هل سيفقد روحاني ما تبَقَّى من تضامن أوروبي؟
التقي الرئيس الإيراني
"حسن روحاني" بالدول الأوروبية، بالإضافة لروسيا والصين في فيينا الجمعة
الموافق السادس من يوليو/تموز الجاري للبحث عن اقتراحات ملموسة تتيح الحفاظ علي الاتفاق
النووي، في زيارة رسمية بهدف
تعزيز التعاون وتوثيق العلاقات الثنائية، وسط مخاوف من فرض الولايات المتحدة
الأمريكية عقوبات جديدة علي طهران، لاسيما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي
الإيرانى(1). وعليه، تشير هذه الزيارة لقلق الجمهورية الإسلامية
الإيرانية حيال المواقف غير الواضحة للدول
الأوروبية إزاء القدرة علي البقاء في الاتفاق النووي، خصوصاً بعد السياسات
العدائية لواشنطن تجاه إيران(2).
و تتمثل أبرز الموضوعات التي طرحها "روحاني" خلال الزيارة في
التحذير من تبعات محاولات واشنطن عرقلة صادرات إيران النفطية، قائلاً " أن
سياسة الضغط والتهديد لن تكون مجدية مع إيران، وستكون نتيجتها هزيمة الطرف
المقابل"(3). في السياق ذاته، أكد روحاني علي أن الحفاظ علي الاتفاق النووي سيكون في صالح
أروبا والعالم، معرباً عن أمله في أن تقدم أوروبا مقترحات قابلة للتنفيذ بشأن
الاتفاق النووى، فضلاً عن التهديد بإعادة تخصيب اليورانيوم اذا لم تفي الدول
الأوروبية بوعودها(4).
مُحفزات الموقف
توجد مجموعة من المؤشرات
التي تنبأ بإمكانية تخلي الدول الأوروبية عن موقفها إزاء البقاء علي الاتفاق
النووي، كما أنها علي الناحية الأخرى ستضعف من موقف إيران التفاوضي اذا كانت هناك
فرصة لصياغة اتفاق جديد، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي :-
1-
خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيراني
على الرغم من أن الأوروبيون هم الأكثر صلابة و تأثيرا في
الدبلوماسية متعددة الأطراف لاسيما فيما يتعلق بالصفقة الإيرانية، وقادرين علي
التغيير الإيجابي في طهران من خلال الانخراط في الالتزام بالاتفاق، الا أنهم
يواجهون حسابات أكثر تعقيداً، فضلاً عن أنهم من أكثر الدول تضرراً من سياسات ترامب.
في سياق مقابل، اقترح رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" سلسلة
من الإجراءات بما يتضمن " قانون المنع" الذي يحظر علي شركات الإتحاد
الأوروبي الالتزام بقانون العقوبات الأمريكي وحمايتها من الغرامات، بالإضافة الي
الية تسمح للعضو بتقديم مدفوعات النفط مباشرة لطهران دون استخدام المؤسسات المالية
الأمريكية الخاضعة للعقوبات(5).
لكن في النهاية لم تستطع الدول الأوروبية اقناع الشركات
الأجنبية- مثل "توتال الفرنسية" ، " هاني ويل إنترناشونال"، "ودوفر كوربريشن"، "جنرال إليكتريك" - بالبقاء داخل السوق
الإيراني. حيث خرجت عشرات الشركات الكبرى بعد أن قامت الإدارة الأمريكية بإغلاق
النافذة القانونية الوحيدة المتبقية التي تسمح للشركات بالعمل مع طهران دون انتهاك
العقوبات الأمريكية، لاسيما بعد أن وضعت الإدارة الأمريكية مهلة تصفيه أعمال تبلغ 90 يوماً للمشروعات
العادية، و 180 يوماً للمشروعات النفطية(6).
2-
تزايد العمليات الإرهابية ضد المعارضة
انعقد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس خلال الثلاثون
من يونيو الماضي تحت عنوان "الانتفاضة من أجل التغيير في إيران"، الذي
خرجت توصياته بضرورة فرض عقوبات جديدة على
نظام الجمهورية الإسلامية في طهران وتنفيذ العقوبات المفروضة عليه حالياً، مُشددين
علي رحيله في أقرب وقت ممكن، كونه المتسبب الأساسي في أزمات الشرق الأوسط.
تم وضع "منظمة مجاهدي خلق" علي قوائم المنظمات الارهابية حتى عام 2012 ،
وكانت غير مُحبذة من جانب إدارة أوباما، لكن اليوم يتم إعادة تسويقها والترويج لها
مرة أخرى تحت شعار "التغيير في إيران"، لاسيما من جانب الإدارة
الأمريكية الحالية من أجل إيجاد بديل سياسيي ديمقراطي لنظام ولاية الفقيه في حالة
رحيله(7).
وعليه، أدي كل ما سبق لضعف موقف
الإيرانيين أمام الرأي العام الدولي، وبالتالي ضعف قدرة الأوروبيين في الدفاع عنهم
وعن سياسة البقاء داخل الاتفاق النووي، لاسيما بعد حادث تفجير مؤتمر المعارضة في
باريس. حيث تم توجيه الاتهام للدبلوماسي الإيراني " أسد الله أسدي" الذي
تم اعتقاله علي رأس خلية كانت مكلفة بتفجير "المؤتمر الوطني للمقاومة
الإيرانية" بقيادة منظمة مجاهدي خلق، والذي أكد البحث أنه أحد عناصر أجهزة مخابرات طهران ومطلوب من قبل الشرطة
الدولية "الانتربول"(8).
وما زاد الأمر سوءاً؛ هي المظاهرات التي واجهها "روحاني" خلال
جولته الأوروبية، لاسيما في سويسرا و النمسا من قبل حركات المعارضة الإيرانية في
أوروبا، مطالبة الإتحاد الأوروبي بإنهاء الزيارة واحترام القيم المعمول بها في دول
الاتحاد، القائمة علي الالتزام بالديمقراطية و حقوق الإنسان، مُعتبرة روحاني شريكاً
في تفجير مؤتمر المعارضة في باريس(9).
3-
ضعف موقف الحكومة في الداخل الإيراني
تزايدت
الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، جراء الانسحاب
الأمريكي من الاتفاق النووي وما ترتب عليه من تحديات كبيرة علي كافة الأصعدة، وما
سبقها من تظاهرات عنيفة اعترضاً علي الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، في إطار ما
وصفه البعض بإهدار الموارد الداخلية من أجل أهداف خارجية لا قيمة لها. كما أدي
الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية مرة أخري
لانسحاب معظم الشركات الأجنبية الكبرى من السوق الإيراني(10).
واختلفت دوافع التظاهرات
بشكل عام داخل طهران فيما بين سياسي واقتصادي وربما بسبب التداخل فيما بينهم، لكن
المحفز الاقتصادي كان أقوى دائماً، وهو ما ظهر خلال احتجاجات يونيو/حزيران الماضي فيما
ورد من هتافات تندد بالسياسات الاقتصادية للحكومة. كما ستؤدي الخسائر الاقتصادية،
لاسيما انخفاض سعر الصرف لتدهور مستوي المعيشة وتعزيز التضخم، فضلاً عن الحد من
قدرة الإيرانيين علي السفر للخارج، في حين أرجع البعض الاخر أسباب الاحتجاجات لغياب الشفافية و الوضوح بين
الحكومة، البرلمان والشعب(11)
وعلى الصعيد الأخر، يري
البعض بأن هناك دوافع أخري لتكرار الأزمات داخل طهران تتمثل في غياب العدالة فيما
بين الأقليات، فبينما تؤكد الجمهورية الإسلامية أنها لا تفرق بين مواطنيها علي
أساس اللغة، اللون أو المذهب، تبرر تعطيل بعض مواد الدستور المتعلقة بضمان حريات
وحقوق تلك الأقليات لاعتبارات الأمن القومي و عدم الاستقرار الإقليمي. الا أن
الاقليات داخل إيران دائماً ما تري أن هناك خللاً يكتنف سياسات النظام تجاه قضيتي
المواطنة والتنمية ازاء المناطق التي تعيش فيها، حيث يستبعد النظام معظمهم من تولي
المناصب الرفيعة في الدولة، فضلاً عن تهميش المناطق التي يعيشون فيها من حيث مقدار
الخدمات المقدمة لها، مستوي البطالة المرتفع فيما بينهم، فضلاً عن التمييز ضدهم(12).
ختاماً: تشير الأزمات المتلاحقة الي عجز نظام الجمهورية الإسلامية
عن التعامل معها بطريقة جيدة، تمنع تكرارها
مرة أخري. وعادة ما يكون لفشل الأنظمة مردود سلبي علي كافة الأصعدة، ولذلك تعول الحكومة
الحكومة الإيرانية حالياً علي بقاء الأوروبين داخل الاتفاق النووي حتي تستطيع
مواجهة الحرب التي بدءتها الإدارة الأمريكية بداية من قرار الانسحاب من إتفاقية
العمل المشتركة الشاملة ونهاية بالتهديد بفرض قيود علي بيع النفط الإيراني. لكن من
الواضح أن الأوروبيين يواجهون تحديات كبيرة فيما يتعلق بملف الاتفاق النووي مع
إيران، تمنعهم من اتخاذ قرارات جادة ذات أثر إيجابي طويل المدي، حيث تجد أوروبا
نفسها بين مطرقة إيران التي تحتاج الي الاستثمارات الأجنبية من أجل انعاش
اقتصادها، و سندان الولايات المتحدة الأمريكية التي تستطيع الحاق الضرر بشركاتها.
الهوامش:
1. القوى الكبري تقدم الجمعة
اقتراحاتها في فينا من أجل انقاذ الاتفاق النووي، العرب والعالم، 6/7/2018 الرابط.
2. روحاني في سويسرا : أوروبا أصبحت تعارض الأحادية الأمريكية
بصوت أعلي، الميادين.نت، 2/7/2018 ، الرابط.
3. شادي صلاح الدين، عشرات الشركات الأمريكية تستعد للخروج
من السوق الإيراني، صحيفة الاتحاد، 7/6/2018 ، الرابط.
4. انعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس اليوم، صحيفة
الاتحاد، 20/6/2018 ، الرابط.
5. صالح حميد، إيراني متهم بتفجير مؤتمر المعارضة ومطلوب من
قبل الانتربول، العربية.نت، 3/7/2018 ، الرابط.
6. هشام رشاد، الاحتجاجات تطارد روحانى من سويسرا الي النمسا، العين الاخبارية،
4/7/2018 ، الرابط.
7. شبح الاحتجاجات يعود الي طهران مع استمرار انهيار
الريال، الشرق الأوسط، 25/6/2018 ، الرابط .
8. ظريف
يحذر من مخاطر فشل الاتفاق النووي علي إيران، الشرق الأوسط، 25/6/2018 ، الرابط.
9. بشير
عبد الفتاح وروشن قاسم، 6 أقليات كبري في إيران ... تقض مضجع النظام، أخبار
الشرق، 19/5/2015 ، الرابط.
10. الرئيس الإيراني يصل سويسرا في زيارة رسمية، اليوم
السابع، 2/7/2018 ، الرابط.
11. من سويسرا ... روحانى يحذر واشنطن بعد زيارة غامضة، المواطن،
3/7/2018 ، الرابط.
12. frank
Wisner and Nelson Cunningham, Trump’s Iran strategy hit America in the
pocketbook,9/6/2018, The National interest.