريدة على حسابه
الرسمي أن دولة زيمبابوي ستشهد انطلاقة جديدة بعد أن خطت الدولة أولى خطوات طريق
الديمقراطية، داعيًا الجميع لتجنب
الخلافات والتعاون من أجل النهوض بالدولة واستكمال مسيرة التنمية(4).
وختامًا؛ فرغم استمرار "الاتحاد الوطني الأفريقي ـ الجبهة الوطنية" في إحكام السيطرة على منصب رئيس الجمهورية منذ استقلال زيمبابوي في العام 1980، إلا أن الفوز هذه المرة يبشر بحقبة جديدة ربما ستكون الأكثر انفتاحًا على مدار التاريخ السياسي للدولة، لاسيما في ظل الأوضاع التي عقدت في ظلها الانتخابات، إلى جانب درجة الاستجابة العالية للتغير التي أبداها المواطنون، والتي يستدل عليها من المشاركة الشعبية الكثيفة وإقبال المواطنين على مراكز الاقتراع المختلفة. أما على صعيد الرئيس المنتخب"منانغاغوا" يبدو استعداها الطموح نحو إحداث تغير على المستويات متجلي بشكل كبير خلال برنامجه الانتخابي، الذي طمح خلاله للقضاء على بيروقراطية وفساد النظام السابق، ووضع زيمبابوي على مسار الديمقراطية الحقيقي. ورغم تبعات نتائج الانتخابات التي كشفت عن تصعيدات عميقة، إلا أن زيمبابوي بدأت بالفعل أولى خطواتها الحقيقية نحو تفعيل الديمقراطية والنهوض بأوضاعها الخاملة منذ ما يقرب من أربعين عاما.
المراجع:
(1) انتخابات الرئاسة
في زيمبابوي: زعيم المعارضة يعتبر النتائج انقلابا على إرادة الشعب، هيئة الإذاعة
البريطانية،3/8/2018، متاح على الرابط:
(2) زيمبابوي.. "التمساح" يفوز بالانتخابات
الرئاسية والمعارضة تحتج، روسيا اليوم، 3/8/2018، متاح على الرابط:
(3) زيمبابوى.. دوافع وتحديات ما بعد موجابى،
الاهرام العربي، 7/11/2017، متاح على الرابط
(4) زيمبابوي: منانغاغوا يفوز بالانتخابات الرئاسية والمعارضة ترفض النتائج، فرانس24، 3/8/2018، متاح على الرابط: