المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الهيمنة والتحكم: مؤسسة "خاتم الأنبياء" والاقتصاد الإيراني

الأحد 29/يوليو/2018 - 05:32 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
علي عاطف حسَّان

تمثل مؤسسة "خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثوري الإيراني مصدراً رئيسياً واستثمارياً اقتصادياً يمتلكه الحرس. وتُعد الشركة مصدراً رئيسياً من مصادر الدخل للحرس الثوري وقادته، فهي شركة إنشاءات كبرى تمثل أكبر نظرائها في إيران، ولذا فهي تمثل للحرس الثوري الإيراني مصدراً مهماً من مصادر البقاء.

نشأة مؤسسة "خاتم الأنبياء"

تأسست شركة الإنشاءات، خاتم الأنبياء، بعد عام واحد من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وذلك في عام 1989، أي في نفس عام تولي علي خامنئي لمنصب المرشد الأعلى في إيران، بل إنها بالطبع تشكلت بعد موافقة خامنئي على ذلك.

وإذا ما دخلنا وتصفحنا الموقع الإلكتروني لمؤسسة خاتم الأنبياء، سنجد أنها تأسست عام 1989، أي بعد انقضاء الحرب الإيرانية العراقية، فقد أصدر علي خامنئي أوامره إلى الحرس الثوري الإيراني بإنشاء هذه المؤسسة؛ للمشاركة في إعادة البناء بعد انتهاء الحرب. حيث إن المادة 147 من الدستور الإيراني تنص على أن الحكومة ينبغي أن توظف القدرات الفنية للجيش في وقت السلم.

حيث أسند خامنئي في أكتوبر من عام 1989 للفرع الهندسي التابع للحرس الثوري الإيراني تشكيل وحدة اقتصادية باسم "خاتم الانبياء" وأن تدخل مجال إعادة البناء والإعمار، وذلك تحت إشراف خامنئي.

     ونتيجة لعمل المؤسسة أنشأ سد "الكرخة" في إقليم الأحواز غربي إيران، وعملت الشركة بعد ذلك على التوسع في مشروعات متوسطة وكبرى كانت تتولاها قبل ذلك شركات أجنبية. فكانت تفوز بتعاقدات تُقدر بمليارات الدولارات إلا أن دور هذه المؤسسة برز كثيراً في عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد (2005-2013).

أهداف مؤسسة خاتم الأنبياء على لسان مسؤوليها  

وهنا تجدر الإشارة إلى عدد من الأهداف الأساسية في مهمة مؤسسة خاتم الأنبياء كان رئيسها "عبد الله عبد الله" قد أوضحها وأشار إليها من قبل العام الماضي، وذلك على النحو التالي(1):

1-       مهمة الانتاج وإيجاد فرص العمل:

  وذلك من خلال عمل المؤسسة ذاتها في مجال الإنشاءات.

2-        عدم الاتجاه إلى الربحية في العمل:

    يهدف الحرس الثوري الإيراني من إنشاء وتأسيس "خاتم الأنبياء"، حسبما يذكر قائد هذه المؤسسة عبد الله عبد الله، إلى المساهمة فيما يصفه العمران والتعمير وإيجاد الوظائف في إيران، وكذلك المساهمة في التصدي للعقوبات التي تُفرض من الخارج على إيران.

3-       تأمين الدعم المالي للمشروعات الكبرى:

    أراد الحرس الثوري من إنشاء "خاتم الأنبياء" ألا يربط المشروعات الكبرى في إيران بالتمويل الخارجي؛ وذلك لتكرار فرض العقوبات الأجنبية على إيران وعدم مخاطرة المستثمرين الغربيين بالدخول في السوق الإيراني في ظل هذه العقوبات.

4-      تنفيذ 183 مشروعاً في يبلغ قيمته 23 مليار دولار:

 قال عبد الله عبد الله إن مؤسسة خاتم الأنبياء قامت بتنفيذ 183 مشروعاً عمرانياً وصناعياً اشتمل بعضه على عمليات شحن وتنقيب وتصنيع بما يبلغ حوالي 23 مليار دولار.

5-      إيجاد 200 ألف وظيفة داخل إيران.

6-      العمل على حل مشاكل المياه في إيران:

تواجه إيران العديد من المشكلات المائية في الآونة الأخيرة، وكان من أهداف إنشاء "خاتم الأنبياء" العمل على حل هذه المشكلات. وفي هذا الصدد، قال عبد الله عبد الله إن المؤسسة استطاعت بناء مخازن تسع حوالي 45 إلى 50 مليار متر مكعب من المياه، مضيفاً أن المؤسسة أنشأت نصف هذه المخازن.

7-      المساعدة في حل مشكلة التلوث الهوائي في إقليم الأحواز غربي إيران:

  يعاني إقليم الأحواز من مشاكل بالمياه والهواء تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة. ويهدف مسؤولو "خاتم الأنبياء" إلى العمل على إيصال المياه إلى مناطق الإقليم ومعالجة هذه المشاكل بالإضافة إلى التلوث الهوائي.

8-      تطوير مصفاة الخليج العربي بالتعاون مع شركات أخرى:

أوضح عبد الله عبد الله إنه وقبل تأسيس مصفاة الخليج العربي، كان 12 مليون لتر من البنزين يدخل إيران يومياً، مشيراً إلى أن "خاتم الأنبياء" استطاعت إنهاء المرحلة الأولى من هذه المصفاة.

     وعلى ذلك، باتت المؤسسة تشبه الإمبراطورية المالية والاستثمارية في حد ذاتها، وتقوم بتمويل أنشطة الحرس الثوري الإيراني، والذي ينضوي تحته الفيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس. وهنا يمكن القول إن المؤسسة تمثل عصباً حيوياً في استمرار سيطرة الحرس الثوري نفسه داخل إيران.

موقف المؤسسة من الاتفاق النووي لعام 2015

ومن ناحية أخرى يمكن أن نجزم بأن مكانة المؤسسة داخل إيران بهذه الحالة كان قبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015؛ حيث تغير الموقف كثيراً تجاه هذه المؤسسة بعد هذا التاريخ، وبات مسؤولوها في شبه صراع مع الحكومة الإيرانية التي لم تعد تلقي اهتماماً كبيراً بهذه المؤسسة في مشروعات ما بعد يوليو 2015، والتي لم يتحقق منها إنجاز كبير يُذكر بسبب التطورات الأخيرة وخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الشهر الماضي.

حيث كانت الشركة قد طالبت من الحكومة الإيرانية في فبراير عام 2016 أن تتقاسمها المشاركة في 10 مشاريع كبيرة إلا أن الحكومة لم توافق على هذه المشاركة. ومن ناحية أخرى، عمدت الحكومة الإيرانية إلى الاعتماد على الشركات الأجنبية ذات التمويل الكبير في عمليات بدء مشاريع أخرى كبناء السكك الحديدية وبناء السفن. ولم تقدم الحكومة طلب مساهمة "خاتم الأنبياء" في هذه المشاريع، مما أغضب كثيراً العديد من المسؤولين عنها، وأولهم "‘بد الله عبد الله".

ومن ناحية أخرى، كانت أبرمت شركة "دايو" الكورية للبناء والهندسة اتفاقاً مع الحكومة الإيرانية لإطلاق مشاريع بقيمة 1.5 مليار دولار(2) للعمل في طريق سريع يربط ما بين العاصمة طهران وبحر قزوي، والجدير بالذكر هنا أن "خاتم الأنبياء" كانت ترغب في تولّي هذا المشروع.

   وبذلك يمكن القول إن المؤسسة "التابعة للحرس الثوري" تضررت كثيراً بفعل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى منذ عام 2015، مما دفع بتوتر العلاقات كثيراً ما بين الحرس الثوري الإيراني بالأساس والحكومة الإيرانية برئاسة حسن روحاني، حيث كان من الأسباب الرئيسية لانتقاد الحرس للاتفاق النووي أنه أضر كثيراً بمصالح الأخير الاقتصادية داخل إيران.

نتائج تهميش دور المؤسسة خلال الفترة (2015-2018)

               أدى تهميش دور مؤسسة "خاتم الأنبياء" خلال الفترة ما بين 2015 وحتى 2018 إلى تصاعد لهجة قادة الحرس الثوري الإيراني، المالكيين الحقيقيين للمؤسسة، ضد الاتفاق النووي الإيراني. فقد كان الحرس الثوري بداية غير مؤيد ومناهض للاتفاقية النووية وكان السبب الاقتصادي هنا أمراً أساسياً بالنسبة له؛ حيث مثّل الاتفاق النووي تهديداً حقيقياً لنفوذه الاقتصادي داخل إيران والذي يستمد منه بالأساس قواعد الدور السياسي والعسكري إلى حد كبير.

فعمل الحرس الثوري الإيراني خلال الأشهر القليلة الماضية على محاولة تصيّد تصعيدات الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، والتصعيد من جانبه هو الآخر، وذلك لأنه يدعم بالأساس خروج إيران من الاتفاق النووي، كما كان من البداية. فانتهاء الاتفاق النووي يعني أن الشركات الأجنبية ستخرج هي الآخرى بدورها من السوق الإيراني، مما يعني على الناحية الأخرى عودة سيطرة "خاتم الأنبياء" والمؤسسات الأخرى التابعة للحرس الثوري داخل السوق الإيراني.

فحينما أعلنت واشنطن الشهر الماضي خروجها من الاتفاق النووي، رحب كل من رئيس أركان الجيش الإيراني وقائد الحس الثوري والجيش الإيراني وعدد من نواب البرلمان الإيراني بالخروج الأمريكي من الاتفاق النووي ودعوا لخروج إيران من الاتفاق النووي. وأثنى محمد على جعفري، قائد الحرس، على خروج واشنطن ووصف ذلك بأنه "طالع طيب" قائلاً" إنني أبارك خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي".

مما سبق يتضح أن دور شركات الحرس الثوري يزداد كلما انغلقت إيران وقل ارتباطها اقتصادياً بالخارج، مما يقل معه دور الشركات الأجنبية في السيطرة على السوق الإيراني. وعليه، يتوقع أن يزداد دور مؤسسة "خاتم الأنبياء" داخل إيران وعودة سيطرتها على سوق الإنشاءات في إيران بالتزامن مع الصعود المجدد لدور الحرس الثوري الإيراني سياسياً بالداخل الإيراني. مما ستزداد معه القوة المالية والاقتصادية للحرس الثوري.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟