حصار إيران ومستقبل العلاقات الإيرانية - القطرية
شكل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من
الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018م، والمقرر انتهاءه 2025م، بادرة لسلسة من
العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران وحلفاءها، والمنظمات التابعة
لها؛ حيث كشفت وزارة الخزانة الأميركية عن تفاصيل العقوبات التي ستفرضها الإدارة الأمريكية
مجددًا على إيران، وسيتم إلغاء الصفقات الخاصة بشركتي بوينغ وإيرباص مع إيران والتي
تقدر بمليارات الدولارات، كما تعتزم اتخاذ إجراءات إضافية لعقاب طهران على برنامجها
للصواريخ الباليستية وما وصفته بأنشطتها الخبيثة في الشرق الأوسط. وتضمن العقوبات
(حظر تجارة طهران للألمنيوم - قيود على تعاملات البنك المركزي الإيراني مع المؤسسات
المالية العالمية - حرمان الحكومة الإيرانية من شراء الدولار - فرض قيود على المعاملات
بالريال الإيراني خارج البلاد - استئناف العقوبات على أفراد لهم علاقة بالنظام الإيراني).
تقارب
إيراني – قطري
شهدت العلاقات الإيرانية القطرية في الفترة الأخيرة
مزيدًا من التقارب، خاصة بعد المقاطعة الخليجية ومصر لها في 5 يونيو 2017م، وذلك على
خلفية اتهامات بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المختلفة، وبالرغم من وجود
خلافات سابقة بين دول الخليج وقطر تجاه سياسة الأخيرة، إلا أن هذه الخلافات شهدت
تصعيدًا وتفاقمت بشكل غير مسبوق في هذا الوقت، والسبب هو تصريحات أدلى بها أمير قطر
ينتقد خلالها السياسة السعودية ويعتبر معاداة إيران باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة لا
فائدة منها، إضافة إلى رفضه نعت جماعة حزب الله على أنها إرهابية معتبرًا إياها جماعة
مقاومة.
إن ايران تبذل مساعي حثيثة للارتقاء بعلاقاتها مع الدول المجاورة
لها، ولعل الخلافات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، شكل المحرك الأساسي
للتقارب الإيراني القطري، والذي توج بعودة السفير القطري الى طهران في 23 أغسطس
2018م.
الجدير بالذكر أن العلاقات الإيرانية – القطرية، شهدت مزيدًا
من التوتر على خلفية التصعيد المتبادل بين السعودية وإيران من طرف، ومجلس التعاون
الخليجي وإيران من طرف آخر، وذلك عقب هجوم مجموعة من الإيرانيين على السفارة
السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد واحراقهما، احتجاجًا على اعدام الرياض الشيخ نمر
النمر و47 آخرين في 2 يناير 2016م، بسبب التحريض على الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها
منطقة القطيف، شرقي السعودية، عام 2011م.
ورغم الاختلافات بين قطر وإيران في سوريا، وموقفهم من
النظام السوري بقيادة بشار الأسد؛ حيث تدعم إيران النظام السوري، في حين تدعم قطر
الجماعات المعارضة وتمولها بالدعم المالي والعسكري، إلا أن هذا الخلاف كان يتخلله احيانًا
اتفاقيات بين الموالين لإيران والموالين لقطر في سوريا، كالاتفاق الذي جرى بين حزب
الله وجبهة النصرة فيما يتعلق بالفوعة وكفريا من جهة ومضايا والزبداني والحجر الأسود
ومخيم اليرموك من جهة أخرى، وكذلك الاتفاق بين الحزب والنصرة بخصوص اجلائهم من بلدتي
عرسال والقاع اللبنانيتين.
إن العلاقات الإيرانية – القطرية، تشهد تطورًا ملحوظًا
في الفترة الأخيرة، على الرغم من القلق العربي المتنامي تجاه السلوك الإيراني
وتدخلاته في الشئون الداخلية واستمرار نشاطاتها النووية، والمطالبات العربية
المتتالية المجتمع الدولي باتخاذ مواقف صارمة تجاه إيران، ومن المؤكد أن العلاقات بين
البلدين ستتطور وتتعزز ما دامت القطيعة مستمرة بين الدوحة والدول العربية المقاطعة،
إلا أن ارتقائها الى المستوى الاستراتيجي يتوقف على قرار تتخذه الحكومة القطرية في
هذا الشأن.
يذكر أن العلاقات الإيرانية القطرية شهدت بوادر تقارب من
قبل؛ ففي عام 2006م، كانت قطر العضو العربي الوحيد الذي لم يصوت مع القرار رقم
1696، المتعلق بمطالبة إيران بمزيد من الشفافية حول برنامجها النووي، وبذلك غردت
قطر خارج السرب العربي، في الوقت الذي تطالب الدول العربية باستخدام القوة
العسكرية ضد طموحات إيران النووية.
تبع ذلك العديد من الإجراءات التي عززت التقارب بين
البلدين؛ حيث وقعتا اتفاقية أمنية وعسكرية في أكتوبر 2015م، تحت مسمى "مكافحة
الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة"، والتقى في ذلك الوقت قائد
حرس الحدود الإيراني "قاسم رضائي" بمدير أمن السواحل والحدود في قطر "علي
أحمد سيف البديد" وانتهى اللقاء بتوقيع اتفاقية تعاون باسم "حماية الحدود
المشتركة" بين البلدين.
ولعل الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني "حسن
روحاني" مع أمير قطر في 7 يونيو 2017م، أي بعد المقاطعة العربية لقطر، الذي
أكد فيه "روحاني"، على أن بلاده تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع قطر على
الصعيدين السياسي والاقتصادي، وعليه أعلن أمير قطر، أن علاقة بلاده بإيران علاقة
عريقة وتاريخية وراسخة، داعيًا إلى تعزيز تلك العلاقات.
مؤخرًا؛ أصدرت الخارجية القطرية بيانًا بشأن انسحاب الولايات
المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، الموقع عام 2015 بين إيران ودول
(5+1)، الذي أقره مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2231، الذي دعت فيه الدوحة، جميع
الدول والقوى الفاعلة وشركاء الاتفاق النووي الإيراني إلى ضبط النفس وتسوية الخلافات
بالحوار.
في الوقت
الذي تتبني فيه الولايات المتحدة استراتيجية جديدة بقيادة ترامب تجاه طهران لتؤكد على
مواجهة إيران وملف الأمن المتعلق بالمنطقة، وهو ما سينعكس بالضرورة على العلاقات
الإيرانية – القطرية.
قطر
والمواجهة الأمريكية
واشنطن تدعو الدوحة لوقف دعم الجماعات الإرهابية المدعومة
من إيران؛ وفقًا لصحيفة
التيلغراف في عددها الصادر بتاريخ 13 مايو 2018م؛ حيث دعا الرئيس الأميركي ترامب، قطر
إلى وقف تمويل المليشيات الموالية لإيران وذلك بعد الكشف عن عدد من رسائل البريد الإلكتروني
مُرسلة من مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة القطرية إلى أعضاء قياديين في منظمات كحزب
الله وإلى كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني من بينهم حسن نصر الله وقاسم سليماني.
وتأتي الدعوة الأميركية لقطر بمراجعة علاقاتها مع إيران والجماعات الإرهابية المدعومة
من قبلها في بعد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية.
وهو ما يوضح بأن التقارب القطري - الإيراني تقارب قديم في
أهداف مشتركة واحدة، مصلحة واحدة هي "تقويض الأمن في المنطقة" عن طريق دعم
التنظيمات المسلحة ودعم من يساندها لوجيستيًا.
ولعل هذا التوجه الجديد للإدارة الأمريكية يعكس طبيعة
العلاقات الأمريكية – القطرية في الفترة المقبلة، خاصة وأن الولايات المتحدة من
قبل، وأبان المقاطعة العربية لقطر، تبنى سياسة من شأنها تحقيق التقارب الخليجي –
الخليجي، وطالب ترامب مؤخرًا في 12 أبريل 2018م، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز
التوصل لحل سريع للأزمة الخليجية القائمة منذ ما يقرب من عام بين السعودية والإمارات
والبحرين تدعمهم مصر من جهة وقطر من جهة أخرى، في إشارة منه إلى أن الاهتمام
الأمريكي يعمل على نصب تركيز الرئيس دومًا على إيران وبرامجها النووية والصاروخية التي
تهدد دول الخليج جميعًا، إلا أن تصريحاته الأخيرة جاءت مناوئة لهذه الرغبة، وذلك
من خلاله اتهامه قطر بدعم المنظمات الإرهابية الإيرانية.
هذه الاتهامات جاءت بعد سلسلة من التقارب الأمريكي –
القطري؛ حيث تحسنت العلاقات بينهم، كما أن الرئيس ترامب شكر الشيخ "تميم بن حمد
آل ثاني" في 15 يناير 2018م، على إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله،
فبعد أن كان ترامب يريد تسوية الخلاف من أجل استعادة الوحدة بين دول الخليج العربية
وتوحيد الجبهة أمام إيران، أعلن عن تحول موقفه تجاه قطر وسياساتها.
وتأتي الردة الأمريكية في النظر إلى طبيعة الدور القطري،
بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران بصورة منفردة، لتسلط الضوء
مجددًا على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه حلفاء إيران حال ثبوت تورطهم في
أعمال إرهابية.
يذكر أن السعودية والإمارات والبحرين ومصر، كانوا قد أعلنوا
في 5 يونيو 2017م، مقاطعتهم لقطر، على خلفية اتهامات للأخيرة بدعم الجماعات
الإرهابية، ومن قبل في مارس 2014م، سحبت كلًا من السعودية والبحرين والامارات سفرائها
لدى قطر بسبب ما وصفوه بعدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها سابقًا بمجلس التعاون
الخليجي، وذلك لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية.
وجاءت أبرز البنود المتعلقة بالاتفاق متعلقة بوقف دعم تنظيم
الإخوان، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول
مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن
يخرب العلاقات الداخلية أو العلاقات مع الدول المحيطة، إلى جانب الالتزام بالتوجه السياسي
الخارجي العام الذي تتفق عليه دول الخليج، وإغلاق المؤسسات التي تدرب مواطنين خليجيين
على تخريب دولهم.
إلا أن عدم الالتزام ببنود ذلك الاتفاق يجعل الأزمة الحالية
أكثر تعقيدًا ويضع الدوحة في موضع من "لا يفي بتعهداته والتزاماته"، بعدما
أثبتت الممارسات على مدى 3 سنوات أن قطر جعلت من اتفاق الرياض مجرد "حبر على ورق".
إجمالًا: يأتي الموقف الأمريكي تجاه قطر متوافقًا مع الرؤية العربية المتعلقة بتورط قطر في وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الحصار الإقليمي والدولي عليها، وما يمكن أن يتطور لمرحلة فرض عقوبات دولية بجانب العقوبات العربية، مما يضع إيران وقطر في سلة واحدة من الاستهداف.