المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الرؤى الإستراتيجية والخرائط الاجتماعية

الخميس 01/سبتمبر/2016 - 02:01 م
هناك إجماع بين علماء الاجتماع والقيادات السياسية لدول متعددة متقدمة ونامية على ضرورة وضع رؤية استراتيجية للدولة توجه اتجاهات التنمية القومية المستدامة. والرؤية الاستراتيجية – بحسب التعريف – هى سياسات الدولة المختلفة الدولية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى العشرين عاماً القادمة. 


غير أنه نبين من الممارسة العملية أن وضع هذه الرؤية الاستراتيجية يستلزم أولا رسم خريطة لأوضاع المجتمع المختلفة حتى يحدد صانع القرار أهداف التننية بدقة بالغة وإلا تحولت إلى مجموعة أهداف مثالية غير قابلة للتحقق فى العالم الواقعى. وقد أدرك أستاذنا الجليل الدكتور أحمد خليفة مؤسس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بثاقب بصره أنه لابد من الانتقال من الدراسة العلمية لعدد من الظواهر الجزئية مثل «تعاطى المخدرات» و«البغاء» و«السرقة عند الأحداث» إلى البحث الكلى المتعمق لرسم خريطة اجتماعية للأوضاع الأساسية فى المجتمع. وهكذا تم رسم الخريطة الاجتماعية الأولى للمجتمع المصرى لتغطى الفترة من عام 1952 حتى عام 1980، ونتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بكل أبعادها. وشارك فى الإشراف على رسم هذه الخريطة عدد من كبار العلماء الاجتماعيين، وقامت بالتنفيذ مجموعة متنوعة من الخبراء والباحثين، وخرجت نتيجة هذه الخريطة فى صورة مجلدات متعددة يتناول كل منها وضعاً رئيسيا من الأوضاع الاجتماعية. وكان إصدار هذه الخريطة الاجتماعية عملاً علمياً فذا غير مسبوق. وذلك لأنه وجه صانع القرار مما ساعد على ترشيد عملية صنع القرار بالإضافة إلى موجات التنوير التى أحدثتها هذه الدراسات المتعمقة. وقد بادر المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بقيادة الدكتورة نسرين بغدادى أستاذة علم الاجتماع ومديرة المركز برسم خريطة اجتماعية متكاملة لأوضاع المجتمع المصرى غطت الفترة من عام 1980 حتى عام 2010. وقد نشرت هذه الخريطة تحت عنوان «المسح الاجتماعى الشامل للمجتمع المصرى: المرحلة الثانية 1980 – 2010» وقد خرجت مجموعة دراسات المسح المتكاملة فى أربعة عشر مجلدا تناولت المشكلات الآتية: الإعلام والتعليم والصحة والعدالة والفنون والآداب والأسرة والبيئة والتدرج الاجتماعى والنقل والمواصلات والاقتصاد والأمن والسكان والتطور السياسى والإسكان. وهكذا يتبين أن المسح الاجتماعى فى مرحلته الثانية شمل كل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما من شأنه أن يساعد صانع القرار على رسم الخريطة الاستراتيجية لمصر. وقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ فترة تفاصيل الرؤية الاستراتيجية لمصر بعنوان «مصر 20-30» ونرجو أن يكون واضعو الخطة قد استفادوا من الدراسات الموثقة التى أجراها المركز القومى فى بحوث المسح الاجتماعى. وفى تقديرنا أنه من الأهمية بمكان العرض النقدى لمحتويات المجلدات المتعددة التى صدرت عن المسح الاجتماعى لأن عديدا من الأوضاع الاجتماعية المدروسة بعمق تتصل بالأهداف الرئيسية التى ينبغى أن تسعى إلى تحقيقها الرؤية الاستراتيجية. والواقع أن هناك مشكلات أساسية ظهرت معالمها وخصوصا فى الحقبة الأخيرة وأهمها على الإطلاق هى الزيادة السكانية والتى تبين من إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن عدد السكان فى مصر وصل إلى حوالى 90 مليونا. ومعنى ازدياد معدل التكاثر السكانى فى مصر أن تأثيره السلبى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ستبدو خطورته فى العقود القادمة. وذلك لأن التكاثر السكانى معناه بكل بساطة ميزانيات بالغة الضخامة للاستثمار فى مجال التعليم الأساسى والجامعى، بالإضافة إلى مسئولية إيجاد فرص عمل سنوية تقدر بعشرات الآلاف، وكذلك البرامج الصحبة والرعاية الاجتماعية. 

ولو طالعنا مجلد السكان الذى أشرفت على بحوثه وحررته الدكتورة نادية حليم وشارك فيه دكتور مجدى عبدالقادر ودكتور هشام مخلوف والدكتورة وفاء مرقس لوجدنا دراسة متكاملة حقا للمشكلة السكانية بكل أبعادها. ويقرر هذا المجلد الهام أن عام 1973 شهد صدور أول وثيقة للسياسة القومية للسكان تلتها ست وثائق أخرى. وقد حددت وثيقة السياسة القومية للسكان وتنظيم الأسرة 1973 – 1982 تسعة عوامل رئيسية من شأنها التأثير فى الإسراع بتخفيض معدل النمو السكانى وهى رفع المستوى الاجتماعى – الاقتصادى للأسرة، والتعليم، وتشغيل المرأة، والميكنة الزراعية، وتصنيع الريف، وخفض معدل وفيات الأطفال، والضمان الاجتماعى، والإعلام، والتوعية ورفع مستوى الخدمات وتوفيرها متضمنة خدمات تنظيم الأسرة (راجع الفصل التاسع من المجلد). وإذا انتقلنا من مشكلة الزيادة السكانية إلى مشكلة «التدرج الاجتماعى» لأهميتها القصوى فى رسم سياسة للعدالة الاجتماعية - وهو المجلد الذى أشرقت على تحريره الدكتورة نجوى حافظ وشارك فيه مجموعة من الخبراء - لوجدناه يشخص الوقع الاقتصادى للبلاد تشخيصا دقيقا وانعكاساته على التركيب الطبقى فى المجتمع المصرى. وهذا موضوع بالغ الأهمية لأن أحد الشعارات الأساسية لثورة 25 يناير هى المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وهذه العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم تصحيح «الانحراف الطبقى» – إن صح التعبير – السائد فى البلاد والذى يتمثل فى إستفادة الطبقة العليا من ثمار التنمية على حساب الطبقة الوسطى التى تدهورت أوضاعها والطبقات الفقيرة التى ازدادت فقرا. 

ويلخص مجلد «التدرج الاجتماعى» الموقف الطبقى فى مصر فى عبارات ذات دلالة حين يقرر «أنه توجد سمات اقتصادية كبرى شهدتها مصر على مدى العقود الثلاثة الأخيرة منها تراجع دور الدولة وبيع غالبية شركات القطاع العام وإطلاق الحريات الاقتصادية فى جميع القطاعات وتنامى دور القطاع الخاص وظهور الاحتكارات فى بعض القطاعات والتزاوج بين الرأسمالية المصرية والعربية والعالمية.. وتصاعد دور القطاع المالى ونفوذه السياسى وسيطرة الفكر العقارى على توجهات التننمية وانتشار الفساد كآلية للتراكم الرأسمالى. 

ويبقى السؤال الرئيسى إذا كان ما سبق وصفا عاما للوضع الطبقى فكيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية وفى أى مدى زمنى؟» إذا كان ما سبق لمحة عامة عن بعض مجلدات المسح الاجتماعى للمجتمع المصرى فى المرحلة الثانية 1980 – 2010 فإنه مما يبعث على التفاؤل أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قرر أن يرسم خريطة اجتماعية جديدة تحت الإشراف العام للدكتورة نسرين بغدادى تغطى الفترة من 2010 حتى 2015. وهكذا تتكامل حلقات المسح الاجتماعى التى غطت الفترة من عام 1952 حتى عام 2015، وهو بذلك يمثل إضافة حقيقية للمعرفة المتكاملة لأوضاع المجتمع المصرى. وقد اطلعت على التصدير الذى أعدته الدكتورة نسرين بغدادى للمرحلة الثالثة من المسح وقد جاء فيه أن الغرض هو «رسم خريطة معرفية لتبصير صانع القرار وإعطائه المعلومات لامتلاك القدرة على الفرز والتطوير والاستحداث كل فى مجاله. 

ما سبق كان مجرد لمحة موجزة عن الدور التاريخى الذى قام به المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى مجال التراكم المعرفى. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟