صعود وأفول الحركات: قراءة في دور العشائر والنقابات المهنية والإخوان في احتجاجات الأردن
يعاني
الأردن من شُحٍ كبير في موارده الاقتصادية؛ إذ تعتمد موازنة الدولة العامة بشكلٍ
كبير على المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الخليج،
والمنظمات الدولية المهتمة بشئون اللاجئين. ويواجه الأردن حالة من الفقر في موارده، وجوارٍ
غير مستقر فرض عليه مزيدًا من الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية؛ حيث يمثل الأردنيون
من ذوي أصول فلسطينية ما نسبته 60% من حجم السكان، وتشير دائرة الإحصاءات العامة
في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) أن الإحصاء الذي أُجري
خلال عام 2016 أبرز تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى 1.3 مليون لاجئ، كما تراجعت
أعداد اللاجئين العراقيين إلى 130 ألف.
وتحتضن الأردن أكثر من 600 ألف فلسطيني لا
يحملون أرقامًا وطنية أردنية. كان من الطبيعي أن تضغط هذه الأعداد دولة ذات موارد
شحيحة مثل الأردن، وهو ما ينعكس دائمًا على طبيعة الاحتجاجات التي يشهده الشارع
الأردني منذ مظاهرات 2011 التي رافقت أحداث الربيع العربي؛ إذ تكتسي طابع المظالم
الاقتصادية.
لذا فقد شهدت
الأردن أواخر مايو/أيار، وأوائل يونيو/ حزيران 2018 احتجاجات واسعة اعتراضًا على مشروع
قانون رفع ضريبة الدخل، والارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات. ونجحت
المظاهرات في تحقيق مطالبها بتعطيل مشروع قانون ضريبة الدخل، وإسقاط حكومة "هاني
الملقي" (1).
أفرزت
موجة الاحتجاجات فاعلين جدد في العملية السياسية مثل العشائر، والنقابات
المهنية، واختفى عن المشهد تيارات تقليدية مثل حركة الإخوان المسلمين التي
طالما هيمنت على الاحتجاجات في الأردن سواءً من خلال الدعوة لها، أو تحديد مطالبها
وشعاراتها، أو حتى قيادة عناصرها لها ميدانيًا. وسنحاول فيما يلي البحث في أسباب
غياب الإخوان عن صدارة المشهد في الأردن، وظاهرة نشاط المجتمع المدني والعشائري
سياسيًا.
العشائر كفاعل احتجاجي في
المشهد السياسي
لفت
انتباه المحللين السياسيين المهتمين بالشأن الأردني مشاركة قبائل وعشائر بارزة في الاحتجاجات؛
إذ تعد العشائر الأردنية من قوام بنية النظام السياسي، ويظهر ذلك في التحالفات
والدعاية الانتخابية، وبرز ذلك بشكلٍ مُلفت في نتائج انتخابات 2013؛ إذ شهدت
انتخابات 2013 اكتساح 37 عشيرة 91 مقعدًا من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 150
مقعدًا، وذلك بنسبة 60%، واستلهم ذلك تفكير المحللين السياسيين فيما أطلقوا عليه
"ديمقراطية العشائر"(2). والأمر نفسه برز في نتائج انتخابات
2016.
وشهدت
الاحتجاجات الأخيرة دعمًا ملفتًا من العشائر الكبرى في الأردن؛ حيث أصدرت عشيرة
"بني صخر" بيانًا لدعوة الأردنيين للاحتشاد في الشوارع لإقالة الحكومة،
وإلغاء الضريبة. واستجابة لدعوة العشيرة للاحتشاد، قام محتجون تابعون لـ "بني
صخر" بغلق طريق مطار الملكة علياء الدولي، وتكرر الأمر نفسه في مناطق متفرقة
بالأردن. على صعيدٍ آخر، أصدرت قبيلة "بني حسن" بيانًا شديد اللهجة ضد
القرارات الحكومية الأخيرة تحت مسمى "طفح الكيل وبلغ السيل الزبى"، ودعت
القبيلة أبنائها للاحتشاد في الشوارع (3).
وأشارت
بعض التقارير الصحفية عن اتصالات رسمية جرت مع وجهاء وشيوخ العشائر للضغط على
أبنائهم من أجل وقف التصعيد الذي تشهده شوارع الأردن، ولكن رفض الشيوخ التدخل
كوسطاء بين الحكومة والمحتجين، وأشارت التقارير نفسها أن هناك شيوخ قبائل أوصلوا
رسالات غضب إلى الحكومة نتيجة موقفها من ضريبة الدخل، وأكدوا مساندتهم لمطالب الدَّوّار
الرابع (4).
النقابات المهنية ومسألة
تصعيد الاحتجاج
على صعيد
المجتمع المدني، تصدرت النقابات المشهد الاحتجاجي الأردني؛ حيث دعا اتحاد النقابات
المهنية برئاسة "علي العيدوس" إلى مواصلة الاحتجاجات حتى تم إسقاط حكومة
"الملقي" ومعها مشروع قانون الضريبة على الدخل (5). وطالب اتحاد
النقابات على لسان رئيسه بتشكيل حكومة إنقاذ وطني للخروج من الأزمة الاقتصادية
التي كادت أن تعصف باستقرار الأردن.
أكد
"العيدوس" في بداية الأزمة ان جميع الخيارات متاحة للخروج من الأزمة
السياسية. إضافة إلى ذلك، رفضت النقابات المهنية في الأردن الإملاءات الخارجية بما
فيها الروشتة التي فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة الأردنية. انتقد اتحاد
النقابات الطريقة التي أُخرجت بها مشاريع القوانين والقرارات الاقتصادية الأخيرة
دون النقاش معها أو حتى فتح حوار مجتمعي حولها. وفي هذا السياق، تعتبر النقابات نفسها
شريكًا استراتيجيًا للحكومة في صنع السياسات العامة التي تمس معيشة الناس بشكلٍ
مباشر.
تُعزي
التحليلات السياسية المتابعة للشأن الأردني المشاركة القوية والفاعلة للنقابات
المهنية إلى أسباب تتعلق بمساس مشروع قانون الضرائب الجديد بالطبقة الوسطى التي
يشكل أعضاء النقابات المهنية قوامها. لذا اتخذ الاتحاد قرارات حاسمة بشأنها، بدأت
بالتهديد بالخطوات التصعيدية قبل أن يتم إقالة حكومة "الملقي"، وتكليف
"عمر الرزاز" الذي بدأ ولايته بإلغاء مشروع قانون الضريبة الجديدة وعرضه
مرةً أخرى للحوار الوطني.
وشهدت
ساحة "مجمع النقابات" في العاصمة عمّان احتشاد محتجون استجابة لدعوة
النقابات المهنية، للاحتجاج على مشروع قانون ضريبة الدخل وطالب المشاركون في
الوقفة الاحتجاجية، بالإصلاح الاقتصادي، ورفض النهج الاقتصادي المعمول به حاليًا
(6).
حراك الأردن: لماذا غاب
الإخوان؟
أثار
غياب الإخوان المسلمين عن تركيبة المشهد الاحتجاجي في الأردن تساؤلات عديدة خاصة أن
الإخوان اعتادوا تصدر المشهد السياسي هناك. وعكست الاحتجاجات الأخيرة تراجع دور
المعارضة الإسلامية التقليدية لصالح قوى غير إسلامية نقابية ومهنية، وعشائرية غير
منظمة سياسيًا، وهو ما ظهر في مشهد الدَّوّار الرابع وساحة "مجمع النقابات"؛
إذ قادت القوى المهنية والعشائرية فضلًا عن الشبابية هذا الحراك. واكتفى التنظيم
بإصدار البيانات التي تهاجم الحكومة، وتحملها ما آلت له الأوضاع، وطالب الإخوان في
بياناتهم بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
جدير
بالذكر، الإشارة إلى اتجاه الشعارات المرفوعة في الاحتجاجات، والتي اقتصرت على
المطالب الاقتصادية دون غيرها، واختفت شعارات الأحزاب والحركات.
ويُعزى غياب
الإخوان عن مشهد الاحتجاجات في الدَّوّار الرابع إلى العديد من الأسباب مثل طبيعة
الظروف الإقليمية، والاقتصادية، وكذلك التفاعلات السياسية داخل الحركة. وسنوجز
بعض هذه الأسباب فيما يلي:
1-
طبيعة الظروف التي يمر بها التنظيم الدولي للإخوان؛ حيث
يعاني تيار الإسلام السياسي من أفولٍ في الحركة، نتيجة حظر نشاطه في مصر،
والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
2-
العلاقة الخاصة التي تربط النظام السياسي الأردني بقوى
المعارضة بما فيهم الإخوان؛ إذ يسمح لهم بالمشاركة السياسية. بالإضافة إلى ذلك،
واجه الملك "عبد الله بن الحسين" الاحتجاجات بحكمة كبيرة بدت في التعامل
الأمني مع المحتجين، وكذلك القرارات المبكرة التي اتخذها مثل قرارات إقالة الحكومة
التي اتخذت قراراتها سريعًا بإزالة أسباب الاحتقان. منعت هذه السياسة حركة الإخوان
من استغلال تطور الأحداث السياسية لصالحهم.
3-
تغير المزاج الشعبي الأردني تجاه الإخوان، وهو ما قد
يبرر غيابهم عن المشهد. يؤكد ذلك الخسارة التاريخية التي مُني بها التنظيم في
الانتخابات النيابية 2016؛ حيث حصد 16 مقعدًا من أصل 130 مقعد (7)، إضافة
إلى خسارته الأكبر؛ إذ خسر انتخابات نقابة المهندسين لأول مرة منذ عام 1992.
4-
طبيعة الفئة التي استهدفتها التعديلات الضريبية، وهي
الطبقة الوسطى، فيما تتمثل القاعدة الشعبية للإخوان في المخيمات والمناطق ذات
الكثافة السكانية العالية، وهم من الطبقة التي لن يؤثر عليها قانون ضريبة الدخل
بشكل كبير لأنها غير مشمولة (8).
ختامًا؛ رغم أن احتجاجات الدَّوّار الرابع جاءت سريعة ودرامية، إلا أنها ستنعكس على جوهر التفاعلات السياسية داخل النظام السياسي الأردني؛ إذ أفرزت الاحتجاجات فواعل جديدة لم تكن لتمارس هذا الدور من قبل مثل القوى العشائرية واتحاد النقابات. من ناحيةٍ أخرى، مثَّل غياب الإخوان عن المشاركة فرصة أمام قوى الحراك المدني لعدم تسييس الاحتجاج وإخراجه عن جوهر مطالبه الاقتصادية.
الهوامش
1- استقالة هاني الملقي
وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة في الأردن (4/6/2018)، BBC عربي، الرابط
2- محمد الداعمة، الأردن: ديمقراطية العشائر (20/3/2013)، الشرق
الأوسط، الرابط
3- الأردن يشهد مناخ “تصعيد شعبي”: احتجاجات في كل مكان ضد
“لصوص البلد” واتهامات لـ”خلية الشر” ببث “الفوضى” (1/6/2018)، القدس العربي، الرابط
4- الأردن.. الاحتجاجات تتصاعد وتتّسع والعشائر تدخل على
الخط (11/6/2018)، الخليج أونلاين، الرابط
5- المرجع
السابق.
6- النقابات
في الأردن "ماضية في التصعيد" ضد قانون الضرائب (6/6/2018)، BBC عربي، الرابط
7- مكاسب للإخوان المسلمين والنساء في انتخابات الأردن
(23/9/2016)، BBC عربي، الرابط
8- شهاب
المكاحلة، لماذا غاب الإخوان المسلمون عن إضرابات الأردن؟ (7/6/2018)، الشعب نيوز،
الرابط