تهجير الأقباط واستراتيجية داعش في مصر (1-4)
تنبئ وتيرة
العمليات الإرهابية المتسارعة منذ بداية العام الحالي إلى أن الأشهر المقبلة قد تشهد
زيادة في عدد العمليات واتساعا لنطاق وقوعها وارتفاعا في كثافتها النيرانية أو
التدميرية حتى حلول موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام 2018.
وتظهر متابعة العمليات التي ينفذها تنظيم داعش بجناحيه تنظيم "ولاية
سيناء" وتنظيم "الدولة الإسلامية مصر" الذي أعلن مسؤوليته عن
تفجيرات كنيستي مار جرجس في طنطا ومار مرقس في الإسكندرية إرتفاعا ملموسا في عدد
العمليات المنفذة في سيناء، واتساع نطاق رقعتها هناك من شمال سيناء إلى القطاع
الأوسط من شبه الجزيرة، وانتقال التنظيم إلى مرحلة جديدة من توسيع نطاق عملياته
خارج سيناء سواء في القاهرة أو في مدن أخرى.
وكانت عملية
تفجير الكنيسة البطرسية في قلب مقر الكاتدرائية القبطية في العباسية في ديسمبر
2016 علامة مميزة لمرحلة الإنتقال الجديدة. وهذه المرحلة وإن كانت قد استهدفت
الأقباط بالأساس في تفجير البطرسية ثم تفجيري كنيستي طنطا والأسكندرية في 9 أبريل
2017 إلا إنها قد لا تتوقف عند ذلك الحد وإنما قد تشمل أيضا أهدافا عسكرية وأمنية
في قلب القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى والكمائن الأمنية المتشرة على الطرق في كل
أنحاء البلاد. لقد راح ضحية تفجيرات الكنائس منذ ديسمبر 2016 حتى الإسبوع الثاني
من إبريل 2017 ما يقرب من 90 قتيلا إضافة إلى عشرات المصابين الذين تتراوح
إصاباتهم بين خطيرة إلى خفيفة، لكن هذه التفجيرات تركت جرحا إنسانيا واجتماعيا
وسياسيا عميقا في قلب النسيج الإجتماعي المصري سوف يحتاج إلى الكثير من المداواة
والصبر حتى يندمل. وما فرض حالة الطوارئ إلا مجرد محاولة لضم الصفوف داخل الوطن
إستعدادا لمرحلة أشد شراسة في الحرب على الإرهاب.
ونظرا لأن الانتخابات
الرئاسية المقبلة تمثل اختباراً حقيقياً لشعبية النظام السياسي القائم؛ فإن كل
القوى المتطرفة المناوئة للنظام، خصوصا من يعلنون على الدوام رفضهم لما يسمى
"حكم العسكر" وعزمهم مقاومة ذلك الحكم بالقوة المسلحة سيجدون لهم مصلحة
مباشرة في تصعيد عمليات العنف ضد النظام أو استثمار العمليات الإرهابية في الدعاية
ضده ووصفه بالعجز عن مقاومتها، ومن ثم الطعن في شرعية النظام وعدم قدرته على توفير
الأمن والأمان للمواطنين. وسوف يكون الميل السياسي لهذه القوى المتطرفة بمثابة حاضنة
فكرية وسياسية للعمليات الإرهابية ومكملا لها من الناحية الدعائية بغرض تحقيق
أهدافها السياسية؛ فالعمليات الإرهابية ليس هدفها التدمير أو القتل فحسب، وإنما
هدفها هو إضعاف النظام السياسي وإثبات عجزه والترويج لبديل سياسي يخلفه، وهو هدف
لا تقدر العمليات الإرهابية وحدها على تحقيقه وإنما هي تحتاج إلى إسناد معنوي
سياسي وإعلامي يساعد الفعل الإرهابي أن يكون مبرراً ومقبولاً.
ويمكن القول أن
القوى السياسية المتطرفة التي تميل إلى استخدام العنف أصبحت في الأشهر الأخيرة
أكثر ميلا إلى التنسيق فيما بينها من أجل تشديد الهجوم على النظام القائم بصرف
النظر عن الأسوار التنظيمية التي قد تفصل بينها. ومن بين هذه القوى تبرز تيارات
السلفية الجهادية والجماعات المسلحة المنبثقة عن تنظيمات الإخوان المسلمين مثل تنظيم
الحركة الإسلامية المسلحة "حسم"
أو"لواء الثورة" ومتبقيات جماعة صلاح أبو اسماعيل وغيرها، التي أصبحت
تتحرك بحرية أكثر بعيدا عن المركزية التقليدية للتنظيم. وتجد التيارات الدينية
المتطرفة وعاء واسعا للتجنيد بين الشباب اليائس الذي فقد كل فرصة للحياة في الحياة،
ففضل الموت لأنه لا يوجد خيار سواه. وقد أظهرت تحقيقات ما بعد تفجيري طنطا
والأسكندرية أن وابلا من النيران قد يندلع بين الشباب اليائس حتى يأتي على كل شيئ
في طريقه؛ فعندما تهون الحياة على النفس، تهون من باب أولى حياة الغير انتقاما
لحرمان النفس.
إننا في هذا
المقال لن نتعامل مع وقائع الإرهاب بوصفها حوادث إجرامية منفردة، وبالتالي لن نرفع
شعار "البحث عن المجرمين وسرعة تقديمهم للعدالة"، فهذه ليست وقائع
جنائية بالمعني الفني للكلمة، وإنما سنتعامل معها بوصفها جزءاً من ظاهرة سياسية
لها أيديولوجيتها وبنيتها التنظيمية وأدواتها ومساراتها العملية لتحقيق أهدافها.
كما إننا ونحن نتعامل مع وقائع الإرهاب كجزء من ظاهرة سياسية فإننا لن نقتصر على
حصر نطاق تلك الظاهرة داخل حدود مصر فقط وإنما سوف نربط فيما بين الداخل والخارج
من زاويتين، الأولى منها تتعلق بالترابط بين ظاهرة الإرهاب في مصر ومثيلاتها في
الدول المحيطة، فكل هذه هي في نهاية الأمر ظاهرة جمعية في الدول العربية
والإسلامية كما أن لها امتداداتها الكونية. أما الزاوية الثانية فإنها تتعلق
بالروابط المتبادلة بين مصر وجيرانها سواء عبر الحدود أو عبر انتقال الأفراد
والأموال وغيرها أو ما يتعلق بترابط وتداخل علاقات التاريخ والثقافة والجغرافيا
وغيرها.
وفوق ذلك كله،
فإننا لن نتعامل مع وقائع الإرهاب من زاوية دينية بحتة، وإنما سنسندها أو سنردها
إلى طبيعتها وجذورها السياسية. ومن ثم، فإننا لا نتفق مع الكثير مما يقال عن علاقة
الإرهاب بالخطاب الديني، ومن ثم الدعوة إلى ما يسمى بـ "تجديد الخطاب
الديني" باعتباره طوقا من أطواق النجاة من مخاطر الإرهاب، فالقرآن كما قال
سيدنا علي كرم الله وجهه في محاجته للخوارج في موقعة صفين "حمال أوجه"،
والتفسير يصول فيه ويجول فحول من الأئمة منهم من انبرى للدفاع عن السلم والتسمح
وأتى بالآيات والأحاديث والسنن النبوية الشريفة التي تسنده، ومنهم من ابتدع طريق
الإنتقام والقتل الذي لم يسلم منه أحد حتى من الصحابة الراشدين، وأتى أيضا بآيات
وبأحاديث تسنده. وقد هدد الخوارج عليا كرم الله وجهه وتوعدوه بالقتل كما قتلوا ابن
عفان رضي الله عنه، فانصاع لهم حتى وقعت الفتنة فقتل علي وآل الحكم لمعاوية
وللأمويين. إن وقائع الإرهاب سياسية الطابع وليس فيها من الدين من شيئ، لكن لهذا
لن يمنع الإرهاب من محاولة التخفي وراء الدين، ليس لأنه يؤمن بذلك وإنما لأنه لا
يري في شيئ غيره ما يتغطى به. ومن المعروف أن معظم أدبيات الإرهابيين تعود إلى
نظرية "الحاكمية لله" التي جاءت مع الخوارج وانتشرت في عصور مختلفة
وأعاد بعثها محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب في القرن الثامن عشر، ثم روجها في
القرن العشرين عالم الدين الباكستاني أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية،
وهي نظرية لها من يريدها ويزود عنها وبها من التأويل ما بها وأخطر ما بها هو يحول
بين الإسلام وبين طبيعته بوصفه "دين الرحمة" و "دين الفطرة".
وسوف تستمر نظرية "الحاكمية لله" ما استمر الفقر والجهل وقصر النظر
وانعدام الإرادة القائمة على العقل الذي هو أغلى ما ميز به الله سبحانه وتعالى
الإنسان عن بقية المخلوقات.
إن الدعوة إلى
تجديد الخطاب الديني يجب ألا تترك لتسبح في خواء أو وسط تخبطات السياسة والإدارة.
كما إن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني ينبغي ألا تتحول أبدا إلى مسوغا للهجوم على
الأزهر الشريف أو للخصومة مع شيخه الطيب. ولكي تكون الدعوة إلى تجديد الخطاب
الديني واضحة فإننا يجب أن نحدد أولا ما هو الهدف من تجديد الخطاب الديني، ذلك أن
تحديد الهدف يهدينا إلى الإتجاه. فإذا كان الهدف ينحصر في استخدام بعض النصوص
لتكفير الجماعات الإرهابية؛ فبئس الهدف، لأن سلاح التكفير سوف يستخدمه هذا
ويستخدمه ذاك، هذا سيأتي بآية وذاك سيأتي بغيرها، وهذا سيأتي بحديث وهذا سيأتي
بغيره، كل سيسارع إلى جعبته لتوظيف الدين لخدمة أغراض سياسية، وحاشا ألله من توظيف
الدين لخدمة السياسة. إن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني يجب أن تهتدي بطبيعة وروح
الدين نفسه وبالقيم الإنسانية العليا التي ينطوي عليها مثل العدالة والمحبة
والتسامح والإخاء والمساواة والصدق والأمانة واحترام حق الحياة للبشر والحيوانات
وللنباتات وللطبيعة الجارية.
وحتى تمضي
الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني في طريق سليم، فإنه من الضروري إزالة شبهة استخدام
الدين كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وهذا يعني ضرورة تضييق مساحة التداخل بين الدين
وبين السياسة. إننا لا نستطيع هنا أن نقفز إلى ضرورة الفصل بين الدين والسياسة
وتطبيق مبدأ "لاسياسة في الدين ولا دين في السياسة"، لأننا قطعنا قرونا
طويلة نسير في الاتجاه الخاطئ، وكل ما نستطيع قوله هو إنه من الضروري أن ندرك أن
مأساة العالم الإسلامي الحالية وحروبه والإقتتال بين المسلمين أنفسهم تنبع من خلط
الدين بالسياسة والسير على خطي السابقين منذ خلاف علي ومعاوية الذي قسم المسلمين
إلى شيعة وسنة وخوارج، وها نحن نجد انفسنا حتى الآن وكل منا يجتهد في إيجاد خندقه
الذي يتمترس فيه ويحارب منه، في واحد من هذه الخنادق المليئة بالصراع مع أن الدين
واحد والنبي واحد والله سبحانه وتعالى واحد. ويجب أن نحذر هنا من الإنسياق وراء
الدعوات لإقحام الأزهر الشريف في صراع سياسي، أو استخدام رجاله كأدوات لتكفير
الآخرين، حتى وإن تلطخت أيديهم بدماء المسلمين. أطلقوا الحوار داخل الإزهر بدون
أوامر إدارية، ودعوا مدارس فكرية كثيرة تتفتح بين جنباته؛ فالريح الطيبة جالبة
للخير ومظهرة للعقول وللقلوب.
ومع ذلك فإنني
أظن إن "تجديد الخطاب السياسي" وليس "تجديد الخطاب الديني" هو
أول ما نحتاجه لمقاومة الإرهاب. ولا يكفي أن يحتوي الخطاب السياسي على شعارات
رنانة عن العدالة، وإنما يجب أن تكون العدالة واقعا، ولا أن يمتلئ بشعارات الحرية
وإنما يجب أن تكون الحرية واقعا، ولا أن نطلق الأغاني والأناشيد الحماسية، وإنما
أن نجعل الإنتماء لهذا البلد العريق الأصيل فخرا لكل مواطن عندما يدرك أن قيمته
تتحقق في وطنه وليس في مركب ضالة في عرض البحر تستجدي أرضا يابسة للهجرة. وسوف
أعود إلى مسألة ضرورة تجديد الخطاب السياسي في موضع آخر.
كذلك فإنني أظن
أن تجديد الخطاب السياسي يجب أن يرتبط بإجراءات لزيادة درجة الثقة السياسية فيما
بين المواطنين والمؤسسات وفيما بين المؤسسات وبعضها البعض. وعلى سبيل المثال فإنني
أسجل اندهاشي الشديد من المعارك المفتعلة التي يتم إقحام مجلس النواب فيها كرأس
حربة لإثارتها، مثل معركة رئاسة الهيئات القضائية ومعركة قانون الأزهر. إن البعض
قد يشم في ذلك رائحة تصفية حسابات أكثر من كونها تخدم مصالح وطنية، وفوق ذلك فإن
مثل هذه المعارك تأتي في وقت خاطئ تماما من الناحية الاستراتيجية، حيث الأولوية
للتراص والوحدة وليس للإنقسامات والنزاعات.
وفي سياق كل ما
يحدث فإننا ننظر أيضا إلى الوقائع الإرهابية التي تتعرض لها مصر، والتي من المرجح
أن تتصاعد في الأشهر المقبلة، باعتبارها جزءا من عملية تاريخية؛ فبعد أن تخلخلت
قواعد الدولة التقليدية في البلدان العربية خلال ثورات الربيع العربي، وجدت القوى
الظلامية التي كانت قد ترعرعت في أحضان النظم التي سقطت في تونس ومصر واليمن
وليبيا فرصة تاريخية للصعود إلى السلطة سواء على حساب حلفائها المحليين أو
بالإعتماد على مساعدات من الخارج أو بهما معا. إن الدول القومية التي سقطت لن تعود
لأن في عودتها استدعاء لمقومات الماضي الذي انقضى، تماما كما إننا نقول إن إقامة
دولة تحت راية "الخلافة الإسلامية" لن يحدث، لأن زمن الخلفاء الراشدين
انتهى وتبعته أزمان وأزمان من حكم الملوك والمماليك، وتطورت الدنيا إلى غير ما
كانت تسير عليه. ونقول إنه إذا صح اعتقاد البعض بعودة الدولة القومية كما كانت قبل
ثورات الربيع العربي، فإنه يصح أيضا وبنفس المقياس قيام دولة للخلافة يقودها أمثال
الخليفة المنصب بأمر نفسه أبوبكر البغدادي!
وهذا يقودنا
إلى حال دولة الخلافة اليت يقودها الخليفة بأمر نفسه أبوبكر البغدادي، فهذا رجل
أمر نفسه على الناس، ففرض عليهم الأتاوات وقتل من لم يدفعها، وأمر الناس بطاعته
وقتل من عصى أمره، واستباح غير المسلمين في أموالهم وأعراضهم، وعرض عليهم الإسلام
أو القتل، وهو يسعى في الأرض فسادا من بلد إلى بلد حتى أصبح الخراب وصف ما حلت به
هجمات أعوانه من بلاد المسلمين. الخليفة الهارب من الموصل والذي تكاد تطوقه قوات
الحشد الشعبي الشيعي من جانب وقوات التحالف الكردي من جانب آخر ليس له من مخرج فوق
الأرض في سورية والعراق، وقد يكون الآن في مرحلة البحث عن ملجأ في مكان آمن بعيدا
عن الموصل والرقة. فأين سيكون الملجأ وكيف سيكون المسار إليه؟
إن امتداد نفوذ
أبو بكر البغدادي إلى مصر وليبيا واليمن وتشاد وتحالفات أعوانه في بلدان الساحل
الأفريقي وبلدان ما يسمى المغرب الإسلامي ترسم صورة مزعجة للمستقبل القريب الذي
ينتظر هذه المناطق والبلدان. صحيح أن مآل داعش هو الزوال، لكن ذلك كما نراه يحدث
في العراق وفي سورية يحمل معه ثمنا ثقيل الحمل، يتمثل في خراب ودمار وفقدان
للإرادة الوطنية، يصاحبها جميعا غليان في الصراعات الدينية والمذهبية. هناك إذن
عدو جديد يتربص بمصر، يفقد مكانه ومكانته في العراق وفي سورية، ويبحث عن ملجأ جديد
يأوي إليه.
الخطر الذي بات
يتهدد مصر بقوة يتمثل في احتمال انتقال قيادة داعش إلى مكان قريب، ومن ثم زيادة
كثافة عمليات التنظيم في مصر. وقد اختار التنظيم لنفسه استراتيجية واضحة تتمثل في
السعي لتهجير أقباط مصر، عبر التضييق عليهم وإرهابهم وقتلهم. وقد أعلن التنظيم ذلك
جليا وبدون مواربة في الفيديو الذي نشره عن تفجيرات الكنيسة البطرسية التي تقع في
قلب الكاتدرائية القبطية في القاهرة. في الفيديو الذي ظهر في 19 فبراير 2017 توعد
تنظيم داعش أقباط مصر وقال إنهم لم يعودوا "ذميين" وإنما هم كفار
متآمرون مع الغرب. وقال أن ما حدث في البطرسية هو فقط مجرد البداية لما سيحدث. وبعد
أقل من إسبوع من نشر الفيديو بدأ تهجير أعداد كبيرة من أقباط العريش ورفح والشيخ
زويد، وبدت الدولة عاجرة تماما عن حماية مواطنيها أمام الأهالي وأمام العالم، وكأن
التنظيم يوجه رسالة صريحة إلى الداخل والخارج ليقول إنه في مركز قوة وليس في موقع
ضعف. وبعد أسابيع قليلة إستهدف التنظيم أقباط مصر في طنطا وفي الإسكندرية. بمعنى
آخر فإن تنظيم الدولة الإسلامية نفذ كلمته وأثبت قدرته على تحويل الوعيد إلى
انتقام دموي حقيقي.
وطبقاً لخبرة
داعش القتالية والسياسية في العراق وسورية، فإن استراتيجية التنظيم في مصر سوف
تسير تقريبا في الطريق نفسه مع بعض التعديلات التي تستجيب للتكوين الإجتماعي الذي
يغلب عليه الطابع الحضري وليس الطابع القبلي، وللتكوين الجغرافي الذي يغلب عليه
الطابع السهلي وليس الجبلي، مع الأخذ في الإعتبار أن خلايا التنظيم في مصر بما في
ذلك قوات التنظيم في سيناء تتمتع بمعرفة جيدة بخصائص البيئة المحلية الإجتماعية
والطبيعية. وقياسا على عمليات سابقة نفذها التنظيم أو أعوانه مثل عمليتي الفرافرة
والنقب، فإن عناصر التنظيم تستطيع تنفيذ عمليات قاتلة في الصحراء الغربية، عبر
الحدود الليبية. كذلك فإنه من المعروف أن هناك صلات قبلية وثيقة بين قبائل الصحراء
الغربية وبين قبائل سيناء، وهناك على التوازي طرق ومسارات لتهريب الأسلحة والعتاد
وانتقال الأفراد تربط بين الصحراء الغربية وبين سيناء عبر الصعيد أو حتى عبر بعض
الطرق التي تمر بالقاهرة أو بما حولها من المحافظات.
وسوف تركز
استراتيجية داعش في مصر على محورين، الأول هو الإستمرار في استهداف النقاط الأمنية
والمتعاونين مع الأمن من المدنيين، والمحور الثاني هو استهداف الأقباط. أما
بالنسبة للمدنيين بشكل عام في المناطق التي يتسع فيها نفوذ داعش مثل شمال سيناء،
فإن التنظيم سيعمد إلى طلب ولاء المدنيين له، وإثبات الولاء من خلال دفع ضرائب
ورسوم وأتاوات، وتنفيذ عمليات انتقامية ضد من يمتنع عن ذلك. وتقدر مراكز المعلومات
الدولية التي تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب أن الضرائب والرسوم والأتاوات أصبحت
تلعب دورا مهما في تمويل التنظيم، وزاد نصيبها في موارد داعش بشكل عام من 12% في
العام 2015
إلى 33% في
العام الماضي، ومن المرجح أن يزيد وزنها النسبي في موارد التنظيم بعد الخسائر التي
مني بها وما يزال في العراق وسورية.
لكن تنظيم
الدولة الإسلامية سوف يركز إلى حد كبير، كما توعد في فبراير 2017، على استهداف
الأقباط المصريين، متهما أياهم بكل التهم الممكنة، وذلك بهدف ترهيبهم وتوجيه ضربات
دموية ضدهم (أفرادا وممتلكات ومنشآت) وإظهار الدولة عاجزة عن حمايتهم وتأمينهم،
وإشعال فتنة للكراهية الدينية والتقسيم في مصر سواء في الصعيد أو في بعض محافظات
الوجه البحري مثل مطروح والبحيرة والإسكندرية والمنوفية والشرقية، وإظهار النظام
السياسي بمظهر الضعيف الذي لا حول له ولا قوة داخليا وخارجيا، ومن ثم دفع الأقباط
إلى حالة من التهجير الداخلي، ثم الهجرة إلى الخارج. هذه هي أهداف التنظيم، وهي
أهداف قد لا تتحقق بالضرورة لكنها قد تثير قدرا كبيرا من الإضطراب الإجتماعي
والديني في داخل البلاد، وتهديد أمنها واستقراراها، وإضعاف مركزها أمام العالم.
ونظرا لكل هذه المخاطر فإن السلطة التنفيذية مطالبة بوضع استراتيجية مضادة لا
تقتصر فقط على المواجهات الأمنية، التي مهما كان نجاحها ستظل عاجزة أمام مد
الطوفان الجاهلي المتطرف.