الحكمة، التوازن، والبعد الإنساني: تراث زايد في السياسة الخارجية الإماراتية
على خطى المؤسِس: محددات السياسة الخارجية الإماراتية
مصطفى
صلاح
تبوأت دولة الإمارات العربية المتحدة على الصعيد الخارجي
مكانة مرموقة بين الأمم والدول، لنهج سياستها الخارجية المتوازنة وصدقيتها في التعامل
مع مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية. وتنطلق السياسة الخارجية لدولة الإمارات،
من التزامها بالانتماء الخليجي والعربي والإسلامي، وحرصها على تعزيز وتوسيع دائرة علاقاتها
مع جميع دول العالم. فمنذ تأسيسها عام 1971 تبنت الإمارات سياسة خارجية، سمتها الحكمة والاعتدال والتوازن،
ومناصرة الحق والعدالة واعتماد أسلوب الحوار والتفاهم بين الأشقاء والأصدقاء. ورسخت
احترام المواثيق الدولية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، واحترام قواعد حسن الجوار
وسيادة الدول، بالإضافة إلى وحدة أراضيها، وحل النزاعات بالطرق السلمية.
وتستلهم السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية
المتحدة مبادئها من الإطار العام الذي أرساه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، القائد
المؤسس لاتحاد دولة الإمارات، وفيما يلي أبرز محددات السياسة الخارجية الإماراتية
وأهدافها:
(1)
تأصيل المفاهيم الإنسانية النبيلة
تؤمن الإمارات العربية المتحدة بأن تواصل الأمم والشعوب مبدأ
سام، وشرط أساسي لضمان استقرار المنطقة ورخائها وازدهارها، وهي تعمل على ضمان سيادة
هذا المبدأ في العلاقات الدولية في أكثر من اتجاه، وعلى كافة الأصعدة والمستويات.
وتعي دولة الإمارات العربية المتحدة أن الوصول إلى تحقيق
هكذا هدف استراتيجي وسامي يستوجب العمل على إشاعة وتأصيل المفاهيم الإنسانية النبيلة
لدى الشعوب، وتربية الأجيال القادمة من خلال برنامجًا تنمويًا يعد مثالًا حيًا للتسامح
والتعايش، عبر مشروع تعليمي وثقافي يرسخ هذه القيم.
شرعت الدولة
عددا من القوانين لمكافحة الإرهاب مع السعي إقليميًا ودوليًا إلى توقيع عدد من المعاهدات
والاتفاقيات الإقليمية المتخصصة، والتي تعد الأولى ضمن نطاق الإجراءات القانونية التي
تبنتها الدولة بصورة منفردة، أو ضمن المنظومة الخليجية، أو ضمن التوجه العالمي بهدف
تطوير إطار قانوني متخصص للتعامل مع ظاهرة الإرهاب. ، ودعت إلى تعزيز ثقافة التسامح الديني، واستضافت مؤتمرات
عديدة شارك فيها العديد من رجال الدين من مختلف الأديان
(2)
مواجهة الإرهاب والتطرف وتعزيز ثقافة التسامح
اهتمت دولة الإمارات في سياستها الخارجية بمكافحة الإرهاب
باهتمام كبير لدى حكومة الإمارات العربية المتحدة كونه يخص الأمن الجماعي لدول المنطقة،
ويؤثر بشكل مباشر في الأمن والاستقرار على الصعيد الدولي، فعملت على مواجهة
تنظيمات جماعة الإخوان وتقديم العون للدول العربية، فضلًا عن مواجهة ميليشيا
الحوثي التي تستهدف أمن واستقرار اليمن. كما تتبنى أجندة معتدلة تمثلت في إنشاء مركز
"هداية" الذي يعد أول مركز دولي لمكافحة التطرف العنيف، بالإضافة إلى إطلاق
مركز "صواب" لمكافحة التطرف عبر المواقع الإلكترونية، والمشاركة أيضًا
في المنتدي العالمي لمكافحة الإرهاب كفاعل أساسي داخله، كما أعلن الشيخ خليفة بن
زايد آل نهيان سياسته والتي تأتي تأسيًا بالنهج المتأصل للوالد، الشيخ زايد بن سلطان
آل نهيان، "إننا ندعو لعالم يسوده العدل والإنصاف وروح المسؤولية والتضامن الفاعل
في مواجهة المشكلات التي تواجه البشرية، غير إن التصدي للإرهاب ينبغي ألا يغمض أعين
العالم عن قضايا أكثر خطرًا وإلحاحًا، كالفقر والجوع والمرض والجهل والحروب والفساد
والقمع والاحتلال والظلم الاجتماعي، وضرورة المواجهة الحاسمة لمثل هذه القضايا حتى
لا يستمر الإرهاب خطرًا قائمًا ودائمًا، فتلك هي أسباب وجوده والبيئة الصالحة لنموه
وازدهاره وانتشاره".
(3)
الدبلوماسية الهادئة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول
تلجأ الإمارات عادة إلى الكفاءة الدبلوماسية القادرة على
تحقيق المصالح العليا للدولة والحفاظ على علاقات جيدة مع الآخرين حتى أولئك الذين تختلف
معهم. وتقوم السياسة الخارجية للإمارات على الحياد الإيجابي، لأنه الأداة الأكثر فعالية
والأكثر أهمية، التي يمكنها من خلالهما استخدام العلاقات الدبلوماسية والاعتماد على
القواعد القانونية لتحقيق أهدافها، وانتهاج الإمارات للدبلوماسية الهادئة التي تعتمد
الوسائل السلمية. كما ترى الإمارات إن أي تحد من شأنه تقويض سيادة الدول الشريكة
والمجاورة هو بمثابة تهديد مباشر لأمنها الإقليمي، وتأتي سياسة عدم التدخل في شؤون الآخر، واحترام سيادة الدول الأخرى
واستقلالها، كامتداد لمبادئ الدولة القوية التي تؤمن بها.
(4)
البعد الإنساني والتنموي، واحترام قيم السلام واللجوء إلى السلم
إن سياسة الإمارات العربية المتحدة الخارجية تسمو بروح العدالة،
وحماية حقوق الإنسان واحترامها من خلال سن تشريعات حرصت على تكريس المساواة والعدالة
بين أبناء الشعب، وإعطاء المرأة حقوقها، وتوسيع تمثيلها في السلطتين التنفيذية والتشريعية،
وتعزيز مشاركتها في أسواق العمل، وتجسيد لمنظومة المثل والقيم العربية الإسلامية الحقيقية،
بالإضافة إلى تطوير التشريعات الوطنية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان واحترامها، ورعاية
وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنظيم استقدام وتشغيل العمالة الوافدة وصيانة حقوقها،
ومكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وضمان الحماية والدعم للمتضررين منها، وفق ما نصت الاتفاقيات
الثنائية والدولية ذات الصلة، وأكدت الإمارات أنها بنسيجها الاجتماعي المتماسك وبنيتها
الحضارية المتكاملة شهدت عبر تاريخها المشرق تعايشًا إنسانيًا فريدًا في نموذجه، وهو
تعايش قائم على فضائل الصدق والسماحة والاحترام دون أي تأثير لاختلاف الدين أو المعتقد
أو العرق، ونبذ عوامل الفرقة بين شعوب المجتمع الإنساني، فضلا عن المبادرات والمساعدات الإنسانية التي تقدمت بها دولة
الإمارات إلى الدول النامية في مختلف أرجاء العالم؛ حيث قدمت مساعدات تقدر بــ 224
مليون دولار لليمن، واستقبلت 100 ألف سوري، كما تقود الإمارات مع حلفاءها جهود
الإغاثة في اليمن، ويبلغ حجم المساعدات التي تقدمها الإمارات 202 مليار درهم توزعت
على 21 قطاعًا ووصلت أكثر من 175 دولة حول العالم، وقامت دبلوماسية الإمارات بجهود مكثفة وتحرك نشط من أجل العمل على
احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات الناشبة، سواء على صعيد المنطقة
أو خارجها. وسعت بشكل دؤوب ومستمر لتعزيز مختلف برامج مساعداتها الإنسانية والاغاثية
والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.
(5)
التعاون الإقليمي والدولي
تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة بأهمية التعاون الإقليمي
والدولي المشترك الذي يهدف إلى حماية الأمن والسلم الدوليين من خلال تعزيز علاقات الدولة
بالدول الأخرى، سواء من خلال الاتفاقيات أو من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، فإن سياستها الخارجية تقوم على مبادئ واضحة وثابتة
تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافها. فالإمارات تلجأ عادة إلى الكفاءة الدبلوماسية
القادرة على تحقيق المصالح العليا للدولة والحفاظ على علاقات جيدة مع الآخرين حتى أولئك
الذين تختلف معهم، وفي هذا الشأن دعت الإمارات المجتمع الدولي إلى احترام ودعم مساعي
الشعوب العربية لتحقيق كافة تطلعاتهما الوطنية الشاملة وتحقيق الأمن والنماء الاقتصادي
والاجتماعي وتحقيق الاستقرار في ربوع بلديهما، كما طالبت جميع الأطراف اليمنية المعنية
التحلي بالصبر والحكمة وإعادة النظر في مواقفها إزاء مبادرة الحل السلمي المنبثقة عن
خمس من دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها لا تزال تشكل الأرضية المناسبة لتجاوز الحالة
الراهنة.
إجمالًا، كان لهذه المبادئ الحاكمة لسياسة دولة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأثر الأكثر اسهامًا في حصول الإمارات على تلك السمعة الدولية الخارجية المتميزة وعلى ذلك القبول الشعبي لها في أوساط شعوب العالم، وتسعى الإمارات إلى الاستثمار في علاقاتها مع سائر دول العالم من خلال رؤيتها التي تتمركز على التعاون والمصداقية.
الإمارات العربية المتحدة... واستراتيجية القوة
الناعمة
آية عبد العزيز
تنتهج دولة الإمارات العربية المتحدة سياسة خارجية
قائمة على التعايش السلمي، والاعتدال وفقًا للنهج الذي وضعه مؤسس الدولة الشيخ
"زايد بن سلطان آل نهيان". ارتكزت على أسس استراتيجية تجسدت في الالتزام
بميثاق الأمم المتحدة، واحترام المواثيق والقوانين الدولية. وإقامة علاقات على أسس
الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول. يهدف التقرير إلى إلقاء
الضوء على آليات التحرك الناعم لدولة الإمارات العربية المتحدة.
مؤشرات ودلالات سياسة السلام الدبلوماسي
ساهمت الدبلوماسية الناعمة لدولة الإمارات في
احتواء الأزمات والخلافات الناشئة بين دول العالم. فقد سعت بشكل دؤوب على تعزيز
تواجدها عن طريق أدواتها الناعمة التي تبلورت في برامج مساعداتها الإنسانية
والاغاثية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة والإنمائية، بالإضافة إلى مساهمتها
الفاعلة في عمليات حفظ السلام لحماية المدنيين.
ترجمة الإمارات بشكل فعلى هذه الأسس في بناء علاقات
وطيدة مع دول العالم، فقد بلغ عدد الدول التي ترتبط مع الإمارات بعلاقات دبلوماسية
189 دولة، فيما بلغ عدد سفارات الدولة في
الخارج إلى 82 سفارة و 18 قنصلية، بالإضافة إلى 4 بعثات دائمة، بينما بلغ عدد
السفارات الأجنبية لديها 110 سفارة و 73 قنصلية عامة، و 15مكتب تابع للمنظمات
الإقليمية والدولية.
واصلت الإمارات سياساتها الإنسانية في تقديم المساعدات
على كافة الأصعدة ولمختلف دول العالم وشعوبها، فقد بلغت قيمة المشاريع والبرامج التنموية
والإنسانية والخيرية منذ تأسيسها في السبعينيات القرن الماضي وحتى 2015 ما يقرب من
202 مليار درهم لأكثر من 175 دولة حول العالم.
"الحق الإمارات"... بين التعايش السلمي والحوار الدبلوماسي
تؤمن الإمارات العربية المتحدة أن العيش بأمان حق مقدس
للبشرية، وقد بلورة إيمانها بالعمل على نشر مفاهيم الصداقة، واحترام حق الأخر بالحياة
الآمنة، تجسد ذلك بشكل جلي في التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية فبرغم من
احتلالها الجزر الثلاث الإماراتية –(طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى)_ في
ديسمبر/ كانون الأول 1971، ومحاولتها تغير الوضع القانوني والمادي والديمغرافي
للجزر، الأمر الذي يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
إلا إن الإمارات مازالت تواصل مساعيها السلمية عبر جميع القنوات المشروعة ووفقًا للمواثيق الدولية في استعادة سيادتها، فقد طالب القادة الإماراتيين طهران بالتجاوب لإيجاد تسوية سلمية عادلة لقضية الجزر لضمان أمن واستقرار منطقة الخليج.
الدور الإماراتي في رعاية جهود الوساطة
لعبت القيادة السياسية بدولة الإمارات دورًا بارزًا في رعاية جهود الوساطة بين العرب للحفاظ على وحدة المنطقة العربية بعيدًا عن الأطماع التوسعية للقوى الدولية. تجلت هذه الجهود في رعاية الوساطة بين الفرقاء الليبيين من خلال ترتيب اجتماع ثنائي في أبوظبي، بين قائد الجيش الليبي المشير "خليفة حفتر"، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني "فائز السراج".
تمهيدًا للحل السياسي وعودة الاستقرار إلى ليبيا، فضلًا عن الرغبة في وقف إطلاق النار في الجنوب. كما دعمت الجهود الأممية واجتماعات دول الجوار، والمبذولة لإنشاء اللجنة الرباعية.
المواقف الإيجابية تجاه القضايا العربية
اتسمت مواقف القادة السياسيين، في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية بالحكمة والعقلانية تجسدت على النحو التالي؛ دعم الشيخ "زايد آل نهيان" الوحدة العربية، بدعوته إلى تأسيس اتحاد الإمارات السبع لتكوين دولة جديدة تعرف باسم دولة "الإمارات العربية المتحدة"، ثم دعا إلى تعاون خليجي لترسيخ العلاقات بين الدول العربية في منطقة الخليج ويكون ركيزة أساسية في حماية مصالحهم وأمنهم القومي، لذا فقد تبلورت الفكرة في إنشاء "مجلس التعاون الخليجي"، ثم نشطة دول الإمارات في المحافل الدولية والإقليمية بما يعزز من مصالحها الوطنية ويدعم استقرار المنطقة.
دعمت دولة الإمارات القضية الفلسطينية؛ باعتبارها قضية الأمة العربية، وأنها الأساس لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة والذي يتوقف على عودة الحق الفلسطيني لشعبه. وعليه فقد انتهجت مواقف ثابتة من تجاه القضية الفلسطينية منذ نشأتها، تقوم على دعم القضية في جميع المنظمات الدولية والإقليمية، علاوة على مساعداتها في مؤتمرات المانحين وإعادة الأعمار، كما دعمت جهود المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين، وطالبت من الدول الأوروبية بتأييد حق الشعب الفلسطيني.
تحرص الإمارات العربية على التشاور مع القوى الدولية الفاعلة في النظام الدولي للتوصل إلى حل لتسوية الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتهم روسيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي؛ تمثل فيما يخص الملف السوري باتخاذ موقف ثابت من الصراع الدائر ؛ حيث دعم المساعي الأممية لدفع العملية السياسية السلمية، والحفاظ على حق الشعب السوري.
وحول الأزمة اليمنية، تمثل الموقف الإماراتي في رعاية المبادرات السياسية لبحث سبل التسوية السلمية، مع استمرار جهود الإغاثية بالإضافة إلى مواصلة العمل في سياق التحالف الدولي لدعم الشرعية اليمينة بقيادة المملكة العربية السعودية.
مصر والإمارات... شراكة استراتيجية وروابط تاريخية
تميزت العلاقات المصرية الإمارات بروابط تاريخية؛ فقد شهدت العلاقات نقلة جذرية بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013. دعمت الإمارات مصر بشكل كبير على كافة الأصعدة. برزت في كلمة وزير الخارجية الشيخ "عبدالله بن زايد" في الجمعية العامة في 28 سبتمبر/ أيلول 2013. كما بادرت بتقديم الدعم المادي والمعنوي في سياق المساعد الخليجي لمصر.
بجانب عقد عدد من الاتفاقيات –فعلى سبيل المثال- أبرمت الإمارات مع القاهرة اتفاقية بقيمة 4 مليارات و900 مليون دولار، ومنحة بقيمة مليار دولار، وتوفير كميات من الوقود بقيمة مليار دولار أخرى، بالإضافة إلى المساهمة في تنفيذ عدد من المشروعات التنموية، علاوة على مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي المصري.
تبنت الدولتين مواقف متشابهة في الملف السوري، والعراقي، والليبي، واليمني، تتضمن الحل السلمي للصراعات الداخلية، ورفض التدخل الخارجي من قبل القوى الإقليمية. وظهرت ملامح الاستراتيجية المشتركة للدولتين في مواجهة دولة قطر. ما قامت به مصر والإمارات والمملكة العربية والبحرين تجاه قطر ما هو إلا نتاج للسياسات العدائية القطرية والداعمة للإرهاب في المنطقة، لذا فإن الهدف من هذه المقاطعة هو عدول الدوحة عن سياساتها المارقة الداعمة للتطرف.
ختامًا؛ تعد السياسة الخارجية الإماراتية ما هي إلى تجسيد للثوابت والأسس الاستراتيجية التي وضعها القادة المؤسسين للدول في سبعينيات القرن الماضي. تهدف هذه السياسية إلى خلق مناخ للحوار والتفاوض في سياق سلمي بعيدًا عن العنف واستخدام القوة حفاظًا على الروابط التاريخية بين الدول والشعوب.
إمارات الخير: البعد الإنساني في السياسة الخارجية الإماراتية
محمود
جمال عبد العال
"زايد الخير، أو إمارات الخير"، بهذا عُرفت دولة الإمارات منذ أن وضع مؤسس الدولة -الشيخ زايد آل نهيان- رؤيته لفكرة الاتحاد، وهكذا سار على دربه جيل الأبناء؛ حيث قامت السياسة الخارجية الإماراتية على دعائم الأبعاد الإنسانية بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو حتى الاتجاهات السياسية. استقى البعد الإنساني لدولة الإمارات رؤية المؤسس لدولة الرفاه الاجتماعي، فعملت على تطبيقها في مشاريعها الاجتماعية والإنسانية بالخارج؛ حيث عملت على دعم سياسات الحوكمة، وبرامج التعليم، والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى أعمال الإغاثة. وبهذا جعلت الإمارات لنفسها رسالة امتدت ثمارها إلى بني الإنسان جميعًا.
إمارات
الخير: رسالة زايد إلى جيل الأبناء
عملت دولة الإمارات في سياستها الخارجية على دعم الأبعاد
الإنسانية، وذلك في إطار محددات معينة، تتجاوز في أساسها العرق، واللون، والدين،
والتوجه السياسي، وتحتكم في المقام الأول على الجوانب الإنسانية التي تتمثل في دعم
احتياجات الشعوب والحد من الفقر، والقضاء على الجوع، وإنجاز مشاريع التنمية
المستدامة.
في هذا السياق، قامت سياسة الشيخ زايد على مبدأ العطاء،
فانتهج الشيخ زايد بعدًا إنسانيًا قائم على مساعدة بني الإنسان، وهو ما برز في
سياسته تجاه دعم المنظمات الدولية كاليونسكو واليونيسيف. وقدم الشيخ زايد لغزة ما
قيمته 50 ألف دولار عام 1971 دعمًا لصمودهم في وجه العدوان الصهيوني. واتبع زايد
في سياسته تجاه اليمن مبدأ حسن الجوار؛ حيث قدمت الإمارات في عهده منحًا لدعم
مشاريع البنية التحتية في دولة اليمن، فقام بتمويل طريق مأرب-صنعاء عام 1976،
وتكفل بإنشاء إذاعة صنعاء عام 1972 فضلًا
عن دوره الإغاثي لتخفيف آثار الفيضانات والسيول التي اجتاحت اليمن عام 1982.
وامتد خير الإمارات في عهد زايد إلى دعم مشاريع البنية
التحتية في السودان؛ حيث توفير مياه الشرب، ودعم مشاريع البنية التحتية بمناطق
إقليم دارفور المهمشة. إضافة إلى المحيط العربي، قدمت دولة الإمارات في عهده
العديد من المساعدات الإنسانية التي وصلت، على سبيل المثال، إلى دعم المسلمين في
بنغلاديش، والبوسنة والهرسك، والصين، وكذلك
إلى تقديم المساعدات الإنسانية
لدولة بنجلاديش، وكذلك تقديم المساعدة إلى ضحايا إعصار اندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا
الأمريكية في سبتمبر/أيلول 1992.
مأسسة
العمل الإنساني
قامت حكومة الإمارات عام 2014 بتأسيس اللجنة
الإماراتية لتنسيق المساعدات الإنسانية الخارجية، وذلك لمأسسة العمل الإنساني الإماراتي؛
حيث امتدت المساعدات الإنسانية الإماراتية إلى أكثر من 178 دولة منذ تأسيس الدولة
عام 1971 حتى عام 2014 . وباتت الإمارات الشريك الأول للجنة المساعدات الإنمائية التابعة
لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية وممارسة
الأدوار التنموية في الدول الفقيرة.
وتطور العمل الإنساني والأهلي في الإمارات؛ حيث وصل عدد
الجمعيات الأهلية إلى 34 جهة مانحة- حسب تقرير حكومي- حكومية وغير حكومية. وتميزت
هذه الجهات عن غيرها أنها باتت متخصصة في تقديم الدعم؛ حيث ظهرت منظمات متخصصة في
مجالات معينة مثل الجهات المختصة بتوفير التعليم، ومكافحة الاوبئة، ودعم مشاريع
البنية التحتية.
اتجاهات
العمل الإنساني الإماراتي
تقوم سياسة الإمارات في العمل الإنساني على تحقيق السلام
الاجتماعي، وضمان التنمية المستدامة، لذا ترتكز أنشطة المنظمات والجمعيات
الإماراتية العاملة في المجال الإنساني والإغاثي على عدد من النواحي:
1- إيواء المشردين وتوفير الطعام
للمحتاجين.
2- الإغاثة في حالات الكوارث
والطوارئ.
3- إنشاء المدارس
والمستشفيات.
4- بناء السدود، وحفر الآبار.
5- دعم أبحاث الطاقة المتجددة،
وتوفير مصادرها.
مساعدات
الإمارات والأمن القومي العربي
رغم الجهود العسكرية التي يقوم بها جنود الإمارات
لاستعادة الشرعية في اليمن، إلا أن ذلك لم يكن عائقًا أمام تقديم أعمال الدعم
والإغاثة للشعب اليمني؛ حيث قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية
تجاوزت حاجز 3.5 مليار دولار خلال 3 أعوام فقط. تركزت هذه الأعمال في جوانب توفير
مياه الشرب، والوقاية من الأوبئة، ودعم مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى تحقيق
الأمن الغذائي. وتأكيدًا على دعم استقرار منطقة القرن الأفريقي، قامت الإمارات
بتقديم منح تجاوزت حاجز المليار درهم خلال الفترة الممتدة من 2011-2016، ووُجهت هذه
الأعمال إلى مشاريع التعليم، والصحة، والبنية التحتية خاصة ما يتصل بتطوير
الموانئ، وتوفير المياه العذبة.
وفي سياق أحداث العنف التي اندلعت في 2011، قدمت دولة
الإمارات مساعدات إنسانية لدعم اللاجئين والنازحين السوريين؛ حيث تجاوز المنح
الإماراتية حاجز 600 ألف دولار. في هذا السياق، أبرم الهلال الاحمر الإماراتي
بروتوكول تعاون مع الصليب الأحمر اليوناني لدعم النازحين السوريين، وتوفير
احتياجاتهم من الغذاء والكساء فضلًا عن اسهاماتها في إقامة المخيمات. وفي إطار
مساعدة الشعب الليبي في أزمته، سيَّر الهلال الاحمر الإماراتي جسورًا جوية لدعم
النازحين الليبيين في تونس، بالإضافة إلى تقديم المعونات والمساعدات الإنسانية
لمخيمات اللاجئين هناك من حيث تحقيق الأمن الغذائي وتوفير الصحة والتعليم.
الجانب
الثقافي في المساعدات الإماراتية
تعتبر الإمارات التراث الثقافي ملكًا للإنسانية جمعاء، لذا توجه العديد من مساعداتها إلى دعم المشاريع الثقافية التي ترعاها منظمة اليونسكو. وتأكيدًا على مكانتها الثقافية، ودرها في تطوير آليات العمل في المنظمة ولجانها، استطاعت الإمارات أواخر 2017 من الفوز بعضوية ثلاث لجان تابعة لمنظمة "اليونسكو". وفي سياق أحداث العنف التي اندلعت في مصر بعد 2011، قدم حاكم إمارة الشارقة حزمة مساعدات مالية لترميم المجمع العلمي المصري، الذي حُرق إبان أحداث ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى تكفله فيما بعد بتطوير المكتبة المركزية لجامعة القاهرة.