قراءة في خطاب ترامب حول الانسحاب من البرنامج النووي الإيراني
"لا يزال هذا القرار هو الإطار القانوني الدولي الملزم لحل النزاع
حول البرنامج النووي الإيراني" كان ذلك أول رد فعل كل من رئيسة الوزراء البريطانية
تيريزا ماي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في
بيانهم الصادر للرد على ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8-5-2018 بخصوص
خروج بلاده من الاتفاق النووي الإيراني.
يُعبر مضمون البيان المذكور آنفاً عن حالة الارتباك في
المشهد السياسي الدولي بعد إعلان ترامب عن الانسحاب، وفي التالي سيتم عمل تحليل للدلالات
والرسائل التي قدمها في خطابه إلى القيادة الإيرانية والفواعل الإقليمية والدولية.
الأسباب
التي دفعت ترامب لاتخاذ القرار
وصف الرئيس الأمريكي الاتفاق النووي بمصطلحات
"كالاتفاق الهدام" و"الصفقة الإيرانية المعيبة" بما يوضح وجهة
نظره في الاتفاق الذي تم توقيعه مع إيران عام 2015 في عهد الإدارة الأمريكية
السابقة عليه بقيادة باراك أوباما، ويمكن من خلال خطاب ترامب استنتاج مجموعة من
الأسباب التي دفعته لإعلان انسحاب بلاده من الصفقة، وتتمثل في رؤيته بأن الاتفاق لم
يؤدى لحماية الولايات المتحدة من التهديدات التي يُحدثها البرنامج النووي لإيران،
بل على العكس سمح لها مواصلة تخصيب اليورانيوم، فضلاً عن استغلالها رفع العقوبات
وانفقت مليارات الدولارات من أجل تمويل الإرهاب في الشرق الأوسط وأماكن أخرى كثيرة
حول العالم.
واعتبر ترامب أن النتيجة المتوقعة للاستمرار في الصفقة
هي تقوية النفوذ الإيراني، بما سيؤدى في نهاية الأمر إلى سباق تسلح نووي في الشرق
الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار أن آليات التفتيش لا تسمح بكشف التلاعب ومعاقبته بل
لا يوجد بالأساس حق بالتفتيش على المواقع الهامة ومنها العسكرية.
ومن الجدير بالذكر أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق كان
أمراً متوقعاً، حتى ولو لم يُقدم ترامب هذه الأسباب في خطابه، فهو منذ بدء حملته
الرئاسية يُبدي بين الحين والأخر عدم قبوله للصفقة الإيرانية، إلى جانب أن فريقه
الجديد للأمن القومي بإشراف جون بولتون ومايك بومبير من أكبر الداعمين له على
اتخاذ هذه الخطوة، فقد كان بولتون معارضاً بشدة للاتفاق النووي، ويرى أنه سوف يُخضع
الولايات المتحدة لإيران.
أبرز
ما جاء به الخطاب
شمل الخطاب عدد من الجوانب والتي تحمل رسائل هامة لإيران
وحلفائها، وتمثلت في أولاً حرص ترامب على تكرار فكرة أن الاتفاق لم يؤدى
إلى وقف طموحات إيران النووية، ولم يمنعها من تطوير الأسلحة ودعم الإرهاب، ثانياً
أن اتخاذه للقرار تم بعد تشاورات مع مختلف القوى الدولية كبريطانيا، وكذلك القوى
الاقليمية في الشرق الأوسط، ليُعطي مظهراً بأن هذا القرار لم يُصدر بشكل فجائي وأن
هناك جولات من النقاش تمت حول هذا الأمر، على سبيل المثال ناقشت رئيسة الوزراء
البريطانية تيريزا ماي موضوع الاتفاق مع الرئيس ترامب في أكثر من 12 مكالمة
هاتفية.
ثالثاً تأكيده
على التزام واشنطن بإعادة العقوبات على النظام الإيراني، وبتطبيق أعلى مستوى من
العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى معاقبة أي دولة تتعاون مع إيران في الحصول على
السلاح النووي، وقد استخدم لهجة حادة في تعبيره عن هذا الأمر عندما وضح بأنه
"إذا مازال النظام يصبو للسلاح النووي ستكون له مشاكل أكبر مما صادف في
تاريخه".
ورابعاً
توجيهه رسالة إلى الشعب الإيراني، الذى وصفه بأنه يرث بلد وثقافة عريقة، ويعيش تحت
ديكتاتورية فظيعة منذ 40 عاماً، ويعيش محروماً من السلام في محيطه الاقليمي
والعالمي، ومن ثم يستحق حكومة تحترم آماله في إشارة منه إلى تقديره إلى الشعب الإيراني
وأن خلافه بالأساس مع حكومته ذات الطبيعة العدائية، وكأنه يوضح بأنها المسئولة عما
آلت إليه أوضاع البلاد داخلياً وخارجياً.
وأخيراً
اختتم الرئيس الأمريكي خطابه مقدماً رسالة للقادة الإيرانيين أبدى فيها استعداده
بعقد اتفاق جديد مستدام إذا أرادوا ذلك، يترتب عليه الكثير من النتائج الإيجابية
لإيران وللشرق الأوسط كله، بما يعني أنه يفتح الباب أمام إيران لإعادة التفكير في
مواقفها الرافض لأى صفقة جديدة.
مستقبل
الصفقة في الخطاب
برغم من إبداء ترامب استعداده للتفاوض مع الإيرانيين حول
تسوية جديدة للبرنامج النووي، فإنه لم يذكر أي ملامح أو مبادئ عامة تقوم عليها
الخطة الجديدة، ربما لأنه تعمد إغفال ذلك أو لأن هذا الأمر سابق لأوانه، كما يدل ذلك
من ناحية أخرى عن إيمانه الشخصي بقدرته على التوصل إلى اتفاق أفضل مما تم في عهد
سلفه أوباما، وقد يدفع ما سبق للتساؤل عن الأسباب التي تجعل إيران تقبل بمفاوضات
جديدة، مع الأخذ في الاعتبار أن بريطانيا وألمانيا وفرنسا لم ينسحبوا من الاتفاق،
وأن الولايات المتحدة لن تستطع أن تقوم بأي اتفاق جديد دون دعم من الأوروبيين
وروسيا والصين.
كما أن تكرار حديث ترامب على التدخل الإيراني في دعم الإرهاب في سوريا واليمن ثم إشارته للتشاور مع القوي في الشرق الأوسط، قد يحمل في مضمونه أن مثل هذه الصفقة المستقبلية إن وافقت عليها إيران ممكن أن تُشارك فيها بعض الأطراف الشرق أوسطية المُتضررة من ممارسات طهران في المنطقة، وخاصة أن ذلك يتماشى مع مخرجات قمة الظهران العربية التي عُقدت في السعودية 15 أبريل 2018، والتي طلبت فيها الدول العربية من المجتمع الدولي تشديد العقوبات على إيران وميليشياتها ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية وتزويد جماعة الحوثيين بالصواريخ الباليستية، كما أعلنت رفضها للتدخل في شئونها الداخلية بتأجيج الصراعات المذهبية.