ضربة لطهران والحوثيين: مقتل صالح الصماد وآفاق الحل السياسي في اليمن
شهدت مدينة الحديدة، غربي اليمن، الخميس الماضي 20
مارس/آذار 2018 غارة للتحالف العربي برئاسة المملكة العربية السعودية، أفضت، وفق
ما أعلنه الحوثيون، إلى مقتل صالح الصماد الذي عُرف منذ 2016 برئيس المجلس السياسي
الأعلى لإدارة الأماكن التي يسيطر عليها الحوثيون منذ انقلابهم على الشرعية في اليمن
أواخر 2014. ورغم نعي عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة أنصار الله للصماد، لكن تشير
بعض التقارير للخلافات والتوترات التي شهدتها العلاقة ما بين تنظيم الحوثي
والصماد. سيقوم هذا التحليل على دراسة أوجه النقاط الخلافية ما بين الحوثي والصماد
وذلك لتفنيد روايات تصفيته، بالإضافة إلى دراسة أهمية الصماد كزعامة سياسية في
معادلة الانقلاب العسكري الذي نفذه الحوثيون ضد الحكومة الشرعية في اليمن، وكذلك
الإشارة لخريطة السياسة اليمنية داخليًا وخارجيًا فيما بعد الصماد خاصة بعد تعيين
مهدي المشاط أحد المقربين من عبد الملك الحوثي في موقع رئاسة المجلس السياسي
الأعلى للحوثيين.
صالح
الصماد: من ميادين المواجهة مع أجهزة الدولة إلى رئاستها
ينحدر الصماد من محافظة صعدة (شمالي اليمن، وهي معقل جماعة انصار الله الحوثية. انخرط الصماد في العمل السياسي والعسكري مع الحوثيين؛ حيث خاض معهم 5 حروب ضد سلطات الدولة في اليمن، ومن ثم تم وضعه على قوائم المطلوبين لدى وزارة الداخلية اليمنية مع 55 حوثيًا آخرين عام 2009(1). درس الصماد العلوم الدينية على يد العديد من المرجعيّات الزيدية، أبرزها؛ حسين بدر الدين مؤسس جماعة أنصار الله ووالد زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي. ويرى الصماد أن مؤسس الحوثيين كان حاملًا لمشروع قرآني يقوم على تربية الأمة وبنائها في مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإعلامية وغيرها(2).
برز نجمه السياسي بعد 2011؛ حيث تولى رئاسة المكتب السياسي للحوثيين، وبات يُعرَف بأنه الوجه السياسي للجماعة، فرشحته الجماعة كممثل لها لتولي منصب المستشار السياسي للرئيس عبد ربه منصور هادي في 24 سبتمبر/أيلول 2014 وذلك كجزء من صفقة سياسية تمت بين الحوثيين وحكومة هادي سيما بعد احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء وقيامهم بفرض رؤيتهم على السياسة بقوة السلاح(3). عُيِن الصماد فيما بعد عضوًا بالمجلس السياسي الأعلى، الذي توافق على تأسيسه كل من الحوثيين، وحزب المؤتمر برئاسة علي عبدالله صالح بموجب اتفاق تم توقيعه في يوليو/ تموز2016، وأُوكِلت إلى المجلس مهام إدارة الأماكن التي يسيطر عليها الانقلابيين سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وعسكريًا. تم ترقيته فيما بعد ليتولى رئاسة المجلس، وذلك بدعم من حزب المؤتمر الشعبي العام، بالتالي تمت إزاحة ما سُمي بـ"اللجنة الثورية العليا"، التي تمثل الجناح المتشدد في الحوثيين برئاسة محمد علي الحوثي.
يعد الصماد من النخبة القبلية للحوثيين؛ حيث تعد تصفيته
خسارة للقبليين، فهو لا ينتمي للزيديين (ذوو النسب الهاشمي، وهو ينسب الحوثيون
أنفسهم له) الذين يسيطرون على مفاصل القرار العسكري والسياسي والأمني لتنظيم الحوثيين.
لذا يعتبر البعض أن تصفيته ستنعكس سلبًا على تحالفات الحوثي مع القبائل اليمنية.
لذا يصف المتابعين للشأن اليمني أن مقتله بمثابة ضربة قاسية للجماعة وذلك لما
يمتلكه من قدرات سياسية، ومهارات لكسب الولاءات القبلية والحزبية. وبهذا التفسير
يرد هؤلاء المتابعين لمن يعتقد أن تصفيته جاءت بضوء أخضر وترتيب من الحوثيين
انفسهم باعتبار أن مقتله هو خسارة حقيقية للحوثي نفسه. باعتباره بمثابة رئيس دولة
الحوثيين. ويؤكد هؤلاء على أهمية الصماد بوضعه كثاني شخصية يمنية على قوائم
المطلوبين لدى التحالف العربي، بل ورصد التحالف
العربي ما قيمته 20 مليون دولار لمّن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه(4).
الصماد
ما بين روايات التصفية ومكيدة الحوثيين
لا شك أن الصماد يعد صيدًا ثمينًا لقوات التحالف العربي، فهو من يُشرف على خطط تمكين الحوثيين سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا باعتباره رئيسًا لما يسمى بـ "المجلس السياسي الأعلى". عُرِف الصماد بمعاداته الشديدة للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية؛ حيث توعد المملكة قبل تصفيته بعامٍ باليستي في إشارة إلى الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيين على المملكة خاصة العاصمة السعودية الرياض(5). لهذا، يرى بعض المحللين أن التحالف هو من قام بتصفية الصماد، خاصة أن تواري الصماد عن المشهد السياسي اليمني بمثابة ضربة قاسمة للحوثيين لما يتمتع به الصماد من خبرة وحنكة سياسية أفادت الحوثيين خارجيًا (إدارة العلاقة مع المبعوث الأممي لليمن)، وداخليًا (خاصة في إدارة العلاقات مع القبائل وحزب المؤتمر الشعبي العام) وهو ما برز جليًا في الدور الذي لعبه في سياق الخلاف الذي نشب بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح، وأفضى إلى تصفية عبدالله صالح في الأخير؛ حيث سعى الصماد إلى اجتذاب قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام لتخفيف وطأة الخلافات والانشقاقات التي أصابت جبهة الانقلاب.
على صعيدٍ آخر، يشكك آخرون في رواية استهداف التحالف
العربي للصماد، رغم تأكيدهم على أهميته بالنسبة للحوثيين. ويستند هؤلاء إلى عدم
إعلان التحالف عن تصفيته يوم الخميس 19 مارس/آذار رغم أهمية الإعلان في التأثير
على الروح المعنوية لقوات التحالف، وكذلك لإبراز نجاحات عمليات التحالف، وانتظار
إعلان الحوثيين عن وفاته يوم 23 من الشهر نفسه. جدير بالذكر أن التحالف العربي
أعلن في عام 2017 عن تصفية الصماد، ولكن نفى الحوثيون صحة الخبر فيما بعد (6).
ويستند أنصار مكيدة الحوثيين بالصماد إلى تصريحات سابقة للأمير محمد بن سلمان وليد
العهد السعودي لصحيفة نيويورك تايمز حول انتظاره انشقاقات داخلية كبيرة في صفوف
الحوثيين. لذا بادر الحوثيون بتصفيته لما قد يسببه انشقاقه من آثار سلبية على
الجماعة على المستويين الداخلي والخارجي خاصة وأن الصمد كان يتمتع بعلاقة خاصة
بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي دفع به لمنصب رئيس المجلس السياسي
الأعلى. ويستندوا في ذلك إلى ميل عبد الملك الحوثي إلى تعيين مهدي المشاط رفيق
دربه ومدير مكتبه خلفًا للصماد، بما يعني تقديمه لقاعدة الولاء المطلق خوفًا من أي
عملية اختراق لدائرته الصغيرة. يُذكر أن قرار تعيين المشاط في عضوية المجلس مايو/أيار
2017 جاء بناء على طلب من جماعة "أنصار الله" التي رأت في ذلك التوقيت
أن التغيير تفرضه الظروف، وأشارت تقارير إعلامية أن هناك أخبارًا تتوارد لدى عبد
الملك الحوثي تفيد بتواطؤ الصماد، والفيشي عضو المجلس الذي تم استبعاده فيما بعد
وتعيين المشاط بديلًا له مع الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
تصفية
الصماد: رصد بانورامي لردود الأفعال الداخلية والخارجية
اعتبرت الحكومة اليمنية الشرعية أن تصفية الصماد انتصار للشرعية وجهود قوات التحالف في اليمن، واعتبر الناطق باسم الحكومة، راجح بادي، أن مقتل واجهة الانقلاب، في إشارة للصماد، بمثابة انهيار للميليشيات، واعتبار ان مرحلة ما بعد الصماد للحوثيين ليست كما قبلها. من جانبها، توعدت جماعة أنصار الله على لسان أمينها العام بالرد القاسي على قوات التحالف خاصة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة(7).
على
الصعيد الخارجي، استنكرت وزارة الخارجية الإيرانية مقتل الصماد. واعتبر الحرس
الثوري أن الصماد كان قائدًا فذًا ومجاهدًا حقًا، فيما نعى أمين المجلس الأعلى
للأمن القومي الإيراني علي شمخاني الصماد، واعتبر شمخاني أن استهداف الصماد بمثابة
هروب من الحوار والحلول السياسية (8). وقدَّم أمين حزب الله اللبناني العزاء في مقتل الصماد
مستنكرًا اتجاه السياسة الخارجية السعودية فيما يتعلق باليمن(9).
نلاحظ أن مقتل الصماد أبرز مثلث تهديد الأمن القومي العربي في المنطقة(إيران، وحزب الله، وأنصار الله)؛ حيث أثارت ردود الأفعال الإيرانية على مستوى مؤسسات الأمن القومي جدلًا كبيرًا، وهو ما يعكس أهمية الصماد بالنسبة للعلاقات الإيرانية الحوثية خاصة وأن الصماد ترأس أول وفد يقوم بزيارة رسمية لطهران بعد الانقلاب الحوثي. جدير بالذكر الإشارة إلى أهم نتائج هذه الزيارة؛ حيث تمخض عنها إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، بالإضافة إلى إطلاق أول خط طيران مباشر بين العاصمة اليمنية صنعاء وطهران(10).
تداعيات
مقتل الصماد على الحرب في اليمن
يحمل مقتل الصماد عدة تداعيات على الأوضاع في اليمن؛ لعل
أهمها:
بروز قيادات أكثر تشددًا
يعتبر رئيس المجلس السياسي الأعلى الجديد مهدي المشاط من
جناح الصقور؛ حيث يُحسب على الجناح المتشدد في الجماعة. وينحدر المشاط من محافظة
صعدة ، ويعرف بأنه رفيق عبد الملك الحوثي منذ مراحل الصغر. شغل المشاط منصب رئيس
مكتب عبد الملك الحوثي. ودفع به عبد الملك لعضوية المجلس السياسي الأعلى في
مايو/أيار 2017 خاصة بعد الخلافات التي نشبت بين تنظيم الحوثي والرئيس اليمني
الراحل علي عبد الله صالح (11). شغل المشاط منصب نائب رئيس الوفد
المفاوض في الكويت، ويُعزى له فشل التوصل لأي تقدم يُذكر في هذه المفاوضات؛ حيث
أبرز موقفه حول المفاوضات ما بين حلول جذرية أو إبقاء الوضع على ما هو عليه. وهدد
مهدي المشاط أثناء حلفه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب المشكل من الحوثيين دول
التحالف العربي بقيادة السعودية بحرب مفتوحة ردًا على اغتيال سلفه(12).
إبطاء محاولات توحيد البنك المركزي اليمني
في ظل ضغوط اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات) لتوحيد عمل المصرف المركزي اليمني، أبدى صالح الصماد مرونة في ذلك؛ حيث قام بالربط الشبكي بين وزارة المالية بصنعاء ومصلحتي الضرائب والجمارك بالمصرف المركزي وذلك في إطار خطة التوحيد مع عدن. من جهته، قام الرئيس هادي في فبراير/شباط الماضي بتعيين وزير المالية السابق محمد زمام محافظًا جديدًا للبنك المركزي، وهو شخصية تحظى بقبول الحوثيين(13). لذا يتخوف خبراء الاقتصاد والمبعوث الأممي من تعطل خطوات التوحيد المالي خاصة في ظل جمود موقف المشاط تجاه أي تسوية مع الحكومة الشرعية في عدن.
الهوامش
1.
10 معلومات عن «الصَّمَّاد».. قائد الانقلاب الحوثي
(24/4/2018)، المرجع، الرابط
2.
وكالة الأنباء اليمنية (4/5/2016)، على الرابط
3.
10 معلومات عن الصماد، مرجع سابق.
4.
اليمن.. غارة تقتل المطلوب الثاني على قائمة التحالف
(25/4/2018)، العربية نت، الرابط
5.
"أنصار الله" تتوعد الرياض بـ"عام الصواريخ
والحسم" (9/4/2018)، روسيا اليوم، الرابط
6.
الحوثيون ينفون صحة أنباء مقتل صالح الصماد (7/11/2017)،
يمن ميديا، الرابط
7.
مقتل الصماد.. ترحيب من هادي وتهديد حوثي (24/4/2018)،
روسيا اليوم، الرابط
8.
طهران تعليقا على اغتيال الصماد: اليمنيون سيجنون قريبا ثمار
صراعهم ضد المعتدين (24/4/2018)، روسيا اليوم، الرابط
9.
نصرالله يعزي عبد الملك الحوثي في مقتل الصماد
(24/4/2018)، روسيا اليوم، الرابط
10.
صالح الصماد.. نهاية رجل الحوثيين على كرسي “الرئاسة”
(23/4/2018)، القدس العربي، الرابط
11.
مهدي المشاط الواجهة السياسية الجديدة للحوثيين
(24/4/2018)، BBC عربي، الرابط
12.
خليفة صالح الصماد يتحدث عن حرب مفتوحة مع السعودية
(25/4/2018)، روسيا اليوم، الرابط
13. توجه لتوحيد البنك المركزي (17/2/2018)، أخبار اليوم، على الرابط