هل سيجني الحرس الثوري ثمار خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيراني؟
مما لا شك فيه أن الحرس الثوري الإيراني يملك النسبة
الأكبر من تيارات الاقتصاد الإيراني داخلياً، حيث تتبع له العديد من الشركات
الاقتصادية الكبرى داخل إيران تأتي أبرزها "قرارگاه سازندگی خاتم الانبیاء"
أو مؤسسة "خاتم الأنبياء" الإنشائية الكبرى وشركة "والفجر"
التابعة بالأساس إلى مؤسسة خاتم الأنبياء، وغير ذلك الكثير.
وإذا كانت مؤسسة الحرس الثوري الإيرانية تسيطر بالأساس
على المقدرات الحقيقية السياسية في إيران سواء داخلياً أو خارجياً، فإنها بالتالي
باتت تسيطر على النسبة الأكبر من الاقتصاد الإيراني، مما يجعل عملية الانفتاح
السياسي أو الاقتصادي الإيراني على الدول الخارجية أمراً غير مرغوب فيه إلى حد ما
من قيادات الحرس الثوري الإيراني.
وكان قادة الحرس الثوري الإيراني قلقين في البداية
كثيراً حينما أبدت حكومة الرئيس الإيراني الجديد عام 2013 ميلاً إلى التفاوض مع
الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، حول عقد الاتفاقية النووية
الحالية، التي خرج منها واشنطن لاحقاً، وذلك خوفاً من ابتلاع الشركات الأجنبية ذات
الذخائر المالية الضخمة والإمكانات الأكبر للسوق الإيراني.
أما الآن وقد توصلت مختلف القوى إلى الاتفاقية النووية
في يوليو 2015، وخرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية الشهر الماضي، فإن السؤال
الأهم هنا يدور حول موقف الحرس الثوري الإيراني من خروج الشركات الأجنبية
الأوروبية من السوق الإيراني، وما هي الإجراءات التي من المتوقع أن يشاهدها
المتابع للمشهد الداخلي الإيراني خلال الأيام القادمة.
مدى
سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني
تطور دور
الحرس الثوري الإيراني على مدى عمر النظام الإيراني منذ 1979 وحتى الآن ليصبح الفاعل
الحقيقي سياسياً وعسكرياً. وإلى جانب ذلك، بات الحرس الثوري تدريجياً المسيطر
الأول على السوق "البازار" الإيراني عبر امتلاك العديد من الشركات
الكبرى التي تعمل في العديد من المجالات المختلفة.
يشتمل الاقتصاد الإيراني داخلياً على ثلاثة
قطاعات، هي القطاع العام والخاص بالإضافة إلى قطاع ثالث وهو القطاع شبه الحكومي،
الذي تندرج تحته أنشطة الحرس الثوري الاقتصادية داخلياً. ويشمل اقتصاد الحرس
مجالات مثل الإنشاءات والبناء والصناعات الثقيلة بالإضافة إلى بعض القطاعات الخدمية
الأخرى مثل الصحة والاتصالات والمصارف فضلاً عن الزراعة. ولذا، باتت للحرس الثوري
تقريباً ما يشبه الإمبراطورية الاقتصادية داخل دولة كانت قبيل يوليو 2015 شبه
منغلقة أوروبياً من الناحية الاقتصادية.
شركات
الحرس الثوري الإيراني
بات اقتصاد الحرس الثوري الإيراني داخلياً يُقدر إجمالاً
بأكثر من 100 مليار دولار. ويبلغ حجم هذا الاقتصاد في إيران حوالي 15% من إجمالي
الناتج المحلي، وكذلك في ظل ارتفاع نسبة مساهمة القطاع شبه الحكومي الإيراني في
الاقتصاد الداخلي إلى 40% ثم 25% للقطاع الخاص و 35% للقطاع العام.
شركة "خاتم الأنبياء" للإنشاءات
تبرز أولى الوحدات الاقتصادية الضخمة للحرس
الثوري الإيراني في شركة خاتم الأنبياء العملاقة للإنشاءات والتي استطاعت خلال
العقود الثلاث الماضية أن تقوم بتنفيذ الكثير من المشروعات خاصة بعد انتهاء حرب
الخليج الأولى.
ففي
أكتوبر من عام 1989 استطاع الفرع الهندسي التابع للحرس الثوري الإيراني أن يشكل
وحدة اقتصادية تسمى "خاتم الانبياء"(1) وأن تدخل مجال إعادة
البناء والإعمار، وذلك تحت إشراف المرشد الإيراني الحالي علي خامنئي.
وكانت
"خاتم الأنبياء" قد عملت في البداية في إعادة إعمار المناطق التي شهدت
العمليات الحربية خلال فترة (1980-1988)، فأنشأت سد "الكرخة" في إقليم
الأحواز غربي إيران، وتوجهت الشركة في هذه الأثناء إلى مشروعات كانت في الغالب
متوسطة أو ما دون ذلك، إلا أنها وخلال
السنوات التالية توسعت كثيراً وبدأت تعمل في المشروعات الكبرى التي كانت تتولاها
في السابق شركات أجنبية.
وعملت
العقوبات الغربية والأممية على إيران على تعزيز دور مؤسسة "خاتم
الأنبياء" داخل إيران خلال الـ 29 الماضية، خاصة في عهد الرئيس السابق محمود
أحمدي نجاد، فباتت تسيطر على المشروعات الإنشائية الكبرى داخل إيران حتى أصبحت
تتمتع بمئات العقود الحكومية الإيرانية ويعمل بها حوالي 20 ألف موظف، حيث تنضوي
تحتها أكثر من 800 شركة داخل وخارج إيران(2)، إلا أن مسؤول مجموعة
شركات "خاتم الأنبياء"، عبد الله عبد الله قال في مقابلة له عام 2014 إن
مجموعة هذه الشركات يعمل بها حوالي 135 ألف موظف وأن الهيكل التنظيمي يتضمن أكثر
من 2500 فرد ينتمون للحرس الثوري الإيراني، ثم عاد عبد الله عام 2016 وقال إن عدد
العاملين في الشركة يُقدر بحوالي مليون شخص.
أما المشروعات التي تتولاها الشركة فهي عديدة،
ومنها حقل" بارس الجنوبي" للغاز وسد كتوند في الأحواز ومصنع لإنتاج
النحاس في محافظة آذربيجان الشرقية وشركة سباينر العاملة في مجال النفط، وشركة
سباسد العاملة في مجال بناء السدود ومؤسسة المهندسين الاستشاريين وغيرهم الكثير.(3)
وعلى
ذلك، باتت المؤسسة تشبه الإمبراطورية المالية والاستثمارية في حد ذاتها، وتقوم
بتمويل أنشطة الحرس الثوري الإيراني، والذي ينضوي تحته الفيلق القدس، الذراع
الخارجية للحرس. وهنا يمكن القول إن المؤسسة تمثل عصباً حيوياً في استمرار سيطرة
الحرس الثوري نفسه داخل إيران.
شركات أخرى تابعة للحرس الثوري
وذلك إلى جانب يسيطر الحرس الثوري على 51% في شركة
الاتصالات الإيرانية، ويمتلك أكبر منجم للزنك والرصاص في إيران والشرق الأوسط عبر
شركة "انغواران". كما يدير الحرس الثوري
مطار الخميني الرئيسي، وذلك على الرغم من تولي إدارته إحدى الشركات النمساوية
التركية منذ عام 2004، فالحرس سيطر على المطار الرئيس في البلاد بسبب ما قال إن
تشغيله من قبل "أجانب" يعرض سلامة البلاد للخطر.
ومن ناحية أخرى، يملك الحرس الثوري العديد من
الشركات في مجالات الاستيراد والتصدير عبر أنحاء إيران وكذلك شركات في مجال النفط
والأعمال التجارية، ومنها فقط(4):
-
شركة "تايدووتر ميدل ايست" العاملة في مجال
خدمات الموانئ والسفن البحرية والترانزيت وتكنولوجيا المعلومات.
-
شركة إيران للصناعات الثقيلة التي تعمل في الأنواع
المتعددة من الصناعات الثقيلة كالجرارات والشاحنات وتقوم سنوياً بصناعة حوالي 20
ألف شاحنة.
-
شركة مهر الاقتصادية للاستثمارات بإيران التي تقع ضمن
مجموعة "بنك مهر الاقتصادي"، وتُعد الشركة من الفواعل الأساسية
والمساهمين في العملية الاستثمارية داخل إيران.
-
شركة إيران للاتصالات والتي تأسست قبل اندلاع الثورة
الإيرانية عام 1979، وتملك الآن حوالي 30 شركة محلية أخرى داخل إيران.
-
بنك "بارسيان" أو البنك الفارسي، الذي يتبع
بشكل غير مباشر للحرس الثوري الإيراني، والذي يملك فروعاً في دول أخرى كالعراق.
دخول الشركات الأجنبية
وموقف الحرس الثوري الاقتصادي والسياسي
كان
المتشددون الإيرانيون بشكل عام والحرس الثوري الإيراني بشكل خاص من أشد المعارضين
للاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015، وذلك لأن مثل هذا الاتفاق سيقيد كثيراً من
وضعهم ومكانتهم الدينية، إلى جانب وضعهم الاقتصادي.
الموقف السياسي للحرس الثوري
فمن الناحية السياسية، عمل الاتفاق النووي الإيراني خلال
مرحلة ما قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، إلى الرئاسة في الولايات
المتحدة الأمريكية، على تعزيز مكانة ودور الإصلاحيين في إيران، وكان من المتوقع أن
يستمر الأمر كذلك إذا لم يأت ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، مما وضع مكانة الحرس
الثوري بالأساس في مواجهة أخطار سياسية داخلية ساعدت الأوضاع الإقليمية على إزالة
كثير من هذه الأخطار عن طريق بروز دور الحرس بشكل أكبر بصفته الذراع العسكرية
للنظام الإيراني في الخارج.
فقد عمل دور الحرس الثوري الإيراني
في سوريا والعراق واليمن ولبنان منذ 2013 وفيما بعدها على تعزيز المكانة السياسية
له داخل إيران بالتزامن مع عدم وضوح الرؤية أو نهاية الاتفاق النووي قبل قدوم
ترامب إلى البيت الأبيض. إلا أنه ومنذ تنصيب ترامب العام الماضي، بدء الحرس الثوري
يستعيد مكانته السياسية، التي كان بعضها على حافة الخطر خاصة قبل مجيء الرئيس
ترامب.
الموقف الاقتصادي للحرس الثوري
أما
من الناحية الاقتصادية، فقد كان رفض كثير من مسؤولي الحرس الثوري للاتفاقية
النووية، حتى وإن لم يعلن بعضهم عنها، ينبع من مخاوف اقتصادية كثيرة ومتشعبة.
فدخول الشركات الأجنبية للسوق/ البازار الإيراني سينحي جانباً كثيراً من شركات الحرس
الثوري؛ وذلك لأن هذه الشركات الأجنبية تملك ذخائر مالية أكبر بكثير مما يمكن
للحرس بشكل إجمالي أن يمتلكها.
ولذا، عملت هذه الشركات في الواقع على تهديد نفوذ الحرس
الثوري الاقتصادي داخل إيران. فبدلاً من أن تسند الحكومة الإيرانية المشروعات
المعتادة إلى شركات ومؤسسات الحرس الثوري كـ"خاتم الأنبياء" بدأت
الحكومة تتجه لإسناد المشروعات والتعاقد مع الشركات الأجنبية. وكان من أسباب ذلك
أن الحكومة الإيرانية كانت بحاجة إلى تدفق الأموال من الشركات الخارجية بدلاً من
نظيراتها من الحرس التي لا تتمتع بنفس هذه الميزة الاقتصادية عند المقارنة بينهما.
وهذا ما دعى بالأساس قائد الحرس الثوري الإيراني محمد
علي جعفري ذات مرة عام 2016 إلى القول إن "الحرس الثوري لديه إمكانيات واسعة في
مجالات البناء. ومن المؤسف أن الحكومة لم ترحب بما اقترحه من مشروعات وبأنشطته"،
وهذا يعبر عن امتعاض كبير من الحرس وتنفراً من عمل الشركات الأجنبية في إيران. بل
وحتى عندما كانت الشركات الأجنبية تحتاج إلى شريك إيراني محلي فهذا يعني أن شركات
الحرس ستكون تابعة للشركات الأجنبية الكبرى العاملة في مختلف المجالات.
وعليه، فقد كان الحرس ينتظر كثيراً وصول المرشح الأمريكي
الفائز دونالد ترامب إلى سدة الحكم أوائل العام الماضي؛ وذلك لاستعادة النفوذ
الاقتصادي والسياسي، وربما هذا يفسر من ناحية أخرى التصعيد الأخير ما بين الحرس
الثوري والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث إنه كلما صعّد ترامب من لهجته وسياساته
تجاه إيران سيعني ذلك منح مزيد من القوة السياسية والاقتصادية للحرس داخل إيران لا
يعوقها أحياناً إلا فرض واشنطن لعقوبات اقتصادية عليه أو على بعض أفراده.
خروج الشركات الأجنبية وتصاعد دور الحرس الثوري
داخل إيران
من المتوقع أن يعمل خروج الشركات الأجنبية من السوق
الإيراني خلال الأيام والشهور القادمة على تصاعد دور المؤسسات والشركات الاقتصادية
التابعة للحرس الثوري داخل إيران، هذا فضلاً عن تصاعد دوره مرة أخرى وبشكل أكبر
سياسياً؛ في ظل التصعيد ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. فالحرس الثوري
لا يرغب في استمرار عمل الشركات الأجنبية داخل إيران لتهديدها نفوذه، مما يجعل من
إعلان ترامب خروج واشنطن من الاتفاق النووي الشهر الماضي بمثابة متنفس له وإحياءً
لدوره.
وعلى ذلك، ستعمل المؤسسات والشركات التابعة للحرس الثوري على الاستفادة من خروج هذه الشركات الأجنبية من السوق الإيراني وأن تحل محلها وأن تعود للفوز بالعقود والمشروعات الحكومية وغيرها داخل إيران مرة أخرى، مما سيدعم من ناحية أخرى نفوذ الحرس داخل إيران.
المصادر:
1- ولاديمير ساژین، "آیا
سپاه پاسداران دارایی خود را از دست خواهد داد؟"،
سپوتنیک، 13 فبراير، 2018.
2- مايا جريديني،
"تعرف على الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني"، موقع
العربية، 4 يناير 2018.
3- عمرو أحمد،
"الاقتصاد الإيراني...وسيطرة الحرس الثوري"، النادي الدولي، 24
ديسمبر 2017.
4- " ادامه تأثیر تحریمها بر حوزه تجارت دریایی ایران"، سايت اتحاد جمهوريخواهان ايران، 24 يونيو 2013.