هل بدأت معركة إيقاف تصدير النفط في الشرق الأوسط؟
كان
لزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الدول الأوروبية الشهر الجاري أثر كبير في
بدء سيناريو ومرحلة جديدة في صراعات الشرق الأوسط. حيث كانت تهديدات روحاني بمنع
تصدير نفط المنطقة في حال تم إيقاف تصدير نفط إيران بداية فصل جديد لمرحلة ما بعد
خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني.
وبعد
تهديد روحاني، أشاد قائد فيلق القدس الإيراني، الذراع العسكري والسري الإيراني في
الخارج، قاسم سليماني بتلك التصريحات الصادرة عن رئيس الدولة، ثم أتى المرشد
الأعلى الإيراني علي خامنئي ليمتدح تصريحات روحاني، وبذلك كان من المتوقع أن تلك
الصريحات ستأتي بنتائجها في المستقبل القريب. حيث قامت إيران مؤخراً ببدء التطبيق
الفعلي لتهديدات النفط في المنطقة وهي المجملة في "إذا لم يصدر نفطنا لن يصدر
نفط المنطقة".
حيث قامت
الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن باستهداف ناقلة نفط سعودية مؤخراً
في البحر الأحمر غربي ميناء الحديدة، مما مثل تطوراً خطيراً ينذر بإحداث اختلال
واضطراب في حركة النفط البحرية في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب.
إلا أنه
من ناحية أخرى، فإن على الرغم من هذا التطور الأخير المذكور، فإن الربط بينه وبين
تهديدات المسؤولين الإيرانيين بأن "البحر الأحمر لم يعد آمناً" تحتاج
إلى بعض التدقيق والمراجعة فيما إذا كانت إيران تستطيع الذهاب إلى ما هو أبعد من
ذلك في تهديد حركة النفط في البحر الأحمر، وما هي الاستراتيجية الأمريكية والدولية
الممكنة حيال ذلك؟
الأهمية النفطية الاستراتيجية
لمياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب
يمثل
مضيق باب المندب الواقع جنوبي البحر الأحمر أهمية كبيرة لحركة التجارة العالمية؛
إذ يمر من خلال سنوياً حوالي 25 ألف سفينة تجارية، أي بمعدل 75 سفينة يومياً، كما
يربط المضيق ما بين البحر الأحمر والمحيط الهندي و خليج عدن، وكذلك ما بين قارتي
أفريقيا وآسيا. ويمر عبر المضيق حوالي 7% من حجم الملاحة العالمية. أما من ناحية
الأهمية النفطية، فإن المضيق يعبر من خلاله حوالي 3.8 مليون برميل نفط يومياً، أي
ما يعادل 30% من النفط العالمي.
لماذا التهديد بإيقاف تصدير
النفط عبر مياه باب المندب؟
بسبب
الأهمية التي سبق ذكرها لمضيق باب المندب، تحاول إيران اللعب سياسياً والمساومة مع
الولايات المتحدة الأمريكية بعد خروج الأخيرة من الاتفاقية النووية واقتراب فرض
عقوبات نفطية عليها في 4 أغسطس المقبل. وعليه، تريد طهران أن تسبق الأحداث وأن ترسل
إلى الولايات المتحدة رسالة مفادها أنه إذا ما قمتم بفرض عقوبات نفطية علينا
ومنعتم تصدير نفطنا، فإن النتيجة ستكون إيقاف تصدير نفط المنطقة من خلال المضائق
البحرية ممثلة في مضيق باب المندب وهرمز.
ولا تريد
طهران فقط التهديد بإيقاف تصدير النفط عبر مضيق باب المندب، ولكن تريد التهديد
بإيقافه من خلال التحذير من إغلاق مضيق هرمز الواقع على حدودها، والذي يمثل هو
الآخر أهمية كبرى في الحركة التجارية الدولية، وخاصة في تجارة النفط.
هل يمكن لإيران أن تقوم بمنع
تصدير النفط الدولي عبر باب المندب؟
يمكن
لإيران من الناحية العملية أن تقوم بإحداث إخلال كبير في حركة التجارة النفطية في
مياه البحر الأحمر، ومضيق هرمز، إلا أنه من الناحية السياسية والعسكرية الدولية،
فإن إيران لن تستطيع الاستمرار في ذلك التهديد للأسباب التالية:
-
الأهمية الحيوية التي تمثلها هذه المضايق نفطياً، وبما
أن النفط هو عصب الحياة ليس فقط في الشرق بل في الغرب كذلك، فإن الدول الشرق
أوسطية والدول الغربية لن تصمت كثيراً أمام محاولات إيقاف التجارة النفطية في
البحر الأحمر أو مضيق هرمز.
-
من الممكن، نتيجة لذلك، أن تفقد إيران ما يمكن أن نطلق
عليه "تضامن المصلحة" الأوروبي الذي تظهره بعض دول أوروبا حالياً في
تعاملها مع القضية النووية الإيرانية والاتفاقية النووية الموقعة عام 2015.
حيث إن
ما تقوم به إيران لن يهدد فقط الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه على الناحية
الأخرى سيعمل على تهديد دولٍ في الشرق الأوسط، ومنها مصر التي يمثل لها باب المندب
بوابة الدخول لقناة السويس الحيوية، كما سيعمل على تهديد عصب الحياة للدول
الأوروبية وهو النفط.
ولذلك
فإن الدول الأوروبية يمكن لها أن تتحول بشكل واضح إلى معاداة إيران؛ تحقيقاً
للمصلحة العامة مثلما تبرز دعماً للاتفاقية النووية حالياً انطلاقاً من مصالحها
الاقتصادية، وبذلك تؤيد استخدام القوة ضد إيران.
-
سعي الولايات المتحدة الأمريكية للرد السريع، من خلال التعاون
مع الحلفاء، على محاولة إيران إيقاف أو الإخلال بعملية تصدير النفط عبر مياه
الخليج العربي أو البحر الأحمر.
-
خشية النظام الإيراني نفسه من التوسع والاستمرار في هذه
العمليات؛ لأنه بذلك يعطي مبرراً دولياً لفرض مزيد من العقوبات الدولية والأممية
عليه؛ حيث يمكن في هذه الحالة وضع التهديدات الإيرانية تحت بنود الفصل السابع
لميثاق الأمم المتحدة والذي يجيز نهاية استخدام القوة في مواجهة التهديد، وهو ما
تنتظره العديد من القوى.
وبذلك، يمكن القول إجمالاً إن إيران من الممكن
لها ان تعمل على إحداث "مناوشات" حربية وتهديد نوعي للملاحة في البحر
الأحمر، أو حتى الخليج العربي، إلا أنها لا يمكنها الاستمرار في ذلك أو التوسع
فيه؛ للأسباب المذكورة آنفاً. ولذلك، فإن الجزم بأن هناك معركة إيرانية مع النفط
يُعد أمراً مبالغاً فيه؛ حيث إن إيران تعلم جيداُ حجم الأخطار التي يمكن أن تحدق
بها من كل جانب إذا ما هددت بشكل كبير وفعلي المسارات النفطية في الشرق الأوسط.
هل يكرر ترامب النموذج
الكوري الشمالي مع إيران... رؤية مستقبلية للعلاقات الإيرانية الأمريكية
ومن ناحية أخرى، فإننا إذا نظرنا إلى المستقبل القريب للعلاقات الإيرانية
الأمريكية، فإننا من الممكن أن نجد تشابهاً كبيراً ما بين التجربة الأمريكية
الكورية الشمالية، غير المكتملة حتى الآن، و ما يحدث حالياً من تطورات في العلاقات
الأمريكية الإيرانية.
فعندما تولّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة العام الماضي ولشهور
قلية مضت، كانت العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية تمر بمرحلة اضطراب وتوتر
شديدين مثلما تمر هي الآن العلاقات الإيرانية الأمريكية. إلا أن الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب من الواضح أنه يتبع سياسة الضغط ثم اللين بحيث يقوم بفرض ضغوطات
كبيرة على الدولة ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً من أجل أن ترضخ الدولة في النهاية
لطلب التسوية السياسية عبر التفاوض ولكن من خلال وجهة النظر الأمريكية "غير
المباشرة".
وهذا هو
ما حدث بالفعل ما بين بيونج يانج وواشنطن، حيث قامت الأخيرة بفرض عقوبات جمّة على
كوريا الشمالية، ثم ألمحت سياسياً إلى ضرورة عقد لقاء مع بيونج يانج، وهو ما حدث
بالفعل في 12 يونيو الماضي في سنغافورة.
وعليه، فإنه من الممكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقوم بتكرار هذه التجربة مع إيران، وهي ما تشير إليه تطورات الأحداث المتلاحقة. حيث إن الرئيس ترامب يعي كذلك أن محاولة إحداث حرب مع إيران، من الناحية العملية، ستضر كثيراً بعملية الاستقرار في الشرق الأوسط، وستكون لها تداعيات واسعة وربما غير معلومة حتى الآن. وبناء علي ذلك، فإن سياسة التفاوض ربما تكون هي الخيار الحالي أو الحل المؤقت للتعامل الأمريكي مع إيران.