الإرهاب والفساد وتحديات التنمية
الثلاثاء 18/يوليو/2017 - 03:06 م
عبده العشري
تواجه الدولة في سعيها نحو تطبيق سياسات تقوم على الرغبة فى التصدى لأمراض الماضى، ومعالجة العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، تحديان نعتقد أنهما الأصعب، هما الإرهاب والفساد، فالإرهاب يعد من أشد الجرائم خطورة إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، بالنظر لما ينجم عنه من عواقب وخيمة وآثار مدمرة سواء في الأرواح أو الممتلكات، وبما يستنزفه من أموال طائلة لمواجهته وإصلاح الأضرار التى يخلفها، تلك الأموال التى كانت ستوجه لعمليات التنمية فى المجتمع لو لم تقع هذه الجرائم الإرهابية، ولذلك تضمن دستور مصر المعدل 2014 النص فى المادة 237 منه على التزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله باعتباره تهديداً للوطن والمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وفق برنامج زمني محدد، على أن ينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه.
والملاحظ في الآونة الأخيرة أن الإرهاب قد استفحل بشكل غير مسبوق وأصبح أكثر وحشية، فلم يعد يسلم منه حتى الأطفال وأماكن العبادة والمرافق الحيوية الوطنية الهامة المرتبطة بالحياة المعيشية للمواطن، ويتجه نحو إحداث أكبر قدر من الدمار والهلع والخوف فى نفوس الناس باستخدام المتفجرات والإنتحاريين فى الميادين والشوارع ووسائل المواصلات، وتكون النتيجة مقتل العديد منهم وإصابة آخرون، ومن يَسلم يصاب بالخوف والهلع ويصاب بالأذى النفسى.
وتبدو خطورة الإرهاب فى اتجاهاته الفكرية المتطرفة وصعود الأيديولوجيات التى تبرر استخدامه، وفى بنية الجماعات الإرهابية وتحولها من تنظيم هرمى إلى شبكة من جماعات متحالفة يجمعهم إطار أيديولوجى مشترك، وتقارب هذه الشبكات الإرهابية مع جماعات الجريمة المنظمة، وتزايد استخدام تقنيات الإنترنت والاتصالات فى نشر الأفكار المتطرفة ودعم الإرهاب، وفى التلقين، والتدريب، وتجاوز الإرهاب للحدود الوطنية من خلال دعم بعض الدول والجماعات للإرهاب بالتمويل وتوفير الأسلحة والملاذات الآمنة للإرهابيين.
ونعتقد فى أن اللجوء للبحث العلمي يعتبر أحد المنطلقات الأساسية لنجاح أية استراتيجية توضع لمكافحة الإرهاب، مع التأكيد على تحديد الأولويات البحثية الرئيسية في مجال الإرهاب، فينبغى تفسير الإرهاب فى مقابل الأشكال الأخرى من العنف، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة تغطي جميع الجرائم الإرهابية التى وقعت، والتوصل إلى تعريف للإرهاب يتوافق عليه المجتمع الدولي، بوصف أن هذا التعريف أداة أساسية للتعاون الدولي، ويتعين فهم الأسباب الجذرية للإرهاب، وتحديد العوامل المؤدية ببعض الشباب إلى أن يصبحوا فريسة للجماعات الإرهابية، كالفقر، والتهميش، والمخدرات، والتعصب، والإغتراب.
ويتعين وضع مؤشرات للكشف المبكر عن التطرف، وتحليل ونقد الأيديولوجيات والأفكار المتطرفة التي تستخدم لتجنيد الأفراد، وكذلك بحث الحجج المضادة لمجابهة هذه الأفكار، وقياس فعالية الجهود المبذولة، ووضع حد فاصل بين حرية التعبير أحد الحقوق الواردة في المادة 65 من دستور مصر المعدل 2014 من جانب، وبين الترويج للإرهاب والذي يعتبر جريمة وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 من جانب آخر، وينبعى ألا نغفل دراسة دور شبكة الإنترنت فى تطور الإرهاب، والتى أصبحت عنصراً هاماً للجماعات الإرهابية تستخدمها فى مجموعة واسعة من الأنشطة المرتبطة بالإرهاب، مثل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كمنصة لجمع التبرعات، وتشير حملات التبرع عبر شبكة الإنترنت إلى الضائقة المالية التي تعاني منها هذه الجماعات نتيجة الضربات الشديدة التي لحقت بها فى الآونة الأخيرة، كما تستخدم شبكة الإنترنت فى نشر الأيديولوجيات المتطرف، والمبررات الدينية للعمليات الإرهابية والترويج لها، وينبغى أن يؤخذ في الإعتبار أن القدرات السيبرانية للجماعات الإرهابية قد تتغير بشكل كبير وسريع من خلال مساعدة الدولة الداعمة للإرهاب، واكتساب العناصر الإرهابية للمعرفة والمهارات المرتبطة بهذه التكنولوجيا، وعن طريق توظيف عناصر ذات قدرات مهنية عالية فى الكمبيوتر وأعمال القراصنة.
وكذلك ينبغى دراسة الصلات بين جماعات الجريمة المنظمة عبر الوطنية والجماعات الإرهابية وتحديد الروابط التي تجمعهم في إطار بعض الأنشطة التى تحقق لهم مصالح مشتركة كتجارة المخدرات، والسلاح، ونهب الثروات، والاتجار فى الأطفال والنساء، وغسل الأموال، وغيرها من الأنشطة التى تساعد فى دعم وتمويل العمليات الإرهابية.
أما التحدى الثاني فهو الفساد، والذي يؤثر سلباً على جميع قطاعات المجتمع، ويقوض عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويستنزف الموارد، ويعرقل الاستثمار، ويؤدى إلى فقدان الثقة فى المؤسسات العامة، وحسبما جاء فى ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فإنه يشكل تهديداً خطيراً على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر، ويتصاعد هذا الخطر مع الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة وخصوصاً الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الأموال، ولذلك تضمن دستور مصر المعدل 2014 النص فى المادة 218 على أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم هذه الهيئات والأجهزة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
والفساد ظاهرة معقدة، متعددة الأوجه، تتأثر عادة بعوامل داخلية وخارجية، والواقع أنه برغم العديد من السياسات، والاستراتيجيات التى ظهرت على مر الزمن على المستوى الدولى والاقليمى والوطنى لمواجهة الفساد، إلا أن آفة الفساد لا تزال تلقى بظلالها القاتمة، وهذا يعنى أن هناك مشكلة فى تنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الفساد، ويبدو أن عدم فعالية السياسات والاستراتيجيات مرئى فى بعض الأحيان، حتى أننا نجد بعض أن المسئولين الحكوميين يعربون عن قلقهم إزاء أوجه القصور التى يواجهونها فى محاولة التصدى للفساد.
ويشير الفساد إلى ممارسات غير شرعية من بعض الأفراد لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المصالح العامة بما فى ذلك أعمال الرشوة والاحتيال والتزوير والاختلاس أو الكسب غير المشروع، ويمكن للفساد أيضاً أن يتخذ شكلاً غير مالي يقوم فيه الموظف العمومي بإساءة استخدام سلطاته لتحقيق مكاسب خاصة، بما فى ذلك المحاباه والمحسوبية، وتضارب المصالح، وإساءة استعمال السلطة.
ولا ريب فى أن عدم وجود قواعد واضحة تحكم الجهاز الإداري للدولة وإجراءاته يؤدي إلى وجود ثغرات بالنسبة للأشخاص أو الشركات للحصول على منفعة حكومية قد لا يستحقونها، كما أن ضعف الإطار التشريعي يخلق فرص للفساد، فالرغبة فى تحقيق دوافع أنانية وانعدام النزاهة المهنية، يمكن أن تتسبب فى إساءة استخدام الأفراد لمواقعهم من أجل تحقيق مكاسب خاصة، كما أن عدم قناعة البعض بالعيش ضمن الدخول العادية، يمكن أن يدفع بهم إلى البحث عن طرق غير مشروعة لتلبية متطلبات نمط حياتهم.
وعندما يستشرى الفساد فى المجتمع يصبح من الصعب السيطرة عليه ومواجهته، ولكن السيناريو الأسوأ هو عندما تصبح سلوكيات الأفراد ومواقفهم تتكيف مع الفساد ويصبح وسيلة للحياة، فعندئذ نكون أما التحدي الأكبر متمثلاً فى كيفية تغيير هذه الاتجاهات.
وإزاء هذه الوضع لم يعد أمامنا من سبيل لتحقيق التنمية والرخاء لوطننا الذى نعيش فيه، سوى تعبئة كل الجهود لمكافحة آفة الفساد، من خلال وجهة نظر استراتيجية وسياسية تسير على الطريق الصحيح، ولكن يبدو أن تطبيق هذه الاستراتيجيات وتنفيذها يشكلان تحدياً كبيراً أمام الدولة، ونعتقد أن الخطوة الأولى فى وضع استراتيجية ناجحة لمكافحة الفساد تبدأ بفهم ما يفكر فيه المواطنون فيما يتعلق بالفساد، ومن الضروري أن تسعى أية حكومة إلى قياس تصورات المواطنين حول مدى الفساد، فالمعرفة الجيدة أمر بالغ الأهمية في وضع استراتيجيات تهدف إلى مكافحة الفساد، وهناك حاجة مستمرة لتوعية المواطنين بالقيم الأخلاقية، والأضرار الناجمة عن السلوك غير الأخلاقي، فضلاً عن فوائد الأخلاق فى الخدمة العامة وفى المجتمع ككل، ويصبح هذا النوع من التعليم أكثر نجاحاً عندما يقترن بتعبئة المصلحة العامة فى التعامل مع قضايا الفساد، يمكن تحقيق الوعي العام عن طريق مشاركة المواطنين فى مكافحة الفساد، الأمر الذي يؤدي إلى خلق بيئة أخلاقية يمكن أن تساعد فى محاربة الفساد، ويتعين القضاء على العوامل المحفزة للفساد، وتجريم كل صوره، وملاحقة مرتكبيها جنائياً ومعاقبتهم من خلال محاكمة ناجزة، يتحقق معها الأثر الرادع، إلى جانب تطبيق العقوبات التأديبية.
ونعتقد فى النهاية، أنه إذا كان الحق فى الحياة الآمنة يعتبر أحد أهم حقوق الانسان الأساسية، فهناك حق آخر لا يقل أهمية عنه، هو الحق فى مجتمع خال من الفساد، لأن الحياة والكرامة وغيرها من القيم الإنسانية الهامة تعتمد على هذا الحق، وبدون هذا الحق تفقد هذه القيم الأساسية معناها.
*مدرس القانون الجنائى المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية
والملاحظ في الآونة الأخيرة أن الإرهاب قد استفحل بشكل غير مسبوق وأصبح أكثر وحشية، فلم يعد يسلم منه حتى الأطفال وأماكن العبادة والمرافق الحيوية الوطنية الهامة المرتبطة بالحياة المعيشية للمواطن، ويتجه نحو إحداث أكبر قدر من الدمار والهلع والخوف فى نفوس الناس باستخدام المتفجرات والإنتحاريين فى الميادين والشوارع ووسائل المواصلات، وتكون النتيجة مقتل العديد منهم وإصابة آخرون، ومن يَسلم يصاب بالخوف والهلع ويصاب بالأذى النفسى.
وتبدو خطورة الإرهاب فى اتجاهاته الفكرية المتطرفة وصعود الأيديولوجيات التى تبرر استخدامه، وفى بنية الجماعات الإرهابية وتحولها من تنظيم هرمى إلى شبكة من جماعات متحالفة يجمعهم إطار أيديولوجى مشترك، وتقارب هذه الشبكات الإرهابية مع جماعات الجريمة المنظمة، وتزايد استخدام تقنيات الإنترنت والاتصالات فى نشر الأفكار المتطرفة ودعم الإرهاب، وفى التلقين، والتدريب، وتجاوز الإرهاب للحدود الوطنية من خلال دعم بعض الدول والجماعات للإرهاب بالتمويل وتوفير الأسلحة والملاذات الآمنة للإرهابيين.
ونعتقد فى أن اللجوء للبحث العلمي يعتبر أحد المنطلقات الأساسية لنجاح أية استراتيجية توضع لمكافحة الإرهاب، مع التأكيد على تحديد الأولويات البحثية الرئيسية في مجال الإرهاب، فينبغى تفسير الإرهاب فى مقابل الأشكال الأخرى من العنف، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة تغطي جميع الجرائم الإرهابية التى وقعت، والتوصل إلى تعريف للإرهاب يتوافق عليه المجتمع الدولي، بوصف أن هذا التعريف أداة أساسية للتعاون الدولي، ويتعين فهم الأسباب الجذرية للإرهاب، وتحديد العوامل المؤدية ببعض الشباب إلى أن يصبحوا فريسة للجماعات الإرهابية، كالفقر، والتهميش، والمخدرات، والتعصب، والإغتراب.
ويتعين وضع مؤشرات للكشف المبكر عن التطرف، وتحليل ونقد الأيديولوجيات والأفكار المتطرفة التي تستخدم لتجنيد الأفراد، وكذلك بحث الحجج المضادة لمجابهة هذه الأفكار، وقياس فعالية الجهود المبذولة، ووضع حد فاصل بين حرية التعبير أحد الحقوق الواردة في المادة 65 من دستور مصر المعدل 2014 من جانب، وبين الترويج للإرهاب والذي يعتبر جريمة وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 من جانب آخر، وينبعى ألا نغفل دراسة دور شبكة الإنترنت فى تطور الإرهاب، والتى أصبحت عنصراً هاماً للجماعات الإرهابية تستخدمها فى مجموعة واسعة من الأنشطة المرتبطة بالإرهاب، مثل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كمنصة لجمع التبرعات، وتشير حملات التبرع عبر شبكة الإنترنت إلى الضائقة المالية التي تعاني منها هذه الجماعات نتيجة الضربات الشديدة التي لحقت بها فى الآونة الأخيرة، كما تستخدم شبكة الإنترنت فى نشر الأيديولوجيات المتطرف، والمبررات الدينية للعمليات الإرهابية والترويج لها، وينبغى أن يؤخذ في الإعتبار أن القدرات السيبرانية للجماعات الإرهابية قد تتغير بشكل كبير وسريع من خلال مساعدة الدولة الداعمة للإرهاب، واكتساب العناصر الإرهابية للمعرفة والمهارات المرتبطة بهذه التكنولوجيا، وعن طريق توظيف عناصر ذات قدرات مهنية عالية فى الكمبيوتر وأعمال القراصنة.
وكذلك ينبغى دراسة الصلات بين جماعات الجريمة المنظمة عبر الوطنية والجماعات الإرهابية وتحديد الروابط التي تجمعهم في إطار بعض الأنشطة التى تحقق لهم مصالح مشتركة كتجارة المخدرات، والسلاح، ونهب الثروات، والاتجار فى الأطفال والنساء، وغسل الأموال، وغيرها من الأنشطة التى تساعد فى دعم وتمويل العمليات الإرهابية.
أما التحدى الثاني فهو الفساد، والذي يؤثر سلباً على جميع قطاعات المجتمع، ويقوض عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويستنزف الموارد، ويعرقل الاستثمار، ويؤدى إلى فقدان الثقة فى المؤسسات العامة، وحسبما جاء فى ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فإنه يشكل تهديداً خطيراً على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر، ويتصاعد هذا الخطر مع الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة وخصوصاً الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الأموال، ولذلك تضمن دستور مصر المعدل 2014 النص فى المادة 218 على أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم هذه الهيئات والأجهزة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
والفساد ظاهرة معقدة، متعددة الأوجه، تتأثر عادة بعوامل داخلية وخارجية، والواقع أنه برغم العديد من السياسات، والاستراتيجيات التى ظهرت على مر الزمن على المستوى الدولى والاقليمى والوطنى لمواجهة الفساد، إلا أن آفة الفساد لا تزال تلقى بظلالها القاتمة، وهذا يعنى أن هناك مشكلة فى تنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الفساد، ويبدو أن عدم فعالية السياسات والاستراتيجيات مرئى فى بعض الأحيان، حتى أننا نجد بعض أن المسئولين الحكوميين يعربون عن قلقهم إزاء أوجه القصور التى يواجهونها فى محاولة التصدى للفساد.
ويشير الفساد إلى ممارسات غير شرعية من بعض الأفراد لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المصالح العامة بما فى ذلك أعمال الرشوة والاحتيال والتزوير والاختلاس أو الكسب غير المشروع، ويمكن للفساد أيضاً أن يتخذ شكلاً غير مالي يقوم فيه الموظف العمومي بإساءة استخدام سلطاته لتحقيق مكاسب خاصة، بما فى ذلك المحاباه والمحسوبية، وتضارب المصالح، وإساءة استعمال السلطة.
ولا ريب فى أن عدم وجود قواعد واضحة تحكم الجهاز الإداري للدولة وإجراءاته يؤدي إلى وجود ثغرات بالنسبة للأشخاص أو الشركات للحصول على منفعة حكومية قد لا يستحقونها، كما أن ضعف الإطار التشريعي يخلق فرص للفساد، فالرغبة فى تحقيق دوافع أنانية وانعدام النزاهة المهنية، يمكن أن تتسبب فى إساءة استخدام الأفراد لمواقعهم من أجل تحقيق مكاسب خاصة، كما أن عدم قناعة البعض بالعيش ضمن الدخول العادية، يمكن أن يدفع بهم إلى البحث عن طرق غير مشروعة لتلبية متطلبات نمط حياتهم.
وعندما يستشرى الفساد فى المجتمع يصبح من الصعب السيطرة عليه ومواجهته، ولكن السيناريو الأسوأ هو عندما تصبح سلوكيات الأفراد ومواقفهم تتكيف مع الفساد ويصبح وسيلة للحياة، فعندئذ نكون أما التحدي الأكبر متمثلاً فى كيفية تغيير هذه الاتجاهات.
وإزاء هذه الوضع لم يعد أمامنا من سبيل لتحقيق التنمية والرخاء لوطننا الذى نعيش فيه، سوى تعبئة كل الجهود لمكافحة آفة الفساد، من خلال وجهة نظر استراتيجية وسياسية تسير على الطريق الصحيح، ولكن يبدو أن تطبيق هذه الاستراتيجيات وتنفيذها يشكلان تحدياً كبيراً أمام الدولة، ونعتقد أن الخطوة الأولى فى وضع استراتيجية ناجحة لمكافحة الفساد تبدأ بفهم ما يفكر فيه المواطنون فيما يتعلق بالفساد، ومن الضروري أن تسعى أية حكومة إلى قياس تصورات المواطنين حول مدى الفساد، فالمعرفة الجيدة أمر بالغ الأهمية في وضع استراتيجيات تهدف إلى مكافحة الفساد، وهناك حاجة مستمرة لتوعية المواطنين بالقيم الأخلاقية، والأضرار الناجمة عن السلوك غير الأخلاقي، فضلاً عن فوائد الأخلاق فى الخدمة العامة وفى المجتمع ككل، ويصبح هذا النوع من التعليم أكثر نجاحاً عندما يقترن بتعبئة المصلحة العامة فى التعامل مع قضايا الفساد، يمكن تحقيق الوعي العام عن طريق مشاركة المواطنين فى مكافحة الفساد، الأمر الذي يؤدي إلى خلق بيئة أخلاقية يمكن أن تساعد فى محاربة الفساد، ويتعين القضاء على العوامل المحفزة للفساد، وتجريم كل صوره، وملاحقة مرتكبيها جنائياً ومعاقبتهم من خلال محاكمة ناجزة، يتحقق معها الأثر الرادع، إلى جانب تطبيق العقوبات التأديبية.
ونعتقد فى النهاية، أنه إذا كان الحق فى الحياة الآمنة يعتبر أحد أهم حقوق الانسان الأساسية، فهناك حق آخر لا يقل أهمية عنه، هو الحق فى مجتمع خال من الفساد، لأن الحياة والكرامة وغيرها من القيم الإنسانية الهامة تعتمد على هذا الحق، وبدون هذا الحق تفقد هذه القيم الأساسية معناها.
*مدرس القانون الجنائى المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية