مستقبل الدور الإيراني في العراق بعد الانتخابات البرلمانية
بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق وما تبعها من حصول تيارات شيعية يُنظر
إليها على أنها موالية لإيران على نسبة كبيرة من الأصوات، تصاعدت الأصوات التي
تحذّر من تصاعد الدور الإيراني في العراق.
إن تحقيق تيارات عراقية موالية لإيران فوزاً
كبيراً في الانتخابات الأخيرة أمر ظاهر وربطه بالدور الإيراني هناك أمر لا غضاضة
فيه، إلا أن نظرة أخرى ومن زاوية ثانية ربما تكشف لنا عن تفسير آخر عن بعض
الاختلاف فيما يخص مستقبل الدور الإيراني بالعراق بعد هذه الانتخابات البرلمانية.
وذلك هو ما سنحاول تناوله فيما يلي من خلال إلقاء الضوء على كلٍ من تداعيات
ومستقبل الدور الإيراني في العراق بعد الانتخابات الأخيرة.
أولاً-
دلالات الانتخابات العراقية الأخيرة
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق النتائج
النهائية يوم 19 مايو الجاري. وطبقاً لما أعلنته، فقد حقق تحالف
"سائرون" الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر نجاحاً بوصوله إلى
54 مقعداً في البرلمان. أما تحالف "الفتح" الذي يقوده هادي العامري،
زعيم منظمة بدر المدعومة والموالية لإيران، فقد حصل على 47 مقعداً محققاً بذلك
المركز الثاني. أما المركز الثالث فحققه ائتلاف "النصر" بقيادة رئيس
الوزراء العراقي حيد العبادي، حيث حصل على
42 مقعداً.
إلا
أنه لا ينبغي القول إن حصول ائتلاف "سائرون" على أكبر النسب من المقاعد
يعني أن مقتدى الصدر سيكون رئيس الوزراء العراقي المقبل؛ فتركيبة المشهد السياسي
العراقي تلزم حدوث توافقات داخلية لتشكيل الحكومة، ولا يعني حصول ائتلاف أو تيار
سياسي على أكبر النسب في الانتخابات بأنه سيشكل الحكومة المقبلة.
وبعيداً عن احتمالية تشكيل تحالف ما أو غيره
للحكومة العراقية القادمة، فإن الانتخابات ذاتها تبعث بدلالات داخل المجتمع
العراقي تستوجب إلقاء الضوء عليها:
(1) رفض طوائف الشعب العراقي للنفوذ الإيراني: أبرز تحقيق تحالف "سائرون" الذي يقوده رجل
الدين الشيعي مقتدي الصدر فوزاً كبيراً بالانتخابات الأخيرة رفض الشعب العراقي للدور
الإيراني داخل العراق؛ وذلك لأن مقتدى الصدر يُعرف أنه نشأة خلاف بينه وبين إيران بسبب
ميله إلى القومية إلى حد ما بدلاً من الانجرار وراء إيران. كما أن الشيوعيين
العراقيين والعلمانيين كانوا حلفاء للصدر في الآونة الأخيرة، وكل هذه الأطراف
تعارض الدور الإيراني المتوسع في العراق.
فالتيار الصدري يعارض توسّع الدور الإيراني في العراق،
على الرغم من أن طهران هي التي ساعدته في الوصول إلى هذه المكانة السياسية
والدينية فيه. إلا أن الصدر ومؤيديه يعلنون بصراحة معارضتهم لدور إيراني كبير في العراق،
وهو ما يثير قلق الجانب الإيراني باستمرار. كما أن توجه الصدر إلى توثيق علاقاته
مع الدول الخليجية قد أثّر كثيراً في علاقاته مع إيران والأطراف الشيعية الأخرى في
العراق.
ويميل التيار الصدري العراقي بشكل ما إلى التيار القومي
أكثر منه إلى موالاة إيران، وهو ما أوقعه، ولا يزال، في العديد من المشكلات معها. حيث بدأت الخلافات بين مقتدى الصدر وإيران منذ
حوالي 4 سنوات وقتما نشبت خلافات بينه وبين حكومة نوري المالكي، سافر الصدر بعدها
إلى إيران ثم عاد وبدأ يخرج من دائرتها.
وتأججت الخلافات أكثر في الآونة
الأخيرة بين الصدر وإيران والجماعات المسلحة الموالية لها في العراق، وذلك بعد تأسيس
الحشد الشعبي العراقي ومطالبة الصدر بحل الحشد الشعبي مما أتبعه موجة حادة من
الانتقادات الإيرانية. وقد تحاورت إيران مع المرجع العراقي البارز على السيستاني
بهذا الصدد، حيث حاولت إيجاد وساطة من السيستاني لإرجاع الصدر إلى "الدائرة
الشيعية الإيرانية في العراق"، إلا أنه من الواضح أن هذه النتائج لم تفض إلى شيء.
وكشفت تقارير خلال الآونة الأخيرة عن تداول خطة لدى
المسؤولين الإيرانيين حول استبدال الصدر بشقيقه مرتضي كزعيم للتيار وذلك بعد
زيارته للمملكة العربية السعودية. حيث إن الساسة الإيرانيين ينزعجون كثيراً
من توجه أي طرف شيعي عراقي مهما كان إلى الدول الأخرى الإقليمية ف المنطقة، وخاصة
الدول الخليجية.
(2)
تشكيك العراقيين بالحشد الشعبي الموالي لإيران: فلقد أبرزت نتائج الانتخابات وحصول ائتلاف
"الفتح" بزعامة هادي العامري على
47 مقعداً، أي على المركز الثاني، مقابل تحقيق "سائرون" نسبة
أكبر عدم ثقة أو اطمئنان الكثير من العراقيين إلى الحشد الشعبي، وذلك على الرغم من
دوره البارز في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.
إلا أن النتائج أبرزت أن الحشد الشعبي، وقائده
هادي العامري، لا يلقى بقبول عراقي واسع؛ حيث يري الكثير من العراقيين الحشد
الشعبي موالياً لإيران. وهذه النقطة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسابقتها، وهو ما يؤكد
أن الشعب العراقي بمجمله لا يميل ولا يحبذ تنامي الدور الإيراني داخل أراضيه.
(3) إمكان تحجيم النفوذ الإيراني في العراق من خلال الاعتماد على التيار
الصدري والقوميين والبعثيين: اشتملت قائمة
"سائرون" الصدرية على عِلمانيين وشيوعيين عراقيين إلى جانب التيار
الصدري المعروف. ونجاح هذه الاتئلاف له دلالة من نوع خاص، ألا وهي إمكان الاعتماد
على القوى العراقية الأخرى غير الطائفية لتحجيم أو إنهاء الدور الإيراني في العراق
تدريجياً.
ففي ظل سعي الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة
الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ومستشاريه وزعماء الأجهزة الاستخباراتية
والوزارات الأخرى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، والتي من بينها وأهمها
العراق، تبرز هنا نقطة في غاية الأهمية ، ألا وهي إمكان دعم التيارات العِلمانية
والقومية في العراق؛ بغية تحجيم النفوذ الإيراني في هذا البلد، والذي بتحجيم
النفوذ الإيراني فيه، سيتم تحجميه في باقي بلدان الشرق الأوسط بشكل تدريجي
وتلقائي.
(4) إشكالية مدى سيطرة إيران على القرار السياسي في العراق:
أثبتت الانتخابات العراقية الأخيرة أنه
لازالت هنالك معارضة سياسية بشكل ما في العراق ضد إيران وأنها من الممكن لها أن
تحقق فوزاً وشعبية كبيرة لدى الشارع العراقي. فعلى الرغم من انتشار التيارات
السياسية و"العسكرية" العراقية الموالية لإيران في العراق وسيطرتها على
مقدرات الأمور السياسية والعسكرية في العراق، إلا أنه لازالت هنالك مساحة
واحتمالية كبيرة لفوز ونجاح قوى أخرى قومية أو علمانية أو دينية لا تتوافق مع
إيران في العراق. وهذا كله يضع إشكالية حجم النفوذ الإيراني ومداه في العراق محل
تساؤل؛ حيث إن عدداً من القوى الداخلية لاتزال ترى في إيران دخيلاً عليها أو
"محتلاً" للعراق.
ثانياً-
مستقبل الدور الإيراني في العراق بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة
يُعتقد أنه وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة
في العراق أن تتصارع تيارات دينية وعلمانية وقومية في العراق، وذلك على النحو
التالي:
(1) تصاعد المد القومي وتضاؤل نفوذ إيران: يُتوقع أنه إذا ما سارت الأمور على ما هي عليه بفوز
ائتلاف "سائرون" بالأغلبية البرلمانية في العراق أو أن يشكل الحكومة أن يشهد
النفوذ الإيراني في العراق تضائلاً واضحاً ومنافسة جدية من قِبل التيار الصدري،
وهو ما يُتوقع أن تتداركه إيران مبكراً. وذلك في ظل عدم إمكان تشكيل حكومة عراقية
جديدة بدون حدوث توافق بين التيارات والأحزاب والائتلافات العراقية المختلفة.
إلا أنه وبأي حال من الأحوال فإن المد القومي العراقي
المناهض لإيران في العراق بات واضحاً بعد الانتخابات الأخيرة ونتائجها المعنلة.
ومن ناحية أخرى، فإنه إذا ما سارت الأمور هكذا فسيلقى النفوذ الإيراني في العراق مواجهة
من بعض القوى المناهضة لها وكذلك سيلقى منافسة خارجية من دول إقليمية، إلا أنه من
غير المتوقع أن يسيطر التيار الصدري، على الرغم من نفوذه بالعراق، على المشهد
السياسي العراقي الرسمي؛ وذلك لأن تشكيل الحكومة العراقي يستوجب حدوث توافقات
سياسية عراقية داخلية.
(2) احتدام الصراع بين الدول العربية الإقليمية وإيران في العراق: وذلك نتيجة لاختلاف التوجهات ما بين التيار الصدري، إلى
حد ما، وأغلب التيارات الأخرى العراقية. فمن المتوقع أن تشهد الساحة الإقليمية حول
العراق في الأيام القادمة تنافساً في الأدوار داخل العراق ما بين دعم التيار
الصدري أو تيار "الفتح" و ائتلاف "النصر".
(3) الصراع المتوقع بين التيار الصدري والحشد الشعبي: إن حصول التيار الصدري العراقي على أعلى نسبة في الانتخابات الأخيرة في ظل ما سبق ذكره من خلافات بينه وبين إيران وفي ظل حصول ائتلاف الحشد الشعبي "القتح" بقيادة هادي العامري على المركز الثاني في الانتخابات وكذلك بعدما قدّمه الحشد الشعبي من جهود في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي من الممكن أن يجعل هناك تصادماً بين الحشد الشعبي الموالي لإيران والتيار الصدري في ظل ما هو قائم بالفعل من خلافات بينهما؛ فالحشد الشعبي يرى أنه هو من واجه داعش وهو الأحق بالمكانة السيطرة على المكانة السياسية والعسكرية في العراق.