مسارات عربية مرتبكة بين قمتي نواكشوط والبحر الميت
رغم أن ما يفصل
القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت بالقرب من شواطئ البحر الميت بالمملكة
الأردنية (29/3/2017) لم يفصلها أكثر من تسعة أشهر عن القمة السابقة التي
استضافتها العاصمة الموريتانية نواكشوط (25/7/2016) التي حملت وقتها "قمة
الأمل"، إلا أن ما حدث خلال تلك الأشهر كان كثيراً وثقيلاً جداً في نفس
الوقت، ولذلك فإن الإنجاز المحدود الذي تحقق في القمة العربية بالأردن يصعب إنكاره
مقارنة بالأجواء شديدة السلبية التي أحاطت بالقمة العربية في نواكشوط، والتي جاء
انعقادها في العاصمة الموريتانية محاولة لإنقاذ القمة من مصير مشؤوم سيطر على
هواجس الكثيرين بأن القمة قد تؤجل إلى أجل غير مسمى.
تراكم المخاطر والتداعيات
كانت قمة
نواكشوط صادمة في ظروف انعقادها وفي نتائجها الهزيلة. فقد استضافت موريتانيا تلك
القمة، التي عقدت ليوم واحد على غير العادة، بعد اعتذار جرئ وفريد من المملكة
المغربية التي كان من المقرر أن تستضيف تلك القمة. تجاوز الاعتذار المغربي تقليد
التستر على الأخطاء والسلبيات، الذي تحول إلى تقليد من أبرز تقاليد العمل العربي
المشترك وأسباب فشله، ووضع النقاط فوق الحروف وقال أنه "أمام غياب قرارات
مهمة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون
مناسبة للتصديق على قرارات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة
والتضامن بين الدول العربية" وزاد الاعتذار المغربي على ذلك أن المملكة
المغربية "لا تريد أن تعقد القمة بين ظهرانيها دون أن تسهم في تقديم قيمة
مضافة في سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهي قضية فلسطين والقدس
الشريف، في وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلي فوق الأراضي المحتلة، وتنتهك فيه
الحرمات، ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين".
كان الاعتذار
المغربي بمثابة جرس إنذار لكل من يمهم أمر هذه الأمة، لكن الواضح أن هذا الإنذار
لم يصل إلى مسامع أحد، فالواقع يقول أن مؤشر العمل العربي المشترك في الانحدار
والتردي بشهادة كبار الخبراء الإسرائيليين الذين يؤكدون أن العلاقات العربية–الإسرائيلية
أضحت في أوج تألقها، وأن فلسطين لم يعد لها مكان في أجندة أولويات دول عربية
محورية.
هؤلاء الخبراء أكدوا
أن ما بين دول عربية وإسرائيل، على مستوى الأهداف والمصالح المشتركة يكفي للتموضع
في الخندق الواحد. من أبرز هؤلاء الخبراء "آري هبيسطين" مساعد رئيس
"معهد أبحاث الأمن القومي" في تل أبيب الذي كتب يقول في نشرة
"تحديث استراتيجي"أن دولاً عربية ازدادت قرباً من إسرائيل بعد ما أدركت
وجود تقارب في الرؤية والتقدير إزاء مختلف قضايا الشرق الأوسط، وتحديداً ما يتعلق
بمواجهة إيران و"حزب الله" وحلفائهما. وإذا كان هذا الباحث قد تحدث
بتركيز على السعودية فإنه يرى أسباباً لذلك، أبرزها العداء السعودي-الإسرائيلي
المشترك لإيران، وإدراك السعودية أن إسرائيل يمكن أن تكون قوة داعمة للرياض في
غياب الحليف الأمريكي (أيام الرئيس باراك أوباما)، وأنها يمكن أن تكون داعمة
لعلاقات سعودية- أمريكية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ما هو أشد
خطورة على العمل العربي المشترك ومكانة القضية الفلسطينية كقضية مركزية ضمن هذا
العمل ما يروج له الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي منذ سنوات وأخذ يعكس أصداؤه على
الإدراك العربي. فالإسرائيليون يروجون لأكاذيب تقول أن إسرائيل ليست سبباً في
الأزمات العربية، وليست سبباً في غياب الأمن والاستقرار عن الشرق الأوسط، وأن
العرب وأوضاعهم السيئة هي السبب، ويدللون على ذلك بأن الصراعات الداخلية العربية-
العربية، والظواهر الصراعية الجديدة خاصة الصراع السُني- الشيعي، والصراع العربي-
الإيراني، والإرهاب، كلها ليست إسرائيل سبباً فيها، لذلك يقولون أنه يجب أن يتوقف
العالم عن إعطاء أولوية لما يسمى بـ "النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي"
والتركيز بدلاً عن ذلك على كل تلك القضايا ذات الأولوية وعلى الأخص الخطر الإيراني
والخطر الإرهابي.
إسرائيل تخطط
لفرض "أجندة عمل جديدة" للنظام الإقليمي تكون هي من يقودها، أولوياتها
الخطر الإيراني والخطر الإرهابي وأطرافها تحالف يضم إسرائيل والدول العربية
"المعتدلة" أي الدول التي لديها استعداد للتخلص من عبء التزاماتها نحو
القضية الفلسطينية، وليس من بين بنود هذه الأجندة القضية الفلسطينية.
من أبرز نماذج
التعبير عن هذه المفاهيم ما ينشره الجنرال يعقوب عميدور الرئيس السابق لمجلس الأمن
القومي الإسرائيلي، الذي هاجم بضراوة وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بعد
خطابه الأخير الذي هاجم فيه السياسة الاستيطانية الإسرائيلية ودافع عن خيار
"حل الدولتين". فقد كتب مقالاً مطولاً في صحيفة "إسرائيل
اليوم" القريبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هاجم فيه جون كيري لأنه
"من أولئك الذين آمنوا بأن مفتاح المستقبل الجيد للشرق الأوسط هو الاتفاق بين
إسرائيل والفلسطينيين".
من أبرز أسباب
هذا الهجوم، من وجهة نظر عميدور، أن "وزير الخارجية الأمريكي (السابق) يعرف،
بشكل جيد الآن ماذا يحدث في الشرق الأوسط، وهو يعرف أنه ليس هناك أي دولة عربية
تضمن استمرار استقرارها حتى لو لم تتعرض للأحداث الصعبة. وهو يعرف أن كثيراً من
الدماء قد سفكت في المنطقة، وأنه لا توجد طريقة لإعادة الهدوء بين السُنة والشيعة
في أي مكان، وهو يعرف أن الحركات الإسلامية المتطرفة تهدد نسيج الحياة في الدول
السُنية من الداخل".
الاستنتاج الذي
أراده عميدور من هذا كله، هو ضرورة الانصراف كلية عن القضية الفلسطينية، وإعطاء
الأولوية للقضايا الأخرى التي تهدد الأمن والاستقرار، التي ليس من بينها النزاع
الفلسطيني- الإسرائيلي، والاقتناع بأن التعاون العربي مع إسرائيل يمكن أن يكون أحد
أهم الوسائل لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي. الملفت هنا أنه وسط الترويج لهذا
كله، يصدر الكنيست قراراً يشرعن فيه الاستيطان في الضفة الغربية ضمن إجراء هدفه
الإعداد لضم الضفة الغربية كلها إلى الكيان الصهيوني، ضمن قناعة ترى أن هناك
"فرصة تاريخية" بهذا الخصوص مع إدارة ترامب، ويتزامن مع ذلك إصدار البيت
الأبيض الأمريكي بياناً "لا يرى فيه تعارضاً بين المستوطنات وعملية السلام في
المنطقة"، إلى جانب إعلان الإدارة الأمريكية استعدادها لنقل السفارة
الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الأمر الذي يعني اعترافاً أمريكياً بان القدس هي
عاصمة إسرائيل. في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية.
وخروجاً عن
التزامات واشنطن بدور "الوسيط النزيه" بين الطرفين الفلسطيني
والإسرائيلي الذي يفرض عليها التمسك بقاعدة أن "تسوية وضع القدس تتحدد في
مفاوضات الوضع النهائي، وليس وفق إجراء من جانب واحد.
الأولوية للاستقطاب الإقليمي
لم يكتف
الإسرائيليون بدور المراقب للأوضاع العربية المأساوية التي أحاطت بانعقاد قمة
نواكشوط وما تلاها من تعثر عربي وجهود حثيثة قاموا بها لتجميد الملف الفلسطيني
نهائياً بالنسبة للإدارة الأمريكية (إدارة أوباما) ثم العمل على بلورة الأجندة
الجديدة للرئيس ترامب، ولكنهم أعطوا الأولوية لعملية باتت لها كل الأولوية هي إعادة
هندسة النظام الإقليمي الشرق أوسطي وفق أسس وقواعد جديدة تحقق لها أعلى قدر من المكاسب،
أولها هي تذويب النظام العربي في النظام الإقليمي، بحيث يختفى النظام العربي كلية
من الوجود ويتحول إلى جزء من عالم إقليمي أوسع هو الشرق الأوسط، من خلال جهود
هائلة لطمس الهوية القومية للنظام العربي ومن خلال مخطط إعادة تقسيم الدول العربية
على أسس عرقية وطائفية تنهي أى صلة بالعروبة كهوية، وثانياً فرض استقطاب جديد في
إدارة النظام الشرق أوسطي ينهي نظام التعددية القطبية الذي كان سائداً لسنوات
طويلة مضت، على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويفرض إسرائيل قوة قائدة
لهذا النظام الآن من خلال فرض نظام إقليمي ثنائي القطبية، يؤدي إلى اختفاء قضايا
محورية وصعود قضايا أخرى بديلة تبرز تمايز هذا الاستقطاب الثنائي.
الاستقطاب
الجديد الذي تريد إسرائيل أن تفرضه مستغلة حالة الارتباك العربية هو تأسيس ما
يسمونه بـ "تحالف الاعتدال" الذي يضم دولاً عربية لم تعد طرفاً في صراع
مع إسرائيل يفضلون تسميتها "الدول السُنية" إضافة إلى تركيا وإسرائيل
بمشاركة أمريكية، وهو التحالف الذي أعطوه اسم "حلف ناتو إقليمي" أي حلف
إقليمي على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) يؤسس على قاعدة تعاون دفاعي وأمني
واستخباراتي ضد تحالف آخر، أحياناً كان يأخذ مسمى "الهلال الشيعي" تقوده
إيران ويضم الدول القريبة من طهران خاصة العراق وسوريا ولبنان (باعتبار أن حزب
الله حليف إيران أضحى صاحب الكلمة الأولى في لبنان) وأحياناً أخرى يحمل اسم
"محور الشر"، أي نفس المسمى الذي ابتدعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج
بوش (الابن) عندما قرر أن يخوض حرباً واسعة ضد ما أسماه بـ "الإرهاب"،
وكان العراق ومن قبله أفغانستان أول من دفع أثمان هذه الحرب.
هذا الاستقطاب
الثنائي تسعى إسرائيل إلى تحويله من مجرد افتراض نظري إلى واقع عبر مجموعة من
السياسات والاستراتيجيات التي تحاول إسرائيل الترويج لها لتيسير هذا الاستقطاب
الإقليمي الثنائي بين قطب محور الاعتدال أو "حلف الناتو الشرق أوسطي"
تقوده إسرائيل، ومحور الشر تقوده إيران.
من بين أبرز
وأهم هذه السياسات والاستراتيجيات الإسرائيلية التي تراها إسرائيل ضرورية للنجاح
في تأسيس "الناتو الإقليمي" وتقليص وزن التحالف المعادي الذي تقوده
إيران ما يمكن تسميته بـ "استراتيجية المقايضات"، وهي مجموعة من
"المقايضات" تسعى إسرائيل إلى الخوص فيها لتجاوز العقبات والقيود التي
قد تعرقل مسعاها لتزعم هذا التحالف مع من تسميهم بـ "الدول السُنية"
وتركيا، وتفرضها قوة قائدة لهذا التحالف الجديد من ناحية، ثم تقليص قوة التحالف
المعادي الذي تقوده إيران من ناحية أخرى.
أول هذه
المقايضات تخص إعادة هندسة الأوضاع في سوريا تستهدف إنهاء الأزمة السورية بشكل
يؤمِّن المصالح الإسرائيلية كاملة ويحول دون تحويل سوريا إلى قوة مناوئة أو معادية
أو طرفاً في التحالف الآخر المعادي من خلال خطة صاغها وزير البناء والإسكان
الإسرائيلي يؤاف جالنت حملت اسم "خطة سياسية استراتيجية" لتحقيق المصالح
الإسرائيلية في سوريا، عرضها على "المجلس الوزاري المصغر" برئاسة
بنيامين نتنياهو قبيل سفره إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو
اللقاء الذي تم يوم 15 فبراير الماضي، ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أهم
معالمها.
تهدف هذه الخطة
إلى "صد التهديد الإيراني الذي ينشأ على الحدود الشمالية لإسرائيل" من
خلال "فرض مصاعب أمام احتمال نجاح إيران في إقامة ممر بري يربط بينها وبين
حزب الله في لبنان عبر الأراضي العراقية والسورية، على أن يشمل الحل السياسي
المستقبلي للأزمة السورية، وكجزء منه، اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة
الجولان السورية".
وتشدد الخطة
على أنها في تطبيقها، تصب في مصلحة الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وما تسميه بـ
"العالم السُني" وهو الاسم الذي يركز عليه الإعلام الإسرائيلي حالياً
لتذويب واختفاء ما يسمى "العربي" نهائياً. وبحسب هذه الخطة، ينبغي أن
تقوم الولايات المتحدة بقيادة ائتلاف دولي لإعادة إعمار سوريا، أي مقايضة إعمار
سوريا، التي لن تدفع فيها إسرائيل دولاراً واحداً مقابل فرض السيادة الإسرائيلية
كاملة على هضبة الجولان، أي الإعمار مقابل الجولان.
المقايضة
الثانية تخص روسيا، وسبق أن ألمحت إليها صحيفة وول سترتيت جورنال الأمريكية، عبر
خطة تهدف إلى تفكيك العلاقة بين روسيا وإيران على أن يتم مقايضة السماح لروسيا بأن
تكون القوة المسيطرة على سوريا في المستقبل نظير تفكيك روسيا لتحالفها مع إيران،
شرط موافقة روسيا على منع أي نفوذ أو وجود سياسي أو عسكري لإيران وحزب الله في
سوريا قد يسمح بإقامة جبهة عسكرية ضد إسرائيل في الجولان على غرار الجنوب
اللبناني. وهذا معناه تفكيك كل روابط النفوذ الإيراني في المشرق العربي كله، وعزل
حزب الله تمهيداً للقضاء عليه باعتباره أخطر مصادر التهديد لأمن إسرائيل، هذه
المقايضة مع روسيا تعني: إيران مقابل سوريا.
المقايضة
الثالثة تخص قطاع غزة وتتضمن، وفق خطة أعدها وزير الأمن الإسرائيلي أفيجدور
ليبرمان، وعوداً بإعادة إعمار قطاع غزة وتحويله إلى "سنغافورة شرق
أوسطية" مقابل تخلي حركة "حماس" نهائياً عن خيار المقاومة، وتتضمن
خطة ليبرمان دعوة صريحة إلى انفصال سكان غزة عن سائر الشعب الفلسطيني في الضفة
والداخل والشتات، وبعبارة أكثر مباشرة، دعوة فصائل المقاومة إلى إلقاء السلاح، وهي
تعني أيضاً التخلي عن مقاومة الاحتلال في الضفة، وقبول الاستيطان، واحتلال القدس
وكل فلسطين.
المقايضة
الرابعة والأهم: هي مقايضة فلسطين بـ "التحالف الإقليمي"، أي أن تتخلى
الدول العربية عن القضية الفلسطينية وخيار حل الدولتين والقبول بإسرائيل دولة يهودية
مقابل التحالف الإسرائيلي مع الدول العربية "السنية" ضد الخطر الإيراني
الذي تعمل إسرائيل بدأب على تحويله كمصدر أساسي للتهديد بالنسبة لمن تسميهم بـ
"الدول السُنية المعتدلة" والمقايضة هنا تعني الدعم الإسرائيلي ضد إيران
مقابل التخلي العربي عن فلسطين.
قمة البحر الميت والارتباك العربي
رغم خطورة هذه
الجهود الإسرائيلية لفرض إعادة هندسة جديدة لمنظومة التفاعلات والتحالفات في إقليم
الشرق الأوسط لا تكتفي بتجميد الملف الفلسطيني لصالح فرض أولوية "الملف
الإيراني" على نحو ما كانت تسعى طيلة السنوات الثماني الماضية لإدارة الرئيس
باراك أوباما، لكنها أخذت تعمل من أجل إحداث انقلاب جذري في منظومة التفاعلات
والتحالفات الإقليمية تجعل من العرب حلفاء وبالذات العرب السنة المعتدلين، وتدفعهم
لخوض صراعاتها ضد إيران، ما تعتبره "محور شيعي" يحتضن الإرهاب، رغم هذا
كله لم يظهر العرب ونظامهم ممثلاً في جامعة الدول العربية اكتراثاً بإعادة ترميم
العلاقات العربية والعمل العربي المشترك والاستعداد للقمة الدورية الجديدة و
لم تكشف الأعمال التحضيرية
للقمة العربية الدورية الثامنة والعشرين التي عقدت يوم 29 مارس الفائت في العاصمة
الأردنية عمّان عن أي نية عربية جادة للتعامل مع الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة
التي تستهدف إعادة هندسة خرائط التحالفات والصراعات في الشرق الأوسط بما يحقق أعلى
مكاسب لدولة الكيان الصهيوني، وعلى الأخص ما يتعلق بالمقايضات الأربعة التي تشغل
الإسرائيليين الآن، كما أن هذه الأعمال التحضيرية لم تكشف عن أي نية عربية للرد
على المواقف الأمريكية الاستفزازية للحقوق والثوابت العربية في فلسطين، سواء ما
يتعلق بدعم الرئيس الأمريكي للموقف الإسرائيلي الرافض لخيار "حل
الدولتين" أو ما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودعم سياسة الاستيطان
في الضفة الغربية.
فما صدر عن
اجتماعات الدورة العادية الـ 147 لمجلس جامعة الدول العربية (7/3/2017) من معلومات
جاء تقليدياً تماماً وبعيداً عن كل ما يحدث على أرض الواقع من تفاعلات تتعلق
بمستقبل النظام العربي وعلاقته بالنظام الإقليمي وبالتحديد الموقف من الأدوار والتحركات
الإسرائيلية والتركية والإيرانية، أو تتعلق بإدارة الأزمات العربية الساخنة خاصة
في سوريا وليبيا واليمن إضافة إلى العراق، ناهيك عن القضية الفلسطينية التي يبدو
أنها هي التي ستدفع أثمان تخاذل الأداء والأدوار العربية وازدراء، وليس فقط التخلي
عن، "البوصلة الفلسطينية" التي كانت تحكم الموقف العربي إزاء كافة
العلاقات مع القوى الدولية والإقليمية.
فبداية لم يحضر
هذه الدورة المهمة لمجلس الجامعة التي تُقر أجندة القمة غير وزراء مصر والعراق
وليبيا والجزائر وتونس والأردن وسلطنة عمان وفلسطين أما باقي الدول الأعضاء فقد
شاركت أما بوزير دولة أو اقتصرت مشاركتها على مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية،
وهذا مؤشر على وجود اختلافات وتباينات في المواقف حول قضايا محورية خلافية، كان
أبرزها بالطبع الأزمة السورية التي شهدت انقساماً حول موضوع عودة سوريا إلى جامعة
الدول العربية، ففي الوقت الذي اعتبر فيه إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي
أن هذه العودة "أمر في غاية الأهمية حالياً" وأن القطيعة العربية لسوريا
"يجب أن تنتهي" كان موقف الأغلبية، كما عبر عنه أحمد أبو الغيط الأمين
العام للجامعة العربية، أن "الوضع العربي الآن غير جاهز لاتخاذ خطوة بعودة
سوريا إلى الجامعة".
وفي الوقت الذي
حظى فيه موضوعي الحرب على الإرهاب والموقف من السياسة الإيرانية العدوانية أولوية
في البحث لم تكشف أعمال تلك الدورة عن سياسة عربية واضحة من التطورات الخطيرة التي
تحدث على صعيد القضية الفلسطينية سواء من جانب قادة الكيان الصهيوني أو الإدارة
الأمريكية الجديدة، وكم كان ملفتاً ومثيراً دعوة أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط
إلى "عدم استباق الوقت" في التعامل مع مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة
حول القضية الفلسطينية، مكتفياً بالتأكيد على الموقف العربي المتمسك بحل الدولتين،
باعتباره الخيار العربي الذي لا يتغير، إضافة إلى التمسك بمبادرة السلام العربية،
وهي، كلها بالمناسبة، لا تساوي شيئاً أمام الإجراءات الإسرائيلية الفعلية على
الأرض والمدعومة من الإدارة الأمريكية التي تنسف جذرياً خيار حل الدولتين وتهيئ
لخيار "الدولة الواحدة اليهودية"، وفرض سياسة إقصائية ضد عرب فلسطين
المقيمين داخل الكيان الصهيوني عبر إجراءات وقوانين تعسفية تدفع إلى تهجيرهم إلى
خارج الكيان على النحو الذي تحدث عنه أفيجدور ليبرمان وزير الأمن الإسرائيلي من أن
الحل الأمثل للنزاع مع الفلسطينيين يجب أن يتضمن، في حال الأخذ بخيار حل الدولتين،
"تبادلاً للأراضي وتبادلاً للسكان" بهدف ضمان "تجانس الشعب
الإسرائيلي".
ولمزيد من
الاستفزاز قرر الإسرائيليون إصدار ما أسموه بـ "قانون التسوية" الذي
يشرعن البؤر الاستيطانية على أراضي خاصة فلسطينية وبأثر رجعي، في الوقت الذي كان
يختتم فيه نتنياهو زيارته للندن ويستعد للقاء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب
في واشنطن وقبل أقل من شهر ونصف على انعقاد القمة العربية الدورية في الأردن. هذا
القانون حمل العديد من الدلالات أبرزها أنه إعلان واضح وصريح لعزم إسرائيلي على
تصفية حل الدولتين والتمهيد لإعلان قيام دولة "إسرائيل الكبرى" على أرض
فلسطين التاريخية. فالقانون يشرعن الاستيلاء على أراضي تحت الاحتلال في عموم الضفة
الغربية والقدس دون تمييز بين أراضي عامة وأخرى خاصة يملكها الأفراد، كما أنه يفتح
الأبواب واسعة أمام الضم الواقعي للضفة الغربية، ويعد ضربة قوية للقرار الأخير
الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر الماضي (القرار 2334) والذي أدان سياسة الاستيطان
وأكد عدم شرعيتها في جميع الأراضي المحتلة وفي القدس خصوصاً.
ترحيل الآمال إلى واشنطن
في هذه الأجواء
عقدت القمة العربية الثامنة والعشرين على الضفة الشرقية للبحر الميت، وعلى بعد
كيلو مترين من الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، وعلى بعد ستة كيلو مترات من القدس،
وبالقرب من الحدود التركية مع كل من العراق وسوريا، ما يعني أن القمة عقدت مكانياً
في بؤرة الأزمات العربية، فضلاً عن أن انعقادها زمنياً جاء في ذروة التحديات، وكان
من المتوقع أن تكون القمة على مستوى التحديات، لكنها لم تستطع ذلك، جاءت تقليدية
في قراراتها وأهم ما أنجزته هو مجموعة من المصالحات العربية، وبالتحديد مصالحة
مصرية- سعودية، لم تمتد إلى تحقيق مصالحة مصرية- قطرية، وفضلاً عن ذلك قررت ترحيل
ملف فلسطين إلى واشنطن واكتفت بإدانة عربية واضحة وصريحة لإيران وتوافق عربي شامل
على رفض أي تدخل في الشئون العربية الداخلية. فقد تضمن "إعلان عمان"
الذي تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مجموعة من القرارات
المهمة التي رأى فيها البعض تراجعاً عن توقعات كانت تتردد في أروقة المؤتمر وخاصة
ما يتعلق بإجراء تعديل في جامعة الدول العربية، سواء من ناحية "قبول الطرف
الفلسطيني وبعض الدول العربية إعادة صياغة معادلة الأرض مقابل السلام لتصبح دولة
فلسطين مقابل السلام، أي التنازل، ولو بشكل مؤقت عن طلب الانسحاب الإسرائيلي من
هضبة الجولان السورية" على نحو ما كتب "تسفي برئيل"في صحيفة هآرتس،
ما يعني أن هذا التوقع كان إسرائيلياً، أو أنه كان مثار تفاهمات لإطراف عربية مع
الإسرائيليين، أو من جانب الوسيط الأمريكي مبعوث الرئيس ترامب جيسون جرينيلات الذي
أجرى محادثات مستفيضة مع الإسرائيليين والفلسطينيين قبيل انعقاد القمة العربية،
وتواجد في أروقة القمة وأجرى العديد من اللقاءات مع أطراف عربية. كان هناك توقع
بتعديل آخر في المبادرة العربية التي تنص على مبادلة الأرض مقابل السلام، بحيث
يبدأ تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية فور إعلان إسرائيل موافقتها على
المبادرة، وليس نتيجة للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي تجرى بين الطرفين
على أساس هذه المبادرة.
أياً من هذه
التوقعات لم يحدث، أو إن ما حدث كان مختلفاً بدرجة ما فقد طالب "إعلان
عمان" دول العالم بعدم الموافقة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
المحتلة، وأكد مركزية القضية الفلسطينية، والتمسك ب "مبادرة السلام
العربية"، وأدان التدخلات الإيرانية في الشئون العربية، كما أدان جميع أعمال
الإرهاب وممارساته بكافة أشكاله. لكن كان هناك تحول ملحوظ في أسلوب التعامل مع
المبادرة العربية، وربما جاء ذلك تمشياً مع توجهات أمريكية جرى التعبير عنها
مؤخراً.
فالإعلان شدد
من ناحية على أن "السلام الشامل والدائم خيار عربي إستراتيجي تجسده مبادرة
السلام العربية" لكنه من ناحية أخرى، وصف هذه المبادة بأنها "لا تزال
تشكل الخطة الأكثر شمولية قدرة على تحقيق مصالحة تاريخية". مصطلح
"المصالحة التاريخية" هو الجديد على الخطاب السياسي العربي، ويكاد
يتماهى مع ما سبق أن عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص "الصفقة
الشاملة" التي أثارت وقت طرحها توجساً إسرائيلياً ملحوظاً، خشية أن يكون ثمن
هذه الصفقة هو فرض واشنطن لخيار حل الدولتين.
فقد سبق انعقاد
القمة العربية تردد أنباء ومعلومات مصدرها واشنطن وتل أبيب مفادها اعتزام الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب تمرير "وصفته" لتسوية فلسطينية- إسرائيلية عبر
مفاوضات تستمر ستة أشهر، وأن جولة مبعوثه للمنطقة جيسون جرينيلات ولقاءاته مع
المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين قبيل القمة كانت لتسويق تلك
"الوصفة" أو "الخطة" بين الأطراف المعنية وأن حضوره القمة
العربية كان للغرض ذاته. ووفق ما تم تسريبه من معلومات عن هذه الخطة فإنها تتضمن
شروطاً ثقيلة الوطأة أكثر من كل سابقاتها، وأكثر مما تتضمنه تسوية تكفل الحد
الأدنى من المطالب والحقوق الفلسطينية.
من بين ما
تضمنته هذه التسريبات، شروطاً عرضت على الفلسطينيين منها دخولهم في إطار تسوية
إقليمية تضم دولاً عربية، وموافقة الفلسطينيين على طي صفحة الأنشطة الاستيطانية
السابقة، مقابل ألا تقام مستوطنات جديدة ما يعني إضفاء شرعية فلسطينية على وجود
حوالي نصف مليون مستوطن إسرائيلي في مستوطنات تقطع أوصال الضفة الغربية، مقابل
تمكينهم (الفلسطينيين) من السيطرة على مجال إقليمي يقدر بـ 40% من مساحة الضفة،
دون اعتراف بأي حق من الحقوق الفلسطينية.
هذه التسريبات
تحدثت عنها صحيفة معاريف وعلى لسان المحلل الإسرائيلي "بن كسبيت" الذي
كشف عن أن مبعوث ترامب الخاص إلى المنطقة جيسون جرينيلات توصل بعد لقاءاته المكثفة
في المنطقة، إلى نتيجة مفادها أنه "إذا اضطر نتنياهو إلى اتخاذ قرارات صعبة،
وتعاون مع ترامب في العملية السياسية التي ينوي عرضها على دول الشرق الأوسط، فإنه
سيكون بإمكان توسيع الحكومة، وتنفيذ خطة "الأدراج القديمة" التي ناقشها
العام الماضي مع اسحق هيرتسوج رئيس كتلة "المعسكر الصهيوني" وزميلتهم
تسيبي ليفني وزيرة الخارجة السابقة".
واضح أن القمة
العربية لم تكن بعيدة عن أجواء هذه التسريبات والمعلومات، وأن وجود جيسون جرنيلات
في أجواء تلك القمة كان له انعكاساته ، ومن هنا ربما يكون اللقاء الثلاثي الذي جمع
الملك الأردني عبد الله بن الحسين والرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني
محمود عباس وحضره الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قد تدارس هذه
الأفكار والمعلومات، لكن التطور الأهم هو تلك اللقاءات التي تقررت في واشنطن
لثلاثة من القادة العرب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأمر الذي أثار توجساً
إسرائيلياً شديداً ، خشية أن تقود هذه اللقاءات إلى مشروع للتسوية يفرض على
إسرائيل تقديم تنازلات خاصة بالنسبة للأرض والاستيطان وموضوع الدولة الفلسطينية.
فالإسرائيليون
يعيشون هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التوجس خشية أن تأتي من واشنطن "رياح
خماسينية" تعكر صفو "نسيم الربيع" الذين يعيشونه مع الرئيس
الأمريكي الجديد دونالد ترامب. سبب هذا التوجس هو الاهتمام المفرط والجديد، إن لم
يكن الغريب، الذي يسيطر الآن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص تسوية القضية
الفلسطينية، وهو التوجس الذي ظهرت معالمه فور تلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس
(أبومازن) اتصالاً هاتفياً من الرئيس ترامب، ومحادثته في شئون المفاوضات والتسوية،
ووعده بأن يلقاه قريباً في واشنطن، لكن الأمور أخذت جديتها عقب الإعلان عن لقاءات
قمة ثلاثة متتالية ومتقاربة للرئيس الأمريكي مع ثلاثة من الزعماء المفوضين من
القمة العربية بالتباحث في شأن التسوية الفلسطينية مع ترامب، القمة الأولى مصرية-
أمريكية من المفترض أنها عقدت أمس الاثنين (3/4/2017) والثانية أردنية- أمريكية
ستعقد غداً الأربعاء (5/4/2017) بين العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين
والرئيس الأمريكي، أما القمة الثالثة فستعقد يوم 15 أبريل الجاري بين الرئيس
الأمريكي والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
هذا التوجس
الإسرائيلي كان قد عبر عنه كثير من كبار المسئولين بسبب عبارة وردت في مجمل
تصريحات دعم أمريكية غير مسبوقة لإسرائيل
لدونالد ترامب. لم تتجاوز هذه العبارة الحديث عن "صفقة شاملة لتسوية الصراع
في الشرق الأوسط"، فالمشروع الإسرائيلي الخاص بمستقبل ما يسمى بـ "عملية
التسوية" استبعد نهائياً من مفرداته أي حديث عن حقوق فلسطينية، مثل دولة
فلسطينية، أو انسحابات إسرائيلية من الضفة الغربية، هم يتحدثون عن سلام شامل مع
العرب، يمكنه أن يؤدي مستقبلاً من خلال الدخول في مصالح مشتركة عربية – إسرائيلية
إلى تفاهمات تخص الفلسطينيين أقصاها بالطبع إمكانية القبول بـ "حكم
ذاتي" لـ "أقلية فلسطينية" داخل دولة إسرائيل حسب آخر اجتهادات
لرئيس الحكومة الإسرائيلية عند زيارته لأستراليا مؤخراً.
محادثة الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثارت استياءً شديداً عند
نفتالي بينيت وزير التربية زعيم كتلة "البيت اليهودي" اليمينية
المتشددة، خشية أن تكون لمحادثة الرئيس الأمريكي مع أبو مازن امتداداً لفكرة
"الصفقة الشاملة" المبهمة بالنسبة للإسرائيليين، وأن تعيد فتح ملف
الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، أو أن تتحدث عن "احتلال"
إسرائيلي في الضفة الغربية، لذلك قال، حسب ما نقل عنه شلومو افنيري الكاتب في
صحيفة "هآرتس" أن "الشعب لا يمكنه أن يكون محتلاً في بلاده"
عبارة، أعادت جدلاً إسرائيلياً واسعاً فرض نفسه بعد حرب يونيو 1967 حين ثار من
الإسرائيليين السؤال: "كيف تسمى المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل؟ هل هي
مناطق محررة أم هي مناطق محتلة؟". خطاب نفتالي بينيت وجماعته يقول أنها
"أرض محررة"، وأن الاستيطان هو "حق إسرائيلي مطلق" وأن من حق
إسرائيل أن تبني وأن توسع البناء على أراضيها في "يهودا والسامرة"
(الضفة الغربية). لذلك فإن فرحة وزراء الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم نفتالي
بينيت، كانت غامرة عندما صدر تصريح من البيت الأبيض الذي يرأسه دونالد ترامب اعترف
بأن "المستوطنات ليست عقبة أمام السلام"، وكان تعليق الوزيرة ميري ريجف
هو أن هذا الدعم "يعطينا الصلاحية لنقول بصراحة أن يهودا والسامرة (الضفة
الغربية) هي جزء من إسرائيل".
كان التفاؤل
الإسرائيلي بإدارة ترامب تفاؤلاً غير مسبوق بعد أن وعد بنقل السفارة الأمريكية من
تل أبيب إلى القدس بما يعنيه ذلك من اعتراف بأن القدس هي عاصمة الكيان الصهيوني،
وبما يتضمنه من تجاوز لقرارات دولية تؤكد أن القدس الشرقية والضفة الغربية أرض
محتلة، وزاد التفاؤل بتعيين المحامي الصهيوني ديفيد فريدمان سفيراً جديداً
للولايات المتحدة في إسرائيل وهو الرجل الذي يملك بيتاً في القدس، وأكد أنه سيمارس
عمله مؤقتاً من هذا البيت إلى أن يتم نقل السفارة إليها، وتأكدت التوقعات بلقاء
نتنياهو مع ترامب في واشنطن خصوصاً بعد تصريحات ترامب في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو
الذي قال فيه أنه "لا يمانع في صيغة الحل إن جاء على شكل دولتين أو على شكل
دولة واحدة"، وهو ما اعتبره نتنياهو تخلياً أمريكياً واضحاً عن حل الدولتين،
ووصل التفاؤل إلى ذروته عند نتنياهو بعد أن قال ترامب أنه يسعى إلى التوصل إلى
"مبادرة سلام جديدة وعظيمة، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل تتضمن
إشراك الحلفاء العرب، وستكون عملية سلام كبيرة، وتتضمن قطعة أرض كبيرة".
كان التعليق
الفوري للوزير نفتالي بينيت أن "التصريحات الآتية من قمة واشنطن (قمة نتنياهو-
ترامب) تجسد نهاية فكرة إقامة دولة فلسطينية.. هذا عهد جديد، وأفكار جديدة.. لا
حاجة لدولة فلسطينية ثالثة بعد الأردن وغزة". كلام خطير خصوصاً مسألة
"دولة غزة" إذا استعدنا كلام ترامب عن "عملية سلام كبيرة.. وتتضمن
قطعة أرض كبيرة". أما الأخطر منه فكان تعليق نتنياهو على كلام ترامب عن عملية
السلام الكبيرة وعن إشراك الحلفاء العرب فقد أعلن أنه "للمرة الأولى في تاريخ
إسرائيل، وفي حياتي، لم تعد الدول العربية تنظر إلى إسرائيل كعدو.. بل
كحليف".
الواضح أن
نتنياهو أخذ كلام ترامب مأخذ الجد، واعتبره يحقق ما يحلم به وهو "التغيير
التاريخي" ورغم هذا كله لم يستطع الإسرائيليون إخفاء توجسهم من أية نتائج
محتملة للقاءات الرئيس الأمريكي مع القادة العرب الثلاث قد لا تأتي على هواهم،
وهواهم هو أن يتجاهل العرب كلية القضية الفلسطينية، وأن يتحالفوا مع
"إسرائيل" ضد عدو مشترك هو إيران، وأن ما بين إسرائيل و"العرب
السنة المعتدلين" من مصالح الآن يفوق ما تفرضه القضية الفلسطينية من التزامات
وقيود، وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل هو "السلام مقابل الأمن" أي
التطبيع مقابل حماية إسرائيل لأمن هذه الدول.
كيف سيكون الرد
العربي إذا كانت التسريبات الخاصة بلقاءات جيسون جرينيلات مبعوث ترامب صحيحة وهي
التي تعطي أولوية لتطبيع العلاقات مع العرب مقابل قبول مخادع لمبادرة السلام
العربية خال من أية التزامات للفلسطينيين؟ وماذا سيفعل العرب إذا أعطى ترامب
أوامره بنقل سفارة بلاده إلى القدس، خصوصاً وان هناك قرار عربي بقطع العلاقات مع
أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس، وسبق تطبيقه على دولة كوستاريكا؟
أسئلة مهمة
تتجاوز فلسطين إلى العلاقات العربية- الأمريكية، التي كانت على أجندة أولويات
القمة العربية في الأردن، تطرح العديد من علامات الاستفهام من الذي يمكن أن يأتي
من واشنطن على غير ما تمنته القمة العربية.