فرص الخيار العسكري في الأزمة الكورية الأمريكية
مع تفاقم الأزمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة والتي بدأت بإطلاق بيونجيانج
صاروخاً باليستياً فوق اليابان ووصول الخطابات المتبادلة بين الرئيسين كيم جونج
أون ودونالد ترامب إلى حافة الهاوية نتيجة تعنت أون وتمسكه بحق كوريا الشمالية في
امتلاك سلاح نووي، ظهرت تنبؤات عديدة بقيام الولايات المتحدة باستخدام الحل
العسكري في هذه الأزمة كخيار وحيد في حالة فشل الأطر الدبلوماسي، حتى الرئيس ترامب
نفسه لوّح في تصريحاته بهذا حين هدد كيم أون بالهجوم على القواعد البحرية والجوية الأميركية
في جزيرة غوام، وتوعد حينها كيم أون برد "لا هوادة فيه" في حال تهورت الولايات
المتحدة ووجهت ضربة إليها. وهنا يصبح التساؤل هو: ما مدى إمكانية اللجوء للخيار
العسكري لحل هذه الأزمة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل علينا معرفة حجم
التأييد الداخلي والخارجي لهذا الخيار والمتمثل في موقف كل من روسيا والصين
واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الناتو.
أولاً- التأييد
الداخلي
على
المستوى الداخلي نجد أن الخيار العسكري لا يلق قبولاً من الشعب الأمريكي، فجاءت
نتيجة استطلاع رأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي أن
67% من الأمريكيين يعتقدون أنه لا يتعين على أمريكا شن هجوم استباقي ضد كوريا
الشمالية(1) وذلك لثقتهم
في طريقة تعامل القيادات العسكرية الأمريكية مع الأزمة، وذلك بالإضافة إلى تراجع
ثقتهم في ترامب وإدارته للأزمة حيث قال 72% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم لديهم ثقة
كبيرة في القيادة العسكرية، وذلك مقارنة بـ 37% لديهم ثقة في ترامب. (2) ونضيف إلى
ذلك حجم الخسائر المادية المتوقعة في حال دخول الولايات المتحدة حرب مع كوريا
الشمالية والتي سيتضرر منها المواطن الأمريكي بشكل كبير.
ثانياً- التأييد
الخارجي
على
المستوى الخارجي، نجد أن كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية لا تؤيدان الولايات
المتحدة في شن هجوم عسكري على كوريا الشمالية(3) وذلك على الرغم من أنهما الأكثر
تضرراً من تجارب كوريا الشمالية النووية، وذلك لأن الدخول في حرب عسكرية أو حتى
دعم الولايات المتحدة سيكلفهما خسائر كبيرة حيث الحرب ستسبب أزمة اقتصادية واسعة
ستؤثر على المنطقة بشكل خاص وعلى الصعيد العالمي حيث أنها ستؤدي إلى انخفاض حاد في
النشاط التجاري، كما أن الأسواق المالية العالمية ستعاني من صدمة هائلة على المدى القصير.
كما قدرت وكالة بلومبرج الخسائر المتحملة التي ستتكبدها كوريا الجنوبية واليابان،
وذكرت أن "إذا لم تنجح أميركا في ضرب المناطق الجبلية في كوريا الشمالية جميعاً،
فسيكون هناك نحو 10 ملايين شخص في سيول -عاصمة كوريا الجنوبية- و38 مليون شخص في طوكيو
وعشرات الآلاف من أفراد الجيش الأميركي في شمال شرقي آسيا معرضين لهجمات صاروخية سواء
بالرؤوس الحربية التقليدية أو النووية. وحتى إن نجحت الولايات المتحدة في ضرب هذه الأماكن
المستهدَفة، فإن سيول ستكون عرضة لهجمات من المدفعية الكورية الشمالية".(4)
بالإضافة إلى أن الحرب تفوق قدراتهما العسكرية خاصة كوريا الجنوبية، كما أن شعب
كوريا الجنوبية يرفض تواجد قوات الولايات المتحدة على أراضيه، فقد قاموا بتظاهرات
ضد الولايات المتحدة والوجود الأمريكي على أرضهم بعد حادث مقتل فتاتين كوريتين على
يد جنديان أمريكيان، مما يجعلها ترفض نشوب حرب حتى تتخلص من الوجود الأمريكي على
أراضيها من جانب، ومن جانب آخر تتفادى الخسائر المحتملة التي ستتكبدها في حالة
نشوب الحرب وهو ما أكد عليه رئيس كوريا الجنوبية في لقاءه مع الجنرال جوزيف دانفورد،
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية.(5)
أما الصين وروسيا فهما يدركان جيداً نوايا الولايات المتحدة تجاههما وأنها
تسعى لتكون المهيمن على الساحة الدولية، فالصين تعلم جيداً أن الولايات المتحدة
تسعى للقضاء على النظام الكوري الشمالي حتى تتفرغ لمواجهة الصعود الصيني الاقتصادي
والعسكري في شرق آسيا والعمل على تحجيم تمدد نفوذها في المنطقة وبذلك لا يصبح من
مصلحتها شن هجوم عسكري على كوريا الشمالية أو حتى تفكيك البرنامج النووي لكي
تستطيع استخدام كوريا الشمالية خنجراً في الخاصرة الأميركية يخفف عنها عبء الصدام المتوقع مع واشنطن، بدءاً من منطقة «بحر الجنوب»، وصولاً
إلى بقية أرجاء المحيط الهادي.
نضيف إلى ذلك استحالة فكرة وجود البرنامج النووي بدون علم بكين فهي وإن لم
تساعد كوريا في هذا البرنامج بشكل معلن فإنها تغض الطرف عن تلك التجارب وتكتفي
باتخاد موقف مرن مع كلا الطرفين –كوريا الشمالية والولايات المتحدة- وترفض التصعيد
للخيار العسكري وتؤيد دائماً خيار التفاوض والحل الدبلوماسي للأزمة.(6) كما أنها أعلنت أنه في حالة قيام حرب بين كوريا
الشمالية والولايات المتحدة ستتخذ موقف الحياد ولن تؤيد طرف على حساب الآخر.(7)
أما روسيا فهي تعيش حالة توتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإن لم يكن
ذلك بشكل معلن وتحاول استعادة مكانتها
التي فقدتها بعد الحرب الباردة لذلك هي تشجع كوريا الشمالية على الاستمرار في
برنامجها النووي، وفي تصريح لبوتين قال فيه أن هناك شعب لديه استعداد لأن يأكل الأعشاب
ولا يتنازل أبداً عن برنامجه النووي، معتبراً أن ذلك من حق كوريا الشمالية لذلك هو
يؤكد دائماً على الحوار مع كوريا وعدم التصعيد للخيار العسكري ويرى أن تسوية الوضع
ليست ممكنة إلا بالسبل الدبلوماسية.(8)
أما الناتو فقد فضل موقف الحياد، وأعلن أنه في حال مهاجمة كوريا الشمالية القواعد
العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي، فإن دول الحلف لن تشارك تلقائياً في النزاع في
ظل ما هو منصوص عليه في اتفاقية الدفاع المشترك التأسيسية للحلف حالياً(9)، في
المادة السادسة والتي تحدد النطاق الجغرافي لتطبيق الدفاع المشترك، على أن يكون الدفاع
لأي من الأراضي الأوروبية أو الأمريكية، أو الخاضعة لولاية أي من الأطراف الثنائية
في منطقة شمال الأطلسي.
وحتى إن قامت الولايات المتحدة بشن الحرب منفردة وضربت بالمجتمع الدولي عرض
الحائط ستتكبد خسائر فادحة هي الأخرى حيث قدر عدة محللون عسكريون سابقون خسائر نشوب حرب بين الدولتين وذكروا أن الخسائر
البشرية الأمريكية قد تتراوح بين 300 إلى 400 ألف قتيل، في أول أسبوع من الحرب ما بين
مدنيين وعسكريين وربما يتجاوز مليوني قتيل بحلول الأسبوع الثالث(10). كما ذكر جيمس ماتيس- وزير الدفاع الأمريكي- أن
الحرب ستكون كارثية(11)، وقالت مؤسسة كابيتال إكونوميكس في تقديرها للأثر
الاقتصادي المحتمل الذي يمكن أن تحدثه الحرب بين كوريا الشمالية والولايات
المتحدة، أن الحرب ستؤدي إلي زيادة الدين الاتحادي الأمريكي.(12)
وبهذا يتضح لنا أن الخيار العسكري لا يلق
قبولاً لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي، كما أنه سيؤدي لخسائر وخيمة، وهو ما يعلمه
جيداً الرئيس ترامب والذي إذا أخذنا في الاعتبار أنه رجل تجاري يسعي لعقد الصفقات
وجني الأموال سندرك أنه لوّح بالخيار العسكري وفاقم الأزمة ليصل بها إلى حد تخويف
كوريا الجنوبية واليابان ليعقد معهم صفقات أسلحة وهو ما حدث بالفعل إذ لم تمض أيام
قليلة على التجربة الأخيرة لبيونج يانج إلا وقد استمعنا لترامب وهو يعلن عن موافقته
على بيع أسلحة متقدمة لليابان وكوريا الجنوبية بمليارات الدولارات بحجة تمكينهما من
الدفاع عن نفسيهما. والسبب الآخر هو أن الأزمة تمكن الولايات المتحدة من نشر
المزيد من وسائلها الدفاعية وقواعدها العسكرية في الدول الحليفة لها في آسيا
لاسيما في اليابان وكوريا الجنوبية لتوسيع هيمنتها على المنطقة.
الهوامش
(1) “In general, should the U.S. (launch a
military strike on North Korea first, before it can attack America or U.S.
allies) or should the U.S. (only attack North Korea if it attacks America or
U.S. allies)?”, Washington Post, 27\9\2017, available on: https://www.washingtonpost.com, 28\9\2017.
(2) Ibid.
(3) "كوريا الجنوبية تناشد الولايات المتحدة
تفادي الحرب مع كوريا الشمالية"، بي بي سي، 14\8\2017، متاح على
الرابط التالي: http://www.bbc.com/arabic/world-40925444 ، 25\9\2017.
(4)" ماذا سيحدث إذا اندلعت حرب بين أميركا
وكوريا الشمالية؟"، الشرق الأوسط، 29\8\2017، متاح على الرابط التالي:
https://aawsat.com/home ، 25\9\2017.
(5)المرجع
السابق.
(6)Ida Akerstedt, “‘It’s too dangerous’ North Korea
nuclear strike would be 'DISASTER' warns China”, Express, 25\9\2017,
available on: http://www.express.co.uk/news/world ,25\9\2017.
(7)
"صحيفة:
الصين ستقف على الحياد إذا بادرت كوريا بضرب أمريكا"، سبوتنك نيوز،
12\8\2017، متاح على الرابط التالي: https://arabic.sputniknews.com ، 25\9\2017.
(8) "موسكو تعتبر الضغوط الدولية على كوريا الشمالية غير
مجدية"، الشرق الأوسط، العدد14164، 8\9\2017، متاح على الرابط التالي:
https://aawsat.com
(9)
سارة كيرة، "الناتو باع أمريكا في أزمة
كوريا الشمالية ويؤكد: لن نشارك في النزاع"، موقع اليوم السابع،
13\8\2017، متاح على الرابط التالي: http://www.youm7.com/ ، 25\9\2017.
(10) محمد رضا، "بالفيديو.. تعرف على شكل الحرب حال اندلاعها بين
أمريكا وكوريا الشمالية"، اليوم السابع، 16\9\2017، متاح على الرابط
التالي: http://www.youm7.com/ ،
26\9\2017.
(11) "ماتيس: الحرب ستكون كارثية والجهود الدبلوماسية بشأن كوريا
الشمالية تحقق نتائج"، بي بي سي، 11\8\2017، متاح على الرابط التالي: http://www.bbc.com/arabic/world-40895345 ، 26\9\2017.
(12) Will Martin, “Here's what a war between North Korea and the US
could do to the global economy”, Business Insider UK, 9\8\2017,
available on: http://uk.businessinsider.com/ , 26\9\2017.
* باحث مساعد في العلوم السياسية