تفاهمات مصر وحماس، ومحفزات إعادة ملف المصالحة الفلسطينية
استكمالاً لتحركات حماس منذ إعادة تعريفها لخطابها السياسي في وثيقتها الجديدة المُعلنة في الأول من مايو ٢٠١٧، وتثمينا للجهود المصرية وانطلاقا من التوافقات الثنائية لفتح وحماس حول محورية الدور المصري استنادا لاتفاق القاهرة ٢٠١١ وملحقاته، جاء بيان حركة حماس المتضمن ٤ قرارات أهمها استعداد الحركة لحل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة وفتح حوار جديد مع حركة فتح ما يعتبر تحركًا مغايرا لشرط «حماس» المسبق بأن يتراجع الرئيس محمود عباس عن خطواته الأخيرة حيال ملفات الكهرباء والموظفين وغيرها مقابل الانفراجة التفاوضية؛ بما يثير العديد من الأسئلة حول توقيتها ودلالاتها وانعكاساتها على مختلف الأطراف وما إذا كانت قادرة على إحداث الاختراق المطلوب في ملف المصالحة المتعثرة أم مجرد مناورة سياسية.
دوافع فك الاشتباك
المتابع للشأن الفلسطيني يعي أن أولى خطوات «فك الاشتباك» جاءت منذ استصدار المكتب السياسي لحركة حماس وثيقته الجديدة التي تمت هيكلتها لتراعى مستجدات الحركة دون التخلي عن مبادئها في ظل مرونة في العمل السياسي القائم بما تضمنته من تخلٍ عن عدد من المبادئ في مقدمتها ما جاء في بندها الـ ٢٠ على القبول بخطوط ٤ يونيو١٩٦٧، فضلا عن التحلل من أي ارتباطات سياسية لجماعة الإخوان وتقديم نفسها كحركة وطنية؛ خاصة في ظل الأزمة البنيوية التي تمر بها الجماعة في مصر وما خلفته من هوة في المواقف السياسية بين مختلف أطراف الإقليم، ما دفع حماس لفك الارتباط مع جماعة الإخوان بناءً على تفاهمات إقليمية ودولية، كشرط مسبق لاستئناف علاقاتها الخارجية أو لبدء جولة مفاوضات جديدة نحو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية برعاية مصرية، وذلك لعدة اعتبارات:
- اعتبارات داخلية: تفاقم الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، خاصة في أعقاب العقوبات التي فرضها عباس على قطاع غزة ردا على الرفض السابق لحركة حماس حل «اللجنة الإدارية» التي شكلتها لإدارة شئون قطاع غزة، وهى الخطوة التي اعتبرتها قيادة السلطة إعاقة لعمل حكومة «التوافق» التي يرأسها رامي الحمد الله، بالإضافة إلى تقليص عباس في إسهام السلطة في سد فواتير إمدادات الكهرباء التي تحصل عليها غزة من إسرائيل.
وما نتج عن ذلك من تداعيات سلبية على المستوى الصحي والبيئي، ما جعل قيادة حماس في غزة معنية بتأمين مصدر آخر لتعويض النقص في إمدادات الكهرباء والإمدادات اللوجيستية الأخرى، ما جعلها معنية بالتوجه إلى مصر عبر بوابة دحلان.
- اعتبارات إقليمية: المتمثلة في الأزمة الخليجية الأخيرة من تأثيرات مباشرة على شبكة التحالفات الإقليمية لحركة حماس التي فرضت تقليص اعتماد الحركة على الحضور القطري في القطاع.
كما أن الرعاية المصرية جعلت معسكر دحلان يعلن أن هناك تصورا حول تنفيذ مشاريع إعادة إعمار على غرار تلك التي تنفذها قطر. خاصة أن دحلان ذو ارتباط وثيق بالإمارات ما يجعل كلفة تنفيذ هذه المشاريع تتحملها الدول الخليجية الأعضاء في المحور المقاطع لقطر.
- اعتبارات اقتصادية: أحد تلك الاعتبارات المطروحة للتحليل السياسي وما يتعلق بمساعي المصالحة التي تأتى متزامنة مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلا عن أن مؤتمر المانحين الثاني يُعقد حالياً في نيويورك بمشاركة ممثلين إسرائيليين، فلسطينيين، والمجتمع الدولي، والذى من خلاله ستطرح إسرائيل رزمة من المساعدات الجديدة التي ستقدمها للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى المشاريع ذات صلة بالبنى التحتية للمياه والكهرباء في غزة أيضا، خاصة وأن تعزيز هذه البنى يتيح تأهيل غزة وحل مشاكلها البيئية.
بالإضافة إلى الطرح الخاص بإقامة مجمع صناعي في «ترقوميا» في منطقة «سي»، سيمتد على مساحة ١.٢٠٠ دونم على الأقل، وما يلحق به من محطة للنفط ومخازن كثيرة لتخزين المعدات حتى خروجها من الجمرك، إضافة إلى ما سيُطرح في المؤتمر من موضوع تطهير مياه الصرف الصحي وإقامة منشآت تطهير في الجانب الإسرائيلي والفلسطيني، كذلك اتفاق الكهرباء التاريخي الذى وقعه في السنة الماضية منسق العمليات ففي الأراضي مع السلطة الفلسطينية. بما يستوجب وحدة الصف الفلسطيني لاستكمال متطلبات الأجندة الاقتصادية.
مكاسب مشتركة
خريطة المكاسب لا تطال فقط طرفي البيان (فتح وحماس)، ولكن يتم تجاوز ذلك لترسيم خريطة مصالح إقليمية على إثر تلك الخطوة التصعيدية نحو إعادة ملف المصالحة من جانب حماس.
مكاسب القاهرة
تتمثل أهمها في إعادة ضبط الأوضاع الأمنية في شمال سيناء، ومنع تسلل العناصر التكفيرية لقطاع غزة، فضلًا عن إمداد جهاز حماس الأمني معلومات استخباراتية عن تمركز العناصر التكفيرية داخل سيناء والمدن الحدودية للسلطات المصرية، ومحاولة إعادة رسم خارطة لنفوذ الحركات والشخصيات الفلسطينية داخل الشأن الفلسطيني، وكذلك التمهيد لمنح الحليف «دحلان» المزيد من التأثير والنفوذ فى قطاع غزة.
كذلك، توسع التفاهمات على هامش المناورة المتاح أمام القاهرة في تعاطيها مع كل من حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. فكلما زاد اعتماد غزة على مصر في تأمين الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع، تشعبت قدرة النظام المصري على ممارسة جميع الأدوار السياسية بمختلف الأطراف المتداخلة بالملف الفلسطيني الممتد، وهو ما ظهر في المرونة التي أبدتها حركة حماس بشأن صفقة تبادل الأسرى المحتملة مع إسرائيل.
فضلاً عن ذلك، فالتفاهمات الحالية تمنح مصر القدرة على محاولة التأثير على شبكة العلاقات الإقليمية لحماس، خاصة ما يتعلق بفك الارتباط مع جماعة الإخوان؛ بحيث لا يتم الاكتفاء بالعمل على قطع العلاقة مع قطر، بل مع تركيا أيضا الحاضنة للعديد من عناصر الإخوان بالخارج.
مكاسب حركة حماس
تحسين الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية في قطاع غزة وبالتالي تُقلص فرص انفجار احتجاجات جماهيرية على حكومة الأمر الواقع التي تديرها حماس في القطاع.
كذلك، إحدى مكاسب حركة حماس ما يخطط له يحيى السنوار بجعل حماس كحالة «حزب الله اللبناني» في قطاع غزة، أي كقوة مسلحة لا تتحمل أعباء إدارية وخدمية.
مكاسب إسرائيل
تتمثل في تكريس ارتباط قطاع غزة بمصر ما يمكن إسرائيل من التحلل من مسئوليتها عن القطاع، كما أن ارتباط القطاع بالقاهرة ينسف مقومات الوحدة السياسية لمناطق السلطة، ما سيساعد تل أبيب على المحاججة بأن «حل الدولتين»، كصيغة مقترحة لحل الصراع لم يعد قابلًا للتطبيق.
كذلك؛ فإن تزامن التفاهمات وإعادة فتح ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، مع توابع الأزمة الخليجية يفتح المجال أمام إسرائيل للدفع نحو إلزام حماس بوقف إجراءاتها لتعزيز قوتها العسكرية. وهو ما تم ربطه بتعزيزات دحلان المدفوع من الجانب الخليجي وخاصة الإماراتي نحو طرح خطط تستهدف استكمال مشاريع إعادة الإعمار وتمويل بناء ميناء عائم ومطار مقابل التزام الحركة بوقف أنشطتها لتعزيز قوتها العسكرية.
مكاسب السلطة الفلسطينية
تفضى التفاهمات الأخيرة بين مصر وحماس وخروج بيان الحركة إلى تقلص هامش المناورة السياسية أمام قيادة السلطة الفلسطينية، خاصة على صعيد مطالبة المجتمع الدولي تبنى حل الدولتين، وبما سيجعلها أكثر انفتاحا على حلول أخرى، مثل «السلام الاقتصادي» في ظل استكمال خطوات المصالحة الداخلية.
ومع إنهاء هذا الانقسام، تصبح الخطوة القادمة بملعب «السلطة الفلسطينية»، ليصبح التساؤل المستقبلي: «هل سينتهز قادة الشعب الفلسطيني هذه الفرصة وتتم المصالحة خاصة في ظل الرعاية المصرية والتي تمتلك كثيرا من مفاتيح المرونة السياسية في ملفات المصالحة الفلسطينية وتبادل الأسرى وضبط الحدود؟، أم أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد مناورة براجماتية لتسوية ملفات شخصية تزامنا مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك؟».