سرايا الأشتر: محاولات إيرانية متكررة لنشر الفوضى في البحرين
لم تستثن
محاولات التدخل الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط دولة البحرين، فمنذ عشرات السنوات
تحاول إيران، خاصة خلال السنوات الأخيرة، أن تعمل على مد نفوذها داخل مملكة
البحرين من خلال إثارة النعرات الطائفية لتحقيق مآربها في هذه الدولة.
ومنذ
استقلال المملكة في عام 1971، حاولت إيران، خاصة بعد وصول النظام الحالي إلى الحكم
عام 1979، مد يدها للتغلغل داخل المملكة من خلال تأسيس وإنشاء أو تمويل بعض
الجماعات التي يتبع بعضها نهج العنف. ويبقى السؤال هنا هو "كيف تحاول إيران
التغلغل وتمويل الفوضى داخل الأراضي البحرينية؟".
محاولات التدخل الإيرانية في
البحرين ليست بجديدة
عمل
النظام الإيراني خلال تاريخ علاقاته مع مملكة البحرين على محاولة التدخل من خلال
مد الدعم إلى بعض الجماعات أو محاولة دعم الفوضى في بعض الأحيان، مثلما يفعل منذ
انطلاق تظاهرات بدءاً من عام 2011. حيث
يقوم بمحاولة نشر مبادئ وأيدلوجية تابعة للنظام في طهران.
ومن هنا، أوجد النظام الإيراني من خلال تلك المحاولات علاقات دبلوماسية كبيرة
ومد أنشطته وتعاملاته مع خلايا وجماعات وأحزاب تميل إلى التقسيم المذهبي، هذا
فضلاً عن التقرب إلى مرجعيات دينية توالي مبدأ ولاية الفقيه، والتي منها جمعية الوفاق
المنحلة.
إلا أننا هنا لا ينبغي أن نقتصر على محاولات
التدخل الإيراني في الشأن البحريني على الفترة الممتدة من عام 1979 وحتى الآن، حيث
إن هذه المحاولات تعود لأكثر من 100 عام بكثير، وذلك من خلال ادعاء إيران بأن
البحرين جزء من إيران، وهو ما تنفيه الحقائق المختلفة على أرض الواقع.
محاولات التدخل الإيراني
في البحرين في مرحلة ما قبل 1979:
·
تعود تلك المحاولات إلى القرن الـ16 حينما سيطر الصفويون
آنذاك على البحرين، ولكن الأسرة الحاكمة في البحرين استعادت السيطرة على الجزيرة
خلال عام 1820.
·
عام 1957: حاول شاه إيران التخطيط للاستيلاء على البحرين
من خلال جلب دعم البرلمان الإيراني، وذلك أثناء أزمة قناة السويس في هذه الآونة.
·
عام 1971: جاء استقلال البحرين عن بريطانيا وأقر استفتاء
شعبي تأسيس البحرين دولة مستقلة دون معارضة من إيران والشاه الذين اعترفوا في وقت
لاحق باستقلال البحرين وبدأت العلاقات الدبلوماسية ما بين الطرفين.
محاولات التدخل الإيراني
في البحرين في مرحلة ما بعد 1979 وحتى الآن:
·
حاول النظام الإيراني في بداية عهده في ثمانينات القرن
الماضي أن يحدث تشتيتاً أو فوضى داخل المجتمع البحريني، حيث قام بتدريب أشخاص
وعناصر على الأراضي الإيرانية ثم مدهم بالأسلحة والأموال لمحاولة إحداث الفوضى في
البحرين، إلا أن السلطات البحرينية تمكنت من كشف المخطط وإنهاءه.
·
سعى النظام الإيراني مرة أخرى قلب الأوضاع في البحرين
خلال منتصف تسعينات القرن الماضي، وذلك عندما قام "حزب الدعوة"، الفرع
البحريني منه. وتم الاعتماد هذه المرة محاولة واعتمدت هذه المحاولة على إحداث الفوضى
وإشعال الحرائق، وتحفيز المواطنين الشيعة في البحرين على القيام بثورة مشابهة لما
قامت في إيران، إلا أن هذه المحاولة باءت كذلك بالفشل.
·
ولم تنته المحاولات، فقد تجددت مرة أخرى عام 2011، حينما
حاولت إيران إحداث تظاهرات واسعة في مملكة البحرين. وفشلت هذه المحاولة مرة أخرى،
وكان السبب الرئيسي في ذلك هو رفض الشعب البحريني لهذه البلبلة والتي تزامن معها دخول
قوات درع الجزيرة البحرين في مارس 2011.(1)
·
في 2015، وتحديداً في شهر أكتوبر، قامت البحرين بإجراء
دبلوماسي مهم وهو سحب السفير من إيران؛ بسبب استمرار محاولات التدخل الإيراني في
شؤون البحرين. حيث كان من بين هذه الأسباب اكتشاف مصنع لصنع المتفجرات في سبتمبر
2015 ، إلقاء القبض على عدد من العناصر التي تربطها صلات بالحرس الثوري الإيراني.
·
عقب قيام عناصر في إيران باقتحام السفارة السعودية في
العاصمة طهران، قامت مملكة البحرين في يناير 2016 بقطع العلاقات الدبلوماسية مع
إيران، وذلك بالتزامن مع اتخاذ المملكة العربية السعودية قراراً مماثلاً.
وبناء على ذلك،
ومن خلال تتبع مسار التدخلات الإيرانية في البحرين، سنجد أن إيران حاولت التغلغل
أو التدخل في الشؤون البحرينية من خلال دعم بعض الجماعات المعارضة والتي تتبع
غالباً المذهب الشيعي، وكان من بين هذه الجماعات:
جمعية الوفاق البحرينية
تأسست هذه الجمعية خلال عام 2001، وذلك بعدما أصدر
إصدار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عفواً شاملاً عادت على إثره قيادات الجمعية
من العاصمة البريطانية لندن. وتُعد "الوفاق" امتداداً لحركة يُطلق عليها
"أحرار البحرين الإسلامية" تتبنى المذهب الشيعي ويُعد رجل الدين الشيعي
"عيسى قاسم" المرشد الروحي لهذه الجمعية.(2)
وترى العديد من النخب، خاصة النخب الحاكم في
البحرين، قاسم غير إصلاحي وتراه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بإيران وتوجه إليه
الاتهامات بمحاولة ويتهمونه بالعمل على إسقاط النظام السياسي في البحرين. و من ناحية
أخرى، يُنظر إلى جمعية الوفاق البحرينية بأنها تعمل من خلال دعم وتمويل إيراني؛
بغية تنفيذ مشروعات إيرانية قديمة في البحرين. كما يُشار إليها بأنها لها يد في
أعمال العنف التي تقع في البحرين خلال الآونة الأخيرة.
وبناء على ذلك، أصدر القضاء البحريني منذ عامين حكماً بحل جمعية الوفاق المعارضة،
أكبر حركة سياسية شيعية فى البلاد وتصفية أموالها وإغلاق مقار جمعية الوفاق والتحفظ
على جميع أموالها وتعليق أنشطتها.
حزب الدعوة
يُعد هذا الحزب من أقدم الأحزاب الشيعية المتشعبة في عدد من دول الشرق
الأوسط. حيث نشأ في مدينة النجف العراقية في خمسينيات القرن الماضي. ثم امتد الحزب
إلى عدد من الدول والتي كان من بينها البحرين في أواخر ستينيات القرن الماضي. وامتد
نشاط الحزب داخل البحرين من خلال القيام بإنشاء عدد من الجمعيات التي تعمل كواجهة
مثل جمعية "التوعية الإسلامية".
وبعد محاولات عناصر شيعية أخرى في البحرين إحداث اضطرابات في البلاد، قامت
أجهزة الأمن البحرينية باعتقال أعضاء في حزب الدعوة وإغلاق جمعية التوعية في وقت
لاحق.
وبعد محاولات مجموعات تنتمي للطائفة الشيعية في تسعينات القرن الماضي
لإحداث اضطرابات، قامت أجهزة الأمن البحرينية بإنهاء عمل هذا الحزب بعدما هربت
العديد من عناصره إلى الخارج.
"سرايا الاشتر"...آخر المحاولات الإيرانية
قامت السلطات الأمريكية الشهر الجاري بتصنيف منظمة
"سرايا الاشتر" في البحرين كمنظمة إرهابية؛ وذلك طبق القانون الأمريكي
الذي يسمح لوزارة الخارجية الأمريكية بتصنيف مثل هذه المنظمات التي تشكل تهديداً
للمصالح والمواطنين الأمريكيين. فما هي "سرايا الاشتر"؟
أُنشئت منظمة "سرايا الاشتر" في نهاية
عام 2012 بهدف تغيير النظام في البحرين عن طريق العمل المسلح وبالقوة.
ويعتقد كثيرون أن هذه الجماعة تستمد أفكارها من أحد التيارات الشيعية في إيران،
وهو التيار الشيرازي. ويعود اسم هذه الجماعة إلى شخص يُدعى "مالك بن الحارث
الاشتر" (585-658)م وكان من المقربين من الصحابي علي بن ابي طالب.
يستمد التنظيم مرجعيته الفكرية من التيار الشيرازي في إيران
وذلك نسبة إلى رجل الدين الشيعي محمد الحسيني الشيرازي. ويتبع التنظيم، نابعاً من
التيار الشيرازي، الأسلوب الراديكالي العنيف في تحقيق أهدافه، وذلك من حمل السلاح
واستخدام المتفجرات وغيرهما من أساليب العنف.
يقود منظمة "سرايا الاشتر" شخصان
يقيمان حالياً في إيران، وهما "أحمد يوسف سرحان" وله اسم حركي هو "ابو
منتظر"، أما الشخص الثاني، فهو "جاسم أحمد عبد الله" وهو ذو اسم حركي
يُدعى "ذوالفقار".(3)
ويقول التنظيم في بياناته إن أهدافه تتمثل في إسقاط الحكم في البحرين،
واستهداف رجال الأمن والجيش وغيرهما، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة في البحرين،
لتحقيق أهدافه. وقام التنظيم خلال هذه الفترة منذ إنشائه بعدد من العمليات
الإرهابية المسلحة، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تصنفه مؤخراً على قائمة
الجماعات الإرهابية. أما أهم الأحداث المتعلقة بهذا التنظيم منذ فترة إنشائه
متضمنة بعض العمليات الإرهابية التي قام بها، فهي:
·
4 مارس 2014:
"سرايا الأشتر" تعلن عن مسؤوليتها عن مسؤوليتها في تفجير وقع غرب العاصمة البحرينية
المنامة أدى إلى مقتل 3 أشخاص.
·
28 يونيه 2015: سرايا
الاشتر تعلن عن استهداف قوات الأمن جنوب العاصمة المنامة أشارت عدد من المصادر
آنذاك إلى استخدام عبوات شديدة الانفجار في الهجوم.
·
2 يوليو 2015: سرايا الاشتر تهدد بالهجوم على مقرات الحكومة
البحرينية إذا لم تفرج السلطات عن معتقلي التنظيم.
·
19 يوليو 2015: إعلان التنظيم عن مسئوليته عن هجوم وقع ضد قوات
الشرطة في البحرين، ما أدى لإصابة أحد العناصر الأمنية.
·
يونيو2015: استدعاء خارجية البحرين لسفير العراق أحمد الدليمي؛
للاحتجاج ضد ما اعترف به بعض معتقلي سرايا الاشتر من تلقيهم لتدريبات عسكرية في
العراق.
·
يناير 2016: كشف خلية إرهابية تابعة لسرايا الأشتر كانت
تنوي تنفيذ هجمات إرهابية.
·
يناير 2017: الحكم بالإعدام على 3 أفراد تابعين لسرايا الأشتر
بعدما أدينوا بالمشاركة مقتل 3 عناصر أمن عام 2011.
·
17 مارس 2017: الولايات
المتحدة الأمريكية تدرج عضوين في سرايا الاشتر على قائمة الإرهاب وهما "مرتضى
سعيد رمضان علوي" و"أحمد حسن يوسف" ويعتقد أنهما يختبئان في إيران.
·
يونيو 2017: مصر والسعودية والإمارات والبحرين يصدرون
قراراً بتصنيف عشرات الأفراد والكيانات على قوائم الإرهاب المحظورة كان من بينها
سرايا الاشتر.(4)
·
10 يوليو 2018: وزارة الخارجية الأمريكية تدرج "سرايا
الاشتر" على قائمة المنظمات الإرهابية؛ وذلك لاتهامها بتلقي التمويل والتدريب
العسكري من الحرس الثوري الإيراني. وطبقاً لما قالته الخارجية الأمريكية، فإن
الحرس الثوري الإيراني يقوم بتدريب أفراد سرايا الاشتر على السلاح واستخدام
المتفجرات في معسكرات بالعراق.
بعد استعراض المحاولات المتعددة للنظام
الإيراني للتغلغل داخل البحرين، يتضح أن النظام الإيراني يحاول توظيف بعض العناصر
الشيعية لتحقيق أهدافه من خلال مدهم بالمال أو السلاح والتدريب سواء على الأراضي
الإيرانية أو خارجها كحالة العراق. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن سرعة استجابة ورد
فعل الأجهزة الأمنية والسلطات البحرينية في التعامل مع جماعات حزب الدعوة وجمعية
الوفاق يأتي بتأثير فعّال.
حيث إن حزب الدعوة في فرع البحرين، لم يندثر نشاطه إلا بعد أن واجهته السلطات البحرينية، كما أن السلطات البحرينية قامت بحل جمعية الوفاق والتحفظ على أموالها وإغلاق مقارها مما أثر كثيراً على أنشطتها. وبذلك، يتعلق مستقبل هذه الجماعات في البحرين على طريقة التعامل بحذر ويقظة معها ومنع التواصل بينها وبين الجهات الأجنبية ومصادر تمويلها الخارجي كما هو الحال في النموذج الإيراني.
المراجع والمصادر:
1- "الإرهاب
الإيراني في البحرين.. تاريخ أسود"، سكاي
نيوز، 12 نوفمبر 2017.
2- "سرايا
الاشتر.. تنظيم شيعي مسلح يهدد البحرين"، بوابة الحركات الإسلامية، 28
يوليو 2015.
http://www.islamist-movements.com/30568
3- "سرايا
الاشتر على لائحة الإرهاب الأمريكية"، سكاي نيوز، 10 يوليو 2018.
4- "مصنفة إرهابية.. من هي سرايا الاشتر
البحرينية"، الحرة، 11 يوليو 2018.