ضرورة قومية ملحة: تأسيس كلية لدراسات المستقبل
مستقبل
العالم والشعوب والمجتمعات أصبح الآن صناعة تتنافس فيها الدول، الكل يحاول فرض
المسار الذي يجب أن تسير عليه الأمور في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، عبر
دراسات ذات نظريات ومناهج مخصوصة، ما دفع العالم الآن إلى تأسيس كليات ومعاهد لدراسة المستقبليات، لإعداد
كوادر بشرية مهنتهم الأولى البحث في المستقبل، وهذا المقال محاولة لتنبيه صانع القرار
إلى الضرورة الملحة لتأسيس كلية مصرية لدراسات المستقبل، على اعتبار أن هذه
المؤسسة العلمية لا تعد فقط حدثاً ثقافياً رفيع المستوى، يواكب الحركة العلمية
العالمية، وإنما ضرورة قومية لحفظ وتعظيم مكانة مصر الاقليمية، وحق أصيل للأجيال
القادمة.
في أهمية الدراسات
المستقبلية
الدراسات
المستقبلية كما يذهب الدكتور إبراهيم العيسوي، الباحث الرئيسي لمشروع مصر 2020،
ميدان معرفي تطور بعد الحرب العالمية الثانية، وتزايدت أهميته بشكل متسارع إلى أن
تَرَسَّخَ دوره في صناعة القرار، سواء على مستوى الدول أو على مستوى المؤسسات
المدنية والعسكرية والشركات الكبرى، وقد شهد هذا الحقل المعرفي، وما يزال يشهد
تطورات متلاحقة في مناهجه وتطبيقاته حتى صار علماً من العلوم الاجتماعية مكتملة
الأركان. فما هي الدواعي لتطور هذا الحقل المعرفي؟
يجيب
عن السؤال العالم المستقبلي الراحل محمد إبراهيم منصور في كتابه الأخير (الدراسات
المستقبلية ثورة معرفية جديدة) أن التفكير والإعداد للمستقبل، أصبح من الضرورات
التي تمليها التغيرات فائقة السرعة في الاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا والنظامين
الاقليمي والعالمي، كما تمليها مشكلات تزداد تضخماً وتعقيداً، كالمشكلة السكانية،
التغيرات المناخية، نقص الطاقة والمياه، نقص الغذاء، ظهور الأمراض الفتاكة، انتشار
الإرهاب، الصراعات الاثنية والعرقية، ... إلخ.
وعليه
فإن الدراسات المستقبلية، لا تعد ترفاً فكرياً أو خيالاً واستشرافاً تنهض به بعض
الدول نيابة عن باقي الدول، ولكنها دراسات ضرورية لا غنى عنها للدول الفقيرة قبل
الغنية، والصغيرة قبل الكبيرة، والدولة التي تعجز عن صناعة مستقبلها، سوف تسلم إرادتها وتبعيتها
الكاملة لقوى أخرى.
المستقبل العربي .. توقع أم بناء؟
في
الكلمة الافتتاحية لندوة الدراسات المستقبلية في الوطن العربي (2014)، التي
أقامتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أشار ميشيل غوديه عالم
المستقبليات الفرنسي، إلى أننا نتعامل مع المستقبل من خلال ثلاث مواقف: (1) انتظار
وقوع الحدث وممارسة رد الفعل. (2) استباق الأحداث للحيلولة دون وقوعها، وغالبا ما
تقع فعلاً (3) إثارة الحدث بحيث يكون وقوعه بالكيفية التي توافق رؤيتنا ومصالحنا
المقبلة. في الحالة الثالثة يكون الإنسان فاعلاً مؤثراً في صناعة المستقبل. على
معنى أن العالم من حولنا لم يعد يقف عند حدود استشراف المستقبل وإنما بناءه
وصناعته.
بينما
نحن العرب ما نزال نخشى التفكير في الزمن القادم، نكتفي بالتعايش المؤلم مع الحاضر
أو الانتقام منه باستدعاء الماضي. كأننا نقرر موت المستقبل قبل أن يظهر للوجود، وارتضى
العالم العربي أن يكون مسرحاً لصراعات صناعة المستقبل بين القوى الكبرى، مثل
مشروع القرن الأمريكي الجديد الداعي إلى إعادة رسم الخريطة الاقليمية وتغيير
هويتها، وقيام نظام إقليمي بديل للنظام العربي، وخطة السنوات العشر لتغيير الشرق
الأوسط من الداخل التي وضعها مايكل لايدن، وتقارير مؤسسة هيريتاج عن إعادة هيكلة
الشرق الأوسط، فضلا عن المشاريع المستقبلية الإسرائيلية، وغيرها.
اكتفى
العالم العربي بإطلاق اصطلاح المؤامرة على المشاريع المستقبلية للقوى الكبرى،
دون مواجهة هذه المشاريع وبناء استراتيجيات بديلة ومنافسة. والمحصلة أن الوطن
العربي أمسى أكبر مستورد للغذاء والسلاح وخيام اللاجئين في العالم. ولاشك أن أوضاع
الوطن العربي في الألفية الجديدة، كانت ستختلف لو امتلكت البلدان العربية، وعلى
رأسها مصر، القدرات العلمية الكافية لقراءة مستقبلها، وقراءة الخطط المستقبلية
المعلنة من قِبل القوى الكبرى. ولأننا لا نملك الأدوات العلمية والمؤسسية لقراءة
المستقبل، فلم يعد بالإمكان التدخل لتغيير أي مسار مستقبلي مفروض على المنطقة أو إعادة
توجيهه، وأمسى العرب كفريسة على مَأدُبة اللئام بلا حول ولا قوة. ونكتفي بمثال
لتوضيح الأهمية القصوى لتوطين الدراسات المستقبلة في مصر والعالم العربي.
في
عام 1996، عقد مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية، عدة مؤتمرات في وزارة الدفاع
الأمريكية، لتحديد الاتجاهات العالمية الرئيسية في مختلف الميادين، وذلك بهدف
تقديم تصور متوسط المدى عن السيناريوهات المحتملة التي على الولايات المتحدة
التعامل معها بحلول 2010. المهم إن الكثير من الافتراضات التي قدمها تقرير عام
1996 حول مستقبل المنطقة العربية، قد تحقق بالفعل وأصبح واقعاً معاشاً. من بينها توقعات بتدهور القدرات
الاقتصادية للبلدان العربية، والتراجع المتواصل في أسعار النفط، واشتعال الحروب
الطائفية والعرقية في أرجاء العالم العربي، وتفجر الانتفاضات مدفوعة بالطاقات
الشبابية، وانهيار وتفكك أكثر من دولة عربية، وتدخل القوى الكبرى في كل البلدان
التي انفجرت من داخلها، وتحول القوى الاسلامية إلى سلاح مدمر. فكيف تطابقت الدراسة
المستقبلية الأمريكية مع الواقع بهذا الشكل؟
إن
بناء هذه الافتراضات المستقبلية التي تحولت إلى واقع عربي مرير، تطلبت من
الأمريكان (1) دراسات مستقبلية عميقة في كل المجالات. (2) دراسات مستقبلية مقارنة
للسيناريوهات المحتملة من القوى المنافسة. أعقبتهما (3) سياسات استباقية ترسمها
الولايات المتحدة لمواجهة السيناريوهات
المنافسة من القوى الكبرى والاقليمية. ثم (4) الانفاق بسخاء على تنفيذ الأجندة
الاستباقية في الزمان والمكان المؤثرين. إذن، الحركة نحو المستقبل تسير بقوة
وسرعة، بينما تجلس البلدان العربية على قارعة الشرق الأوسط تندب حظها وتشتكي.
الدراسات المستقبلية في مصر
تمتلك
مصر كوادر متميزة لها خبرة مقدرة في البحوث المستقبلية، يمكن أن تكون قاعدة لتأسيس
مؤسسة علمية للدراسات المستقبلية، ورغم ذلك فإن مصر تأخرت كثيراً في الاهتمام
الأكاديمي بدراسات المستقبل، مكتفية بتأسيس مراكز بحوث مستقبلية محدودة النطاق
داخل بعض الوزارات، إلى جانب مركز الدراسات المستقبلية التابع لمجلس الوزراء،
وأخيراً وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية. ولم يفكر صانع القرار المصري
حتى اللحظة في التأسيس الأكاديمي للدراسات المستقبلية. والمحصلة كما يرى إدجار
جول، رئيس معهد المستقبليات وتقييم التكنولوجيا ببرلين- عمل مستشاراً لمدة عامين بمركز
الدراسات المستقبلية التابع لمجلس الوزراء- أن مصر تحتل موقعاً متخلفاً في ميدان
الدراسات المستقبلية إذا ما قورنت ببعض الدول النامية، فما تم إنجازه من دراسات
مستقبلية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وبعض من هذه الدراسات يفتقر للمنهجية
الصحيحة والعمق العلمي المطلوب.
خصائص الدراسات المستقبلية
هذا
الحقل من الدراسات يحتاج إلى الغوص والسباحة معاً، على معنى أن المختص بفرع من
فروع المستقبليات لابد أن يكون متعمقاً في تخصصه، كالغواص يكتشف خباياه وأصوله
وتحولاته. كما ينبغي عليه أن يتبحر متجاوزاً هذا التخصص، سابحاً في الميادين
العلمية المرتبطة بمجاله، إنه دائماً يعيد التفكير في المعرفة التي يتحصل عليها في
تخصصه بِناءً على السباحة في التخصصات وثيقة الصلة، بحيث ينتهي إلى نتائج تضع في
الاعتبار الحركة الجماعية لكافة الظواهر المرتبطة ببعضه، ودون هذه الرؤية الشاملة
المتجاوزة للتخصصات العلمية لا يمكن إجراء دراسات مستقبلية ذات قيمة.
إن
الدراسات المستقبلية تحتاج إلى ذكاء العالم، وحكمة الفيلسوف، وخيال
الفنان، فهل يمكن أن يجتمع ذلك في فرد واحد؟ الإجابة هي النفي، فالإنسان بطبيعته
كائن ذو إمكانات محدودة. وهذه النقطة الهامة تحيلنا إلى الأهمية القصوى لوجود
مؤسسة علمية لدراسات المستقبل، تعني بتأهيل نخبة من الشباب الواعد على التفكير
الجماعي في المستقبل، وتزويدهم بمناهج ونظريات مستنبطة من كل التخصصات والمعارف
الانسانية.
الدراسة
المستقبلية الجيدة تقوم على افتراضات صحيحة، ما يستلزم معرفة شاملة بالحاضر، مبنية
على قواعد بيانات دقيقة وليست هشة أو تعانى من الفجوات والتناقضات، وإلا فإن أي أطروحات
عن المستقبل ستكون من قبيل الوهم والأحلام أو غارقة في البساطة. وقد طور علماء
المستقبليات في أبحاثهم الأخيرة منهج الواقعية النقدية من أجل مراجعة المعرفة
المتحصلة عن ماضي الظواهر وحاضرها، لكي تكون نقطة الانطلاق قوية واعدة. بعد ذلك يوظف
الباحث في المستقبليات كافة مهارات المنطق والتخمين والتوقع والاستباق والاسقاط
والتنبؤ والمماثلة، ويقدم النتائج في صورة سلاسل زمنية أو حقب زمنية قادمة. قريبة ومتوسطة
وبعيد المدى. ونلفت انتباه القارئ إلى أن المشروع المستقبلي الواحد يظل قابلا للتعديل:
(1) إذا طرأت متغيرات مفاجئة لم تكن في حسبان القائمين عن المشروع. (2) أو في حالة
عدم تحقق السيناريوهات الافتراضية في أقرب حقبة زمنية. على معنى أن مشروع الدراسة
المستقبلية، يظل خاضعاً للتطوير والتهذيب الدائم، كلما طرأ طارئ أو نبت منه جزء على أرض الحاضر.
المركز البحثي والمعهد العلمي .. أية علاقة؟
يجب
أن نفرق بين مؤسستين معنيتان بالدراسات المستقبلية، (1) المركز البحثي
ومهمته توفير رؤى مستقبلية، تعمل كدليل ومرشد لدوائر صنع القرار في مجالات التنمية
والسلام الاجتماعي والأمن القومي والعلاقات الاقليمية والدولية. (2) والمعهد
العلمي لدراسات المستقبل المقترح في هذا المقال، ومهمته توفير الكوادر البشرية
القادرة على انجاز تلك الرؤى المستقبلية. المعهد العلمي يمكن أن يقدم كافة
الخدمات التي يقدمها المركز البحثي، في حين يعجز الأخير عن تقديم التدريب طويل
المدى بشكل منتظم لأجيال عديدة.
ولتأكيد
التمييز السابق، نعود إلى كلام إبراهيم العيسوي، في معرض حديثه عن المصاعب التي
واجهته كباحث رئيسي لمشروع مصر 2020، حيث ذكر بأمانة أنه قابل صعوبة كبيرة في
العثور على الكوادر المناسبة لقيادة فرق البحث، واستغرق إعداد وتدريب هذه الكوادر
فترات طويلة، وفي النهاية، فإن عدداً منهم لم يلتزم بخطط البحث المتفق عليها. ولو
توفر للعيسوي كوادر مدربة ومؤهلة تأهيلاً أكاديمياً في مجال المستقبليات، لاختلف
الأمر جذرياً، لكن للأسف، قصرت مصر وسائر البلدان العربية في تأسيس هذا النوع من
الكليات والمعاهد، ما أجبر مراكز البحوث على الاستعانة بكوادر ليست مهنتها الأولى
المستقبليات، أو الاستعانة بخبرات أجنبية لإدارة المشاريع البحثية.
كلية دراسات المستقبل في مصر .. كيف ومتى؟
هب
أنك تريد انجاز مشروع بحثي عن مستقبل الطاقة في مصر 2050، فإنك حتما ستضع في
الاعتبار شبكة معقدة من العوامل المرتبطة باكتشاف وإنتاج واستهلاك الطاقة، وسوف تحتاج
إلى فريق عمل من المختصين في العلوم الجيولوجية، البيئية، الاقتصادية، السياسية،
التكنولوجية، الاجتماعية، الثقافية. لابد من هذا الفريق، لأن المستقبل لن يأتي
بالتجزئة، ولكنه مركب شامل من كل هذه المتغيرات. والتداخل والتكامل بين التخصصات
هو الذي يُمَكِّن فريق العمل من الإمساك بالتوقعات الصحيحة التي تراعي كافة
العوامل والمتغيرات. الشاهد أن الدراسات المستقبلية لا يمكن أن تكون جهداً
فردياً، أو حتى جهوداً جماعية مستقلة عن بعضها البعض، بل هي حاصل جهد فريق
عمل متناغم ومتكامل، عالي التدريب، عميق المعرفة، يتمتع بالبصيرة والخيال المشروط.
ولا شك أن فريقاً بهذه المواصفات يتطلب تدريباً أكاديمياً مخصوصاً طويل المدى، لا
يتحقق إلا من خلال معهد علمي مكتمل (لديه برامج على مستويات البكالوريوس، والماجستير
والدكتوراه).
مع
ملاحظة أن مبادرة تأسيس كلية لدراسات المستقبل في مصر، ليست فكرة جديدة من بنات
أفكار كاتب المقال، ولكنها مبادرة واردة في توصيات كافة المشتغلين بدراسات
المستقبل في مصر، من أمثال، إبراهيم العيسوي، إسماعيل صبري عبدالله، محمد إبراهيم
منصور، وآخرين، وهؤلاء بدورهم لا يطالبون بتأسيس كيان علمي لم يسبقنا إليه أحد، وإنما
من منطلق الضرورة والمسئولية الوطنية الداعية لمواكبة التطور الحادث على مستوى
العالم، والذي يُطلع من القراء على المسح الذي أجراه الاتحاد العالمي لدراسات
المستقبل عام 2006، يمكن أن يتعرف على عشرات الكليات والمعاهد المعنية بدراسات
المستقبل في الجامعات العالمية المرموقة.
مسارات انطلاق كلية دراسات المستقبل
كلية
دراسات المستقبل بحكم طبيعتها الاستشرافية، يجب أن تضم الموهوبين والمبدعين وفائقي
التميز في كافة المجالات، وليس هناك أدنى شك في أن مصر بما تملكه من إرث حضاري
وكتلة بشرية ضخمة، تمتلك أعداداً كبيرة من هذه الفئات المتميزة التي يمكن أن تبدع
في ميدان الدراسات المستقبلية شريطة تحرير المؤسسة العلمية التي تضمهم من قيود
البيروقراطية والصراعات الأكاديمية، ومن عقلية الهيمنة والوصاية، ومن مغالطات
الاستخفاف بالإبداعات والأفكار الجديدة.
كما
أن مصر تمتلك الكفاءات العلمية التي تستطيع تشغيل برامج الكلية على المستوى
الجامعي أو الدراسات العليا، ويمكن ندب هذه الكفاءات من مراكز البحوث المستقبلية العاملة
في المؤسسات المدنية والعسكرية المصرية، وكذلك من بين الأساتذة المتميزين في
التخصصات العلمية المختلفة.
هذا
الصرح العلمي لن يكلف الدولة ميزانيات إضافية كبيرة، وحتى إن حدث ذلك، فهذا النوع
من الكليات قادر على تقديم خدمات بحثية تدر عائداً معتبراً. وهناك عدة مسارات يمكن
أن يختار من بينها المعنيين بالأمر:
المسار
الأول: البدء بالدراسات العليا مباشرة، وتأخير برنامج البكالوريوس.
وتتمثل أهمية هذا المسار في أنه يُمَكِّن الكلية من إعداد أعضاء هيئة التدريس
الدائمة بالكلية. على أن يكون أعضاء الهيئة العلمية التي تشرف على هذه الفئة من
طلاب الدراسات العليا، من المشهود لهم بالكفاءة والتميز. ولا توجد مشكلة في ندب
أعضاء هذه الهيئة من داخل مصر أو خارجها، المهم ألا تتدخل عوامل غير علمية في
الاختيار. والكلية بطبيعة الحال سوف تستقبل كافة أنواع الخريجين (الطب والهندسة،
العلوم الطبيعية والرياضيات، الزراعة والأحياء، الاقتصاد، الحاسب الالي، العلوم
الانسانية والاجتماعية). وعبر هذا المسار وخلال ست سنوات يمكن أن يكتمل نصاب هيئة
التدريس، وبعدها يمكن للكلية البدئ في برنامج البكالوريوس، واستقبال الطلاب
المتميزين من خريجي الثانوية العامة.
المسار
الثاني: البدء بمرحلة البكالوريوس جنباً إلى جنب الدراسات العليا،
بحيث تستقبل الكلية من العام الدراسي الأول لها خريجي الثانوية العامة، الطامحين
في دراسة المناهج ونظريات وتراث الدراسات المستقبلية، باعتبار أن هذه الدراسات هي
في نهاية المطاف نوعاً من العلوم الاجتماعية. يتزامن مع ذلك انطلاق الدراسات
العليا، مع الوضع في الاعتبار أن اختيار الطالب في الدراسات المستقبلية، ليست
عملية سهلة، وتحتاج إلى دقة ومهارة وشفافية كاملة.
المسار
الثالث: البكالوريوس الموازي، على معنى
ترك الطالب الجامعي في تخصصه الأصلي، وتصميم برامج على مستوى البكالوريوس للطامحين
في الدراسات المستقبلية، ينتظم فيها الطالب بالتوازي مع الكلية الملتحق بها. بحيث
يتمكن الطالب من التعمق في التخصص، وامتلاك ناصية الدراسات المستقبلية، ويمنح
الخريج درجة البكالوريوس في الدراسات المستقبلية الى جانب درجة تخصصه العلمي. ورغم
صعوبة تنفيذ هذا المسار إلا أن مميزاته تتمثل في تكوين كوادر علمية أعلى وأعمق وله
مردود على المدى الطويل.
وفي
كل الأحوال يجب الحفاظ على النخبة العلمية التي ستتخرج من هذه الكلية، فليس منطقياً
أن تتسرب هذه النخبة خارج مصر لأي سبب من الأسباب، ينبغي أن تكون الكلية بمثابة محمية علمية مصونة من التوغل
البيروقراطي والسلطوي من أي نوع، تمارس عملها من أجل الدول المصرية ضاربة الجذور.
ولا يخفى على القارئ أن مثل هذه المؤسسة إن حظيت بالسمعة العلمية الدولية، فسوف تحقق
المعادلة الصعبة المتمثلة في القيام بوظيفتها القومية وتعزيز الاستثمار الاقتصادي
للمنتج العلمي المصري.
خاتمة
مثل
هذه المبادرات يمكن – بل من المؤكد- أن