المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الصراع الجغرافي والطبقي على الرئاسة الفرنسية

السبت 06/مايو/2017 - 01:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
بسام صلاح

يتجه الناخبون الفرنسيون الأحد المقبل لانتخاب رئيس فرنسا الخامس والعشرين، في الجولة النهائية لانتخابات تبدو نظريًا محسومة سلفًا، فوفق أحدث استطلاعات الرأي يتفوق إيمانويل ماكرون المرشح الشاب والوجه الجديد في الساحة السياسية الفرنسية على مارين لوبان مرشحة أقصى اليمين بفارق أكثر من خمس عشرة نقطة.

ولكن يجب الحذر عند الحديث عن استطلاعات الرأي والتي ثبت مؤخرا في أكثر من مناسبة انتخابية بُعدها عن الواقع أو تضليلها كما حدث في الانتخابات الأمريكية وفي استفتاء البريكست، كما أن الانتخابات تجرى هذه المرة وسط غضب متصاعد فى الأوساط الفرنسية وإحساس عام بفشل النظام السياسى الفرنسي في التوافق مع مزاج الناخبين، فللمرة الأولي منذ ستين عاما، لا يصل أى مرشح عن أكبر حزبين لليسار أو اليمين في البلاد «الحزب الديجولي أو الحزب الاشتراكي» إلى الجولة النهائية.

وترشح ماكرون مستقلًا عن كل الأحزاب، ومرتكزًا فقط على حركة «إلى الأمام» السياسية التى لا يزيد عمرها على عام ونصف العام، ولوبان جاءت من أقصى اليمين من حزب الجبهة الوطنية وغاب الحزبان الكبيران عن الجولة النهائية، فى دلالة على تغير في المشهد السياسي سنرى أبعاده فى السنوات القادمة.. ولكن رغم اختيار الناخب الفرنسي للتغيير وابتعاده عن الأحزاب التقليدية إلا أن نتائج الجولة الأولى جاءت مخيبة لآمال الكثيرين، فماكرون في النهاية ينظر إليه كمرشح تقليدى للنخبة الفرنسية، مدعوم من رجال المال والأعمال، الذين استطاعوا التكيف مع المشروع الأوروبي، ويجنون من تنفيذه منافع مالية، كما أن لوبان المدعومة من ناخبي المناطق الريفية من الطبقة العاملة التي تضررت من الاتحاد الأوروبى والعولمة، تحمل أفكارا توصف بأنها ضد قيم الجمهورية الفرنسية وقد تعمق الأزمة داخل المجتمع الفرنسي حال وصولها إلى قصر الإليزيه.

الجولة الأولى.. ملامح الصراع داخل المجتمع الفرنسي

بعد ظهور نتائج الجولة الأولى بات واضحًا الانقسام الذي يعيشه المجتمع الفرنسي على أكثر من مستوى، وبدت خطوط الصراع واضحة جغرافيًا وطبقيًا على الأقل، حيث تصدر ماكرون في كثير من المدن الكبرى مثل باريس وليون وبوردو ومناطق غرب فرنسا، وهو ما جاء متوافقًا مع النظرة إلى ماكرون كمرشح للنخب المتعلمة ذات الدخل العالي والمنفتحة على العالم، والراغبة بالاستمرار ضمن الاتحاد الأوروبي؛ وعلى العكس من ذلك صوتت المحافظات الصناعية السابقة في الشمال والشمال الشرقي للمرشحة لوبان، وهى المحافظات التى اختفت فيها المصانع وحلت محلها البطالة المزمنة، والآفات الاجتماعية، والشعور بالتهميش والإقصاء من الحكومات المتعاقبة، وهو ما حولها إلى معاقل لليمين المتطرف، بعد أن كانت تصوت فى الغالب للحزب الشيوعي، كما أن المحافظات المطلة على البحر المتوسط صوتت لمرشحة الجبهة الوطنية ويرجع ذلك لأنها البوابة الجنوبية لفرنسا، فهي المحافظات التى يصل إليها المهاجرون من جنوب المتوسط وتتحمل عبء موجات الهجرة المختلفة.

ومن جانب آخر جاءت نتائج الانتخابات بملمح طبقى بدا واضحًا، فأعلى نسبة حققتها مارين لوبان كانت بين ناخبى الطبقة العاملة ٣٧٪، أما إيمانويل ماكرون فحقق أعلى نسبة بين موظفي الشركات ٣٣٪، كما أن أعلى نسبة تصويت حصل عليها ماكرون كانت بين من يربحون ٣٠٠٠ يورو شهريًا فما فوق ٣٢٪، أما لوبان فكانت أعلى نسبها بين فئة من يربحون ١٢٠٠ يورو شهريًا أو أقل ٣٢٪.

الصراع الجغرافي الطبقي داخل المجتمع الفرنسي ليس هو المحدد الوحيد لانتخاب ساكن قصر الإليزيه، فبجانب ذلك هناك محددات أخرى ستحكم قرار الناخب الفرنسي أهمها: الخروج من الاتحاد الأوروبي.

فقد الاتحاد الأوروبى ومؤسساته ثقة الجماهير الفرنسية، فلأول مرة تنحدر شعبية الاتحاد الأوروبي إلى أقل من ٣٨٪، وأصبح يُنظر إليه كعبء على الفرنسيين من حيث الإنفاق ومن حيث قوانينه الجائرة البعيدة عن واقع الناس، وهو ما انعكس على نتائج الجولة الأولى حيث صوت الفرنسيون لمصلحة المتشككين بأوروبا (مارين لوبان وميلانشون) بنسبة ٤٢ في المائة من الناخبين.

ويأتى ماكرون ببرنامج مؤيد للاتحاد الأوروبي، ولكن في نفس الوقت لا يستبعد انسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي في حال لم يقم الأخير بإصلاح نفسه، وفي خطاباته أمام أنصاره، يؤكد ماكرون أنه من أنصار «الفكرة الأوروبية» والسياسة الأوروبية، لكنه يطالب بإصلاح عميق للاتحاد الأوروبى وللمشروع الأوروبى بالكامل.

في حين ترى لوبان أن الاتحاد الأوروبي تحول عمليا إلى «كيان شمولي» ولا بد أن يحل محله اتحاد جديد، وهى تصف سياستها قائلة «أنا أوروبية ولكني لا أريد هذا الهيكل السياسي الذي انحرف عن النهج الصحيح.. ربما علينا إيجاد تسمية جديدة لأوروبا الجديدة، أوروبا الدول القومية والتعاون.. فلتكن مثلا «التحالف الأوروبي»، كتحالف يسمح للدول بتوحيد صفوفها ضمن مشاريع لا تتعارض مع مصالحها القومية، وكانت لوبان قد دعت في البداية إلى خوض مفاوضات على شروط عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبى يليها استفتاء عام في البلاد على البقاء، ولكنها تراجعت قليلًا عن دعوتها للانسحاب من اليورو وقالت إنها لم تعد تضع هذه النقطة في سلم أولوياتها.

الموقف من المهاجرين والإسلام

يعتبر ماكرون أن «العالم اليوم أمام مرحلة تتسم بالهجرات الجماعية، وعلينا الاستعداد للمزيد من تلك الهجرات»، ويدعو إلى فتح أبواب الهجرة أمام بلدان العالم الثالث، التي تشهد حروبًا وكوارث طبيعية، كما يشيد في خطاباته الانتخابية بسياسة اللجوء التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، معتبرًا أن هذه السياسة أنقذت «كرامة أوروبا»، ومنتقدًا السياسة الأوروبية الحالية بشأن اللاجئين، التى يصفها بأنها «فاشلة وتفتقر للكفاءة»، وتعهد ماكرون بالنظر فى طلبات اللجوء فى أقل من ٦ أشهر.

أما لوبان فقد دعت إلى تعليق الهجرة الشرعية، وتشديد شروط اللجوء ولم الشمل العائلي، ورفض تسوية أوضاع الأجانب الموجودين بصفة غير شرعية، إلى جانب تقليص عدد اللاجئين الذين تستقبلهم فرنسا إلى ١٠ آلاف لاجئ، كما تنوى زعيمة الجبهة الوطنية تطبيق قوانين تصعب على المهاجرين الجدد الحصول على الجنسية الفرنسية والعمل هناك، وقطع المساعدات الاجتماعية، والتعليم المجانى عن المهاجرين المقيمين في فرنسا.

لخص ماكرون موقفه من الإسلام في ٣ نقاط أساسية

§        حياد الدولة لضمان الحرية الدينية لجميع الفرنسيين، حيث يعتبر ماكرون أن مفهوم العلمانية في بلاده يشهد نوعا من الخلط أفسح المجال لفرض قيود على ممارسة الأديان وأكد أنه سيعمل على توضيح هذا الخلط فى حال صعوده إلى الحكم، من خلال استعادة العلمانية لمفهومها كمصدر للحرية، فـ «الحرية هى القاعدة والحظر استثناء».

§        ضمان الحرية الدينية فى الأماكن العامة، فماركون يعارض حظر ارتداء الرموز الدينية فى الجامعة، من منطلق قناعته بأن طلبة الجامعات لديهم الوعى الكافى لتحديد توجهاتهم الدينية، ويرى ماكرون أن الأماكن العامة، مثل الشوارع والشواطئ، يجب أن يكون التعبير فيها عن القناعات الدينية حرا بشرط ألا يمس بالنظام العام، ويقترح تعزيز تمثيل المسلمين فى البلاد، ومواصلة هيكلة مؤسسات الإسلام في فرنسا، للتصدي لجميع التجاوزات المتطرفة التي «تحول قيم هذا الدين عن وجهتها الصحيحة».

§        هيكلة مؤسسات الإسلام بفرنسا، حتى تتمكن من مكافحة الخطاب المتطرف، حيث يقترح ماكرون «التحرك لمساعدة المسلمين على هيكلة الإسلام فى فرنسا»، وينتقد تدخل الدولة فى تنظيم الدين الإسلامى فى فرنسا، ويقترح إنشاء مؤسسة جديدة للإسلام تفسح المجال للنظر في أبرز المسائل المتعلقة بمسلمي فرنسا، ويشمل ذلك بناء وتحسين أماكن العبادة، وتعليم وتكوين الأئمة، ويعتبر ماكرون أن فرنسا والأقلية المسلمة تقاتلان على «جبهة مشتركة» ضد التطرف.

أما مارين لوبان فهي تحمل خططًا أكثر جذرية للتعامل مع الإسلام والمسلمين، فهي تنوي حظر الحجاب وزي البحر الإسلامي في الأماكن العامة، وإغلاق مساجد الأئمة «المتشددين»، وتعتبر أن المسلمين يشكّلون خطرا على الهوية الفرنسية تماما كالمهاجرين.

وهو ما دفع من بين أسباب أخرى باتحاد المنظمات الإسلامية لمسلمي فرنسا إلى الاصطفاف وراء ماكرون في الجولة الثانية للاقتراع، وردّا على دعوة المنظمة الإسلامية، قال جان مسيحة أحد أبرز مستشاري لوبان في تصريحات إعلامية إن «اتحاد المنظمات الإسلامية يضم جمعية الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في عدة دول، ومن هنا تود لوبان إلغاء جمعية الإخوان المسلمين... ومن الطبيعي أن تدعو هذه المنظمة للتصويت لمنافس لوبان».

في النهاية تبدو المعركة الانتخابية في فرنسا محسومة لصالح ماكرون، ولكن يرى عدد من المراقبين أن أحد التحديات الرئيسية في الجولة الحاسمة سيكون نسبة «الممتنعين عن التصويت» أو من سيصوّتون ببطاقة بيضاء، فقد أعلنت أعداد كبيرة من الناخبين الذين شاركوا في الجولة الأولى عزمهم عدم المشاركة في الاقتراع خلال الجولة النهائية، فهم لا يريدون التصويت لشخص بعيد كل البعد عن قناعاتهم من أجل منع مرشح آخر من الوصول للرئاسة، وهو ما قد يساهم فى قلب موازين المشهد الانتخابي على نحو غير متوقع.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟