الإسهامات الفكرية للدكتور قدري حفني
رحل المفكر الكبير الدكتور قدرى حفنى أستاذ علم
النفس السياسي بجامعة عين شمس عن عمر يُنهاز الثمانين عاماً، بعد مسيرة علمية
وأكاديمية هائلة، خلفت تراثاً كبيراً في مجال البحث السياسي من منظور علم النفس؛
وذلك للكشف عن الحقائق الاجتماعية وتقديم النقد للجوانب السلبية فيها من أجل إصلاح
أوضاع المجتمع.
سيرته الذاتية
ولد الدكتور قدرى في 13 أغسطس 1938 بمحافظة القاهرة،
وحصل على ليسانس الآداب من قسم علم النفس بجامعة عين شمس، ثم الماجستير عام 1971 والدكتوراه
عام 1974، وشغل العالم الجليل العديد من المناصب على مدار حياته العلمية منها أستاذ
علم النفس غير المتفرغ بمعهد الدراسات العليا للطفولة، وأستاذ منتدب بمعهد البحوث
والدراسات العربية إلى جانب كتاباته بجريدة الأهرام منذ عام 2005، فضلاً عن كونه عمل
مستشاراً لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، ومثل مصر في الملتقي الأوروبي العربي
بأسبانيا، وشارك في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 إلى جانب مشاركته في العديد من
الفعاليات العربية والدولية.
كما حاز الدكتور حفني على عدد من الأوسمة والنياشين
تقديراً لجهوده في مجال البحث العلمي منها جائزة زيور للعلوم النفسية من مركز
الدراسات النفسية والنفسية-الجسدية بلبنان عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية في
العلوم الاجتماعية عام 2000، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1973،
وأيضاً جائزة الدولة التشجيعية في علم النفس عام 1972.
ونشر المفكر الراحل عدد من المؤلفات من أبرزها: حول
التفسير النفسي للتاريخ 1970، ورأى في نشأة علم النفس 1970، والدراسات النفسية بين
التشابه والاختلاف 1970، وعلم النفس الصناعي والصراع الطبقي 1971، وتجسيد الوهم:
دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية 1971 بالإضافة إلى مجموعة من الترجمات
والدراسات والمقالات في مجالات علم النفس.
العوامل المساهمة في تكوين شخصيته البحثية
تأثرت شخصيته البحثية بعدد من العوامل الناتجة عن المناخ
الذى تواجد فيه الكاتب منذ التحاقه بالجامعة في الخمسينيات من القرن الماضي؛ حيث
بدأت تظهر إرهاصات ثورة يوليو 1952 في ذلك الوقت، وبدأت تطرق الأذهان كلمات مثل
الاقطاع والاحتلال البريطاني والدين وغيرهم، كما بدأت تصعد إلى السطح أسماء كمحمد
نجيب وجمال عبد الناصر وخالد محي الدين، بما دفعه للاهتمام بالطرح الماركسي
والتحليل النفسي معاً؛ حيث وجد العالم الراحل ضالته في تفسير القضايا الوطنية التي
كانت مُلحة على أبناء جيله في هذا الوقت في التوجهات الماركسية إلى أن حدثت هزيمة
عام 1967 والتي وفقاً لما عبر عنها الكاتب كانت نقطة فاصلة في تغيير توجهاته البحثية
إلى علم النفس السياسي.
فقد سعى للإجابة على عدد من التساؤلات التي طرحت نفسها
في مخيلة كل من عايش تلك الأحدث، وقد عبر عنها الكاتب في إحدى الحوارات الصحفية
فيما بعد قائلاً "وبدأ تساؤل مؤلم يلح عليّ كما ألح على أغلبية أبناء جيلي، لماذا لم
نفهم؟ لماذا لم نتوقع ما حدث؟ والأهم من ذلك وماذا بعد؟ لقد كنت مهتماً في المقام الأول
بالإجابة عن أسئلة ذات طابع عملي سياسي وطني، لماذا؟ وكيف هزمتنا إسرائيل؟ ومن هم أولئك
الإسرائيليون الذين أوقعوا بنا تلك الهزيمة؟ وقادني سعيي للبحث عن إجابة لتلك الأسئلة
إلى استثمار ما أعرفه كمتخصص في علم النفس، واكتشفت أنه إذا كان متاحاً بدرجة ما أن
أعرف شيئاً نظرياً عن محاولات علماء النفس في هذا المجال".
أبرز الإسهامات البحثية للدكتور قدري حفني
والمتتبع للتاريخ البحثي للدكتور حفني يمكنه استنباط عدد
من الخطوط العريضة التي دار عليها اهتماماته البحثية عبر مسيرته العلمية، منها إسهامه
حول إصلاح نظام التعليم من أجل القضاء على الارهاب من منابعه، فقد درس حفني
الحركات الجهادية في السبعينيات والثمانينات، ووجد عن طريق الدراسة الكمية أن معظم
الارهابيين يأتون من كليات الهندسة والطب والعلوم، بينما عدد قليل منهم يأتي من
جامعة الأزهر.
وفسر ذلك بأن عدم دراسة هؤلاء
الأشخاص لمناهج البحث أو الفلسفة أو المنطق أو غيرها من المواد التي تعتمد على
إعمال العقل ولكن بصبغة نظرية، أدى تعاملهم مع العوم التي يدرسونها باعتبارها
تُمثل الصواب المطلق، ومن ثم لا توجد بها إمكانية للخطأ، لذا شرع المفكر الراحل في
وضع خطة لنظام جديد بالتعليم المصري، عماده أن يقوم دارس هذه الكليات بتعلم مادة
من العلوم الإنسانية، من أجل التغلب على تلك المشكلة.
وكان أيضاً من أبرز إسهاماته البحثية هو ما قدمه عن
مفهوم العنف في كتابه المعنون "العنف بين سلطة الدولة والمجتمع" الصادر
عن الهيئة العامة المصرية للكتاب عام 2011، والذى استعرض فيه أهمية دور الدولة وإجراءاتها في
مواجهة ظاهرة العنف بكافة أشكالها، كما تناول فكرة تدرج العنف من المجتمع إلى
الدولة باعتبار أن أحد أسباب العنف المجتمعي هو التصنيف الدائم للآخر سواء على أسس
عرقية أو جغرافية أو دينية أو طبقية، ويكشف الخطاب السياسي الرسمي والشعبي في
الدول العربية عن هذه الحقيقة ، وهو ما يتضح في غرس قيم العنف في التعامل مع الآخر.
ومن هنا انطلق
المفكر الراحل في تقديم تعريفه للعنف السياسي الذى صنفه إلى ثلاثة أنواع، يتمثل
الأول في العنف السياسي القومي وتتمايز على أساسه الجماعات تمايزاً قومياً، ويبدو
هذا النوع من العنف جلياً في حالة دولة فلسطين، والثاني هو العنف السياسي الاقتصادي
الذى يهدف لتغيير النظام القائم لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ومن أبرز
الأمثلة على ذلك ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، والأخير هو العنف السياسي
الديني وهو الأكثر حدوثاً في عالمنا اليوم عن طريق الجماعات الإرهابية المسلحة.
ومن أبرز مقولاته هي تلك التي دعا فيها الشعب المصري إلى التمسك بالأمل من أجل مستقبل أفضل وقد أشار إليها عندما استشهد بما "ورد في حديث الرئيس السيسي مع رؤساء تحرير الصحف القومية"، عندما قال: "لا توجد دولة أو مواطنون يقدرون على العيش بلا أمل"، وهو قول صحيح تمامًا علميًا وتاريخيًا، لم يكن ممكنًا أن نتجاوز هزيمة بحجم هزيمة 1967 لو لم نحتفظ بالأمل الذي تحول إلي انتصار 1973، وكانت أقصى أماني العدو أن نفقد هذا الأمل ونسلم بدوام الهزيمة والانكسار".