في فهم الإسلاموفوبيا وتجربة الإسلام السياسي
منذ فترة طويلة احتلت الظاهرة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا،
وأخذت زخمًا واسعًا على مستوى المجتمعات المحلية؛ كونها بدأت بالتفكير في العمل
السياسي، ومن ثم صياغة برامج من شأنها التعامل مع واقع المجتمعات وتغييره، والذي
تنظر إليه نظره سلبية في مجملها، وعلى هذا الأساس تبلورت عديدٌ من التيارات الإسلامية،
واختلف منهج تفاعلها مع أوضاع مجتمعاتها، كما تنوعت ظروف نشأتها؛ ومن ثم لم تواجه
نفس المصير السياسي؛ فالبعض منها ازدهر بقدرته على التفاعل مع الواقع السياسي،
بينما تعثر أكثرها لغياب الفكر عن الممارسة السياسية، وإندثر كثيرٌ منها، وتقوقع البعض
منها حول أفكاره وذاته؛ ومن ثم اتخذ نهجًا انعزاليًا عن قضايا المجتمع وعن الحضارة
بأكملها، لأنها رافضة لكل تفاصيل هذا الواقع السياسي والاجتماعى الذي فسرته
الحركات على أنه فسادٌ فكرى وتراجعٌ وتدهورٌ لمُجمل أوضاع المجتمع.
ولم تكن مصر بثقلها الحضارى والتاريخي بمنأى عن اهتمام وظهور عديدٍ من الحركات والتيارات السياسية الإسلامية التى عُرفت في أدبيات علم السياسة بالإسلام السياسي، فقد تحولت الظاهرة الدينية إلى ظاهرة سياسية، حيث اندمجت الحركات الدينية ذات الطابع الدعوى وغير الدعوى في النشاط السياسي، بل سعت للوصول إلى رأس السلطة السياسية لتغيير المجتمع، والتحول به وفق البرامج التى اخطتها لنفسها، وزعمت بل وأكدت أنها تستمد مرجعيتها من الشريعة الإسلامية.
أولاً- اتجاهات التفكير الاستراتيجى الغربى نحو
الإسلام
تُعد الولايات المتحدة الأمريكية مجتمعًا من المهاجرين مُتعددى
الأعراق والثقافات، وكان الأمريكيون الذين أعلنوا استقلال الولايات المتحدة عن الاستعمار
البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي مجموعة متجانسة من المستوطنين
البروتستانت الذين توافدوا على العالم الجديد من أوروبا وبريطانيا. وتقوم الهوية
الأمريكية على الدين المسيحى واللون الأبيض والثقافة الإنجليزية البروتستانتية.
واستفادت الهوية الأمريكية تاريخيًا من حروبها ضد الهنود الحمر والمستعمرين
الفرنسيين ثم البريطانيين مرورًا بالحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة مع
الاتحاد السوفيتى في النصف الثانى من القرن العشرين، حيث لعب هذا العداء دورًا في
وحدة الأمريكيين وصحوتهم دينيًا، وهو ما نبه الأمريكيون لأهمية الدين في مواجهة
دولة لا دينية (الاتحاد السوفيتي)، كما نبههم إلى ما يمكن أن يلعبه الدين على
الساحة الدولية كعدوٍ قادم في إطار الصراع المرتقب بين الديانات والحضارات الذي
أسس له صمويل هنتيجتون، وهو ما جعل جورج بوش الإبن يصف الحملة الغربية على العراق
بأنها حملة صليبية، وهو ما يعيدنا إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى بين
الإسلام والمسيحية من وجهة النظر الغربية.
وبعد طرد اليهود من إسبانيا بدأت مخططاتهم الشيطانية في
العالم من خلال صراع المتناقضات الدينية، وكان الهدف الرئيس الكامن وراء ذلك تدمير
الإسلام من الداخل عبر أبنائه، وذلك طبقًا لما أشارت إليه مؤسسة "راند"
الصهيونية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية .
من هنا ركزت المدارس الغربية في تحليلها للظاهرة
الإسلامية على المواجهة المسلحة، أو الصراع السياسي تجاه الإسلام الأصولي الذى
يستند إلى دين هو من أوسع الديانات انتشارًا، وهو المنافس التقليدي والتاريخى
للديانة المسيحية التي يعتنقها الغرب بشكل إيماني وثقافي، وبالتالي فالقضية تأخذ
بعدًا تاريخيًا، ولا تتوقف عناصرها على مجريات القرون المتأخرة التي كان فيها
الغرب مُسْتَعْمِرًا والعالم الإسلامي مُسْتَعْمَرَا.
ثانياً- التأثير الديني في العملية السياسية
إن مفاهيم الهيمنة اختلطت بتحولات النظام الدولى لخدمة
صانع القرار الغربى، خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فالتأثير الدينى
في العملية السياسية أسهم في تشويه الممارسة السياسية الغربية تجاه الدولة المصرية؛
فالمُركب الثقافي والتاريخى والسياسي الذي يجمع بين الدين والسياسة عمل على تفسير
سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي أمنيًا واستراتيجيًا، حيث مَثل بروز الإسلام كقوة
شعبية قادرة على تعبئة وتحريض الجماهير الأوسع في البلدان العربية والإسلامية خطرًا
على المصالح الغربية والأنظمة التي ترعاها؛ لهذا كان لابد من وضع الظاهرة
الإسلامية تحت المجهر سواء على المستوى البحثي أو المستوى الإعلامي.
فقد صار الخبر الأكثر إثارة وتغطية هو الذي تصنعه
التنظيمات الإسلامية، خاصةً الإرهابي منها، بما يجذب الإعلامي والباحث المتابع
المدقق معًا، كما يحدث الآن في التعاطي الإعلامي مع تنظيم "داعش"
الإرهابي الذي أصبح على الأجندة السياسية العالمية، ويصاحبه اهتمام إعلامي وثقافي
واسع، وهو ما شكل "فوبيا" الإسلام السياسي، وعمق من ظاهرة
"الإسلاموفوبيا" في الغرب من الإسلام عمومًا وحركات ما بعد "جماعة الإخوان
المسلمين"، والخروج بالتحليل السياسي
والفكري حول كثيرٍ من حركات الإسلام السياسي المعاصرة.
فإذا كان العالم الغربي يتعامل مع هذه الحالة الإسلامية
بالنظر إليها على أنها الخطر الذي يعوق تفوقه الحضاري والعسكري؛ ولهذا يُخضعها
للدراسة والبحث والمتابعة الاستخباراتية، فإن واقعنا العربي والإسلامي يتعامل مع
هذه الحالة من صميم تكوينه الفكري؛ مما يجعل لها أثرًا كبيرًا وخطيرًا في تحديد
مستقبله في العالم.
ثالثاً- الإسلام العدو القادم
كان السؤال الشاغل للمفكرين الأمريكيين في فترة ما بعد
الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتحلل دولته إلى جمهوريات صغيرة بفعل
الإعلام والبروباجندا الغربية: مَن العدو القادم؟، حيث برزت عديدٌ من النظريات
والأفكار التى طرحت الإسلام كأحد التحديات القائمة في ضوء الصراع الحضارى القائم
بين الغرب والشرق، وجاءت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 لتحسم الجدل وتملأ
الفراغ الاستراتيجى ليتجسد هذا العدو في الإرهاب الذي يرتدي عباءة الإسلام.
ويرى "صموئيل هنتيجتون" المفكر والأكاديمي الأمريكي
في تعريفه للعدو الإسلامى أن الإسلاميين دخلوا في العقود الأخيرة حروبًا ومعارك طالت
البروتستانت والكاثوليك ومسلمين آخرين وهندوسًا ويهودًا وبوذيين وصينيين، وأن
المسلمين حاربوا في كوسوفا والبوسنة والشيشان وكشمير وفلسطين والفلبين، وأن مشاعر
المسلمين السلبية تجاه الولايات المتحدة زادت في عقد التسعينيات، وأن الشعوب
الإسلامية لم تتعاطف مع الأمريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر2001، وأن عداوة
الشعوب الإسلامية للولايات المتحدة عميقة وليست بسبب إسرائيل فحسب، حيث توجد ثمة
أحقاد دفينة على الثروة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، والعداء للثقافة الأمريكية
في شقيها العلماني والديني، ويُنهي هنتيجتون فكرته بتوقع دخول الولايات المتحدة
حروبًا مع دول وجماعات مسلمة في السنوات القادمة؛ مما يرشح الإسلام بشكل واضح للعب دور العدو الأساسي والكبير الذي يوحد
الأمريكيين ضده.
رابعاً- خروج "الجني الإسلامي" من
القمقم في السبعينيات
وتؤكد كتابات المفكرين الغربيين حضور البعد الثقافي الذى
يؤمن بالصراع الثقافي بين الغرب الذي يعمل من منطلق التعددية العلمانية، وبين
الإسلام الذى يؤمن بالتوحيدية الأحادية المنغلقة؛ حيث ركزت خطابات النخبة على أن
الفكر العربي المعاصر محكوم بالنموذج السلفي الذي يحتفظ بالتعارض بين الشرق والغرب
في إطار التعارض بين الإسلام والمسيحية، وتُرجع السلفية ذلك إلى أن عدم إخلاصنا
إلى الله هو السبب الرئيس في ضعفنا، كما أنها تري أن الفصل بين عقيدة الإيمان
الجوهرية ومرحلة الكفاح ضد الاستعمار ينعكس على غزو الخطابات المنادية بالكفاح ضد
الاستعمار بتعابير العدالة ضد عدوانية الغرب المسيحي وإمبرياليته، فسرعان ما شهدت
الساحة العربية حوادث عنف بين القيادات الثورية العربية التقدمية التي تمسك بزمام
السلطة وبين القيادات الإسلامية منذ عام 1954إلى 1966 العام الذي شهد إعدام سيد
قطب مع مظلة عقد السبعينيات الذي شهد تزامن خروج "الجني الإسلامي" من
القمقم ، وبذلك يفسر الفكر السلفي صدى صيحة (لا حاكمية إلا لله) في صورة المناضل
المسلم الساخط الذي انخرط في العمل السياسي في إطار ما سُمي بالإسلام الساخط
الاحتجاجي، والذي يؤول في النهاية إلي أحضان الإسلام السياسي، حيث بدأ هذا في
الانتشار بعد حادث الفنية العسكرية في مصر في العام 1974.
وبذلك ينظر
الخطاب التقدمي إلى خطابات الإسلام السياسي بأنها تتسم بالانحطاط والشكلية والجمود
والرجعية والوعي الزائف، حيث لا يوجد لديها برنامج عمل محدد أو هدف يلتقي على
أساسه المسلمون فهى غير مؤثرة ولا فاعلة، وتضحي بالواقع لصالح النص، حيث تهدف إلى
العنف وإلغاء الطرف الآخر وتدميره، فهى خطابات لا تؤسس نفسها على الحوار، إنما
تؤسس في إطار الغرابة السياسية تحت سقف التاريخ لنبذ الآخر. من هنا فإن هذه
الخطابات ما هى إلا حركات هيستيرية يجب قمعها بالتعاون مع السلطة، فهى تقف كعائق
أمام النظرة الشمولية لواقع العالم العربي، والفهم الموضوعي لظاهرة الحركات
الإسلامية المعاصرة.
خامساً- خطاب جماعة الإخوان كان جامدًا
ورجعيًا ومنحطًا
ويمكن القول إن الخطابات التى تشكلت في فترة "عام
الجماعة" اتسمت بالرجعية والجمود والانحطاط والشكلية وعدم التوازن، حيث بدت "جماعة
الإخوان المسلمين" مختلفة في رؤيتها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل
من حيث نظرتها العقائدية التى تقوم على التبشير بنهاية الغرب، وهى رؤية تضع
الجماعة في خانة التطرف، والاحتقان السياسي لبعض الدول العربية باعتبارها حاضنة
للإرهاب وثقافته.
فالدولة الدينية
طائفية بالتعريف الغربي لمفهوم الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوك الدول
والجماعات التي تنشط أيديولوجيًا بأفكار ذات طبيعة متطرفة من منظور فلسفات ثورية
ورؤي صراعية تتسم بدرجة عالية من الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوكها فيما
يتعلق بالعنف، مما انعكس على إخفاق "جماعة الإخوان" سياسيًا، بل
واعتبارها من الحركات الإرهابية في العالم.
ولعل خطاب الرئيس الأسبق محمد مرسى ضد إسرائيل قبل ترشحه
للانتخابات الرئاسية بعدة أعوام من أن اليهود أحفاد القردة والخنازير، وقلق واشنطن
بشأن هذه التصريحات التى تهدد الأمن القومى الإسرائيلى الأمريكى، وبعد الانتخابات
الرئاسية أعلن الرئيس الأسبق مرسى احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو عكس ما
كانت تصرح به الجماعة من أن الالتزام بهذه المعاهدة تُعد خيانة في نظام الرئيس
الأسبق مبارك. ويُعد هذا التحول في خطاب الجماعة انقلابًا في العلاقات مع الولايات
المتحدة وإسرائيل، وهذا ما جعلها تخون مسئولياتها أمام الأمة والتاريخ التى ادعت
أنها جاءت من أجلهما.
ويمكن تفسير ذلك بأنه قد غلبت المصلحة التنظيمية على
المصلحة الإسلامية العليا لدى "جماعة الإخوان"، بحيث صار الحفاظ على
التنظيم الكبير هدفًا في حد ذاته، فهذه الجماعة كادت تغير التاريخ في مصر بعد
توليها سُدة الحكم، لكن حالة النفور والشقاق هى ما جعلت الرفض لها هو المسيطر على
الشارع المصري الذي أدرك حقيقة هذه الجماعة في التسلط والاستعلاء للوصول إلى سدة
الحكم دون النظر لمصالح الشعب.
سادساً- أسباب عدم تقبل التيار الإسلامي للآخر
إن القيد الديني الذي يكبل التيار الإسلامي الذي يريد أن
يحتكر الحق في فهم الإسلام وتفسير النص الشرعي، جعل خطاب الإعلام الإسلامي يتبني
عدم تقبل الآخر من خارج الحيز الإسلامي في إطار التمايزات الفكرية والثقافية
والسياسية داخل الطيف الإسلامي، وذلك للأسباب الآتية:
- خروج الإعلام الإسلامي من رحم الصراعات؛ مما جعله أبعد
ما يكون عن الهدوء في ظل سيطرة العولمة على المسلمين وضعفهم؛ مما جعله يعيش حالة
من التردد الاجتماعي والفكري.
- عدم امتلاكه للرؤية الموضوعية التي تجعله صريحًا وواضحًا
في مسايرة التيارات الليبرالةي والعلمانية والتيارات السياسية المختلفة الأخرى.
- الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهذا عيب أخلاقي من
نتاج التكوين الفكري؛ فالإعلام الإسلامي يعتقد أنه المعيار الحقيقي لما يجب أن
يحتكم إليه الرأي؛ ومن ثم فلا رأي غيره، فهو المحصن من الخطأ والمتصف بالكمال.
- الشعور التاريخي بالاضطهاد، وانعكاس ذلك في سياسة
التعبير والنشر، فعادة يبحث المتطرفون نفسيًا عن عباءة فكرية تناسب نوازعهم
الوجدانية الحادة.
- تعزيز نظرية الخلاف على أدب الاتفاق فهو ناشط في تكريس
الخلاف حول قضايا تهم المسلمين.
- في غالبه متحزب، ولهذا فإن مساحات التسامح فيه محدودة.
- أسير التقاليد والعادات، ولا يستطيع تصحيح المفاهيم
المغلوطة عنه، فيقبل بالانطباعية حول بعض الدعاة السياسيين وما شابه ذلك.
- يتعامل مع الآخر في إعلامه بمسببات سلبية في فهم المقدس
والثوابت، رافعًا شعارًا في وجه من ينادي بإعلاء قيم الحوار مع الآخر مقرونًا
بالتحذير من ذلك، باعتباره يقدم الشريعة الإسلامية كأنها عاجزة عن مواكبة العصر
وتقديم رؤي متجددة، مما جعله يتوقف عن مسايرة الزمن فيما يقدمه من معالجات عبر
قنواته وصحفه.
- حماسة التوجه والحذر المرضي منعا كثيرًا من المسلمين من
الاستفادة من ثمرات الحضارة الغربية من خلال الخطاب العاطفي التحذيري الذي حول
الدين الإسلامي من خطاب حضاري إلى خطاب منهزم، ومن استشراف المستقبل إلى الرجوع
للماضي، ومن خطاب يعالج التحدي بالمبادرة المتكافئة إلى خطاب يعالج بالرفض المتشنج
وفق منطق البطولة الانتحاري الذي يرفض كل شيء مغاير لرأيه.
في حين تشكلت قراءة المستشرقين حول ظاهرة الإسلام
السياسي في وجود علاقة بين النفط والإسلام السياسي في إطار الدور الداعم الذي
قدمته بعض الدول العربية لقادة التيارات الإسلامية؛ مما جعلها ظاهرة ظرفية، تفتقد
إلى الزعامة في خطاباتها شخصيات كاريزمية ارتبطت بتنظيماتها، في ظل غياب مشروع
فكري سياسي، مما يجعلها آيلة للسقوط.
سابعاً- الإسلام السياسي لا يحتفي بالوطن لأنه
من صنع الإنسان
ويرى البعض أن الإسلام السياسي لا يحتفي بالوطن كونه من
عمل الإنسان، وهو لا يحتفي أصلاً بالإنسان كونه ناتجًا للعقل، وهو لا يحتفي
جوهريًا بالعقل كونه خلاصة للتجربة التاريخية، وهو يحتكر التجربة والتاريخ
باعتبارهما ليسا إلا تجسيدًا للمدنس، حيث تلعب الأفكار الكبرى دورها المحفز في
التاريخ بأقدار مختلفة في مراحل مختلفة.
ويري بعض الكتاب والمتخصصين المستشرقين أن ثمة عناصر
تُفضي إلى بروز العالم الإسلامي في العلاقات بين الإسلام والغرب، منها:
- تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في كثير من الدول
الإسلامية سوف يهيئ للحركات الإسلاموية سيادة وسلطة كبيرين.
- نظرًا لأن الشرق الأوسط وغيره من المناطق يتعرض لتغيير سياسي
واقتصادى متسارع؛ فإن التوترات الناجمة عن التغيير ستؤدي ولو على المدى القصير إلى
زيادة جاذبية الجماعات الإسلامية في دول كثيرة.
لذلك يقترح " هاليداي" لتخفيف ما يصور
على أنه نزاع بين الغرب والعالم الإسلامي برنامجًا مزدوجًا يشمل:
- فصل الصعوبات الواقعية من تدهور اقتصادى وسياسي وأزمات
اجتماعية عن تعبيراتها الدينية المشوشة، ثم التصدي لهذه المصاعب ذاتها في ظل مفهوم
كلى للعلمانية والتنمية.
- على أوروبا الغربية أن تضع سياسة متوازنة ذات جانبين
إزاء القضايا التي يلخصها تعبير الإسلام.
فلا يزال العرب اليوم مسكونين بالتاريخ الذي يشكل الخارطة
الرئيسة لتفكيرهم دون النظر إلى ما يحدث الآن من صراعات الإسلام السياسي الذي ساهم
في ترسيخ رؤية أحادية للفكر العربي المعاصر اقتصرت فيها العودة على تيار بعينه عمل
على تكوين رؤية فكرية مغلوطة مع الآخر حول الإسلام، مما انعكس على كون الصحوة
الإسلامية لحركات الإسلام السياسي كرست نوعًا من التأزم وأنتجت العنف، مما جعل
هناك هدمًا للحداثة وتأزمًا للمجتمع العربي والإسلامي باختناقات فكرية وسياسية،
جعلت العالم الإسلامي يقف على مسافات ملتبسة في قبوله بالديمقراطية التي رفضت قبول
"جماعة الإخوان" في سُدة الحكم لفشلهم؛ في إرساء التجارب الديمقراطية
للإسلاميين كونها التزامًا كحكم شرعي يعمل به المجتمع .
إن جدلية الدين والسياسة مَن يُطوع مَن؟، وارتباط الفعل
السياسي بحياة الناس وارتباط الدين بسلوك حياتي يومي جعل الحديث عن الإسلام
السياسي والإرهاب محط أنظار كثير من المستشرقين كبرنارد لويس وجيل كيبل وغيرهما كثير، وهم الذين
كشفوا أن الحركات الإسلامية ما هى إلا غطاء يُستخدم لحشد الجماهير، ووسيلة للعب
على العاطفة الدينية بالفطرة، وكسب تأييدها متكئة على النزعة الشعاراتية المفضلة
لهذه الحركات كمقولات " القرآن دستورنا " و" الإسلام هو الحل
" ورفع المصحف تحت قبة البرلمان في إيحاء ديني لاتخفى دلالته على البسطاء،
فالصراع الشخصي للبحث عن المكاسب الذاتية هو الدافع الطاغي في الحقل السياسي
الإسلامي.
وفي النهاية يمكن إن نشأة وتطور الإسلام السياسي في مصر
ارتبطا بالتدهور الاقتصادى والفقر؛ مما أدى إلى انضمام الكثيرين إلى التيارات
الإسلامية أملاً في إحداث التغيير والتوازن لأن الدين هو العدل، بينما على الجانب
الآخر استغلت القوى الإسلامية هذا في أن تمتطي صهوة الثورات العربية دون النظر إلى
أنها تريد إحداث طفرة إنما لخلق مجتمع دينى مشوش لا يفقه شيئًا عن صحيح الدين.
* وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة، رئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز
** المدرس المساعد بقسم الصحافة بالمعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال