الموازنة الجديدة: وتحديات تنفيذ إستراتيجية مصر 2030
يبدأ نواب البرلمان على عجل مناقشة ميزانية السنة المالية الجديدة التي
يبدأ العمل بها في أول شهر يوليو 2016 بعد أن تأخرت الحكومة في تقديم مشروع
الميزانية لمجلس النواب، وتأخر مجلس النواب في تشكيل لجانه المتخصصة التي ستقود
عمل المجلس التشريعي في المجالات المختلفة. ومن المقرر أن تبدأ المناقشات يوم
الأحد 19 يونيو على أن تنتهي في أسرع وقت قبل موعد بدء العمل بها. وربما يكون من
المفيد هنا إلقاء الضوء على بعض جوانب مشروع الموازنة المقدم من الحكومة إلى
البرلمان بقصد المشاركة عن بعد في المناقشات الي ستدور داخل المجلس ومن خلال النوافذ
الإعلامية المختلفة.
ومن الطبيعي أن يتم وضع مناقشة الموازنة العامة للدولة داخل سياق محدد حتى
نستطيع تقديم رؤية إيجابية بنائية؛ فمناقشة الموازنة لا تصح لمجرد أن نقارن السنة
المقبلة بالسنة الحالية أو الماضية محاسبيا لأن مثل هذه المقارنة ستضعنا داخل
الصندوق نفسه الذي يجلس داخله واضعوا الموازنة. كذلك لا يجوز أن يناقش كل طرف من أطراف المجتمع مشروع
الموازنة في سياق خاص به يضعه لنفسه، لأن مثل هذه المناقشة ستضع كل طرف في سياق
مختلف عن الآخر بما يؤدي إلى تشظي المناقشة وتفتيتها والوصول بها إلى طريق مسدود.
وإذا كان هناك سياق مشترك يجمع بين كل الأطراف المجتمعية، وليس فقط أعضاء
البرلمان من ناحية والحكومة من ناحية أخرى، فإن مثل هذا السياق يجب أن يقوم داخل
الإطار التالي: هذا هو مشروع الميزانية الأول للسلطة التنفيذية المقدم إلى
البرلمان الأول بعد ثورة يونيو، وهو أول مشروع ميزانية في السنة الأولى لتحقيق إستراتيجية
مصر 2030 التي احتفلت بها كل الأطراف كطريق إلى المستقبل خلال السنوات الخمس عشر
المقبلة، بمعنى آخر هي الخطوة الأولى نحو تحقيق حلم مصر 2030، كما إنه أول مشروع للموازنة
العامة للدولة تتقدم به الحكومة إلى البرلمان تحت مظلة الالتزامات الدستورية التي
نص عليها دستور 2014 بما في ذلك الالتزام برفع نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم
والصحة والبحث العلمي إلى ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي. في اعتقادي أن
مناقشة الموازنة العامة للدولة يجب أن تتم في هذا السياق حتى نستطيع التقدم إلى
الأمام.
ومن الضروري أيضا أن ننبه إلى إن الموازنة العامة للدولة هي الصورة
"النقدية" للخطة "العينية" للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛
فهي ليست دفترا محاسبيا مستقلا بنفسه بعيدا عن الخطة السنوية، وهذه الأخيرة هي في
الوقت نفسه جزء من خطة خمسية أوسع نطاقا ترتبط بإستراتيجية التنمية المستدامة
2030. ومن الضروري أن تعكس المناقشات درجة التكامل والتشابك بين "الخطة
النقدية" المسئول عنها وزير المالية، وبين "الخطة العينية" المسئول
عنها وزير التخطيط والتنمية والمتابعة؛ فالمناقشات لن تكون مجرد حوار بالأرقام
بعيدا عن المشروعات التنموية أو بعيدا عن التحديات القائمة أمام تنفيذ إستراتيجية
2030.
أولاً: واقع التحديات التنموية في مصر
ارتبطت مصر بتعاقد مع الأمم المتحدة لتحقيق أهداف الألفية الثانية خلال
الفترة من العام 2000 إلى 2015، وقدمت مصر إلى المنظمة الدولية كشف حساب في العام
الماضي تؤكد فيه التزامها بالعمل في إطار التعاقد وتكشف فيه عن مدى ما تحقق من
إنجازات. ومن الإنجازات التي قالت الحكومة إنها نجحت فيها أن مؤشر إتاحة المياه
النقية للشرب إلى السكان تحقق بنسبة 100%! ومن المؤشرات الأخرى التي اعترفت فيها
الحكومة بالقصور أن معدل إتمام التعليم الابتدائي لمن هم في سن المرحلة الابتدائية
بلغ 58% فقط. وأظن أن أول ما يجب الالتفات إليه إنما يتعلق باستكمال تحقيق أهداف
الألفية، على اعتبار أن إنجاز أهداف الألفية يمثل أرضية الانطلاق إلى تنفيذ أهداف إستراتيجية
2030. إن مصر حققت بدرجة أو بأخرى عددا مهما من أهداف الألفية، لكنها لا تزال
تعاني من قصور في تحقيق أهداف أخرى خصوصا في مجالات التنمية والرعاية الاجتماعية.
ومع ضرورة دمج أهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة
(2015-2030) مع أهداف إستراتيجية التنمية 2030 فإننا سنجد عددا من التحديات التي
تواجهنا جميعا، حكومة وشعبا ومؤسسات، يتمثل أهمها فيما يلي:
-
تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي يشمل كل فئات المجتمع،متوازن
ومستدام يؤدي إلى القضاء على عقبات القدرة على المنافسة، ويعيد إلى مصر مكانتها في
العالم.
-
القضاء على الفقر بكل أنواعه في كل مكان في مصر بدون تمييز،
وهذا لا يشمل الفقر النقدي فقط وإنما يشمل أيضا الفقر المائي والغذائي والصحي
وغيره.
-
التقدم على طريق صنع القيمة المضافة وزيادة المكون
المحلي في الصناعات والمنتجات المختلفة.
-
توفير فرص عمل لائق ومنتج لكل القادرين على العمل
والقضاء على البطالة
-
تأمين إتاحة واستدامة موارد المياه والصرف الصحي للجميع
والقضاء على العشوائيات والنهوض بالمناطق المهمشة.
-
النهوض بالتعليم والصحة والخدمات الأساسية المادية والاجتماعية
إلى المستوى اللائق بالمواطن المصري في القرن الواحد والعشرين، واعتبار الاستحقاقات
الدستورية الخاصة بالإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي هي خط الأساس الذي لا
يجوز النزول عنه أو التلاعب به.
هذه مجرد ستة من الأهداف الواضحة التي تتكامل مع الاستحقاقات الدستورية ومع
أهداف الألفية (2000-2015) والتنمية المستدامة (2015- 2030) وإستراتيجية التنمية
المصرية 2030 والتي يجب أن تكون معا الأساس لمناقشة الموازنة العامة للدولة في
السنة المالية الجديدة وما بعدها، وذلك حتى نضمن أن تستمر المناقشة على طريق
ارتضينا جميعا أن نسير فيه معا.
ثانياً: تصويب المسار
إلى هنا تبدو الأمور سهلة وجليه، فالأمر لا يحتاج منا أكثر من الإصرار على
أن نمضي في الطريق وألا ننحرف عنه لأي سبب من الأسباب. ولكننا بمجرد أن نصل إلى
هذه النقطة سنجد أنفسنا في مواجهة عدد كبير من الصعوبات والتحديات التي قد تؤدي
بالبعض إلى محاولة الاستسهال بالتنازل عن الأهداف، أو محاولة الإلتفاف عليها أو
البعض منها بالحيلة والفهلوة، أو بتشويه الصورة بأكملها ومحاولة ابتداع صورة أخرى
ممسوخة لا تمت إلى المستقبل بصلة وتتسبب في تعقيد الأمور أكثر مما هي معقدة. وسوف
أذكر هنا عددا من العقبات والتحديات الضخمة التي تواجهنا جميعا، وليس الحكومة فقط.
وهذه العقبات تتمثل في العجز ونقص السيولة وتدهور سعر صرف الجنيه المصري، وتراجع
القدرة على التصدير، واتساع نطاق أزمة المياه والعجز الغذائي وتلوث البيئة، وزيادة
التضخم والبطالة، وتداعيات كل ذلك على الحياة الاقتصادية والإجتماعية. فإذا تعامل
مشروع الموازنة العامة للدولة مع هذه العقبات (ولو بمنطق أن رحلة الألف ميل تبدأ
بخطوة واحدة) فسيكون على النواب وممثلي الشعب وأصواته المختلفة الإشتباك مع
الحكومة في مجهود منظم لقهر الصعاب والتحديات، ويكون ذلك بتصويب الخطوات والإتفاق
على الإجراءات وتعبئة الجهود من أجل التقدم للأمام. أما إذا ابتعد مشروع الموازنة
العامة للدولة عن مواجهة التحديات الحقيقية وحاد عن الأهداف المحددة، فسيكون من
المهم على الجميع تصويب المسار إلى الاتجاه الصحيح حتى لا تعيد الحكومة إنتاج
الفشل من طريق سهل؛ فتكون جريمة في حق وطننا يشارك في ارتكابها الجميع.
وقد قرأت مشروع الموازنة العامة للدولة أكثر من مرة، وربما رأيته وهو في
طور الصنع منذ أن كان الوزير هاني قدري دميان مسؤولا عن إعداد الموازنة الجديدة ثم
بعد رحيله ومجئ الوزير الجديد عمرو الجارحي. وللحقيقة فقد تعرضت الموازنة خلال إعدادها
للكثير من التعديلات، وهي لا تزال حتى الآن مجرد مشروع قابل للتعديل، وتزداد صعوبة
الأمر عندما نعلم أيضا أن بعض الفروض الرئيسية التي تم بناء مشروع الموازنة على
أساسها مثل سعر برميل النفط وسعر صرف الجنيه وسعر الفائدة الرئيسي قد تغير بعضها
فعلا، وأن البقية منها التي لم تتغير هي عرضة للتغير خلال السنة المالية. وهذا
التغير في قيمة الفروض المالية والاقتصادية يجب أن يتم التحوط له في الموازنة
نفسها حتى لا ينتهي الأمر بالموازنة العامة للدولة بأن تصبح مجرد بيان محاسبي
دفتري لا علاقة له بالواقع المالي للبلاد. ولن أخوض هنا في تفاصيل الفروض التي تم
على أساسها بناء هيكل وتفاصيل الموازنة العامة للدولة ولكنني سأقدم فقط بعض
الإشارات التي قد تفيد في المناقشة قبل إقرارها سواء كما هي أو بالتعديل. وأظن أن
البديل لذلك وهو رفض الموازنة ربما تكون له آثار مدمرة لأنه سيعني توقف الصرف أو
إعداد موازنات شهرية مؤقتة أو مد العمل بموازنة 2015/2016.
ثالثاً: قراءة في الأرقام
افترضت الموازنة العامة للدولة أن سعر برميل النفط خلال السنة المالية
سيكون في حدود 40 دولارا للبرميل. وربما كان هذا الفرض صحيحا قبل عدة أشهر، لكنه
الآن أصبح يمت للماضي أكثر منه للحاضر أو المستقبل؛ فتوقعات سعر النفط خلال السنة
المالية من المرجح أن تكون في حدود 50- 60 دولارا للبرميل (خام برنت) على أساس
التقديرات المحافظة. بل إن بعض الخبراء والمنتجين يميلون إلى تقدير متوسط السعر
بما يصل إلى 70 دولارا للبرميل. فماذا يعني ذلك بالنسبة للموازنة العامة للدولة؟
يقول الوزير عمرو الجارحي في البيان المالي للموازنة إن ارتفاع سعر خام
برنت بمقدار دولار واحد في البرميل سيؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية
بنحو 1.9 مليار جنيه على جانب المصروفات وزيادة حصيلة الخزانة العامة للدولة من
إيرادات البترول بقيمة 400 مليون جنيه؛ فيكون صافي الحساب زيادة في العجز المالي
بقيمة 1.5 مليار جنيه. وطبقا لمتوسط الأسعار الحالية للنفط فإن سعر خام برنت يزيد
عن تقديرات مشروع الميزانية بنحو 10 دولارات في البرميل الواحد. وعلى ذلك فإن هناك
زيادة في العجز المتوقع تبلغ قيمتها 15 مليار جنيه في تنتج عن حسابات دعم المواد
البترولية فقط.
لكن دعم المواد البترولية (35 مليار جنيه في مشروع الموازنة) لا يتوقف على
سعر استيراد البترول فقط، وإنما يرتبط أيضا بسعر صرف الجنيه المصري؛ فإذا انخفض
سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار بمقدار 10 قروش فإن صافي قيمة دعم المواد
البترولية تزيد بمقدار 1.1 مليار جنيه. وطبقا لمؤشرات السوق في وقت مناقشة مشروع
الموازنة العامة للدولة فإن سعر الجنيه مقابل الدولار المعلن بواسطة البنك المركزي
يتعرض لضغوط قوية. وقد حاول البنك المركزي في اجتماع لجنة السياسة النقدية في 16
يونيو تخفيف حدة هذه الضغوط برفع سعر الفائدة على الجنيه المصري بنسبة 1% ليبلغ
سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة 11.75% وسعر الإقراض 12.75% وسعر العمليات
الرئيسي للبنك المركزي 12.25%. ومع ذلك فإن توقعات بيوت المال العالمية المتخصصة
في التقييم الإئتماني تتفق على أن سعر الجنيه سيتعرض لضغوط قد تؤدي إلى تخفيض
قيمته خلال السنة المالية. في هذه الملاحظة نقول إن هناك احتمالا قويا لأن ترتفع
قيمة دعم المواد البترولية ومن ثم قيمة الدعم وبالتالي قيمة العجز الكلي في
الموازنة عن التقديرات الواردة في المشروع.
وليس لذلك السبب فقط تبدو أرقام العجز المالي في مشروع الموازنة أقل من
التوقعات؛ فهناك الكثير من العوامل التي سوف تؤدي إلى زيادة المصروفات الحقيقية
الفعلية عن المصروفات التقديرية. السبب القوي الآخر لهذه الزيادة المتوقعة يتعلق
بمدفوعات الفائدة على الديون الحكومية. وطبقا لتقديرات مشروع الموازنة فإن قيمة
الدين العام بلغت 3.1 تريليون جنيه، وقدرت الموازنة قيمة مدفوعات الفائدة المستحقة
عليه خلال السنة المالية بنحو 293 مليار (31% من المصروفات الكلية و9% من إجمالي
قيمة الناتج المحلي) بزيادة 20% تقريبا عن مدفوعات الفائدة التي تم رصدها في
ميزانية السنة المالية السابقة 2015/2016.
وقد تم تقدير قيمة مدفوعات الفائدة على الدين العام على أساس متوسط أسعار
الفائدة السائدة وقت إعداد مشروع الموازنة، لكن مؤشرات أسعار الفائدة على الإقتراض
الحكومي من النظام المصرفي لم تتوقف عن الزيادة منذ ذلك الوقت. وطبقا لآخر
المؤشرات المتاحة فإن سعر الفائدة على عطاءات الخزانة العامة للدولة (يوم 16 يونيو
2016) لأجل 182 يوما أرتفع إلى 13.96% في حين تجاوز العائد على أذون الخزانة لأجل
357 يوما في العطاء نفسه معدل 14% ليبلغ في المتوسط 14.188%. وكانت أسعار الفائدة
على العطاء السابق يوم 13 يونيو للأوراق المالية استحقاق أول يناير 2023 قد بلغ في
المتوسط 16.16% (أي إن تكلفة الاقتراض التراكمية تزيد عن 80%). ويجب الإشارة هنا
إلى أن الحكومة بسبب عجزها عن سداد الديون المستحقة عليها تقوم بتدوير محفظة
القروض عن طريق الاقتراض من جديد (بأسعار فائدة مرتفعة) واستخدام حصيلة الاقتراض
في سد فوائد وأقساط الديون المستحقة أو التي يتم إهلاكها.
وأظن أن قيمة مدفوعات الفائدة على الدين العام المستحق من المرجح أن تتجاوز
التقديرات الواردة في مشروع الموازنة، وهو ما يجب التحوط له إذا كنا نريد الاقتراب
بالموازنة من الواقع الحقيقي وأن ننأى بها عن مجرد أن تكون موازنة ورقية دفترية لا
علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي.
رابعاً: البحث عن العدالة الاجتماعية في الموازنة
علينا أن نعلم إنه لا عدالة إجتماعية بدون تنمية حقيقية. ويجب التحذير هنا
من الإعتقاد بأن تحقيق معدل مرتفع للنمو الإقتصادي ينطوي بالضرورة على تنمية
حقيقية. فقد يتحقق النمو في قطاعات كثيفة رأس المال قليلة العمالة مثل البترول
والغاز والكهرباء؛ فلا يشتمل النمو في هذه الحالة كل الإقتصاد ولا تمتد آثاره إلى
كل الفئات الاجتماعية. وقد يتحقق نمو مرتفع في قيمة الأصول المتداولة في سوق
الأوراق المالية؛ فلا يستفيد من ذلك سوى بضعة آلاف من المتعاملين في البورصة. وعند
هذه النقطة تبدو أهمية السياسة المالية والسياسة الإقتصادية في تصحيح مسار النمو
الإقتصادي؛ فالنمو هو دالة في كل عوامل الإنتاج ومستوى التكنولوجيا والسياسات
وكفاءة المؤسسات القائمة على إدارة الإقتصاد.
وتبين الأرقام الواردة في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية
2016/2017 أن السياسة المالية للحكومة تهتم أساسا بتحقيق التوازن المالي عن طريق
تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات، بصرف النظر عن احتياجات وأولويات التنمية
الإقتصادية والاجتماعية إلا في مجالين هما الكهرباء (8.3 مليار جنيه) والإسكان (33
مليار جنيه). أما باستثناء الكهرباء والإسكان فإن مشروع الموازنة العامة قام على
أساس اقتطاع الدعم والإعانات وتخفيض الأجور وزيادة الإيرادات الضريبية من خلال
توسيع قاعدة الضريبة وتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تأمل الحكومة أن تضخ ما
يعادل 1.1% من إجمالي الناتج المحلي إلى الإيرادات العامة للدولة.
ونظرا لأن معدل التضخم يميل بشكل عام إلى الزيادة منذ شهر مارس الماضي، فإن
توقعات التضخم خلال السنة المالية الواردة في مشروع الموازنة تبدو هي الأخرى بعيدة
عن الواقع. لقد قدر وزير المالية أن معدل التضخم خلال السنة المالية سيقل عن 9.6%.
غير أن معدل التضخم يواصل الصعود منذ مارس الماضي من 9.02% إلى 10.27% في أبريل ثم
إلى 12.3% في مايو. ومن المرجح أن يسجل شهر يونيو زيادة ملموسة في معدل التضخم وهي
زيادة دورية ترافق شهر رمضان الذي يزيد فيه الإستهلاك (خصوصا استهلاك الغذاء في
شهر الصيام!) وترتفع فيه الأسعار. كما إن قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة
بنسبة 1% سيترك هو الآخر آثرا إضافيا على معدل التضخم، نظرا لارتفاع تكلفة الاقتراض
لتشغيل عمليات الإنتاج لدى القطاع الخاص إضافة إلى زيادة تكلفة الاقتراض الحكومي.
وسوف يضيف ارتفاع أسعار الوقود وبعض المواد الأولية أثرا إضافيا أيضا على التضخم،
كما سيؤدي تطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى حدوث قفزة في معدل التضخم.
فإذا ما تأملنا أرقام مشروع الموازنة العامة للدولة على ضوء معدل التضخم
المتوقع في السنة المالية 2016/2017 (سنقدره عند أدنى مستوى في حدود تترواح بين
10% إلى 11% فإننا سوف نصاب أولا بالصدمة من رقم الإستثمار الحكومي (107 مليارات
جنيه بنسبة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي منها 64 مليار جنيه فقط من الخزانة
العامة للدولة أي أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي). ثم بعد ذلك سنجد انخفاضا
حقيقيا في قيمة الإنفاق على القطاعات المختلفة باستثناء القطاعات التنفيذية
السيادية والأمن الداخلي والإسكان والمرافق والتنمية المحلية التي زادت مخصصاتها
في مشروع الموازنة ووصلت إلى 100% في الإسكان والتنمية المحلية (نقدر معدل التضخم
بما يترواح بين 10% إلى 11% فإذا خصمناه نحصل على قيمة الإنفاق الحكومي بأسعار
السنة المالية السابقة).
ونسجل هنا التالي: قطاع الحماية الاجتماعية انخفضت إعتماداته في مشروع
الموازنة بنسبة 10.7% بدون احتساب معدل التضخم، وهو ما يعني أن المخصصات الحقيقية
للقطاع الذي يغطي الإنفاق على إعانات العجز والشيخوخة والضمان الإجتماعي ومعاش
الطفل وإعانات البطالة والدعم والمعاشات تقلصت بنسبة تزيد على 20% في مشروع
الموازنة الأولى لبرلمان ثورة 30 يونيو. أما بقية قطاعات الإنفاق الوظيفي الواردة
في الموازنة والتي سجلت زيادات إسمية بنسب تقل عن 10% إلى 11% فإنها في الحقيقية
ستعاني في السنة المالية الجديدة من حالة تقشف قاسية. وعلى سبيل المثال فإن
التوزيع الوظيفي للمصروفات في مشروع الميزانية في قطاعات الشؤون الإقتصادية (+4%)
والصحة (+8.9%) والشباب والثقافة والشؤون الدينية (+3.9%) والتعليم قبل الجامعي
(+4.7%) يعني من الناحية الفعلية انخفاضا في الإنفاق على هذه القطاعات لأن
الزيادات الواردة تقل عن معدل التضخم المتوقع خلال السنة المالية.
باختصار الحكومة تحاول خلق حالة من التوازن المالي الدفتري على حساب
الإقتصاد ككل وعلى حساب الفئات الاجتماعية الضعيفة التي لا صوت لها. لقد تمكنت
الحكومة بسهولة من تمرير تخفيضات الدعم والإنفاق الاجتماعي ولكنها لم تجرؤ على
زيادة الضرائب على الأنشطة التجارية والصناعية والرأسمالية. وتجد الحكومة سهولة
شديدة في توسيع قاعدة الضريبة لتشمل قطاعات أوسع من المستهلكين الفقراء مثل ضريبة
القيمة المضافة التي يتحملها الفقراء والأغنياء بالنسبة نفسها فتكون عبئا ثقيلا على
الفقراء ومحدودي الدخل. إن أحد الأسباب الرئيسية للعجز المالي يتمثل في انخفاض
نسبة الإيرادات الضريبية عن المتوسط العام لمثيلاتها في الدول الصناعية أو الدول
النامية؛ ففي مصر تبلغ نسبة الإيرادات الضريبية 13.4% من إجمالي الناتج المحلي حسب
تقديرات وزارة المالية، مقابل نحو 25% في الدول النامية وما يقرب من 40% في الدول
الصناعية. ولا يتم تحصيل هذه النسبة فعليا وإنما يتم تحصيل ما يقرب من 8% إلى10%
فقط وتنخفض حصيلة الضرائب إلى أدنى مستوى لها عندما يتعلق الأمر بالضرائب على
النشاط التجاري والصناعي والأرباح الرأسمالية.
وأختم بالقول بأن مشروع الموازنة للسنة المالية الجديدة يحمل في طياته
الكثير من المخاطر التي ستؤدي في نهاية الأمرإلى قصور الخطة العينية للتنمية الاقتصادية
والاجتماعية عن تحقيق الأهداف المعلنة لتخفيف البطالة (إضافة ما يتراوح بين 600
ألف إلى 700 ألف فرصة عمل جديدة) أو تحقيق ما يطلق عليه النمو الاحتوائي بنسبة
5.2% أو تحقيق معدل للتضخم يقل عن 9.6% أو حتى تحقيق المستهدفات المالية الواردة
في مشروع الموازنة المتعلقة بقيمة العجز ومدفوعات الفوائد على الديون. وربما سيجد
نواب الشعب مبررا قويا لرفض بعض مواد القوانين المرتبطة بالموازنة خصوصا مشروع
قانون الخدمة المدنية الذي يقرر الزيادات السنوية في المرتبات بنسبة 5% (أي أقل من
نصف معدل التضخم المتوقع) ومشروع قانون القيمة المضافة الذي سيؤدي حال تطبيقه إلى
زيادة الأعباء على الفقراء ومحدودي الدخل وفئات الطبقة الوسطى، كما سيؤدي في الوقت
نفسه إلى حدوث قفزة جديدة في معدل التضخم.