الانشقاقات الحزبية: دراسة حالات من الأحزاب المصرية
الثلاثاء 02/أغسطس/2016 - 12:53 م
مونيكا وليام*
تعد ظاهرة الانشقاقات الحزبية سمة رئيسية في الحياة الحزبية المصرية، وهذا ما عرفته الكثير من الأحزاب المصرية سواء خلال مرحلة التعددية الأولى (1923-1952) والتي شهدت انشقاقات كان من أبرزها الانشقاقات داخل حزب الوفد القديم، وكذلك في مرحلة التعددية الحزبية الثانية، وظلت هذه الظاهرة ملاصقة للأحزاب المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مفارقة بين ظاهرة الانشقاقات الحزبية والدراسات الأكاديمية المكتوبة عنها، وفي هذا السياق سعت دراسة- بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية -جامعة القاهرة بعنوان "مفهوم الانشقاقات الحزبية مع دراسة حالة نماذج من الأحزاب المصرية 1977-2010" للباحث/ حازم عمر، البحث في أسباب الانشقاقات داخل الأحزاب المصرية بالتطبيق على أحزاب الوطني الديمقراطي الحاكم قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير وكذلك الوفد الجديد والحزب العربي الديمقراطي الناصري. وتتجلي أهمية هذه الدراسة في كونها دراسة حديثة فلم يتناولها أحد قط.
ضبط وتدقيق المفاهيم
عرض الباحث في الإطار النظري للدراسة مفهوم "الانشقاق الحزبي"، حيث عرفه على إنه خروج فرد أو مجموعة أو فصيل من الحزب ليؤسس حزباً جديداً أو لينضم إلى حزب آخر. وبالتالي عندما يقدم العضو استقالته وينضم إلى حزب آخر فنحن هنا بصدد انشقاق أما في حال تقدم العضو باستقالته دون الانضمام إلى حزب آخر فهذا لا يعد انشقاقاً بقدر ما هو اعتزال للعمل السياسي.
وميًّز الباحث في الدراسة بين إلانشقاق وغيره من المفاهيم ذات الصلة مثل الانقسام السياسي والانقسام الحزبي، فأوضحت الدراسة أن الانقسام السياسي هو التصدع والاستقطاب على المستوى الانتخابي بين الناخبين والأحزاب السياسية، ويترتب على هذا النمط من الانقسام ظهور أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية.
أما الانقسام الحزبي، فيعني انقسام الحزب إلى فصائل وأجنحة نتيجة للاختلاف الفكري والأيديولوجي للفصائل الموجودة داخل الحزب ولأسباب اقتسام السلطة. وفي هذا السياق، ميَّزت الدراسة بين ثلاث أشكال لظاهرة الانقسام الحزبي، فإما أن تأخذ شكل التعاون أو الانحلال أو التنافس.
كما أشارت الدراسة إلى مفهوم التبديل والتحول الحزبي، والذي يعنى تغيير عضو البرلمان لصفته الحزبية وذلك من خلال الانتقال من حزبه الأصلي لحزب آخر أو أن يظل مستقلاً دون الانضمام لأي حزب. وفي هذا المجال، أشار الباحث إلى أن القواعد المنظمة لهذا الشأن تختلف من نظام إلى آخر، فتوجد بعض الأنظمة التي تسمح للعضو بتغيير صفته الحزبية في حين أن أنظمة أخرى تسقط العضوية، عندما يتم تغيير الصفة الحزبية التي انتخب عليها العضو.
مراحل ومحددات الانشقاق الحزبي
من يتابع مسار الانشقاقات عن كثب يكتشف أنها ليست وليدة اللحظة أو تحدث بشكل فجائي وإنما تمر بمراحل عدة، وفي هذا الإطار، سعت الدراسة إلى عرض ثلاثة مراحل يمر بها المنشقون عن الأحزاب السياسية، أولها، مرحلة معارضة أفكار أو قيادة الحزب، فأشار الباحث إلى أن المعارضة هي الخطوة الأولى للانشقاق، والتي تحدث نتيجة اتخاذ قرارات من قبل القيادة دون مراعاة المعترضين. ومع زيادة المعارضة وفشل قيادة الحزب في احتواء الموقف تتصاعد الأزمة، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث انقسامات يغلب عليها الصراع.
وثانيها، مرحلة الصراع الداخلي، وتأتي مرحلة الصراع بعد المعارضة ويشتد الصراع عندما يضم الحزب فصائل متباينة ذات مصالح مختلفة. وأشار الباحث إلى أن جوهر الصراع هو الاستقطاب الكبير بين الأجنحة التي لها تطلعات متباينة يصعب التوفيق بينهما في آن واحد، فمع غياب قنوات التواصل بين تلك الأجنحة المتصارعة يعمل كل طرف على إزاحة الآخر مما يؤدى إلى اتساع دائرة الصراع.
وثالثها، اتساع دائرة الصراع والانشقاق عن الحزب، وتعد المرحلة الأخيرة هي مرحلة اتساع الصراع، والتي تحدث عندما يصبح الصراع غير مقتصرًا على القيادات فحسب، بل يمتد إلى أتباعهم. كما يصعب الأمر عندما تتساوى قوة الفصيلين المتصارعين، ويصبح الرئيس طرفاً فيها، وهو ما يدفع الفصيل الأقل تكيفاً بالانشقاق عن الحزب.
وعرضت الدراسة ثلاثة محددات للانشقاقات الحزبية، أولها، التوازن بين تفضيلات الفصائل، وهو ما يرتبط بسياسات قيادة الحزب تجاه الفصائل أو الأعضاء، ومدى القدرة على التوازن بين تفضيلاتهم، وثانيها، مدى فاعلية الولاء للحزب، فأكدت الدراسة أن الولاء للحزب يعد قاعدة داخلية في التنظيم السياسي لأنه يتم طواعية باختيار العضو، وأن الولاء يضمن للحزب التماسك والتضامن من أجل تحقيق مصالح الحزب بعيدًا عن أي مصالح شخصية وهذا بالطبع يحد من حالات الانشقاق. ثالثها، تقدير الفصائل لتكلفة وعائد الانشقاق، فاعتبرت الدراسة أن المحدد الثالث هو وعي وإدراك الفصائل لتدعيات الانشقاق، حيث تقوم الفصائل بالموازنة لتتخذ القرار إما الاستمرار أو الانشقاق.
في هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن الانشقاقات لا تحدث فقط في الأحزاب الحاصلة على أغلبية في البرلمان ولكنها ظاهرة من الممكن أن تحدث في أحزاب لاتمثل أغلبية بل لا تمثَّل على الإطلاق في المجالس النيابية.
التفسيرات النظرية للانشقاقات الحزبية
عرضت الدراسة لثلاثة اتجاهات رئيسية لتفسير ظاهرة الانشقاقات الحزبية، الاتجاه الأول هو، بيئة النظام الحزبي، والتي اعتمدت على شكل النظام الانتخابي، وقواعد تكوين الأحزاب، حيث أوضحت الدراسة بأن هناك نظم انتخابية قد تشجع على الصراع بين الأعضاء داخل الحزب الواحد في حين أن نظم انتخابية أخرى قد تجعل الأحزاب كتلة واحدة.
فعلى الرغم من أن نظام التمثيل النسبي، هو الخيار الأرجح بالنسبة للديمقراطيات الناشئة، حيث أنه يضمن تمثيل الأحزاب الصغيرة والحاصلة على أصوات بسيطة، إلا أنه تطبيقه أدى إلى انشقاق بعض الأعضاء من أحزابهم. واستدل الباحث على تأثير التمثيل النسبي على الانشقاقات الحزبية بما حدث في البرازيل، والحزب الديمقراطي الأمريكي.
كما أشار الدراسة إلى نظام الدوائر الفردية أدى إلى الانشقاقات الحزبية، مستعينًا بتحليل موريس دوفرجيه عالم السياسة الفرنسي، الذي أكد أن الأحزاب السياسية في ظل نظام الأغلبية تتسم بضعف ركائزها المحلية وهشاشة تنظيمها على المستوى القومي، فتتحول الانتخابات إلى طابع فردي وتصبح الانتخابات مسماه بالأفراد وليس بالأحزاب مما يؤثر على مكانة الأحزاب ومن ثم تبرز الانشقاقات.
إلى جانب ما سبق، عرضت الدراسة تأثير قواعد تكوين الأحزاب على الانشقاقات الحزبية، موضحة أن هناك علاقة وثيقة بين قواعد تكوين الأحزاب والانشقاقات الحزبية، فكلما كان من اليسير تأسيس أحزاب سياسية زادت الانشقاقات وتأسست أحزاب جديدة، وذلك لعدم وجود قواعد وإجراءات معقدة يصعب معها إنشاء الأحزاب.
أما الاتجاه الثاني هو، البيئة الداخلية للأحزاب، واعتمدت الدراسة في هذا الاتجاه بشكل أساسي على متغرين هما الديمقراطية الداخلية والانسجام الفكري، فبالنسبة لغياب الديمقراطية الداخلية، أشارت الدراسة إلى أهمية الديمقراطية الداخلية في دعم وتقوية الاستقرار الحزبي باعتبار أن الديمقراطية هي القدرة على تحقيق أعلى درجات التشاركية والتنافسية والتمثيل لأعضاء الحزب، فضلاً عن أنها تعد أمرًا حيويًا وصحيًا لمواجهة الصراعات والانشقاقات.
وطرح الباحث جانبًا كبيرًا من الانشقاقات في الأحزاب المصرية التي كانت نتيجة لغياب الديمقراطية الداخلية والتي كان من أهم أسبابها، شخصنة السلطة وهيمنة القيادة، حيث وضحت الدراسة إلى أن شخصنة السلطة وهيمنة القيادة من أبرز مؤشرات غياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وفي هذا الإطار، طرح الباحث إشكالية بقاء الشخص في قيادة الحزب فترة طويلة، موضحاً أن الآثار السلبية لهيمنة القيادة تكمن في تحول الرئيس من وصف المسئول إلى وصف المعيار بحيث يصبح الولاء له ولاء للحزب مما يدفع المعارضون لهذا الوضع للانشقاق عن الحزب.
إضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أن معدل دوران النخبة الحزبية، من المعايير المهمة للتعرف على مدى الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، واستفاد الباحث هنا بما طرحه صمويل هينتنجتون أستاذ السياسة الأمريكي الذي يرى أن نجاح الحزب في الإتيان بأعضاء ورؤساء جدد على نحو يعكس قوة مستواه التنظيمى والمؤسسي، أما عدم قدرته على تجنيد فصائل جديدة يجعل الحزب مصاباً بالشيخوخة ما يؤدي في النهاية إلى ظاهرة إلانشقاق بين الأجيال داخله. كما أوضحت الدراسة أن غياب آلية لحل النزاعات، وافتقاد الحزب لمثل هذه الآليات الواضحة لحل الصراعات والخلافات يؤثر على وحدة وتماسك الحزب، على نحو يجعل الانشقاق هو الاختار الأوحد لحل الخلافات وإنهائها.
وفيما يتعلق بالانسجام الفكري، فقد أشار الباحث إلى أنه يحقق قدرًا من التماسك والتجانس بين الأعضاء، ويؤدي إلى التوافق بينهم حول المبادئ الأساسية لتوجهات الحزب، وإن كان ذلك لا يمنع من وجود الخلافات في التفاصيل وأساليب العمل وآليات التحرك.
بينما الاتجاه الثالث، ركز على النخب والقيادات الحزبية، واعتمدت الدراسة في هذا الاتجاه على عاملين، يتصل أولهما بمدى مهارة القيادات في استيعاب الخلافات واحتواء الأعضاء ذوي التوجهات الاجتماعية والثقافية المتباينة. ويرتبط ثانيهما، بتراجع القيادات السياسية ونفوذ رجال الأعمال. فأشارت الدراسة إلى أن ظهور الأحزاب المنشقة هو نتيجة لفشل القيادات الحزبية في تحقيق المصالح والأهداف الاجتماعية لممثليها، وتوصيل مطالبهم بالشكل الصحيح، نتيجية لتجميع بعض الأحزاب فى عضويتها جماعات مختلفة. وأكدت الدراسة على أن قدرة القيادات الحزبية على جعل الحزب كتلة واحدة من خلال العمل على تحقيق مطالب ممثليها من ذوي التوجهات السياسية المختلقة يزيد من تماسكها ويحد من حالات الانشقاق عنها، إضافة إلى أن تحقيق قدر من التعاون بين نخب الفصائل الداخلية فيما بينهم وحفاظهم على تحقيق مطالبهم، يحقق قدرًا من التماسك الداخلي بينهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مفارقة بين ظاهرة الانشقاقات الحزبية والدراسات الأكاديمية المكتوبة عنها، وفي هذا السياق سعت دراسة- بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية -جامعة القاهرة بعنوان "مفهوم الانشقاقات الحزبية مع دراسة حالة نماذج من الأحزاب المصرية 1977-2010" للباحث/ حازم عمر، البحث في أسباب الانشقاقات داخل الأحزاب المصرية بالتطبيق على أحزاب الوطني الديمقراطي الحاكم قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير وكذلك الوفد الجديد والحزب العربي الديمقراطي الناصري. وتتجلي أهمية هذه الدراسة في كونها دراسة حديثة فلم يتناولها أحد قط.
ضبط وتدقيق المفاهيم
عرض الباحث في الإطار النظري للدراسة مفهوم "الانشقاق الحزبي"، حيث عرفه على إنه خروج فرد أو مجموعة أو فصيل من الحزب ليؤسس حزباً جديداً أو لينضم إلى حزب آخر. وبالتالي عندما يقدم العضو استقالته وينضم إلى حزب آخر فنحن هنا بصدد انشقاق أما في حال تقدم العضو باستقالته دون الانضمام إلى حزب آخر فهذا لا يعد انشقاقاً بقدر ما هو اعتزال للعمل السياسي.
وميًّز الباحث في الدراسة بين إلانشقاق وغيره من المفاهيم ذات الصلة مثل الانقسام السياسي والانقسام الحزبي، فأوضحت الدراسة أن الانقسام السياسي هو التصدع والاستقطاب على المستوى الانتخابي بين الناخبين والأحزاب السياسية، ويترتب على هذا النمط من الانقسام ظهور أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية.
أما الانقسام الحزبي، فيعني انقسام الحزب إلى فصائل وأجنحة نتيجة للاختلاف الفكري والأيديولوجي للفصائل الموجودة داخل الحزب ولأسباب اقتسام السلطة. وفي هذا السياق، ميَّزت الدراسة بين ثلاث أشكال لظاهرة الانقسام الحزبي، فإما أن تأخذ شكل التعاون أو الانحلال أو التنافس.
كما أشارت الدراسة إلى مفهوم التبديل والتحول الحزبي، والذي يعنى تغيير عضو البرلمان لصفته الحزبية وذلك من خلال الانتقال من حزبه الأصلي لحزب آخر أو أن يظل مستقلاً دون الانضمام لأي حزب. وفي هذا المجال، أشار الباحث إلى أن القواعد المنظمة لهذا الشأن تختلف من نظام إلى آخر، فتوجد بعض الأنظمة التي تسمح للعضو بتغيير صفته الحزبية في حين أن أنظمة أخرى تسقط العضوية، عندما يتم تغيير الصفة الحزبية التي انتخب عليها العضو.
مراحل ومحددات الانشقاق الحزبي
من يتابع مسار الانشقاقات عن كثب يكتشف أنها ليست وليدة اللحظة أو تحدث بشكل فجائي وإنما تمر بمراحل عدة، وفي هذا الإطار، سعت الدراسة إلى عرض ثلاثة مراحل يمر بها المنشقون عن الأحزاب السياسية، أولها، مرحلة معارضة أفكار أو قيادة الحزب، فأشار الباحث إلى أن المعارضة هي الخطوة الأولى للانشقاق، والتي تحدث نتيجة اتخاذ قرارات من قبل القيادة دون مراعاة المعترضين. ومع زيادة المعارضة وفشل قيادة الحزب في احتواء الموقف تتصاعد الأزمة، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث انقسامات يغلب عليها الصراع.
وثانيها، مرحلة الصراع الداخلي، وتأتي مرحلة الصراع بعد المعارضة ويشتد الصراع عندما يضم الحزب فصائل متباينة ذات مصالح مختلفة. وأشار الباحث إلى أن جوهر الصراع هو الاستقطاب الكبير بين الأجنحة التي لها تطلعات متباينة يصعب التوفيق بينهما في آن واحد، فمع غياب قنوات التواصل بين تلك الأجنحة المتصارعة يعمل كل طرف على إزاحة الآخر مما يؤدى إلى اتساع دائرة الصراع.
وثالثها، اتساع دائرة الصراع والانشقاق عن الحزب، وتعد المرحلة الأخيرة هي مرحلة اتساع الصراع، والتي تحدث عندما يصبح الصراع غير مقتصرًا على القيادات فحسب، بل يمتد إلى أتباعهم. كما يصعب الأمر عندما تتساوى قوة الفصيلين المتصارعين، ويصبح الرئيس طرفاً فيها، وهو ما يدفع الفصيل الأقل تكيفاً بالانشقاق عن الحزب.
وعرضت الدراسة ثلاثة محددات للانشقاقات الحزبية، أولها، التوازن بين تفضيلات الفصائل، وهو ما يرتبط بسياسات قيادة الحزب تجاه الفصائل أو الأعضاء، ومدى القدرة على التوازن بين تفضيلاتهم، وثانيها، مدى فاعلية الولاء للحزب، فأكدت الدراسة أن الولاء للحزب يعد قاعدة داخلية في التنظيم السياسي لأنه يتم طواعية باختيار العضو، وأن الولاء يضمن للحزب التماسك والتضامن من أجل تحقيق مصالح الحزب بعيدًا عن أي مصالح شخصية وهذا بالطبع يحد من حالات الانشقاق. ثالثها، تقدير الفصائل لتكلفة وعائد الانشقاق، فاعتبرت الدراسة أن المحدد الثالث هو وعي وإدراك الفصائل لتدعيات الانشقاق، حيث تقوم الفصائل بالموازنة لتتخذ القرار إما الاستمرار أو الانشقاق.
في هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن الانشقاقات لا تحدث فقط في الأحزاب الحاصلة على أغلبية في البرلمان ولكنها ظاهرة من الممكن أن تحدث في أحزاب لاتمثل أغلبية بل لا تمثَّل على الإطلاق في المجالس النيابية.
التفسيرات النظرية للانشقاقات الحزبية
عرضت الدراسة لثلاثة اتجاهات رئيسية لتفسير ظاهرة الانشقاقات الحزبية، الاتجاه الأول هو، بيئة النظام الحزبي، والتي اعتمدت على شكل النظام الانتخابي، وقواعد تكوين الأحزاب، حيث أوضحت الدراسة بأن هناك نظم انتخابية قد تشجع على الصراع بين الأعضاء داخل الحزب الواحد في حين أن نظم انتخابية أخرى قد تجعل الأحزاب كتلة واحدة.
فعلى الرغم من أن نظام التمثيل النسبي، هو الخيار الأرجح بالنسبة للديمقراطيات الناشئة، حيث أنه يضمن تمثيل الأحزاب الصغيرة والحاصلة على أصوات بسيطة، إلا أنه تطبيقه أدى إلى انشقاق بعض الأعضاء من أحزابهم. واستدل الباحث على تأثير التمثيل النسبي على الانشقاقات الحزبية بما حدث في البرازيل، والحزب الديمقراطي الأمريكي.
كما أشار الدراسة إلى نظام الدوائر الفردية أدى إلى الانشقاقات الحزبية، مستعينًا بتحليل موريس دوفرجيه عالم السياسة الفرنسي، الذي أكد أن الأحزاب السياسية في ظل نظام الأغلبية تتسم بضعف ركائزها المحلية وهشاشة تنظيمها على المستوى القومي، فتتحول الانتخابات إلى طابع فردي وتصبح الانتخابات مسماه بالأفراد وليس بالأحزاب مما يؤثر على مكانة الأحزاب ومن ثم تبرز الانشقاقات.
إلى جانب ما سبق، عرضت الدراسة تأثير قواعد تكوين الأحزاب على الانشقاقات الحزبية، موضحة أن هناك علاقة وثيقة بين قواعد تكوين الأحزاب والانشقاقات الحزبية، فكلما كان من اليسير تأسيس أحزاب سياسية زادت الانشقاقات وتأسست أحزاب جديدة، وذلك لعدم وجود قواعد وإجراءات معقدة يصعب معها إنشاء الأحزاب.
أما الاتجاه الثاني هو، البيئة الداخلية للأحزاب، واعتمدت الدراسة في هذا الاتجاه بشكل أساسي على متغرين هما الديمقراطية الداخلية والانسجام الفكري، فبالنسبة لغياب الديمقراطية الداخلية، أشارت الدراسة إلى أهمية الديمقراطية الداخلية في دعم وتقوية الاستقرار الحزبي باعتبار أن الديمقراطية هي القدرة على تحقيق أعلى درجات التشاركية والتنافسية والتمثيل لأعضاء الحزب، فضلاً عن أنها تعد أمرًا حيويًا وصحيًا لمواجهة الصراعات والانشقاقات.
وطرح الباحث جانبًا كبيرًا من الانشقاقات في الأحزاب المصرية التي كانت نتيجة لغياب الديمقراطية الداخلية والتي كان من أهم أسبابها، شخصنة السلطة وهيمنة القيادة، حيث وضحت الدراسة إلى أن شخصنة السلطة وهيمنة القيادة من أبرز مؤشرات غياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وفي هذا الإطار، طرح الباحث إشكالية بقاء الشخص في قيادة الحزب فترة طويلة، موضحاً أن الآثار السلبية لهيمنة القيادة تكمن في تحول الرئيس من وصف المسئول إلى وصف المعيار بحيث يصبح الولاء له ولاء للحزب مما يدفع المعارضون لهذا الوضع للانشقاق عن الحزب.
إضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أن معدل دوران النخبة الحزبية، من المعايير المهمة للتعرف على مدى الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، واستفاد الباحث هنا بما طرحه صمويل هينتنجتون أستاذ السياسة الأمريكي الذي يرى أن نجاح الحزب في الإتيان بأعضاء ورؤساء جدد على نحو يعكس قوة مستواه التنظيمى والمؤسسي، أما عدم قدرته على تجنيد فصائل جديدة يجعل الحزب مصاباً بالشيخوخة ما يؤدي في النهاية إلى ظاهرة إلانشقاق بين الأجيال داخله. كما أوضحت الدراسة أن غياب آلية لحل النزاعات، وافتقاد الحزب لمثل هذه الآليات الواضحة لحل الصراعات والخلافات يؤثر على وحدة وتماسك الحزب، على نحو يجعل الانشقاق هو الاختار الأوحد لحل الخلافات وإنهائها.
وفيما يتعلق بالانسجام الفكري، فقد أشار الباحث إلى أنه يحقق قدرًا من التماسك والتجانس بين الأعضاء، ويؤدي إلى التوافق بينهم حول المبادئ الأساسية لتوجهات الحزب، وإن كان ذلك لا يمنع من وجود الخلافات في التفاصيل وأساليب العمل وآليات التحرك.
بينما الاتجاه الثالث، ركز على النخب والقيادات الحزبية، واعتمدت الدراسة في هذا الاتجاه على عاملين، يتصل أولهما بمدى مهارة القيادات في استيعاب الخلافات واحتواء الأعضاء ذوي التوجهات الاجتماعية والثقافية المتباينة. ويرتبط ثانيهما، بتراجع القيادات السياسية ونفوذ رجال الأعمال. فأشارت الدراسة إلى أن ظهور الأحزاب المنشقة هو نتيجة لفشل القيادات الحزبية في تحقيق المصالح والأهداف الاجتماعية لممثليها، وتوصيل مطالبهم بالشكل الصحيح، نتيجية لتجميع بعض الأحزاب فى عضويتها جماعات مختلفة. وأكدت الدراسة على أن قدرة القيادات الحزبية على جعل الحزب كتلة واحدة من خلال العمل على تحقيق مطالب ممثليها من ذوي التوجهات السياسية المختلقة يزيد من تماسكها ويحد من حالات الانشقاق عنها، إضافة إلى أن تحقيق قدر من التعاون بين نخب الفصائل الداخلية فيما بينهم وحفاظهم على تحقيق مطالبهم، يحقق قدرًا من التماسك الداخلي بينهم.
كما أشار الباحث، أن الأنشطة السياسية أصبحت بمثابة مشروعات تجارية، نتيجة
لتزايد استخدام كبار رجال الأعمال لأموالهم في إنشاء أحزاب جديدة في عديد
من الدول، وأن الأمر قد وصل إلى قيام قيادات الأحزاب بممارسات تُثير الجدل
مثل طلب تبرعات كبيرة من الراغبين في الترشيح باسم الحزب في الانتخابات
النيابية. وأكدت الدراسة على أن انضمام رجال الأعمال إلى الأحزاب المسيطرة
على الحكم وتقديم الدعم لها، جعل علاقتهم لا تقوم على الولاء للحزب بقدر ما
تعتمد على تبادل المصالح بهدف الانتفاع؛ من إبرام عقود وصفقات اقتصادية مع
الدولة. وأنه بسيطرة رجال الأعمال على الأحزاب إضافة إلى غياب الديمقراطية
الداخلية يؤثر على تماسك الحزب، ويؤدي ذلك إلى عدم مشاركة القيادات
السياسية ذوي المهارة في أنشطة الحزب ثم انفضاضهم عنه وينتهي الأمر
بانشقاقهم.
وتوصلت الدراسة إلى أن من أهم أسباب الانشقاقات داخل الحزاب الوطني الديمقراطي والوفد الجديد والعربي الديمقراطي الناصري، ما يلي:
1. غياب الديمقراطية الداخلية والتطلعات والمصالح الخاصة، حيث كانت من الأسباب الرئيسية للانشقاقات في الأحزاب الثلاثة محل الدراسة، نتيحة غياب المشاركة في صنع القرار، وكذلك عدم إجراء انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية والاعتماد على التعيين. إضافة إلى تطلعات بعض أعضاء الحزب ورغبتهم في تصدر المشهد، فضلاً عن سعي بعضهم إلى تحقيق مصالحهم الشخصية سواء أكانت مصالح تتصل بالنفوذ أو بالحصول على مواقع تنظيمية متقدمة داخل الحزب.
2. ضعف الانسجام الفكري بين أعضاء الحزب، فكان أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى الانشقاقات داخل الأحزاب خاصة داخل حزب الوفد الجديد، وانتهى الأمر بانشقاق بعض أعضائه وتوجههم إلى تأسيس أحزاب جديدة، فاختلاف الرؤى والتوجهات الأيديولوجية كان سبباً كافياً للصراع، ومن ثم الانشقاق لتكوين حزب جديد يعبر عن التوجه الذي يؤمنوا به.
3. الاستقطاب بين الفصائل، وهو ما ظهر بشكل جلي في الحزب العربي الديمقراطي الناصري، لاسيما بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، وذلك على الرغم من تمثيل الشباب في المكتب السياسي والأمانة العامة للحزب، إلا أن ذلك لم يمنع من الصراعات بينهم، والفشل في التوفيق بين وجهات نظر كلا الطرفين مما أدى في النهاية إلى انشقاق فصيل الشباب بعد أن تأكد من قدرته على تأسيس حزب جديد.
وبالنسبة لتأثير الانشقاقات الحزبية على أحزاب الوطني الديمقراطي والوفد الجديد والعربي الديمقراطي الناصري، فأثبتت الدراسة أن الانشقاقات عن الحزب الوطني الحاكم لم تمارس تأثيراً عليه، فكان بماثبة انشقاق موسمي مؤقت يزداد في فترة الانتخابات وما لبث أن يتلاشى هذا التأثير بعد الانتخابات حيث يعود الأعضاء المنشقين مرة أخرى للحزب، وظل حزب الأغلبية البرلمانية إلى أن تم حله عام 2011. أما بالنسبة لحزب الوفد الجديد، فأشارت الدراسة أنه لم يتأثر في بداية الأمر بالانشقاقات ولكن بدأ التأثير يتعاظم بعد وفاة مؤسس الحزب، بينما أثرت الانشقاقات على الحزب الناصري، حيث أثر بشكل وضاح على هيكله التنظيمي وعلى تمثيله داخل المجالس النيابية.
وختامًا، يمكن القول بأن اتجاهات تفسير الانشقاقات الحزبية قد لا يصلح تطبيقها على بعض الأحزاب المصرية التي شهدت انشقاقات بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فكشفت التجربة أن الديمقراطية الداخلية لم تحد من ظاهرة الانشقاقات على الرغم من إجرائها داخل بعض الأحزاب، وأقوى مثال على ذلك ما حدث في حزب الدستور.
*باحثة في العلوم السياسية
وتوصلت الدراسة إلى أن من أهم أسباب الانشقاقات داخل الحزاب الوطني الديمقراطي والوفد الجديد والعربي الديمقراطي الناصري، ما يلي:
1. غياب الديمقراطية الداخلية والتطلعات والمصالح الخاصة، حيث كانت من الأسباب الرئيسية للانشقاقات في الأحزاب الثلاثة محل الدراسة، نتيحة غياب المشاركة في صنع القرار، وكذلك عدم إجراء انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية والاعتماد على التعيين. إضافة إلى تطلعات بعض أعضاء الحزب ورغبتهم في تصدر المشهد، فضلاً عن سعي بعضهم إلى تحقيق مصالحهم الشخصية سواء أكانت مصالح تتصل بالنفوذ أو بالحصول على مواقع تنظيمية متقدمة داخل الحزب.
2. ضعف الانسجام الفكري بين أعضاء الحزب، فكان أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى الانشقاقات داخل الأحزاب خاصة داخل حزب الوفد الجديد، وانتهى الأمر بانشقاق بعض أعضائه وتوجههم إلى تأسيس أحزاب جديدة، فاختلاف الرؤى والتوجهات الأيديولوجية كان سبباً كافياً للصراع، ومن ثم الانشقاق لتكوين حزب جديد يعبر عن التوجه الذي يؤمنوا به.
3. الاستقطاب بين الفصائل، وهو ما ظهر بشكل جلي في الحزب العربي الديمقراطي الناصري، لاسيما بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، وذلك على الرغم من تمثيل الشباب في المكتب السياسي والأمانة العامة للحزب، إلا أن ذلك لم يمنع من الصراعات بينهم، والفشل في التوفيق بين وجهات نظر كلا الطرفين مما أدى في النهاية إلى انشقاق فصيل الشباب بعد أن تأكد من قدرته على تأسيس حزب جديد.
وبالنسبة لتأثير الانشقاقات الحزبية على أحزاب الوطني الديمقراطي والوفد الجديد والعربي الديمقراطي الناصري، فأثبتت الدراسة أن الانشقاقات عن الحزب الوطني الحاكم لم تمارس تأثيراً عليه، فكان بماثبة انشقاق موسمي مؤقت يزداد في فترة الانتخابات وما لبث أن يتلاشى هذا التأثير بعد الانتخابات حيث يعود الأعضاء المنشقين مرة أخرى للحزب، وظل حزب الأغلبية البرلمانية إلى أن تم حله عام 2011. أما بالنسبة لحزب الوفد الجديد، فأشارت الدراسة أنه لم يتأثر في بداية الأمر بالانشقاقات ولكن بدأ التأثير يتعاظم بعد وفاة مؤسس الحزب، بينما أثرت الانشقاقات على الحزب الناصري، حيث أثر بشكل وضاح على هيكله التنظيمي وعلى تمثيله داخل المجالس النيابية.
وختامًا، يمكن القول بأن اتجاهات تفسير الانشقاقات الحزبية قد لا يصلح تطبيقها على بعض الأحزاب المصرية التي شهدت انشقاقات بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فكشفت التجربة أن الديمقراطية الداخلية لم تحد من ظاهرة الانشقاقات على الرغم من إجرائها داخل بعض الأحزاب، وأقوى مثال على ذلك ما حدث في حزب الدستور.
*باحثة في العلوم السياسية