المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هل من أدوات جديدة لصناعة الأمل في مصر؟

الأحد 19/فبراير/2017 - 03:49 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي

تفاعل المواطن المصري مع حزمة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تفاعلاً إيجابياً واضعاً ثقته في الخطاب السياسي الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات، فقرر الصبر والتحمل والوقوف في مواجهة الموجة التضخمية العاتية بصدر عار تقريباً آملاً في غد أفضل. ومع الوقت انكشفت عورات الإدارات الرقابية داخل الوزارات والأجهزة المحلية، ما أشاع حالة من الغضب الصامت، لم يصل بعد إلى مستوى اليأس المطلق، ولا ينبغي أن يصل إلى هذه الدرجة. فهل من أدوات جديدة لصناعة الأمل في مصر؟

الأمل والتفاؤل الجمعي هو شعور بالثقة وإحساس بالقدرة على صناعة المستقبل على نحو أفضل رغم عدم كفاية الامكانات المطلوبة لتحقيق الأهداف المجتمعية. في مقابل حالة اليأس والاحباط الجمعي التي تثير لدى الفرد والجماعة توقعات سلبية وأحياناً كارثية تجاه الذات والحاضر والمستقبل. ولا شك أن أي نظام سياسي، يضع على رأس أولوياته مهمة إشاعة حالة الأمل في أركان المجتمع، عبر استراتيجيات ووسائل وبرامج ينبغي أن تكون واقعية ومنطقية لتحقيق هذه المهمة.

التفكك الحقيقي لأي مجتمع يحدث حين يفقد الفرد الثقة في الأسرة التي يعيش فيها، أو الطبيب الذي يعالجه، أو المدرسة التي يتعلم فيها أبناءه، أو حين يتسلط على الفرد جماعة دينية متزمتة أو ساسة يبيعون الوهم، أو اقتصاديون اعتادوا السلب والاستغلال...إلخ. وحتى لا تمرض المجتمعات وتتفكك وربما تتحلل، فإن البلدان التي تعي خطورة اليأس والخوف من المستقبل، تعمل باستمرار على خلق أدوات جديدة لصناعة الأمل والتفاؤل الحقيقي، من خلال مراكز التفكير الاستراتيجي أو المستقبلي، توفر لها الإمكانات البشرية والمادية، وتتعامل الدول مع ما تنتجه هذه المراكز بالجدية والسرعة المطلوبة.

إذن فصناعة الأمل الحقيقي يحتاج إلى العلم والإبداع والارادة والشفافية، التي تتيح لنا التعامل بكفاءة مع أربعة متغيرات: (1) الإمكانات المتاحة وحالة المؤسسات القائمة (2) المسارات أو الاستراتيجيات الممكنة. (3) برامج تحقيق المسار الأفضل نحو المستقبل في كافة المجالات. (4) اختيار المناصب القيادية المناسبة لتحقيق الأهداف. ونتصور أن القيادة السياسية لم تتغلب حتى الآن على مشكلة اختيار المناصب القيادية خاصة على مستوى الوزراء والمحافظين، كما نتصور أن  خطة مصر الاستراتيجية 2030، التي أقرتها الدولة واتخذتها طريقاً للعبور نحو المستقبل، تعاني من مشكلات عدة في تقدير وقياس المتغيرات الثلاث المذكورة، ولا يعني ذلك فقدان الأمل، لكن تصحيح الخطة بات أمراً حتمياً بناءً على ما قدمه الكتاب والمختصين من نقد لهذه الخطة خلال الفترة الماضية.

ومن المعلوم أن حزمة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تمثل جزءاً أصيلاً من الخطة الاستراتيجية المذكورة، وقد تفاعل المواطن تفاعلاً إيجابياً مع الخطاب السياسي الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات كما ذكرنا. لكن السؤال الكاشف الآن هل قامت مؤسسات الدولة بدورها في التعامل مع السياسات الاقتصادية الجديدة؟ والإجابة بالنفي شبه القاطع، باستثناء هيئة الرقابة الإدارية،  فمن الواضح أن الأدوات الرقابية في مؤسسات الدولة على المستوى الوزاري والمحلي، لم تباشر عملها بالكفاءة والنزاهة المطلوبة، ولم تجد القرارات الجديدة الغطاء الرقابي اللازم الذي يحول دون الانفلات المشهود حالياً. فالعديد من المشكلات أو الأزمات التي ترتبت على القرارات الاقتصادية الأخيرة، أظهرت خللا مؤسسياً عميقاً، لم يخفف من وطأته إلا التدخل السريع من الجيش المصري. لكن هذه الحلول المؤقتة لا تبني الأوطان، ولا تصلح الخلل، ولا تصنع الأمل في المستقبل.  

الوظيفة الرقابية داخل المؤسسات الحكومية المصرية، تسير في دورة بيروقراطية عقيمة، وتعاني من خلل لابد من إصلاحه، وتعتمد إجراءات تصاحبها بلا مواربة صوراً شتى من المحسوبية والفساد. وهي بذلك تمثل أحد أدوات صناعة اليأس والإحباط في المجتمع. وليس مقبولاً أن يتحمل المواطن فاتورة القرارات الاقتصادية، مضافاً إليها فاتورة جشع واستغلال أصحاب الذمم الخربة وغياب الرقابة الفاعلة.

لا بد إذن من تغيير الذهنية الرقابية والبحث عن أدوات رقابية (انعكاسية) جديدة، بدلاً من المسارات البيروقراطية التقليدية العقيمة. ونكتفي ببعض الأمثلة التي تكشف الحاجة الملحة لمباشرة العمل الرقابي الانعكاسي.

(1)  وفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن الفاقد من الطاقة الكهربية  نحو 1750 ميجا وات. وحتى يستوعب القارئ غير المختص هذا الرقم، فهذا الفاقد يزيد عن انتاج محطة توليد شبرا الخيمة بالكامل بنحو 500 ميجا وات. على معنى أن إنتاج هذه الحجم من الطاقة المفقودة يحتاج إلى استثمارات ضخمة، ويترتب عليه خسارة كبيرة تبلغ ستة مليارات جنيه سنوياً، وفقاً لآخر الإحصاءات. الأجهزة الرقابية بوزارة الكهرباء تحاول تقليل هذا الفاقد، بالأسلوب التقليدي، كحملات شرطة الكهرباء الدورية، والتعامل بجدية مع البلاغات الواردة من المواطنين عن سرقات التيار.

هذه الإجراءات التقليدية مطلوبة، ولكنها لن تحل مشكلة الفاقد الذي يزداد عاماً بعد عام. والأمر يحتاج الى أدوات جديدة غير الحملات الدورية، وانتظار الإبلاغ عن حالات سرقة التيار، أسلوب انعكاسي جديد للتعامل مع الظاهرة، على أساس تقدير الطاقة المستهلكة الافتراضية، لكبار المستهلكين، الذين يمثلون المصدر الحقيقي لفقد الطاقة، المصانع، نوادي الأفراح، ملاعب كرة القدم المضاءة، المولات والمحلات التجارية، هذا التقدير متاح ويمكن قياسه بنسبة خطأ لا تتجاوز 5% في أسوء الأحوال، ثم تأتي الخطوة التالية، وتتمثل في الفواتير التي يدفعها أصحاب هذه المنشآت فعلياً خلال فترة زمنية سابقة. وسيجد القائم على المراقبة بعد هذه العملية البسيطة أنه أمام أرقام وفجوات كبيرة في بعض المنشآت، ثم يأتي دور الخطوة الحاسمة، بخضوع المنشآت المشكوك فيها للرقابة المستمرة، حتى يتم تحصيل مستحقات الدولة.

(2)  أدوات الإحصاء والرقابة في مؤسسات تحصيل الضرائب بأنواعها، تحتاج إلى ذات الأدوات الانعكاسية الجديدة، بدلاً من دورة المستندات العقيمة التي يتم على أساسها تقدير الضريبة، هل فكرت وزارة المالية في أدوات جديدة لتقييم ناتج النشاط وعوائده، ومقارنته بالمبالغ التي يدفعها أصحاب هذه الأنشطة كضرائب في فترة زمنية محددة. تغيير الأدوات سيكشف لنا أن الموظف الحكومي هو فقط من يدفع الضرائب المستحقة عليه بانتظام، بينما  كبار الشركات، وكبار المحامين والأطباء والمهندسين، ومشاهير الإعلام والفن والرياضة، يتحايلون على الدورة البيروقراطية الضريبية العقيمة بكل أريحية، ما يفقد الدولة أموالاً طائلة هي في مسيس الحاجة إليها لتقليل العجز المالي، وضخ الدماء في مشروعات التنمية المتنوعة.

(3) الرقابة على جودة السلع وأسعارها، منذ عدة أسابيع، فوجئنا في مدينة بنها أن غالبية المحلات التجارية والخدمية مغلقة، لماذا؟ لأن هناك حملة مكبرة من رجال التموين تجوب شوارع بنها. عشرات الضباط ورجال الادارة المحلية ومئات الجنود. إغلاق هذه العدد الكبير من المحلات، يعني بداهة أن الجميع لديه مخالفات. الشاهد، أن الحملة استمرت ثلاثة أيام متتالية، واستمر أصحاب المحلات المخالفة في إغلاقها طوال المدة، وانتهت الحملة دون تحقيق أهداف تذكر. أي أن هذه الأداة الرقابية التقليدية لم تجدى نفعاً، ولا بد من التفكير في أدوات جديدة، لحماية صحة المواطن ودخله متناقص القيمة.

(4) الرقابة على الخدمات الصحية الحكومية، منظومة الصحة بأكملها فيها نفس الخلل الرقابي الذي تعاني منه بقية المؤسسات الحكومية، ونقتصر فقط على ذكر نوعين من هذا الخلل، المعامل وأجهزة الأشعة. في كل مستشفى أميري، توجد معامل تحليل، مجهزة بالأدوات والكوادر البشرية من فنيين وأطباء، ولأن هؤلاء يعملون في الخارج لحساب معامل التحليل الخاصة، فإن إهمال العمل بالمعامل، وتعطيل أجهزته عملية معتادة، بقصد اجبار المريض غير القادر على اجراء التحاليل خارج المستشفى. وبنفس الأسلوب، فإن أجهزة الأشعة بأنواعها في المستشفيات الحكومية، والتي تمثل حلقة أساسية في علاج المرضى، تتعرض للأعطال المستمرة. يترتب على ذلك، أن المريض الذي يحتاج إلى إجراء عملية جراحية تتطلب نوعاً من هذه الأجهزة المعطلة، سيكون مضطراً لمغادرة المستشفى الحكومي ومقاولة أحد الأطباء على إجراءها في المستشفيات الخاصة. باختصار إننا لا نطالب بميزانيات جديدة للتطوير، وإنما فقط استغلال الامكانات المتاحة، لإعادة الثقة في الخدمة الصحية الحكومية، ولا يمكن ذلك إلا بأدوات رقابية جديدة.

نستطيع أن نستمر في عرض الأمثلة من داخل المؤسسات والمصالح الحكومية إلى ما لا نهاية، ما يعني أننا أمام ظاهرة ذات أبعاد وأسباب واحدة وطرق علاج متشابهة. وخلاصة القول: إن قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، يمر أولاً عبر التعامل مع الإمكانات المتاحة، وتعظيم الاستفادة منها، ولا يمكن ذلك إلا بتغيير جذري في حالة المؤسسات المصرية، وبقاء الحال على ما هو عليه، يعني نتيجة واحدة هي صناعة اليأس والاحباط في المجتمع، مع الانتباه إلى أن دور الأجهزة الرقابية القومية، رغم أهميته، يبقى محدود الأثر، ما لم تتغير أدوات الرقابة على المستوى الوزاري والمحلي، هذا هو الرهان الاصلاحي الشامل، فهل نحن فاعلون.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟