داعش سوريا والجماعات المسلحة في الغوطة : دلالات الانتشار، والخيارات الحاسمة (ملف)
داعش سوريا: جدلية النشأة ودلالات الانتشار
كتب: مصطفي صلاح
لم
تكن سيطرة الجيش السوري على مدينة دير الزور في 3 نوفمبر 2017م، والتى تمثل آخر معقل
رئيسي للتنظيم في سوريا، إلا مؤشرا على مدى النجاحات التى حققتها سوريا في مواجهة
تنظيم داعش، حيث تقلصت الأراضي التي كان يسيطر عليها وفقد أكثر من 98% من الأراضى
التى كانت بحوذته.
على
الجانب الآخر، أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش إنه لم
يتبق للتنظيم سوى بضعة آلاف من المقاتلين يتمركزون بالأساس في البوكمال على الجانب
الآخر من الحدود في سوريا. وبرغم تلك النجاحات صرح المتحدث باسم التحالف الدولي، الكولونيل
الأمريكي "رايان ديلون" بأنه "لن تُهزم فكرة الدولة الإسلامية والخلافة
الافتراضية على المدى القريب. سيظل تهديد الدولة الإسلامية قائما"
ولعل
سلسلة الهزائم التى مُنى بها التنظيم في مهد نشأته، أثارت العديد من التساؤلات حول
مستقبل وجود التنظيم في سورياوإمكانياته الحالية واستراتيجيته المستقبلية.
وفي هذا
التوقيت، الذي يعاني فيه تنظيم داعش من هزائم متلاحقة وضربات موجعة، خرجت عشرات التقديرات
للإجابة عن تساؤلات متعلقة بإمكانية أن يعيد التنظيم تشكيل نفسه من جديد داخل إحدى
ولاياته، والمخاطر القادمة مع عودة الجهاديين إلى أوطانهم الأم.
داعش في آسيا: استراتيجية
بديلة
شكلت
الهزائم المتتالية التى تعرض لها تنظيم داعش في سوريا نقطة الانطلاق له في التوجه
وفق استراتيجية بديلة نحو آسيا، وجاء ذلك على خلفية إعلان تنظيم داعش من خلال فرعه
في ولاية خراسان (أفغانستان وباكستان)، ففي 4 مارس 2018م، ومن خلال شريط مدته 25
دقيقة بثه "حافظ سعيد خان" أمير ولاية خراسان على شبكة الانترنت، دعا
فيه أتباع تنظيم داعش إلى الهجرة إلى أفغانستان في قوله "على كل مسلم يريد نصرة
الشريعة أن يعجّل بالهجرة إلى الولاية فهي دارهم، دار الإسلام، عليهم أن يهاجروا حتى
ينجوا من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، ليخرجوا من فسطاط الباطل، ويدخلوا في فسطاط الحق
الذي لا باطل فيه، ونحن نرحب بهم جميعاً ولا نفرّق بين مهاجر وغيره؛ فالمؤمنون إخوة
لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والمهاجر أحبّ إلينا من أنفسنا، وشرع الله قائم هنا بحمد
الله، فبذلك سيحفظ المهاجر دينه ونفسه وعرضه وماله وعقله".
هذا
الإعلان جاء مغايرا للعديد من التحليلات والتقارير التى أكدت على أن تنظيم داعش
سيعود إلى العمل الميلشياوى وحروب العصابات، كما هو حال الجماعات والتكتلات
الإرهابية الأخرى، فلم يتبع التنظيم حرب العصابات كآلية جديدة لمواصلة جرائمه،
خاصة وأن التنظيم يمتلك أسلحة وتجارب كثيرة تمكنه من تنفيذ المزيد من الجرائم في سوريا
ودول أخرى في المنطقة.
ولعل
هذا الإعلان جاء ليعبر عن استراتيجية تنظيم داعش ووجهته الفكرية التى تقوم على
أساس قيام الدولة للانطلاق بالدعوة بل التأكيد على عدم ارتداد الفكرة أو انتفائها،
وامتد ذلك إلى بيان قدرة التنظيم على التوسع والانتشار وكسب أراضى جهادية جديدة،
وعواصم بديلة.
داعش ومواجهة جديدة
على
خلفية إعلان تنظيم داعش انتقاله من سوريا، مهد النشأة ورمزية التنظيم إلى ولاية
خراسان، أعلن مدير هيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاى للتعاون "يفغيني سيسويف"
في 28 فبراير 2018م، عن خطط تنظيم داعش الجديدة واستراتيجيته، على خلفية إعلان
تنظيم داعش في ولايته الجديدة خراسان، والتى ستكون بمثابة الأرض الجهادية الجديدة
لانطلاقة، بعد الهزائم المتتالية التى تعرض لها التنظيم في سوريا، وأشار "سيسويف"
في حديث أدلى به لوكالة "انترفاكس": "الوضع في أفغانستان يثير قلقا
شديدا، إذ يتمركز بمحافظاتها الشمالية مقاتلو تنظيم "داعش" الذين يصل عددهم
إلى حوالي 3 آلاف مقاتل حاربوا سابقا في الشرق الأوسط و80% منهم منحدرون من روسيا والصين
ودول آسيا الوسطى.
وعليه
تتطلع الولايات المتحدة إلى دعم حلفائها في جنوب شرق آسيا على تعزيز جهودهم لمنع تنظيم
داعش من البروز في المنطقة، ومواجهة الجماعات التى بايعته مؤخرا، وفي هذا الصدد،
وستكون الأولوية الأمريكية متجه إلى تقديم المزيد من المساعدة وتنسيق الجهود بينها
وبين حكومات دول المنطقة ضد تنظيم داعش.
الجدير
بالذكر أن هناك العديد من الجماعات التى
بايعت تنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادى، منها (جماعة تحريك الخلافة الباكستانية
- شبكة مجاهدي شرقي اندونيسيا - جماعة أنصار التوحيد في الهند - حركة أوزبكستان الإسلامية
– جماعة أبو سياف الفلبينية).
تأتي
التخوفات الأمريكية خاصة بعدما أعلنت هزيمة تنظيم داعش في سوريا في أواخر عام
2017م، فبرغم هذه النجاحات الأمريكية ومعها قوات التحالف الدولى في مواجهة داعش
وفروعه في سوريا، إلا أن الولايات المتحدة وحلفائها تتابع تواجد وتمدد التنظيم في
آسيا، خاصة في ظل الانتشار الواسع في العديد من الدول كــ (ماليزيا – سنغافورة –
الفلبين)، وتتعاظم التخوفات الدولية من احتماليه تزايد هجرات المقاتلين إلى هناك
والذى يتبعه تنفيذ العديد من الهجمات المحلية واستهداف المصالح الأمريكية
والغربية، وفي هذا الشأن، أعلنت الولايات المتحدة أن هناك قوات خاصة أمريكية تساعد
القوات المسلحة الفلبينية في محاولة استعادة مدينة "ماراوى" التى سيطر
عليها تنظيم داعش في الفلبين 23 مايو 2017م، والذى سيطر عليها لمدة ثلاثة شهور.
ووفق
تصريح وزير الدفاع الأميركي "آشتون كارتر" خلال جلسة
استماع في مجلس الشيوخ الأمريكى في 12 مايو 2017م " أنه من الواضح أن جنوب شرق
آسيا هو مكان يطمح تنظيم داعش إلى التمدد فيه".
يذكر
أن تنظيم داعش تبنى العديد من الهجمات في آسيا، حيث استهدف في مايو 2015م، حافلة في
كراتشى أوقعت 44 قتيلا، وتوالت الهجمات في 13 يناير 2016م، حيث تبنى تنظيم داعش
هجوما على قنصلية باكستان في جلال آباد شرق أفغانستان. وفي يوليو من نفس العام
هاجم داعش مظاهرة لأقلية شيعية (الهزارة) أوقع 80 قتيلا، كما نفذ داعش هجوما على السفارة
العراقية في العاصمة الأفغانية "كابول"، نهاية شهر يوليو 2017، من خلال عملية
مزدوجة، جمعت بين العمليات الانتحارية والهجمات التقليدية.
داعش: إمكانية العودة
أثارت
التصريحات التى أعلنها الرئيس الأمريكىى "دونالد ترامب" في 29 مارس 2018م،
العديد من التساؤلات حول احتمالية عودة تنظيم داعش مجددا إلى سوريا، مهد نشأته ورمزيته،
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الاميركية تبدوا اكثر استقرارا واطمئنانا
مما كانت عليه في السابق بعد إندحار تنظيم داعش، إلا ان هذا الوضع لن يستمر طويلا.
إن مقاربة
الانسحاب الأمريكي، يكتنفها كثير من الغموض، وتفتح الباب أمام سيناريوهات عدة، في ظلّ
استمرار المعارك في سوريا، بما فيها المعارك مع الفصائل الإرهابية؛ أى انه وعلى
الرغم من الإعلانات المتتالية التى تؤكد القضاء
على داعش من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ خطر الإرهاب ما يزال قائما،
خاصة داعش في سوريا.
وعلى
الرغم من أن مؤشرات الحرب والحشد الدولي تدل على أنه لن يُسمح لداعش بإقامة دولة ولا
التوسع، وإن كان سيظل مصدر تهديد وقلق للدول والمجتمعات على المدى القريب، ويرجح هذا
الاحتمال استنادا إلى تجربة الحرب مع "القاعدة" في السنوات العشر الماضية،
وإن كانت الطبيعة الجغرافية لسوريا لا تسمح بتشكيل ملاذات آمنة كما في أفغانستان.
إن
خطر داعش سيتواصل حتى وإن تم القضاء عليه ميدانيا بشكل كامل في سوريا طالما بقيت الأفكار
الظلامية والمتطرفة والوحشية لهذا التنظيم تلقى صدى لدى أنصاره والمغرر بهم من أتباعه تحت شعارات ظاهرها إسلامي
لكن الدين وكافة القوانين الإنسانية منها براء، حيث ما يزال تنظيم داعش يحظى بمؤيدين وأتباع في العديد من
المناطق، والذين قد يكونون بمثابة الوقود الجديد لإعادة ظهور داعش في سوريا.
ورغم
هذه النجاحات، إلا أنه لم يتم تجفيف منابعه وهي الاسباب التي تولد التطرف والارهاب.
خاصة في ظل دلائل عديدة على وجود مئات المقاتلين المستعدين لتقديم حياتهم فداء لعقيدة
التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والتى قد تتأهب للقتال مجددا في أي مشروع لإقامة الدولة
الإسلامية من جديد، إن داعش قادر على الاستمرار فى أنشطته حتى فى ظل الهزائم التى
تعرض لها مؤخرا.
وإجمالاً: تلعب
البيئة المحيطة فى سوريا دورا هاما فى مساعدة تنظيم داعش على إمكانية إعادة ظهوره
مجددا، خاصة وأنه قد يتحول إلى جماعات سرية مغلقة، حيث عمل التنظيم خلال فترة
سيطرته على المناطق فى سوريا على تجنيد ونشر أفكاره المتطرفة، حيث نظم فى أماكن
سيطرته ما بات يعرف بالجيل الثانى، والمقصود بهم الأطفال وصغار السن، فعملوا على
تدريبهم ليصبحوا فيما بعد مقاتليين فى صفوفه.
وثمة أمران لابد من اخذهما بعين الاعتبار في جملة الظروف المحيطة، التي ستساعد التنظيم في تحوله القادم، أولهما استمرار شيوع القتل والصراعات الدموية، واستمرار الاقتتال الداخلى فى سوريا ، والثاني غياب الحل السياسي الذي يفترض ان يؤدي الى تطبيع الحياة اليومية ليس في سوريا فقط وانما في بلدان الجوار والأبعد منها، والتي مازالت، تعاني من تداعيات الصراعات المسلحة، التي نشأ "داعش" في بيئتها، ويعتمد على تلك البيئة في الاستمرار.
المعارضة المسلحة في الغوطة:
ما بين الحرب أو الخروج الآمن
آية عبدالعزيز
تدخل الأزمة السورية عامها الثامن وسط حالة من الجدل
المثارة حول مصير الجماعات المعارضة المسلحة، في ظل حالة الاقتتال الدائرة داخل
الميدان السوري. تأتي الغوطة الشرقية في مقدمة المناطق التي تتكالب عليها الجماعات
المسلحة، وتتخذ منها ملاذًا آمنًا، ومركزَا لعملياتها العسكرية. كما إنها تعد أخر معاقل المعارضة المسلحة بالقرب من دمشق. الأمر
الذي عزز من حالة الفوضى وعدم الاستقرار وصولًا إلى تدهور الأوضاع الإنسانية فيها.
وفي هذا السياق؛ أعلنت الدولة السورية
النجاح في إبرام اتفاق مع مقاتلي "جيش الإسلام" بواسطة روسية يقضي
بالخروج الآمن من مدينة درما إلى جرابلس شمال محافظة حلب، والخاضعة لفصائل
"الجيش السوري الحر" المدعوة من تركيا والمشاركة في تحرير المدينة من
تنظيم "داعش" في إطار عملية "درع الفرات" في 2016 ، مقابل
الإفراج عن كل الأسرى السوريين (المدنيين-العسكريين)، بالإضافة إلى جثامين القوات
الحكومية والموالية لها، مع عودة كل مؤسسات الدولة إلى المدينة(1). وذلك بعد حصار
دام لأكثر من 4 سنوات.
من هو "جيش الإسلام"؟
يعد جيش الإسلام من أهم جماعات المعارضة المسلحة في
سوريا، وخاصة في ريف دمشق متخذًا من مدينة دوما منطلقًا لعملياته العسكرية، بقيادة
مؤسسه "زهران علوش" الذي استطاع توسيع عملياته العسكرية مسيطرًا على عدد
كبير من المواقع الهامة للدولة السورية، من بينها كتيبة الدفاع الجوي في الغوطة
الشرقية، وكتيبة المستودعات، وكتيبة البطاريات.
أدى التدخل العسكري الروسي إلى إضعاف الجماعة نتيجة
استهداف قائدهم، فضلًا عن تعرضهم للقصف العنيف في إطار الحصار الدولة السورية.
الخروج
الآمن لـ"جيش الإسلام"
جاء هذا الاتفاق بعد تعثر المفاوضات ما بين
"جيش الإسلام" وموسكو والحكومة السورية، نتيجة حدة الخلافات المثارة بين
الطرفين كانت أبرزها بشأن تسليم السلاح. اشترطت الجماعة تسليم الأسلحة الخفيفة
والمتوسطة للدولة الأمر الذي رفضته موسكو، وقامت تبع ذلك هجوم عسكري موسع على
دوما، حتى تراجعت الجماعة معلنةً موافقتهم على الاتفاق، وتسليم أسلحتهم الثقيلة
والمتوسطة للقوات الحكومة السورية(2).
دخل الاتفاق حيز التنفيذ بالفعل بخروج
المسلحين وأسرهم من دوما؛ حيث أعلن رئيس مركز المصالحة في سوريا "يفغيني
يفتوشينكو" خروج ما يقرب من 3005 من
مسلحي "جيش الإسلام" وأفراد عائلاتهم منذ مساء الأحد 8 أبريل/ نيسان
2018. على متن حافلات ترافقها سيارات لأجهزة الأمن السورية والهلال الأحمر السوري.
في المقابل تم الإفراج عن حوالي 75 رهينة، وتم نقلهم إلى دمشق.
واستمرارًا لحالات الإجلاء وصل عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم من دوما حتى يوم
الثلاثاء الموافق 10 أبريل/ نيسان 2018 إلى 3395 شخصًا بينهم1281 مسلحًا من "جيش
الإسلام" و 784 امرأة و 1330طفلًا من عائلاتهم تقلهم 65 حافلة لنقلهم إلى جرابلس(3).
وعلى صعيد أخر؛ خرج المدنيون من قاطني مدينة دوما في
مظاهرات ضمت المئات للمطالبة بخروج "جيش الإسلام" من المدينة، وإيجاد
سبل لحقن دماء المدنيين، وذلك في أعقاب الإعلان عن الاتفاق، وفي اليوم التالي خرج
أكثر من 2000 مدني للاستيلاء على مستودعات الأغذية والمحروقات الخاصة بـ"جيش
الإسلام"، وذلك وفقًا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي المقابل؛ أعلن "جيش الإسلام" خروجه بشكل
كامل من دوما استجابةً للضغط الشعبي والاتفاق المبرم مع الدولة السورية(4).
"جيش الإسلام" إلى جرابلس بداية النهاية
يعاني الآن مسلحي "جيش الإسلام" من حالة من
التطويق؛ خاصةً مع وصلهم إلى مناطق سيطرة قوات "درع الفرات"، وتجريدهم
من أسلحتهم "السلاح الفردي"، بناءًا على أوامر من الجيش التركي، هذا
بجانب خروجهم إلى منطقة نفوذ "هيئة تحرير الشام"، بجانب أماكن تموضع
وانتشار "جبهة النصرة"، فضلًا عن أن خروجهم يعني وقف الإمدادات الداعمة
لهم من قبل بعض القوى الإقليمية مثل المملكة العربية، الأمر الذي سينعكس على
انحسار دورها في سوريا. كما أدى رفض العسكرين الروس مطالب مسلحي "جيش
الإسلام" بالسماح لهم بالخروج نحو محافظة درعا الموازية للحدود الأردنية، لقطع
أي إمدادات قد يحصل عليها التنظيم في المستقبل(5).
وبرغم من ذلك تحاول الجماعة أن تظهر بشكل متماسك، مصرةً
على الخروج الآمن والإلتزام ببنود الاتفاق، فربما بانتظار تفاهم سعودي-أميركي
بشأنهم، فقد أعلن الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" مؤخرًا أن على الرياض
أن تتحمل نفقة الجيش الأميركي في سوريا، إذا أرادت السعودية أن تحظى برعاية
الأميركية. فهم الآن منزوعي السلاح، وتحت السيطرة التركية.
الجنوب الدمشقي والترقب من بعد
تترقب البلدات المحاصرة من قبل قوات السورية والمليشيات
التابعة لها في جنوب دمشق (يلدا، ببيلا، بيت سحم) التابعة للـ"جيش السوري
الحر"، بالإضافة إلى مناطق وجود "داعش" في مخيم اليرموك، والحجر
الأسود، بالإضافة إلى أجزاء من حي "التضامن" و"القدم"
و"العسالي"، علاوة على بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير
الشام"، ما سيؤول لها خلال الأيام المقبلة، لكونها أخر جيوب المعارضة المسلحة
في دمشق، وسط عمليات التفاوض التي يقوم بها النظام بوساطة روسية مكنته من بسط
نفوذه على الغوطة الشرقية.
تعد هذه الجيوب مصدر قلق للنظام وتهديد للعاصمة "دمشق" التي يتم استهدافها بقذائف الهاون، لذا فمن المتوقع أن تكون الأولوية القادمة للجيش السوري أم عن طريق التفاوض أو الحسم العسكري، ثم تنتقل "القلمون".
"القلمون" محط أنظار قوات الجيش السوري
في سياق عمليات التطهير التي تخوضها الدولة السورية تجاه الجماعات المسلحة، باتت الأنظار الآن تتجه نحو "القلمون" بعد الغوطة الشرقية وجنوب دمشق، وذلك بعد التحذيرات المتوالية من قبل القوات السورية للفصائل المسلحة الموجودة أم بالمصالحة وتسليم السلاح والخروج تجاه إدلب، أو استهدافهم عسكريًا.
وتعد منطقة "القلمون" ذات أهمية استراتيجية، كونها منطقة تجمع عسكري تقع على خطوط إمداد النظام البرية مثل طريق دمشق بغداد، فضلاً عن قربها من قاعدة "التنف" الأميركية(6)، علاوة على إنها بوابة البادية السورية التي تمتد إلى الحدود الأردنية، العراقية، وإلى بادية البوكمال، وريف حمص الشرقي، وبوابة الغوطة الشرقية، كما إنها من مناطق خفض التصعيد منذ سبتمبر2017. (7)
وهو ما يمكن الاستدلال عليه عندما رفضت الدولة السورية في البداية أن تكون "القلمون" مقصدًا لـ"جيش الإسلام" للخروج إليها بكامل أسلحتهم بما فيها الأسلحة الثقيلة.
خيارات المواجهة وآليات التحرك
تعد خيارات جماعات المعارضة المسلحة في هذه المناطق محدودة، لضيق المساحات التي تسيطر عليها، بجانب تطويق القوات السورية لها، لذا فإن خيارات التحرك باتت ضئيلة. فمن المتوقع أن تنتهج هذه الجماعات نفس عمليات التسوية التي تمت مع جماعات الغوطة الشرقية،
تمكن مخاوف الدولة السورية من تحرك تنظيم "داعش" في المناطق التي ستخرج منها المعارضة المسلحة ليتمدد مرة ثانية، ليعود بمهاجمة القوات التابعة لها. وهو ما يمكن الاستدلال عليه عندما خرجت المعارضة المسلحة من حي "القدم" ليحل تنظيم "داعش" محله، وقام بهجوم مضاد على القوات السورية، الأمر الذي أسفر عن عدد من القتلى، وسيطرت التنظيم على الحي في مارس/ آذار 2018.(8)
ماذا بعد دوما؟
حتى الآن لا يمكن التكهن بالتحرك المقبل للقوات السورية بدقة فالأقرب لها هو جنوب دمشق، ولكن مازال هناك تخوف من قبل "داعش"، وهناك توجه نحو درعا وإدلب في سياق استمرار القصف الجوي، ولكنها سوف تكون متأخرة لأن من المتوقع أن تكون عملية القصف مستمرة بالتزامن مع المفاوضات للخروج الأمن.
في حين بدأت المعارضة المسلحة في ريفي حمص وحماة باتخاذ إجراءات استباقية بتشكيل "قيادة موحدة للمنطقة الوسطى"، لتصدي لأي عمل عسكري للنظام في المستقبل، كما ناشد أهالي درعا والقنيطرة فصائل المعارضة بضرورة اتخاذ إجراءات استباقية ومساعدة أهالي الغوطة ترقبًا لألى استهداف عسكري من قبل النظام.(9)
ختامًا؛ من الواضح أن مصير هذه التنظيمات سيظل مرهونًا بالتفاهمات الخفية التي ستتم ما بين القوى الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، وقد ظهرت تجلياتها في تنفيذ الاتفاق ما بين "جيش الإسلام" والدولة السورية برعاية روسية بالخروج إلى جرابلس، وموافقة الجيش التركي على دخولهم بعد تجريدهم من أسلحتهم، بعد رفضه دخولهم لمناطق نفوذه في الشمال السوري(10).
ومن المؤكد أن "جيش الإسلام" سيواجه حالة من التشرذم والتفكك بعد خروجهم من مناطق تموضعهم في مدينة دوما، ومن المرجح انخراط بعض مقاتليه تحت لواء القوات التركية "درع الفرات"، لتنفيذ مهام خاصة بأنقرة في الشمال السوري، بدلًا من تصفيتهم على يد مقاتلين النصرة الموالين لأنقرة، وستكون الحرب عبارة عن تصفية حسابات ما بين فاعلين من غير الدول بعيدًا عن القوى الدولية.
الهوامش
(1) " تركيا تمنع "مهجري دوما" من دخول جرابلس لساعات"،
سكاي نيوز عربي، 3 أبريل 2018. الرابط
(2) "دوما.. فصل جديد من التهجير القسري في سوريا"،
سكاي نيوز عربي، 9 أبريل 2018.
الرابط
(3) " 65 حافلة تقل مسلحي جيش الإسلام وعائلاتهم على طريق دمشق"،
اسبوتينك عربي، 10 أبريل 2018. الرابط
(4) " سوريا.. المدنيون يستولون على محتويات مستودعات "جيش
الإسلام" الغذائية في دوما"، روسيا اليوم، 9/4/2018. الرابط
(5) " "جيش الإسلام".. ما مستقبل آخر فصيل سوري معارض
في الغوطة الشرقية؟"، روسيا اليوم، 28 مارس 2018. الرابط
(6) "ماذا بعد تحرير دوما؟"،
قناة العالم، 11 أبريل 2018.
الرابط
(7)"القلمون بعد الغوطة.. "الخيارات الثلاثة"
تفرض نفسها مجددا"، سكاي نيوز عربي، 3 أبريل 2018. الرابط
(8) " بعد الغوطة الشرقية.. خيارات
الجنوب الدمشقي المحاصر"، الجزيرة. نت، 8 أبريل 2018.
الرابط
صلاح الدهني، " بعد دوما في الغوطة
الشرقية.. أين تتجه حملة النظام السوري؟"، عربي 21، 6 أبريل 2018. الرابط (9)
(10) "هل تنقذ السعودية جيش الإسلام.. ولماذا يتأخر تنفيذ اتفاق دوما؟"، الميادين. نت، 5 أبريل 2018. الرابط