المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الرؤية الإسرائيلية لنقل سيادة جزيرتي تيران وصنافير

الخميس 04/أغسطس/2016 - 02:35 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. هبة جمال الدين

جاءت زيارة الملك سلمان الأولى لمصر محملة بالمفاجآت والتي كان أهمها وأبرزها اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض التي تقضي بنقل تبعية وسيادة جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وما أسفر عنه الوضع من موجة رافضة للوضع الجديد منادية بالسيادة المصرية على الجزيرتين. في المقابل كانت إسرائيل تشاهد وتدرس دون إحداث مشاكل او إثارة قلق على الساحة على الرغم من أهمية الجزيرتين لأمنها القومي الذي شكلته في خليج العقبة ودخولها في سلسة من الحروب بالماضي للدفاع عنهما، التي بدأت مع بداية نشأة الكيان الصهيوني بالمنطقة.

مما أثار الكثير من التساؤلات حول الموقف الإسرائيلي من الاتفاقية هل تمت بمعزل عنها أم بعلم من جانبها، ما مدى اتفاقها على الوضع الجديد الذي سيقع بمجرد نقل السيادة السعودية على الجزيرتين هل ستلتزم الرياض بتعهدات القاهرة إلى اي مدى يمكن تغير معاهدة السلام ، هل تحاول إسرائيل استغلال الاتفاقية في تحقيق مصالح نفعية تخدم اهدافها الاستيطانية بالمنطقة.. كل هذه تساؤلات تحاول هذه الورقة الإجابة عنها. وذلك عبر استعراض الخلفية التاريخية للنزاع الإسرائيلي على الجزيرتين وموقعهما داخل معاهدة السلام ثم الحديث عن الموقف الإسرائيلي من اتفاقية اعادة ترسيم الحدود.

1.    إسرائيل والخلفية التاريخية للنزاع على الجزيرتين:

إن إثارة قضية جزيرتي تيران وصنافير أمر ليس وليد اللحظة أو مستجد وإنما يعود النزاع عليهما مع قدم القضية الفليسطنية، فمشكلة الملاحة في مضيق تيران لم تبدأ إلا ببداية الوجود الإسرائيلي على ساحل خليج العقبة 1949 ، فبعد قرار التقسيم 1947 وحرب 48، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات بإيقاف القتال، وعلى وجه التحديد في 10 مارس 1949 تمكنت قوة عسكرية إسرائيلية من التقدم في النقب تجاه ساحل البحر الأحمر واحتلت قرية أم رشرش الأردنية لتكون مطل لها على مياه خليج العقبة يقدر طوله بحوإلى 6 أميال وتم تسميتها بميناء إيلات الإسرائيلي حيث استطاعت إسرائيل أن تنشئ تجمعاً سكانياً وصناعياً ضخماً فيها. ومنذ هذا التاريخ بدأت إسرائيل في مطالبتها المستمرة لفتح مضيق تيران أمام ملاحتها المتجهة إلى ميناء إيلات واصبحت قضية الملاحة بعد ذلك سبب جوهري في اندلاع حروب المنطقة، نظراً لأن إيلات هو الميناء الوحيد الذي تسيطر عليه إسرائيل في خليج العقبة والبحر الاحمر حيث تستخدم الحاويات الإسرائيلية التجارية مضيق تيران للإبحار من خليج إيلات إلى البحر الأحمر ومن القرن الإفريقي إلى آسيا. (1)

ومع التوتر الذي خلقته إسرائيل حول الجزيرتين أعلنت مصر سيطرتها عام  1949 على الجزيرتين بالتنسيق مع الحكومة السعودية. بل وقامت مصر بتقييد المرور عبر مضيق تيران. (2) إلا أن إسرائيل لم تهدأ وأعلنت في 1 مارس 1951 أنها تعتبر مضيق تيران وصنافير مياه دولية لذلك تحتاج إلى حمايتها وفق مبادئ القانون الدولي . وأعلنت جولد مائير – رئيسة وزراء إسرائيل سابقاً ووزيرة الخارجية آنذاك- داخل المنظمة الأممية أن "حكومة إسرائيل تعتبر خليج العقبة ككل متضمناً الجزيرتين مياه دولية ولا تمتلك أي أمة أو دولة الحق في منع المرور الحر في الخليج وعبر المضايق وذلك وفقاً لقواعد القانون الدولي للبحار... وإسرائيل لن تقوم بأي فعل يعوق المرور الحر لسفن الدول العربية المتجهة إلى الموانيء العربية عبر الخليج أو متجهة أية وجهة أخرى.. ووفقاً لقدرات إسرائيل كدولة ساحلية فهى ترحب في تقديم كافة الخدمة اللوجستية لميناء خليج العقبة"  وفي هذا التاريخ اتفقت الرؤية الأمريكية مع الإسرائيلية بل ورؤية الأمم المتحدة على اعتبار أن الجزيرتين تقع في المياه الإقليمية لأكثر من دولة ساحلية لذا فيتم اعتبارهما مياه دولية لا تخص دولة بعينها (3).

واحتلت إسرائيل الجزيرتين عام 1956 ولكنها انسحبت عام 1957 عندما قامت قوات الطوارئ بالأمم المتحدة بتعيين خط الهدنة بين مصر وإسرائيل. وانسحبت قوات الأمم المتحدة من الجزيرتين عام 1967 ثم سيطرت مصر على الجزيرتين. ثم دارت حرب 1967 والاحتلال الإسرائيلي لسيناء. وهذا ما دفع الأمم المتحدة في قرارها الصادر نفس العام إلى اعتبار ضرورة تأمين الملاحة في هذا المضيق من الضمانات الدائمة لحل النزاع الناشب بين الأطراف.  وشملته معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فيما بعد. (4)

ومن ثم، يتضح أن قضية الجزيرتين راسخة في المطالب الإسرائيلية فبدونهما ستفتقد إسرائيل منفذها الملاحي، فضمان حرية الملاحة كان، وسيظل، المطلب والهاجس الذي تخشى منه إسرائيل وقامت بشن حروب من أجله وتضمينه في اتفاقيات دولية تلزم بقبول حرية الملاحة لسفنها عبر مضيق تيران.

2.    الجزيرتين واتفاقية كامب ديفيد:

        تضمنت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ضمان حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية وذلك لتحييد سبب التوتر الذي كان ورقة ضغط تستخدمه الدول العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني المحتل.  وحاولت إسرائيل بكل قوة وإصرار خلال التفاوض قبيل توقيع الاتفاقية وجود قوات إسرائيلية على الجزيرتين للسيطرة على المضيق بحجة تأمين نفسها والمنفذ المائي الوحيد لها على البحر الأحمر، إلا أن الاتفاقية لم تحقق هذه المطامع الإسرائيلية ونصت في مادتها الخامسة "على أن الطرفين يعتبران مضيق تيران من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي، كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من والى أراضيه عبر مضيق تيران". (5)

ومع إعلان القاهرة توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بينها وبين الرياض لتدخل الجزيرتين ضمن السيادة السعودية وليس المصرية، دار الجدل حول حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية وهل ستلتزم المملكة بالتعهدات المصرية بالنسبة للجزيرتين.

3.    الموقف الإسرائيلي من اتفاقية إعادة ترسيم الحدود:

عقب الاعلان عن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض حول الجزيرتين، خرجت علينا وسائل الاعلام الإسرائيلية وتوالت تصريحات المسئولين بالحكومة الإسرائيلية التي أكدت حول عدد من النقاط الهامة:

أولاً- التفاوض بشأن الجزيرتين: لم تكن إسرائيل بمعزل عن المساعي المصرية والسعودية بشأن الجزيرتين؛ فقد نشر موقع صحيفة هآرتس في١١ أبريل 2016 تقريرًا أشار فيه إلى أن إسرائيل قد أُحيطت علمًا قبل أسبوعين من زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، بنية مصر نقل أو إعادة الجزيرتين إلى السعودية. بل وذكر مسئول دبلوماسي رفيع المستوى أن مصر قد أخبرت إسرائيل حول المفاوضات مع السعودية وبدوره قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإفادة الحكومة بهذه الاتفاقية المستقبلية من أسبوعين سابقين على توقيعها. (6)

ثانياً- الاتصال بالجانب السعودي: تضاربت التصريحات من قبل المسئولين الإسرائيليين حول نبأ تسلمهم خطاب تعهد مكتوب مرسَل من الحكومة السعودية مباشرة؛ فأعلن وزير الدفاع يعلون أن السعودية قد قدمت لإسرائيل ضمانة مكتوبة بأن المملكة ستضمن حرية إسرائيل للمرور بمضيق تيران. بينما صرح مسئول من الحكومة الإسرائيلية أن الجانب المصري هو الذي أرسل إلى الجانب الإسرائيلي خطاب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لرئيس الحكومة، شريف إسماعيل الذي تضمن التأكيد على احترام السعودية لتنفيذ الالتزامات التي كانت على مصر في معاهدة السلام. وهذا الاختلاف حول مصدر الخطاب يمكن تفسيره بضبابية الموقف السعودي نحو التعاون المباشر مع الجانب الإسرائيلي وذلك وفقًا لتصريحات وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" حيث ذكر أن السعودية لن تنسق مع إسرائيل بشأن جزيرتي تيران وصنافير، لكنها ملتزمة بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين. مما دعا الجانب الإسرائيلي بوصف هذا السلوك بالنظرة الباردة نحو إسرائيل ففي حين نفي وزير الخارجية السعودي العلاقات المباشرة مع إسرائيل إلا أن هناك اتفاق والتزام قبلته مصر فيما يتعق بالجزيرتين والمملكة ملتزمة به، بل وذكر بعض المحللين بإسرائيل أن السعودية قد تنسق سرياً أو تستعين بوسيط للتعامل مباشرة مع إسرائيل وذلك في المستقبل القريب فقط، فالسعودية ستُجري مباحثاتها حول مستقبل الجزر، إمّا عن طريق قنوات اتصالاتها السرية مع إسرائيل، أو عبر الوسيط الأمريكي، أو ربما تلعب مصر دور الوسيط هذه المرة، دون أن تلجأ السعودية إلى إجراء اتصالات علنية مع إسرائيل ورغم احتمإلىة أن يتم تعديل الترتيبات الأمنية الخاصة بالجزر، إلا أن إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه هو الاحتمال الأبرز حالباً. إلا أنه فيما بعد يرى الجانب الإسرائيلي أن تقارب المصالح هو الذي سيدفع الحرج عن السعودية للتنسيق العلني المباشر معها فكلاهما يشترك في العداء للجانب الايراني وحزب الله؛ فيرى Yoav Zitoun  أنه كلما قامت السعودية أو دول الخليج عامة بالتواصل مع الدول التي دخلت معها إسرائيل في اتفاق سلام وخلقت جبهة استراتجية ضد التنظيمات الجهادية كحماس وداعش وايران وحزب الله، أي ضد كل اللاعبين الذين يمثلون اعداء حقيقيون- على حد وصفه- وفي الأغلب فإن التأثير سيكون للوحدة وليس للضعف. (7)

ثالثاً- حرية الملاحة: تضمن خطاب التعهد السعودي المرسَل لإسرائيل احترام السعودية لتنفيذ الالتزامات التي كانت على مصر في معاهدة السلام، وذلك في حال سريان الاتفاقية بعد تصديق مجلس النواب عليها وفقاً للدستور، وهذه الالتزامات تتمثل في استمرار وجود القوات متعددة الجنسيات لحفظ السلام لضمان عدم استخدام جزيرتي صنافير وتيران للأغراض العسكرية وضمان حرية الملاحة في خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية المتجهة من وإلى إيلات. وذكرت هارتس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ناقش القرار المصري، وأشار إلى تعهد كلٍّ من مصر والسعودية بعدم تغيير الوضع القائم في الجزيرتين والممرات البحرية التي تضمهما، والمثبت في اتفاق كامب ديفيد الموقع بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٨، وفي البروتوكول العسكري والأمني بمعاهدة السلام ١٩٧٩ (8). ومن ثَم، لن تمثل تغيير السيادة على الجزيرتين إلى تهديد مصالح إسرائيل في ظل الالتزام السعودي بما نصت عليه اتفاقية السلام. وذلك يمكن تفسيره بعدم رغبة السعودية في فتح مجالات جديدة للنزاع خاصة في ظل الدعم الأمريكي للوضع القائم الذي قننته اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. (9)

رابعاً- الموقف الإسرائيلي الأوّلي من نقل السيادة: بمجرد إفادة الجانب الإسرائيلي بالمفاوضات بشأن نقل السيادة على الجزيرتين، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرار بتشكيل لجنة حكومية لدراسة الوضع وتقديم تقرير للحكومة لكن دون تحديد موعد، وأشارت هارتس إلى أن وجهة النظر الأولية الإسرائيلية، سواء لوزارة الخارجية أم للأجهزة الأمنية، مفادها أن نقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى السعودية لن تؤثر بشكل سلبي على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل خاصة ان المملكة تعهدت كتابياً بالالتزام بحرية الملاحة وكافة الترتيبات الواقعة على مصر بشأن الجزيرتين. وصرح القيادي الليكودي هنيجابي أن نتنياهو على ثقة بأن اتفاقية الجزيرتين لن تهدد أمن إسرائيل فهى وفقاً له "تتعلق بنا ولا تضايقنا" فالسعودية ملتزمة بحرية الملاحة في ظل القانون الدولي التي لا تؤذي جوهر الاتفاق بين مصر وإسرائيل  وفي هذا السياق فإن حرية الملاحة في العقبة وإيلات ستظل كما هي"(10)،  بل يرى فريق من أعضاء الكنيست أن الاتفاقية تمثل فرصة للتقارب مع السعودية التي لا يربطها اتفاق سلام مع إسرائيل على الرغم من عدم رغبتها في التواصل العلني والمباشر مع إسرائيل. ويعتبر الكولونيل آران ليرمان أنه خطوة أولية نحو تطبيع العلاقات فالمشترك سيجمع إسرائيل والسعودية سواء بسبب الجزر أو العداء المشترك للخطر الإيراني والحركات الإسلامية بالمنطقة. (11)

خامساً- الموقف الرسمي من الاتفاقية: على الرغم من أن الموقف الإسرائيلي الأولي اتسم بالترحيب في ظل الالتزام بالمصالح الإسرائيلية خاصة أنها خطوة للتقريب مع السعودية حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، إلا أن الموقف الرسمي تم إرجاءه لحين يتم دراسة كافة الأوراق والمستندات الخاصة بالوضع الجديد من قِبل لجنة مشتركة من عدد من الوزارات الإسرائيلية المعنية. ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون أن ملحق اتفاقية السلام مع مصر يجب أن يتم إعادة فتحه ليتم تضمين السعودية، وهذا الرأي الذي تتفق معه الولايات المتحدة فقد وافقت على تضمين السعودية في ملحق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وذلك بصفة أمريكا ممثل للقوات الدولية لحفظ السلام المنتشرة في شبه جزيرة سيناء كجزء من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. هذا في حين ترى وزارة العدل الإسرائيلية تكييف قانوني آخر لا يقضي بفتح الاتفاقية وملحقاتها مرة أخرى فهناك ترتيبات سيتم اتخاذها تعني التاكيد على عدم اختراق الوضع القائم والمستمر بموجب الاتفاقية بين مصر وإسرائيل، والأمر من ثَم لا يقتضي إعادة فتح الاتفاقية والموافقة عليها من جانب الكنيست. ومع اختلاف التكييف القانوني من قِبل مختلف الوزارات فالأمر قيد الدراسة، فصرحت الحكومة الإسرائيلية أنها تدرس "قضائياً" مسألة الجزيرتين، ونقلت إذاعة صوت إسرائيل عن مصدر بوزارة الخارجية الإسرائيلية أن قضية رد الجزيرتين للسعودية قيد الدراسة قضائياً في الوزارة" وبعد صدور رأي قضائي شامل حول هذه المسألة ستعلن إسرائيل موقفها رسمياً بشأنها وتابعن إذا اقتضت الحاجة فإن إسرائيل ستتحاور مع مصر بشأنها ولكنها لفتت أن هذه القضية لا تؤثر إطلاقاً على العلاقات الإسرائيلية المصرية (12) لذا، لم يتم الإعلان النهائي عن موقف إسرائيل الرسمي وتوقيت إعلان نتيجة الدراسة لم يتم تحديده حتى الآن. (13)  وقد يكون الأمر مرهون بالموافقة الداخلية بمصر ولكنها بمجرد وضوح الرؤية تعتقد الباحثة إعلان الجانب الإسرائيلي لموقفها الرسمي المؤيد وبغض النظر عن التكييف القانوني إلا أن ما ستحاول إسرائيل تحقيقه هو تعظيم العائد المتوقع لما يمكنها أن تحصل عليه من وراء الوضع الجديد إعمالاً بالنفعية الصهيونية التي قام عليها الكيان الصهيوني.

سادساً- تعظيم العائد وبناء الجسر: صدرت بعض التصريحات المصاحبة للإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود التي لم يعلنها أياً من الجانب المصري أو السعودي وصدرت عن كبار المسئولين بإسرائيل كوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، فذكر أن مقابل عودة السيادة السعودية على الجزيرتين ستدفع السعودية مبلغ 16 مليار دولار لمصر كمعونة. وعلى الرغم من عدم وجود مصادر مؤكدة حول صحة هذا الخبر إلا أن ظهرت بعض المطالبات بضرورة حصول إسرائيل على جزء من هذه المنحة السعودية لمصر باعتبارها ذات شأن بالقضية منذ بداية نشأة إسرائيل رسمياً عام 1948. مما يعكس التوجه النفعي وتزييف الحقائق والتاريخ كعادة الكيان الصهيوني. وتأكد هذا النهج النفعي أيضاً عندما تناولت قضية الجسر الواصل بين مصر والمملكة وعلى الرغم من الموافقة الرسمية بإسرائيل على الأعمال الإنشائية للجسر، إلا أن هناك بعض الآراء والتحليلات التي أعلنت عن خوفها من المكاسب الاقتصادية للقاهرة والرياض من هذا الجسر، وكتبت الصحفية "سيمدار بري" في "يديعوت أحرونوت" في ١٠ أبريل 2016 تنتقد الموافقة الإسرائيلية قائلة "في عصر ملوك السعودية السابقين، نجحت إسرائيل التي خافت من أن يشوش ربط بري بين الخليج ومصر عبور القوات والعتاد العسكري، في إحباط إقامة الجسر، كما أقنعت الرئيس المصري السابق حسني مبارك بأن الجسر سيضر بالسياحة. وتعتقد سيمدار بري أن مصر والسعودية ستخرجان رابحتين من اتفاقهما. وتساءلت: لماذا تصمت إسرائيل، ولا تقول ماذا سنستفيد أيضًا؟ هل بفضل العلاقات من تحت الطاولة مع القاهرة والرياض اطلعت إسرائيل على سر الجسر؟ ما الذي يفكرون به عندنا عن احتمالات المخاطر؟. وطالبت إسرائيل أن تفكر في الاستفادة المستقبلية لها من خلف هذا الجسر وألا تقف صامته تشاهد دون فعل. (14)

سابعاً- القوات متعددة الجنسيات: قبيل الإعلان عن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود، تراودت الأنباء عن تفكير الولايات المتحدة لسحب القوات متعددة الجنسيات ومع الحديث عن إمكانية إعادة فتح الاتفاقية لتضمين السعودية بشأن الجزيرتين؛ فقد تعالت الأصوات المنادية بأن الولايات المتحدة تفكر جدياً في الإنسحاب من القوات الدولية في سيناء خاصة بعد العملية الإرهابية الأخيرة في موقع الصفا والتى راح ضحيتها 15 جندي وضابط مصري، وهو موقع قريب من نقطة مراقبة أمريكية قامت بعدها أمريكا بإخلاء هذه النقطة ونقطة أخرى. هذا الإنسحاب يعني إخلاء نقطة المراقبة الأمريكية على جزيرة تيران الواقعة في المنطقة (جـ) وفقا لنصوص معاهدة السلام، واللافت للأمر أن القوات الوحيدة التي تواجدت على حزيرة تيران منذ تطبيق معاهدة السلام هي قوات الجيش الأمريكي فقط، رغم أن المعاهدة نصت أن تكون القوات بالجزيرة متعددة الجنسيات. (15)

وقد أخبر الجيش الأمريكي رسمياً مصر وإسرائيل بأنها تعيد دراسة قوات حفظ السلام بسيناء لتشمل سبل استخدام التكنولوجيا للقيام بالوظيفة الخاصة بــ 700 فرد من القوات الأمريكية هناك. فمهتمها هى مراقبة عدم تسليح سيناء تحت إطار اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وتؤمن أمريكا أن هيكل عمل هذه القوات المبني منذ ما يزيد عن 3 عقود أصبح وضعها قديم يحتاج إلى تحديث . وذكر المتحدث الرسمي ياسم البنتاجون جيف دايفز "إنني لا اعتقد أن هناك من يتحدث عن انسحاب تام لهذه القوات وأعتقد أننا فقط ننظر إلى عدد القوات ووظائفهم وهل يمكن أن تتم عملية المراقبة بشكل أوتوماتيكي عن بعد". ورغم هذه التصريحات إلا أن القول بسحب القوات الأمريكية سحباً تاماً أمر غير وارد لأنه مقوم أساسي من مقومات اتفاقية السلام، فبالنسبة لإسرائيل هذه القوات تقدم تأكيد للوضع الاستراتيجي لإسرائيل كدولة قائمة في محيط عدائي لها خاصة بعد الفترة السابقة لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكم الإسلاميين وما مثله من مناخ عدائي لدولة الأغلبية إلىهودية المجاورة. أما بالنسبة لمصر تعتبر هذه القوات أمر هام لأنها شريطة أساسية للمساعدة العسكرية الأمريكية لمصر التي تقدر بمبلغ 1.3 مليار دولار ومن ثم تكفل تفوق إسرائيل في مجال التسلح، كما وتعمل على تحسين صورة تقليل عدد القوات المصرية بسيناء فوجودها قد يكون مبرر أمام الرأي العام المصري لحماية سيناء. (16) ومن ثَم يمكن القول أن سحب القوات الأمريكية لن يكن وارد بسبب إسرائيل، في المقام الأول قد يكون التعديل في طريقة العمل والتواجد على الارض.

وفي الختام، يمكن القول أن تيران وصنافير مرتكزات حيوية في الأمن القومي لإسرائيل ومن أجلهما خاصت حروب، وبدونهما لن يمكن اعتبار إيلات ميناء تجاري على الإطلاق. لذا حاولت احتلالهما أكثر من مرة بل والترويج أنهما مياه دولية تخضع لأحكام القانون الدولي ولا تقع تحت سيادة أية دولة وذلك حتى تم توقيع اتفاقية السلام مع مصر التي كفلت لها حرية الملاحة. من هنا فاستمرار التعهدات المصرية على الجزيرتين التي مثلت مرتكز حيوي لإسرائيل وهو الأمر الذي تؤيده أمريكا ولا ترفضه المملكة السعودية حيث التزمت به كتابة لإسرائيل، لذلك ليس هناك مبرر للرفض الإسرائيلي للوضع الجديد طالما امتيازاتها لم ولن تتغير. وعلى الرغم من عدم إعلانها أية موقف رسمي ومازالت تدرس الأمر، لكن الباحثة ترى أنها تنتظر لحين قراءاة آخر تطورات الوصول للاتفاقية على الساحة المصرية خاصة في ظل موجة الرفض التي واجهت الاعلان عنها وذلك حتى يمكنها أن تعظم استفادتها وتحقق أعلى عائد ممكن. 

المراجع والمصادر:

1-       بينما يبحر الاسطول البحري الاسرائيلي من البحر المتوسط عبر قناة السويس للبحر الاحمر وذلك للتدريب بشكل دوري. لمزيد من التفاصيل انظر:

 Yoav Zitun, Israel News, 12/04/2016, http://www.ynetnews.com/home/0,7340,L-3082,00.html

2-      Daniel J.Dzurek, Parting the Red Sea: Boundaries, Offshore Resources and Transit, International Boundaries Research Unit,  Mountjoy Research Center, Durham, 2001, Vol. 3, No. 2.

3-      Paul A. Porter, The Gulf of Aqaba : An International Water Way: its Significance to International Trade, U.S.A, 1952.

 

4-      قامت كل من مصر والسعودية بتوضيح سيادتها على الجزيرتين عام 1954 عندما اخبرت مصر مجلس الامن بان الجزيرتين هما اراضي مصرية منذ اتفاقية الهدنة بين مصر والامبراطورية العثمانية عام 1906، وفي عام 1957 اكدت السعودية سيادتها عبر ارسال مذكرات البعثة الدبلوماسية في جدة ومذكرات يتم ارسالها للامم المتحدة. لمزيد من التفاصيل انظر:

Daniel J.Dzurek, Parting the Red Sea: Boundaries, Offshore Resources and Transit, International Boundaries Research Unit,  Mountjoy Research Center, Durham, 2001, Vol. 3, No. 2.

5-      إيجي برس، إسرائيل الجسر البري بين مصر والسعودية سببًا مباشرًا للحرب، http://www.masress.com/egypress، متوفر بتاريخ 11/04/2016.

6-      Yoav Zitun, Israel News, 12/04/2016, http://www.ynetnews.com/home/0,7340,L-3082,00.html, Op.cit.

7-      Ibid

8-      سعيد عكاشة، أبعاد غير منظورة: دوافع الحذر الإسرائيلي تجاه الجدل حول جزيرتي تيران وصنافير، متاح على شبكة المعلومات الدولية في http://www.rcssmideast.org/Article/4552/%D9%83% ، متوفر بتاريخ 18/04/2016.

9-      Eran Lerman &. Joshua Teitelbaum, Sailing through the Straits: The Meaning for Israel of Restored Saudi Sovereignty over Tiran and Sanafir Islands, the Begin-Sadat Center for Strategic Studies., accessed on 16/04/2016.

10-   Yoav Zitun, Israel News, 12/04/2016, http://www.ynetnews.com/home/0,7340,L-3082,00.html, Op.cit.

11-  Eran Lerman &. Joshua Teitelbaum, Sailing through the Straits: The Meaning for Israel of Restored Saudi Sovereignty over Tiran and Sanafir Islands, the Begin-Sadat Center for Strategic Studies Op.Cit.

12-  موقع رام الله االخباري، 11/04/2016.

13-  Yoav Zitun, Israel News, 12/04/2016, http://www.ynetnews.com/home/0,7340,L-3082,00.html, Op.Cit.

14-   إيجي برس ، إسرائيل الجسر البري بين مصر والسعودية سببًا مباشرًا للحرب، http://www.masress.com/egypress، مرجع سابق.

15-   موقع يناير، 12/04/2016.

16-   Yoav Zitun, Israel News, 12/04/2016, http://www.ynetnews.com/home/0,7340,L-3082,00.html Op.Cit.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟