المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

شبه الجزيرة الكورية: ما بين حدة التصعيد والتهدئة

الإثنين 29/يناير/2018 - 02:48 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
حسني عماد

مثل الصراع في شبة الجزيرة الكورية منذ حرب 1950 م جزءا من الحرب الباردة التي لاحت في الأفق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إلا أن آثار الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك والولايات المتحدة الأميركية مازالت باقية، على الرغم من اختفاء العديد من الأسباب التي دعت إليه، لكن بيونغيانغ تمسكت بآخر معقل للمعسكر الشيوعي على أراضيها، وهو مما أدى إلى استمرار الصراع حتى الآن، ورغم أن جذور الصراع تمتد عميقا في التاريخ، فإن امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي وتهديدها جيرانها، دفع الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى فرض حصار اقتصادي خانق على بيونغيانغ.

تاريخ الصراع بين الكوريتين:

ظهرت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية نتيجة التنافس بين الحكومات المؤقتة للسيطرة على شبه الجزيرة التي تم تقسيمها بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ففي 10 اغسطس 1945م ومع استسلام اليابان الوشيك لم تكن الحكومة الأمريكية واثقة من التزام السوفيت باقتراح الولايات المتحدة حيث أنه قبل ذلك بشهر قام كلا من الكولونيل دين راسك وبونستيل -و في جلسة مقتضبة دامت حوالي نصف ساعة- برسم الخط الفاصل بين القوات الأمريكية والسوفيتية عند خط عرض 38 متخذين خريطة لمنظمة ناشيونال جيوغرافيك كمرجع لهم وقد علق راسك - الذي أصبح وزيرا للخارجية بعد ذلك - معللا ” ان القوات الأمريكية المتواجدة هناك تواجهها صعوبات تتمثل في عاملي الزمان والمكان مما يعوق أي تقدم نحو الشمال دون أن تسبقهم القوات السوفيتية ”و لقد اوضح التاريخ أن السوفيت قد اوفوا بالتزاماتهم وتوقفوا عند خط عرض 38 رغم قدرتهم على احتلال كل الأراضي الكورية، وقبل السوفيت هذا التقسيم مع القليل من التساؤلات لدعم موقفهم في التفاوض بشأن أوروبا الشرقية، وطبقا لهذا التقسيم يقوم اليابانيون شمال هذا الخط بالاستسلام للاتحاد السوفيتي وفي الجنوب للقوات الأمريكية وهكذا ودون استشارة الكوريين تقاسمت القوتان العظمتان شبه جزيرة كوريا لتتحول إلى منطقتي احتلال واضعين الأساس لحرب أهلية .

وبدأت الحرب الكورية حربا أهلية في شبه الجزيرة الكورية بين عامى 1950-1953. كانت شبه الجزيرة الكورية مقسمة إلى جزئين شمالي وجنوبي، الجزء الشمالي يقع تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي، والجزء الجنوبي خاضع لسيطرة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة. كانت بداية الحرب الأهلية في 25 يونيو 1950 عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية وتوسع نطاق الحرب بعد ذلك عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، ثم الصين أطرافا في الصراع. انتهي الصراع عندما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953، حصلت كوريا الشمالية على دعم واسع النطاق من جمهورية الصين الشعبية، ودعم محدود من الاتحاد السوفيتي في مجال المستشارين العسكريين والطيارين والأسلحة. دعمت كوريا الجنوبية من قبل قوات الأمم المتحدة، التي كان معظمها يتكون من قوات أمريكية، وشاركت عدة دول بقواتها في الصراع، منذ 23 يونيو 1951 وبعد سنة من المعارك الحامية أصبح الصراع الكوري بين طرفين لا غالب ولا مغلوب بينهما، فلا الأميركيون وحلفاؤهم دحروا المد الشيوعي في شبه الجزيرة ولا الشيوعيون الكوريون وحلفاؤهم الصينيون استطاعوا توحيد شطري كوريا تحت اللون الأحمر. وقد عرض ممثل الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة إلى وقف لإطلاق النار، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأمم المتحدة والصين إلا في 27 يوليو/ تموز 1953 بقرية "بانمونغوم" الواقعة على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين وعلى الرغم من انتهاء الحرب إلا ان النزاع الحدودي ما زال مستمرا بين الطرفين حتى هذا اليوم.

البرنامج النووي لكوريا الشمالية: محطات زمنية

التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية الأحد 3سبتمبر2017م، لم تكن الأولى في الدولة الشيوعية بل هي امتداد لتاريخ طويل في اختبار أسلحة الدمار الشامل، حيث أكد المسؤليين في اليابان وكوريا الجنوبية أن بيونغ يانغ أجرت تجربة نووية تسببت في هزة أرضية بلغت قوتها 6 درجات على مقياس ريختر، وحدث الأمر نفسه في التجارب النووية السابقة.، حيث بدأ التاريخ النووي لكوريا الشمالية عام 1993 عندما طالبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقع يشتبه أنها تحتوي على نفايات نووية.، وفي عام 1994 انسحبت كوريا الشمالية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 2005، أعلنت بيونغ يانغ أنها تمكنت من تطوير أول سلاح نووي، وفي 2006 أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية تحت الأرض، أجرت كوريا الشمالية التجربة النووية الثانية في 2009، وفي العام التالي كشفت بيونغ يانغ للخبراء الأجانب عن منشأة مخصصة لتخصيب اليورانيوم.، وشهد العام 2013 التجربة النووية الثالثة تحت الأرض، وتلاها في عام 2015 إعادة تشغيل المفاعل النووي يونغ بيون.، وفي بداية يناير 2016 أعلنت كوريا الشمالية نجاحها في إجراء تجربة لقنبلة هيدروجينية، وهو الأمر الذي دفع العالم إلى الاستنكار رغم تشكيك واشنطن بحقيقة التجربة.

القنبلة الهيدروجينية.. سلاح من الجحيم:

في سبتمبر 2017 أكدت كوريا الشمالية، أنها اختبرت "بنجاح كامل" قنبلة هيدروجينية مجهزة للتحميل على صاروخ باليستي عابر للقارات، الأمر الذي يسلط الضوء من جديد على هذا السلاح الأكثر فتكا والأخطر على وجه الأرض، وقد أثارت كوريا الشمالية في يناير 2016 الكثير من الجدل في الساحة السياسية العالمية، عندما أعلنت عن امتلاكها قنبلة هيدروجينية، مما أنعش مخاوف عالمية بشأن خطورة هذا السلاح.

وتصنع القنبلة الهيدروجينية استنادا إلى تفاعلات كيماوية معقدة، تعتمد في الأساس على تحفيز الاندماج النووي بين نظائر كيماوية لعنصر الهيدروجين. وتعرف باسم "القنبلة الاندماجية" أو "القنبلة الحرارية"، وينتج الاندماج النووي طاقة وحرارة تفوق بمراحل الطاقة الناجمة عن الانشطار النووي، أساس صنع القنابل النووية العادية، مما يجعل تجربتها خطرا على الدول المجربة نفسها، وتقدر القوة التدميرية للقنبلة الهيدروجينية بنحو ألفي ضعف القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، إبان الحرب العالمية الثانية. مما يعني أن استخدام هذه القنبلة في أي مكان كفيل بتحويله إلى جحيم.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد سبقت بيونغيانغ إلى مثل هذه التجربة، حيث أجرت عام 1952 أول تجربة من نوعها لأول تفجير حراري نووي تحت اسم "القنبلة الهيدروجينية"، ونجح الاتحاد السوفيتي السابق في تفجير أول قنبلة هيدروجينية في 12 أغسطس 1953، غير أن الأميركيين، فجروا في الأول من مارس 1954 قنبلة جديدة من هذا النوع، وفي عام 1957، أعلنت بريطانيا أنها قامت بتفجير أول قنبلة هيدروجينية ضمن جزء من سلسلة من التجارب النووية في المحيط الهادي، إلا أن الاتحاد السوفيتي عام 1961،فجر أقوى قنبلة عرفتها البشرية، وحملت اسم "القيصر"، إذ بلغت قوتها التفجيرية نحو 58 ميغا طن. وكانت قوتها أشد من قنبلة هيروشيما بثلاثة آلاف مرة.

وفي عام 1966 أعلنت الولايات المتحدة أنها وجدت قنبلة هيدروجينية كانت قواتها الجوية قد فقدتها في الساحل الإسباني، حيث استقرت في البحر على عمق 840 مترا، مؤكدة أنها كانت سليمة ولم تتسبب في أي تلوث نووي، من جانبها، أعلنت فرنسا عام 1968، أنها باتت قوة نووية خامسة، بعد أن فجرت باريس قنبلتها النووية الحرارية في جزيرة فانغاتوفا في المحيط الهادي، وعادلت قوتها 170 ضعفا قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

ردود فعل دولية متباينة حول الأزمة الكورية الشمالية وتداعياتها:

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بتراجعها عن توجيه ضربة عسكرية لكوريا الشمالية في الوقت الراهن واعتمادها على دور الصين لإقناع كوريا الشمالية بوقف برنامجها النووي ولجوئها إلى مجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات عليها، وقد حذر وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب من أي قرار غير مدروس تجاه كوريا الشمالية. خاصة بعد قراره بتعزيز القوات الأمريكية في المحيط الهادي قرب شبه الجزيرة الكورية ( المجموعة البحرية كارل فينسن)  والتهديد بتوجيه ضربة عسكرية لكوريا  مقابل وضع  كوريا الشمالية لصواريخها طويلة المدى في حالة تأهب، واستعراضها  لقذائفها الصاروخية.

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قدرة تدميرية هائلة، ورغم ذلك ليس في مصلحتها خوض حرب مباشرة لهذا فهي تحاول فرض وجودها الدولي في المنطقة دون اللجوء إلى  الخيار العسكري أي انتهاج سياسة التفوق خارج المجال وإعادة توازن القوى  في المنطقة،وأشار دونالد ترامب إن واشنطن تدرس قطع العلاقات التجارية مع أي دولة تتعامل تجاريا مع كوريا الشمالية وأن بيونغيانع تمثل خطرا كبيرا على بلاده، وعند سؤاله عن إمكانية أن تهاجم الولايات المتحدة كوريا الشمالية، قال ترامب "سنرى"، فتارة يهاجم كوريا الشمالية وتارة يتحالف معها.

وبالنسبة للصين فإنها ترتبط  باتفاقية تعاون وصداقة متينة منذ 1962 مع كوريا الشمالية إذ تعد الحليف الأول لها هذا مايجعلها في موقف صعب بل أكثر  حرصا على  إيجاد حل سلمي للأزمة، فهي لا ترغب في انهيار النظام الكوري الشمالي ليتحول إلى نظام موالي لأمريكا، كما أنها ليست مسؤولة للدفاع عن تهور الرئيس الكوري، فالموقف الصيني واضح ينحصر على تعزيز، وفرض  نفوذها في إقليمها ولن تتخلى عن دعمها لكوريا الشمالية وإن كانت  ضد البرنامج النووي الكوري الشمالي، وهذا مايفسر تعليق  رحلاتها الجوية إلى كوريا الشمالية حتى انتهاء الأزمة ووضع حد لبرنامجها النووي، وتدرك الصين جيدا أهمية الدور الذي ينتظر منها في حل الأزمة دبلوماسيا دون المساس بمكاسبها في مقابل مواجهة النفوذ الأمريكي والضغط على أمريكا لتفادي شرارة الحرب في المنطقة.

وبالنسبة لروسيا فإن لها علاقات متينة مع كوريا الشمالية تعود الى الحقبة السوفيتية ورغم اختلاف وتغيير الايدلوجيات للبلدين الا ان استمرار العلاقات الجيدة كانت هي السمة السائدة بينهما، رغم اختلاف وجهات النظر بين الفرقاء الاوربيين والامريكين حول السبل الكفيلة لايقاف عجلة التجارب الكورية واعتمادها شتى أنواع العقوبات والتلويح بأستعمال القوة في ردع كوريا الشمالية , الا ان الروس منذ بداية الازمة قد حاولوا مبكرا الى الدعوة الى اجراء مفاوضات مباشرة وغير مباشرة لغرض التخلص من أسلحة الدمار الشامل لكوريا الشمالية وأيقاف كل التجارب وحتى الى تدمير تلك الأسلحة، فالموقف الروسي من الازمة الكورية  يشبه الى حد بعيد موقفها من التجارب النووية الإيرانية فقد راهنت على ان الغرب وأمريكا سيرضخون عاجلا ام اجلا الى حل تلك الازمة بالمفاوضات المباشرة , فقد دعت مرارا وتكرارا الى اعتماد منهج المفاوضات المباشرة بين الأطراف الاوربية والأمريكية مع طهران  , رغم المعارضة الامريكية وبعض من الدول الاوربية  لتلك النداءات في البداية  , ألا ان الأمريكيين انصاعوا الى طريق المفاوضات وماسمي بمجموعة خمسة زائد واحد.

وبالنسبة للإتحاد الأوروبي، فلقد أكدت  حثت وخارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني المجتمع الدولي إلى استخدام "وسائل سلمية وليست عسكرية" لإنهاء الأزمة مع كوريا الشمالية، مطالبة الأخيرة بالامتناع عن "أي عمل استفزازي جديد"، وقالت موغيريني في بيان إنه "في مثل هذا الوقت الحرج يدعم الاتحاد الأوروبي العمل الدبلوماسي مع شركائنا بهدف خفض حدة التوتر في الأوضاع ونزع النووي في شبه الجزيرة الكورية بطريقة كاملة ويمكن التحقق منها ولا رجعة عنها وذلك بوسائل سلمية وليست عسكرية"، وأضافت أن الاتحاد الأوروبي "يؤكد استعداده لدعم المسار المؤدي إلى حوار يتمتع بالصدقية والجدية مع كوريا الشمالية والمجتمع الدولي" بغية إنهاء "أزمة تعرض للخطر (...) أمن آسيا والعالم"، وناشدت موغيريني كوريا الشمالية "الامتناع عن أي عمل استفزازي آخر لا يمكن إلا أن يزيد التوترات الإقليمية والعالمية".

أما بالنسة لليابان وكوريا الجنوبية الأطراف الأكثر ضرراً من البرنامج النووي، فترى الدولتان في البرنامج النووي الكوري الشمالي تهديدا مباشرا لأمنهما ودعت كل منهما المجتمع الدولي إلى ضرورة وضع حد لهذا البرنامج النووي و تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، وتقوم هذه الدول بالعديد من المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الشمالية رداً علي إستفزازات كوريا الشمالية.

وكان مجلس الأمن الدولي، قد صوت في 22ديسمبر2017م، بالإجماع على مشروع قرار طرحته الولايات المتحدة لتشديد العقوبات على كوريا الشمالية، وقال كورو بيسو الرئيس الحالي لمجلس الأمن: "15 عضوا من أعضاء المجلس صوتوا على مشروع القرار واعتمد بالإجماع"، وينص القرار على "حظر نحو 90 % من المشتقات النفطية إلى كوريا الشمالية، إضافة إلى تحديد سقف لتزويدها بالنفط الخام بأربعة ملايين برميل سنويا، وكذا فرض قيود على تسليم المشتقات النفطية بما فيها وقود الديزل محددا سقفا بـ500 ألف برميل للعام المقبل". ويفرض القرار أيضا "على جميع موردي النفط والمنتجات النفطية إلى كوريا الشمالية أن يبلغوا الأمم المتحدة مسبقا بذلك. إضافة إلى حظر توريد مختلف المعادن والمنتجات الكيميائية والسلع والمعدات الكهربائية، فضلا عن بعض المنتجات الغذائية، إلى كوريا الشمالية". ويتضمن القرار أيضا "ترحيل جميع الكوريين الشماليين العاملين في الخارج إلى بلادهم في مهلة لا تتعدى 24 شهرا"، وتقدر العمالة الكورية الشمالية في الخارج بأكثر من 50 ألفا، يعملون في أكثر من 40 دولة مختلفة، وتقدر مجموع التحويلات التي ترسل من قبلهم بنحو ملياري دولار سنويا، ويتيح القرار لـ"جميع الدول الأعضاء بإيقاف أو احتجاز السفن التي تغادر الموانئ الكورية الشمالية أو تتجه إليها، منتهكة بذلك العقوبات الدولية"، ويشمل القرار أيضا "إدراج 19 مواطنا من كوريا الشمالية، إضافة إلى جنرالات في القوات الكورية الشمالية في قائمة العقوبات". كانت واشنطن قدمت الخميس، عقب محادثاتها مع الصين، حليفة بيونغ يانغ، مشروع قرار يقضي بفرض إجراءات عقابية جديدة ردا على إطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا عابرا للقارات في أواخر نوفمبر 2017.

يأتي ذلك مع دعوة  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ في نوفمبر الماضي، إلى وقف إمداد بيونغ يانغ بالنفط، لتوجيه ضربة قوية لاقتصادها، بعد قيام الأخيرة بإطلاق صاروخ باليستي، وهذا ما يفرض علينا أسئلة جديدة تتعلق بهذه الأزمة فهل سنشهد تصعيدا جديدا للأزمة أم انفراجا لها على المدى القريب بعد تشديد العقوبات وتحد الرئيس الكوري لقرار مجلس الأمن ؟ وهل ستنجح الصين وروسيا  في إيجاد حل سلمي يستبعد ضربة عسكرية لكوريا الشمالية ؟

مستقبل الوضع في شبه الجزية الكورية، (سيناريوهات مواجهة الأزمة الكورية):

مع إختلاف التصريحات بين رؤساء الدول الأطراف في الأزمة، وتواصل حدة التوتر في التصاعد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقول إنها مصممة على تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة أصلا على حكومة بيونغيانغ، وانها ستفعّل نظام (ثاد) للدفاع الصاروخي الذي نصبته في كوريا الجنوبية، وذلك في محاولة لايقاف برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي والتجارب الصاروخية التي تجريها بيونغيانغ، وردود كوريا الشمالية على هذه الخطوات بالقول إنها مصممة على إجراء المزيد من التجارب الصاروخية والنووية، وحرص الرئيس الصيني شي جينغ بينغ علي تهدئة الوضع في شبة الجزيرة الكورية،  ومع رغبة  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحل الأزمة دبلوماسياً ومنع التصعيد، هتبقي هناك عدة سيناريوهات للأزمة هي:

أ - الإنفراجة في الأزمة:

مع دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين وروسيا الى "استخدام كل الوسائل المتاحة" لاقناع كوريا الشمالية "بالتخلي عن استفزازاتها والجلوس إلى طاولة التفاوض ومناقشة موضوع التخلي عن الأسلحة النووية، ودعوة فلاديمير بوتين كوريا الشمالية بالكف عن  الأعمال الاستفزازية والعودة إلي المشاورات  وتسوية الأزمة دبلوماسياً وأن العقوبات ضد بيونغ يانغ غير مفيدة وغير فعالة، لأن ذلك قد يتسبب في وقوع كارثة عالمي وسقوط عدد كبير من الضحايا، فإن الأزمة بدأت تشهد إنفراجة في  الأزمة كالتالي:

1-  أعلنت كل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تجميد المناورات العسكرية المشتركة، مما مهد الطريق لإعلان بيونغ يانغ إمكانية خفض التصعيد في الأزمة المتنامية وعدم إطلاق صواريخ باليستية هذه الفترة.

2-  أبدى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الإثنين الماضي، استعداد بلاده للمشاركة في أولمبياد بيونغ تشانغ الذي سيقام العام الجاري في كوريا الجنوبية، وهذا ما نقلته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" خلال خطاب كيم بمناسبة العام الجديد  فقال "نأمل مخلصين أن تكون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ناجحة، وهذا العام يصادف الذكرى السبعين لإنشاء النظام الكورى الشمالي، وسيستضيف الجنوب أولمبياد بيونغ تشانغ، وهذا العام يحمل أهمية بالنسبة للكوريتين، نحن على استعداد لاتخاذ خطوات متعددة، بما فى ذلك إرسال وفد" للمشاركة في الأولمبياد، التي ستستضيفها كوريا الجنوبية في مدينة بيونغ تشانغ على بعد 180 كلم شرق العاصمة سيول من 9 إلى 25 شباط المقبل، بينما ستقام دورة الألعاب البارالمبية من 9 إلى 18 مارس القادم.

3-  رحبت كوريا الجنوبية بهذه الدعوة الكورية الشمالية حيث قال وزير إعادة التوحيد الكوري الجنوبي شو ميونغ غيون "نأمل أن يتمكن الجنوب والشمال من الجلوس وجهاً لوجه لبحث مشاركة وفد كوريا الشمالية في ألعاب بيونج تشانغ فضلاً عن مسائل أخرى ذات اهتمام متبادل من أجل تحسين العلاقات بين الكوريتين"، وذكرت وزارة التوحيد أمس أن كوريا الشمالية أرسلت قائمة بوفدها لاجتماع نادر رفيع المستوى مع كوريا الجنوبية هذا الأسبوع، وكما رحب رئيس اللجنة الكورية الجنوبية المنظمة للألعاب، لي هي بيوم بدعوة كيم جونغ أون، وقال "نحن نرحب باقتراح الشمال عن استعداده للانخراط في مباحثات من أجل المشاركة في الألعاب الأولمبية".

4-  أمر زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بالبدء في محادثات عبر قنوات خاصة، في "المنطقة المنزوعة بالسلاح" بانمنجوم عند الحدود بين البلدين. ووفقا لوكالة يونهاب الكورية الجنوبية، فقد أعلن التلفزيون الكوري الشمالي، أن زعيم البلاد أصدر أمرا بإعادة فتح الخط الساخن مع كوريا الجنوبية بداية من الساعة 03:30 بالتوقيت المحلي، لإجراء محادثات، وقال البيان، إن المحادثات تهدف إلى إقامة حوار رسمي حول إرسال وفد رياضي كوري شمالي إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية الشهر المقبل، وجاءت هذه التصريحات، بعد يوم واحد من اقتراح كوريا الجنوبية إجراء محادثات رفيعة المستوى مع كوريا الشمالية، وذلك بعد خطاب كيم جونغ أون بداية السنة الجديدة، والذي أبدى فيها استعداده للتحدث مع سيئول، وهذا بعد  اقتراح سيول على جارتها في الشمال بيونغ يانغ إجراء محادثات في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري.

5-  الرئيس مون جيه-إن، أشار الأربعاء 10 يناير/ كانون الثاني، إنه يجب إقناع كوريا الشمالية بالجلوس إلى طاولة الحوار لنزع السلاح النووي. وقال الرئيس إن ذلك يتم من خلال إجراء الحوار لتحسين العلاقات بين الكوريتين، حسب وكالة "يونهاب"، وأوضح الرئيس مون في مؤتمر صحفي في المكتب الرئاسي بمناسبة حلول رأس السنة الجديدة أن الحكومة ستنظر في نفس الوقت في إعادة تشغيل مجمع كيسونغ الصناعي واستئناف البرامج السياحية إلى جبل كوم كانغ، وصرح الرئيس بأن الجهود لإجراء الحوار لتحسين العلاقات بين الكوريتين ستسهم في حل القضية النووية الكورية الشمالية، وأن الحوار سيسهم في التقدم المحرز فى حل القضية النووية الكورية الشمالية وتطوير العلاقات بين الكوريتين، ويجب النظر في إعادة تشغيل مجمع كيسونغ الصناعي واستئناف البرامج السياحية إلى جبل كوم كانغ ورفع العقوبات الاقتصادية، بموجب العقوبات الدولية، خاصة قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

6- إعلان روسيا، الأربعاء 10 يناير/ كانون الثاني، استعدادها للإسهام في تأسيس حوار بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، ورحبت وزارة الخارجية الروسية بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها، الثلاثاء، بين الكوريتين حول الألعاب الأوليمبية. وأن موسكو تتوقع أن تدعم كافة الأطراف المعنية خطوات كوريا الشمالية والجنوبية لاستئناف الحوار"، اذ أنها الطريقة الوحيدة الممكنة لحل مشاكل شبه الجزيرة بطريقة سلمية وسياسية ودبلوماسية.

 ب-  استمرار الوضع قائم كما هو الأن(العقوبات والتهديدات):

  من المحتمل أن يستمر هذا الوضع فترة طويلة فبالنسبة لقبول الولايات المتحدة كوريا الشمالية كعضو آخر فى النادى النووى، فإن هذا الأمر لا يلقى قبولاً على الإطلاق فى واشنطن، فكوريا الشمالية لا تعتبر دولة طبيعية، كما أنها لم تظهر أى نية فى تطوير برنامج نووى واضح، وعلاوة على ذلك فقد اعتادت على إصدار التهديدات العدوانية المتكررة ضد الولايات المتحدة، كما أن رد الفعل الأمريكى الداخلى ضد السماح لكوريا الشمالية بتحقيق رغبتها، طويلة الأمد، بامتلاك القدرة النووية العابرة للقارات سيكون ضخماً للغاية، فهناك رغبة لدي بيونغ يانع بإمتلاك السلاح النووي والدخول في النادي النووي مع الكبار، وبالتلي فستنتهج هذا النهج القائم علي تطوير الأسلحة النووية، مما سيدفع واشنطن إلي دعم كل من اليابان وكوريا الجنوبية عسكرياً من خلال إجراء العديد من المناورات المشتركة معهم، وتزويدهم بالعديد من الأسلحة الدفاعية والهجومية رداً علي هذه الإستفزازات الكورية الشمالية، مع قيام المجتمع الدولي بإدانة هذه التجارب النووية وفرض العديد من العقوبات الإقتصادية علي كوريا الشمالية.

ج- التسوية السلمية للأزمة(المساعي والوساطة الروسية الصينية"الخيار الدبلوماسي"):

مع معارضة وتنديد الصين وروسيا بشأن العمليات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية، التي من شأنها أن تزيد من الصراع ولا توجد أي حل له، فليس من مصلحة الصين أو روسيا شن حرب في المنطقة أو إبقاء المنطقة في شكل مأساوي مثل منطقة الشرق الأوسط، فمن جانب سيؤثر علي الوضع في القارة الاسيوية بكامل مناطقها، وسيحجم النفوذ الروسي والصيني المتصاعد، وأيضاً سوف يحلق فرصة لعديد من الجماعات الإرهابية للدخول إلي المنطقة وتهديدها، لذلك  تحاول موسكو وبيكين معاً الحث عن حل سلمي للأزمة وهذا هو الهدف من خريطة الطريق التي وضعتها روسيا بالاشتراك مع الصين حول تسوية شاملة لشبه الجزيرة الكورية، والتي  تقترح تعليقا متبادلا للأعمال العسكرية الخطيرة التي تقوم بها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من أجل خلق مناخ لبدء المفاوضات، مع الهدف النهائي المتمثل في إقامة نظام جماعي للسلم والأمن في شمال شرق آسيا، ودعوة جميع الدول المعنية إلى المشاركة في العمل المتعلق بالتنفيذ العملي لهذه الوثيقة".

وهذا ظهر جلياً مع دعوة ترامب لنظيريها شي بينغ وفلاديمير بوتين، بأنه حان الوقت للضغط علي بيونغ يانغ لإقناعها بضرورة التخلي عن البرنامج النووي وإحلال السلام بالمنطقة، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الي الصين الثلاثاء 8يناير 2018م، ودعوته إلي حل الأزمة دبلوماسيا وسلميا.

د- الحرب النووية في شبة الجزيرة الكورية( الخيار العسكري):

هذا السيناريو غير قابل للتطبيق، ولا يقوم على افتراض محسوم بأن هناك حربا قريبة في شبه الجزيرة الكورية، أو أن التطورات المتسارعة في منطقة شمال شرقي آسيا هي مقدمات طبيعية للحرب. صحيح أن عملية التصعيد بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة تجري بمعدلات متسارعة منذ وصول إدارة ترامب إلى السلطة، والتي أخذت شكل التجارب الصاروخية المتوالية من جانب كوريا الشمالية، ثم إجراء تجربتها النووية الهيدروجينية في الثاني من سبتمبر 2017، والتي مثلت التجربة النووية السادسة في سلسلة تجاربها النووية، تطور الأمر بعدها إلى حرب كلامية استخدمت في سياقها مفردات شديدة القسوة والعنف من جانب الرئيسين الأمريكي ترامب، والكوري كيم جونج أون، أخرها  تهديد زعيم كوريا الشمالية بأن زر إطلاق الأسلحة النووية دائماً على مكتبه، وتباهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن زره النووي أكبر وأقوى بكثير من زر زعيم كوريا الشمالية، فالولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة لتعاني مما واجهته في  افغانسان و العراق، فهذا التوقيت إختلف عن الماضي وهناك روسيا والصين الداعمين الأكبر لبيونغ يانغ، ولن يقفا مكتوفي الأيدي إذا ما دخلت شبه الجزيرة فى صراع، كما أن هناك معارضة من قبل اليابان وكوريا الجنوبية للحرب، فهذا لا يعني أن حربا وشيكة ستقع في شبه الجزيرة الكورية، كما لا تعني استبعاد الحرب بشكل كامل.

خاتمة:

        فى الواقع لا أحد يستطيع أن يدرك الهاوية التى تنتظر العالم من هذه التهديدات، فالحرب لها منطقها الخاص، وكذلك الأزمات، والتاريخ يعلمنا أنه يصعب وقف أى منهما فى حال بدأت، فالأزمة العالمية الأكبر اليوم هى شبه الجزيرة الكورية، فالأزمة والصراع ومن ثم الحرب حول البرنامج النووى لكوريا الشمالية أمر غير محتمل، ولكن الحقيقة غير المريحة هى أنه أصبح الآن أكثر احتمالاً، ولقد دخلنا مؤخراً فترة جديدة وخطيرة فى مسار مزعج للغاية، والسؤال الآن هو ما الذى يجب القيام به لحل هذه الأزمة؟ أولاً: يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ووكوريا الجنوبية ألا تستفز كوريا الشمالية من بوابة المناورات العسكرية وتصدير المزيد من الأسلحة الامريكية إليهم، مقابل إلتزام كوريا الشمالية بتجميد إطلاق الصواريخ الباليستية. ثانياً: علي المجتمع الدولي أن يدعو الجميع للكف عن الأنشظة العسكرية والعودة إلي الحوار والدبلوماسية، وثالثاً: علي الصين وروسيا لعب دوراً كبيراً في الضغط علي بيونغ يانج للتخلي عن السلاح النووي والعودة إلي الحوار مقابل إلتزام الولايات المتحدة بتعاهداتها تجاه كوريا الشمالية، ورابعاً: عقد معاهدة سلام رسمية مع بيونج يانج، والاعتراف الدبلوماسى بها، وتقديم ضمانات لمستقبل النظام، والانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من كوريا الجنوبية، وإلغاء العقوبات المفروذة عليها وإلتزام المجتمع الدولي بهذا.

المراجع:

1-       محمد فايز فرحات، " متى تقوم الحرب في شبه الجزيرة الكورية؟"، مركزالأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية، القاهرة، 24/2/10/2017م، للمزيد انظر الرابط التالي:

 http://acpss.ahram.org.eg/News/16438.aspx         

2-       محمد افندي اوغلو، الموقف الروسي من أزمة السلاح لكوريا الشمالية"صحيفة رأي اليوم، لندن،4/11/2017، للمزيد انظر الرابط التالي  :

http://www.raialyoum.com/?p=772712

3- إيهاب شوقي، "الصراع الكوري الامريكي ..إلي أين؟"، شبكة الأخبار العالمية، 12/4/2013م،  للمزيد أنظر الرابط التالي:  http://anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=66049  

4-------،"تجربة كوريا الشمالية النووية: ترامب يدرس قطع العلاقات الاقتصادية مع أي دولة تتعامل تجاريا مع بيونغيانغ، بي بي سي، بريطانيا، 3/9/2017م، للمزيد انظر الرابط التالي:

  http://www.bbc.com/arabic/world-41141773

5-------،"كوريا الشمالية تجمد إطلاق صواريخ باتجاه "غوام" الأمريكية" الوطن، القاهرة،30/12/2017م، للمزيد انظر الرابط التالي:

http://alwatannews.net/article/751243/Video/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D8%BA%D9%88%D8%A7%D8%B5 –

6- كيفين رود، "سيناريوهات مواجهة الأزمة الكورية.. والدبلوماسية الخيار الأفضل"، في المصري اليوم(مترجم)، 12/8/2017م، للمزيد أنظر الرابط التالي:

 http://www.almasryalyoum.com/news/details/1175958

7--------، "كوريا الشمالية توافق على استئناف خط الاتصالات العسكرية الطارئة مع الجارة الجنوبية"، سبوتنيك، روسيا 9/1/2018م، للمزيد انظر الرابط التالي:

https://arabic.sputniknews.com/world/201801091029049386-

8--------،" مجلس الأمن يشدد العقوبات على كوريا الشمالية"، روسيا اليوم، روسيا، 22/12/2017م، للمزيد انظر الرابط التالي:

  https://arabic.rt.com/world/917288-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3- 

9--------،" ترامب لكيم: زري النووي أكبر وأقوى من زرك"، بي بي سي، بريطانيا، للمزيد انظر الرابط التالي: http://www.bbc.com/arabic/42554527

10- ------"كوريا الشمالية ترجّح مشاركتها في الأولمبياد الشتوي"، جريدة الشرق الأوسط، لندن، 6/1/2018م، للمزيد انظر الرابط التالي:

https://aawsat.com/home/article/1134981/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟