مستقبل الاتفاق النووي في ضوء خروج الشركات الأوروبية من السوق الإيراني
أدى التوصل إلى الاتفاقية النووية الإيرانية في عام 2015
إلى حركة تدفق واسعة نسبياً من قِبل الشركات الأجنبية، خاصة الأوروبية، إلى السوق
الإيرانية؛ وذلك أملاً في إيجاد قدم ثابتة اقتصادياً داخله بعد انغلاق دام آنذاك
لعشرات السنين.
ومن الواضح أن هذه الشركات الأوروبية كانت تعتقد أن
الاتفاقية النووية والاستقرار الإقليمي والسياسي في العلاقات ما بين الدول الغربية
وإيران سيدوم لفترة طويلة، وإلا ما كانت لتغامر مغامرة اقتصادية خطرة كهذه
باستثمارها في السوق الإيراني. ولم يكن عدد هذه الشركات قليلاً، بل كانت هناك
شركات كبرى أوروبية من دول كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم.
وتتخصص هذه الشركات الأوروبية في مجالات مختلفة كالطاقة
والآلات الثقيلة وغيرهما، وذلك كما يلي:
الشركات
الأوروبية التي طورت نشاطها في إيران منذ 2015
منذ أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس
السابق باراك أوباما رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، بدأت الشركات الأوروبية في
محاولة غزو السوق الإيراني، وكانت منها شركات النفط والغاز والسيارات والأدوية وغيرهم.
وحاولت السلطات الإيرانية تسهيل عمل هذه الشركات في
البداية؛ لحاجتها إلى ذلك، فأعلنت سماحها لعشرات الشركات من أكثر من 10 دول ببدء
مشروعات للغاز والنفط في الأراضي الإيرانية وكذلك حاولت تسهيل هذه العمليات. وكان
من بين هذه الشركات على سبيل المثال، توتال الفرنسية وشل للنفط، هذا إلى جانب
شركات أخرى غير أوروبية مثل شركة بتروناس الماليزية وغازبروم الروسية وأخرى من
اليابان واستراليا والصين وغيرهم.
وسنحاول هنا
رصد أبرز الشركات الأوروبية العاملة في إيران، خاصة منذ عام 2015، على النحو
التالي:
أولاً-
الشركات العاملة في مجالات الطاقة:
-
شركة توتال الفرنسية:
والتي
كانت أول شركة كبرى في مجال النفط توقع اتفاقية تجارية في نوفمبر 2016. وحاولت
الشركة خلال عملها في إيران في تلك الفترة أن تطور أكبر حقل للغاز في العالم وهو
حقل بارس الجنوبي. ويُعد هذا الاتفاق هو الأكبر من نوعه ما بين إيران وشركة غربية
منذ رفع العقوبات في يناير 2016.
إلا أن الشركة أعلنت مؤخراً تعليق عملها في
إيران بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الشهر الماضي، مما
دعى نائب وزير النفط الإيراني أن يصرح قائلاً: "في حالة خروج توتال من إيران
فإن أسهمها ستؤول إلى الصين".
-
شركة "بريتش بتروليوم"
البريطانية:
والتي
اضطرت إلى وقف أعمالها مع إيران وإيقاف العمل في حقل غاز مشترك مع إيران بسبب فرض
عقوبات أمريكية مجدداً على طهران من جانب
واشنطن؛ وذلك تجنباً لتحمل عقوبات شديدة تبعاً لذلك. كما أوقفت الشركة أنشطتها في
حقل غاز مشترك مع إيران هو "رام" الذي يقع ببحر الشمال في إسكتلند.
-
شركة رويال داتش شل النفطية:
والتي وقّعت اتفاقاً مؤقتاً في ديسمبر 2016
لتطوير حقول النفط والغاز الإيراني في آزاديجان الجنوبي وجزيرة كيش وحقل
يادافاران.
-
"أو إم في" النمساوية:
العاملة في مجال النفط والتي وقعت في مايو 2016
مذكرة تفاهم مع شركة النفط الإيرانية الوطنية لبدء مشروعات نفطية في مناطق زاجروس
غربي إيران وكذلك في حقل بارس الجنوبي. وعلى النقيض من شركات أوروبية أخرى عاملة
في إيران، أعلنت "أو.إم.في" النمساوية استمرار عمل مشاريعها للطاقة في
إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي إلا أن الشركة، مع ذلك، لم تنفذ أية
مشروعات تذكر في إيران.
-
شركة سايبم الإيطالية:
والتي
كانت قد وقّعت اتفاقيات للتعاون حول مشاريع لمد أنابيب نفط وتطوير مصافي للنفط
وكذلك حقل غاز توس في محافظة خراسان رضوي الشمالية.
-
شركة (DNO) النرويجية:
والتي كانت ثاني شركة للطاقة، بعد توتال،
توقع اتفاقاً مع السلطات الإيرانية لوضع دراسة جدوى لتطوير إحدى حقول النفط غربي
إيران.
ثانياً-
الشركات العاملة في مجالات الملاحة الجوية:
-
شركة إيرباص الفرنسية:
عقدت مع الحكومة الإيرانية اتفاقية بحوالي 25
مليار دولار لشراء 118 طائرة جديدة، على أن تصل أول دفعاتها في عام 2017 والباقية
عام 2022. إلا أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الشهر الماضي، قاد
الشركة إلى تعليق تسليم الطائرات إلى إيران؛ خاصة بعد فرض عقوبات أمريكية جديدة.
-
شركة
بوينج الأمريكية:
وقّعت
الخطوط الجوية الإيرانية مع "بوينج" صفقة في ديسمبر 2016 تقضي بتسليم 80 طائرة تبلغ
قيمتها 16.6 مليار دولار. ووقعت خطوط "آسمان" الجوية الإيرانية عقداً مع
"بوينج" لبيع 30 طائرة من طراز بوينج ماكس 737 وذلك بقيمة تُقدر بحوالي
3 مليارات دولار.
وكان من المتوقع أن يتم تسليم أول 30 طائرة من
الصفقة بين عاميّ 2022 و2024. إلا أن شركة بوينج، وعقب الخروج الأمريكي من الاتفاق
النووي، أعلنت نيتها عدم تسليم إيران تسليم إيران أية طائرة.
ثالثاً-
شركات الصناعات الثقيلة
-
شركة بيجو سيتروين الفرنسية :
عقدت صفقة بقيمة 430 مليون دولار مع شركة
"ايران خودرو"- إيران للسيارات- لإنتاج 200 ألف سيارة في العام بدءاً من
عام 2017.
وبعد فرض حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية
على إيران، عقب خروج الأخيرة من الاتفاق النووي، علّقت بيجو سيتروين مشروعاتها
المشتركة مع مجموعة "بي اس ايه" الفرنسية لصناعة السيارات في إيران؛
وذلك لعدم التأثّر بفرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران.
-
شركة "الستوم" الفرنسية
للصناعات الثقيلة والطاقة:
وقعّت
اتفاقاً مع الحكومة الإيرانية في يوليو العام الماضي لإنتاج عربات المترو
والقطارات. وكان المدير التنفيذي لشركة "الستوم" الفرنسية في ايران،
فينسنت دورت، قد قال أواخر العام الماضي إن هناك خططاً لتوظيف مليار و200 مليون يورو
في مجمع "بارس" بآراك لصناعة عربات القطارات.
-
مجموعة رينو الفرنسية لإنتاج السيارات:
وقّعت
اتفاقاً بقيمة 660 مليون يورو مع الحكومة الإيرانية في أكتوبر الماضي؛ لزيادة حجم
إنتاجها في إيران من 200 ألف إلى 350 ألف سيارة.
-
شركة "سيمنز" الألمانية:
أبرمت الحكومة الإيرانية مع شركة سيمنز
الألمانية اتفاقاً يقضي ببناء أول مصنع مشترك في مجال إنتاج المعدات الكهربائية في
ايران، وكذلك البحث في طرق نقل المعرفة وتكنولوجيا بناء معدات جديدة في صناعة
الطاقة.
-
فولكس فاجن الألمانية للسيارات:
كانت الشركة قد أعلنت العام الماضي عن استئناف
عملها وإنتاجها لأنواع من السيارات وتصديرها إلى السوق الإيراني بعد انقطاع دام 17
عاماً. وبحسب إعلان الشركة، فإنه قد كان في خططها أن
تضخ إنتاجها بدءاً من أغسطس الماضي.
وكانت الشركة قد قررت في بداية عودتها للسوق
الإيراني انتشارها من خلال 8 مواقع بيع في
العاصمة الإيرانية طهران وفي عدد آخرَ من المدن المجاورة لها.
وهناك العديد من الشركات الأخرى التي قررت العمل
في إيران في مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، مثل شركة سانوفي
الإيطالية العاملة في المجالات الطبية وكذلك شركة "فيروفي ديلو ستاتو"
الإيطالية الحكومية للصناعات الثقيلة والتي قد أبرمت اتفاقاً مع إيران لتطوير شبكة
السكك الحديدية بها.
لماذا
تحاول هذه الشركات الخروج من السوق الإيراني؟
تحاول أغلب هذه الشركات الأوروبية العاملة في إيران
الخروج من سوقها بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خروج بلاده من الاتفاقية
النووية وإعادة فرض عقوبات جديدة عليها.
حيث إن هذه الشركات تخشي ضياع استثماراتها في إيران وفرض
عقوبات عليها من قِبل الولايات المتحدة نتيجة التعامل المالي أو الاقتصادي مع
طهران. فهذه الشركات من الممكن لها أن تفقد سوقاً ولكنها لا يمكن أن تقبل فقدان
أموالها أو أن تتعرض لعقوبات اقتصادية.
مستقبل الاتفاق النووي في ضوء خروج الشركات
الأوروبية من السوق الإيراني
كانت الحكومة الإيرانية تهدف بشكل أساسي من إبرام
الاتفاق النووي مع القوى الكبرى إلى التخلص من المشكلات الاقتصادية التي تعانيها، مما
دفعها مجبرة إلى الدخول في الاتفاق النووي عام 2015.
ومن جانبها، حققت الشركات الأجنبية، التي يغلب عليها
العنصر الأوروبي، بعض الصفقات مع إيران، ولم تستطع أخرى إكمال ما كانت ترغب
بتحقيقه داخل إيران، إلا أن جميع الشركات الأجنبية داخل إيران باتت تتفق على شيء
واحد الآن، ألا وهو خطورة بقائها داخل السوق الإيراني بعد خروج الولايات المتحدة
الأمريكية من الاتفاق النووي الشهر الماضي؛ وذلك تجنباً لتأثرها بهذه العقوبات،
كما سلف الذكر.
وتُعد مسألة خروج الشركات الأجنبية من
الاتفاق النووي نقطة حساسة للغاية عند تعامل الساسة الإيرانيين مع تطورات الاتفاق
النووي؛ ذلك لأن استمرار الاتفاق النووي في ظل خروج هذه الشركات من إيران، والتي
كانت تعمل على تنشيط الاقتصاد الإيراني بعد الحالة التي شهدها على مدى عشرات
السنوات، يعنى بالنسبة للإيرانيين انتهاء الاتفاق النووي فعلياً وأنه أصبح لا شيء؛
حيث إن طهران تريد من الاتفاق دعم الاقتصاد، وإلا فالخروج من منه مكسب أكبر من
البقاء فيه.
ولذا، فإذا استمر خروج الشركات الإيرانية من السوق الأوروبي،
فمن المتوقع ألا يتمسك الجانب الإيراني كثيراً به، فالاتفاق سيكون
"فراغاً" لا جدوى له. ولهذا، يحاول الإيرانيون، ومن خلال زياراتهم
المتعددة مؤخراً إلى الدول الأوروبية، وقف انسحاب هذه الشركات من إيران؛ حتى لا
تضطر الأخيرة لاحقاً إلى الخروج من الاتفاق النووي، الذي يمثل مكسباً أكبر للدول
الأوروبية وإيران أكثر من الأخيرة والولايات المتحدة، تلقائياً، مما يمكن له أن
يبشر بفتور جديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية ينعكس بدوره على التفاعلات
الإقليمية.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن خروج الشركات الأوروبية من السوق الإيراني يخدم بشكل مباشر كلاً من روسيا والصين؛ وذلك لأن خروج الشركات الأوروبية سيعنى استبدالها بشركات صينية وروسية تحل محلها، مما يعني أن موسكو وبكين هما من أكبر الرابحين من خروج هذه الشركات من إيران.