اتجاهات الصراع : على مستقبل النظام السياسي في إيران
الأربعاء 08/يونيو/2016 - 11:55 ص
د. محمد السعيد إدريس
عجلت نتائج الانتخابات التي أجريت في إيران (انتخابات مجلس الشورى وانتخابات مجلس خبراء القيادة) من التبكير في تفجير الصراع على مستقبل إيران، فعلى الرغم من أن النجاح الذي حققه تيار الإصلاحيين والمعتدلين كان نجاحاً محدوداً فإنه دفع بقضية الاعتدال خطوات مهمة ومتقدمة إلى الأمام، لكن يبدو أن ما تحقق في معركة "الاعتدال" بالداخل، وعلى الرغم من المقاومة العنيفة ضد هذا الاعتدال من جانب المرشد الأعلى السيد على خامنئي والحرس الثوري، وبالذات ضد أي اعتدال في العلاقة مع الولايات المتحدة، يواجه تحديات خارجية هائلة وأعداء يقاومونه، سواء كانوا على وعي من ذلك أم لا، كل ما يخوضه تيار الاعتدال من جهود داخل إيران.
الطرف الثاني الذي يشارك تيار الاعتدال رهان كسب المعركة ضد المتشددين هو الإدارة الأمريكية وربما شخص الرئيس باراك أوباما نفسه الذي اضطر أن يتدخل في المعركة حول إيران للمرة الثانية مع المملكة العربية السعودية وقادة مجلس التعاون الذين التقاهم في الرياض يوم الخميس (21/4/2016). فإذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد حرص على أن يؤكد أن إيران "لا تمثل تهديداً لأي دولة" وأن إيران "تؤيد سياسة الوسطية وتريد تفاعلاً مع العالم"، وحرص أيضاً على أن يشير إلى أن "سياسة الاعتدال التي تنتهجها إيران هي التي صنعت الاتفاق النووي، حيث أن المفاوضات قامت على التحقق من صحة وسلامة موقف الطرف المقابل"، وأن "نجاح الدبلوماسية الإيرانية في المفاوضات النووية يمثل أهم إنجاز دبلوماسي خلال القرن العشرين"، روحاني قال كل ذلك بمناسبة الاحتفال بـ "اليوم الوطني العاشر للتقنية النووية" فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حرص أيضاً على أن يعيد على أسماع قادة الخليج في لقائه بهم في القمة الخليجية التشاورية بالرياض ما سبق أن أكده لهم في لقائه بهم في واشنطن ومنتجع كامب ديفيد (مايو 2015) من أن "إيران لا تمثل مصدراً للتهديد بالنسبة لهم"، كما أنه حمّل إيران والدول الخليجية العربية مسئولية تطوير ما أسماه بـ "سلام بارد" يضمن ألا تؤجج الخلافات بينهم التوترات المحتدمة في الشرق الأوسط.
الطرف الثاني الذي يشارك تيار الاعتدال رهان كسب المعركة ضد المتشددين هو الإدارة الأمريكية وربما شخص الرئيس باراك أوباما نفسه الذي اضطر أن يتدخل في المعركة حول إيران للمرة الثانية مع المملكة العربية السعودية وقادة مجلس التعاون الذين التقاهم في الرياض يوم الخميس (21/4/2016). فإذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد حرص على أن يؤكد أن إيران "لا تمثل تهديداً لأي دولة" وأن إيران "تؤيد سياسة الوسطية وتريد تفاعلاً مع العالم"، وحرص أيضاً على أن يشير إلى أن "سياسة الاعتدال التي تنتهجها إيران هي التي صنعت الاتفاق النووي، حيث أن المفاوضات قامت على التحقق من صحة وسلامة موقف الطرف المقابل"، وأن "نجاح الدبلوماسية الإيرانية في المفاوضات النووية يمثل أهم إنجاز دبلوماسي خلال القرن العشرين"، روحاني قال كل ذلك بمناسبة الاحتفال بـ "اليوم الوطني العاشر للتقنية النووية" فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حرص أيضاً على أن يعيد على أسماع قادة الخليج في لقائه بهم في القمة الخليجية التشاورية بالرياض ما سبق أن أكده لهم في لقائه بهم في واشنطن ومنتجع كامب ديفيد (مايو 2015) من أن "إيران لا تمثل مصدراً للتهديد بالنسبة لهم"، كما أنه حمّل إيران والدول الخليجية العربية مسئولية تطوير ما أسماه بـ "سلام بارد" يضمن ألا تؤجج الخلافات بينهم التوترات المحتدمة في الشرق الأوسط.
الرئيس الإيراني: "لا تمثل تهديداً لأي دولة" وأن إيران "تؤيد سياسة الوسطية وتريد تفاعلاً مع العالم
رهان الاعتدال الذي يقوده الرئيس الإيراني حسن روحاني مدعوماً بتياري
الإصلاحيين والمعتدلين والزعماء البارزين في هذين التيارين خاصة الدكتور
محمد خاتمي رئيس إيران الأسبق وهاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة
النظام رئيس إيران الأسبق في مواجهة داخلية محتدمة بقادة "الحرس الثوري"
مدعومين من جانب المرشد الأعلى السيد على خامنئي حول الطريقة الأفضل التي
يفترض أن تقدم بها إيران نفسها إلى العالم وتتعاطى معه، وهي المواجهة التي
تؤكد مدى القلق لدى من يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على تراث الثورة الإسلامية
وإرثها من أي انفتاح يمكن أن تؤدي إليه خطوات روحاني، ومدى الخوف من "تسلل"
الولايات المتحدة إلى إيران، وفق التعبير الذي استخدمه قائد "الحرس" محمد
علي جعفري لوصف ما يتوقعه من نتائج لسياسة روحاني ومن أسماهم بتيار
"الليبراليين" والذي دخل في سجال معاكس مع الرئيس روحاني حول مكانة وأهمية
الاتفاق النووي. ففي اجتماع المجلس الأعلى لقادة الحرس الثوري، وحسب ما
نقلت وكالة "تسنيم" (5/4/2016) صرح جعفري بأن "الاتفاق النووي الذي توصلت
إليه إيران مع الغرب في يوليو 2015 لا يعود بالنفع على البلاد"، وتساءل
"بأي فائدة عاد هذا الاتفاق على الشعب؟".
أولا: من سيدفع الثمن؟
هذه المواجهات الداخلية التي قد يدفع "الاعتدال" ثمنها كمبدأ حاكم في سياسة إيران الداخلية لا يواجه التهديد من الداخل فقط، لكن التهديد الأهم يأتي من الخارج ومن أطراف من مصلحتها انتصار تيار الاعتدال، فالمواجهة الراهنة مع إيران التي أخذت تتشعب يجري توظيفها في الداخل الإيراني لصالح تيار التشدد، وهو التوظيف الذي ربما يجهض ما تحقق من نجاحات انتخابية وربما يؤدي أيضاً إلى تقليص فرص نجاح الرئيس حسن روحاني في التجديد لولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، ويفاجأ الجميع بانتخاب رئيس متشدد، لكن الأخطر أن يمتد الأمر نفسه إلى انتخابات قد تحدث، في أي وقت، للمرشد الجديد. فمناخ الترويع من تهديدات خارجية ضد إيران يتجه إلى التصعيد بسبب المواجهات الخارجية التي أخذت تتدافع ضد إيران من نواحي متعددة سواء في الخليج، أو في العلاقة مع الولايات المتحدة، والعلاقة مع الحليف الروسي في سوريا، والأهم ما يحدث من احتواء تدريجي للدور وللنفوذ الإيراني في العراق بتنامي قوة تيار المطالبة بالإصلاح وإسقاط حكم المحاصصة الطائفية.
أولا: من سيدفع الثمن؟
هذه المواجهات الداخلية التي قد يدفع "الاعتدال" ثمنها كمبدأ حاكم في سياسة إيران الداخلية لا يواجه التهديد من الداخل فقط، لكن التهديد الأهم يأتي من الخارج ومن أطراف من مصلحتها انتصار تيار الاعتدال، فالمواجهة الراهنة مع إيران التي أخذت تتشعب يجري توظيفها في الداخل الإيراني لصالح تيار التشدد، وهو التوظيف الذي ربما يجهض ما تحقق من نجاحات انتخابية وربما يؤدي أيضاً إلى تقليص فرص نجاح الرئيس حسن روحاني في التجديد لولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، ويفاجأ الجميع بانتخاب رئيس متشدد، لكن الأخطر أن يمتد الأمر نفسه إلى انتخابات قد تحدث، في أي وقت، للمرشد الجديد. فمناخ الترويع من تهديدات خارجية ضد إيران يتجه إلى التصعيد بسبب المواجهات الخارجية التي أخذت تتدافع ضد إيران من نواحي متعددة سواء في الخليج، أو في العلاقة مع الولايات المتحدة، والعلاقة مع الحليف الروسي في سوريا، والأهم ما يحدث من احتواء تدريجي للدور وللنفوذ الإيراني في العراق بتنامي قوة تيار المطالبة بالإصلاح وإسقاط حكم المحاصصة الطائفية.
التحديات الخارجية كانت الورقة القوية التي استطاع المتشددون بكافة مستوياتهم، توظيفها لاحتواء النجاحات الانتخابية التي استطاع تحالف الإصلاحيين والمعتدلين تحقيقها
هذه التحديات الخارجية كانت الورقة القوية التي استطاع المتشددون بكافة مستوياتهم، سواء كانوا أصوليين أو محافظين تقليديين أو كانوا مراكز القوة الأساسية في النظام المرشد الأعلى والحرس الثوري، توظيفها لاحتواء النجاحات الانتخابية التي استطاع تحالف الإصلاحيين والمعتدلين تحقيقها، وظهرت نتائج هذا الاحتواء واضحة جليّة في التفوق الذي استطاع تحالف الأصوليين والمحافظين تحقيقه أولاً في انتخابات هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة ومن بعده مباشرة في انتخاب رئيس مجلس الشورى. فقد أسفرت عملية انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة عن فوز آية الله أحمد جنتي (91) عاماً رئيس مجلس صيانة الدستور بحصوله على 51 صوتاً من إجمالي عدد أعضاء المجلس الـ 88. كانت مشاعر على أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام (عضو مجلس الخبراء) وحسن روحاني رئيس الجمهورية (عضو مجلس الخبراء) مفعمة بالحزن لخسارة مرشحهما المشترك آية الله إبراهيم أميني الذي حصل على 21 صوتاً، كما حصل المرشح الثالث آية الله محمود هاشمي شهروردي على 13 صوتاً.
كان كل من رفسنجاني وروحاني يأملان بفوز مرشحهما لرئاسة مجلس الخبراء لإدراكهما أن هذا المجلس الذي انتخب يوم 26 فبراير الماضي من المرجح أن يلعب الدور الأهم في تقرير مستقبل إيران وذلك لأنه سيكون مسئولاً عن اختيار القائد أو الزعيم الجديد للبلاد بديلاً للسيد علي خامنئي (76 عاماً) في حالة خلو المنصب، لذلك كانت صدمتهما واضحة لفوز عدوهما اللدود أحمد جنتي الذي، وعلى يده، نال الإصلاحيون ما نالهم من تضييق ومحاصرة سواء عن طريق التحكم في اختيار مرشحي رئاسة الجمهورية (على نحو ما حدث لهاشمي رفسنجاني عندما رفضه مجلس صيانة الدستور مرشحاً رئاسياً عام 2009 أمام المرشح محمود أحمدي نجاد) أو عن طريق التحكم في اختيار مرشحي البرلمان والمحليات، فضلاً عن التضييق على الصحافة الإصلاحية وإغلاق معظمها على نحو ما كان يحدث في سنوات حكم الرئيس الأسبق للجمهورية محمد خاتمي.
واقع التربص المتبادل هو حال العلاقة بين التيارين وكانت معركتا انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) ومجلس خبراء القيادة الأخيرتين (21/2/2016) أكبر شاهد على ذلك حيث رفض مجلس صيانة الدستور برئاسة أحمد جنتي أكثر من 99% من أسماء الإصلاحيين والمعتدلين المرشحين، الأمر الذي دفع الإصلاحيين والمعتدلين إلى تقديم مرشحين على قائمة المستقلين، كما اقتصوا في عملية الاقتراع حيث أسقطوا كل مرشحي المحافظين في العاصمة طهران وفازوا بكل مقاعدها الثلاثين، كما أسقطوا رمزين كبيرين للمحافظين في انتخابات مجلس خبراء القيادة هما آية الله محمد يزدي وآية الله محمد تقي مصباح يزدي. هذا الواقع التربصي المتبادل بين التيارين زاد من قناعة استحالة التعاون بين التيارين داخل مجلس الشورى أو داخل مجلس خبراء القيادة أو في الحياة السياسية بشكل عام ومن ثم كان سؤال البحث عن تيار سياسي بديل هو أحد أهم ردود الفعل التي فرضت نفسها على أجواء الصراع المحتدم بين هذين التيارين.
طرح سؤال هل من بديل لهذين التيارين المتناحرين يتضمن إقراراً بفشل كل منهما في قيادة البلاد، فشل تجربة أحمدي نجاد وفشل تجربة محمد خاتمي قبله، وما يحدث حالياً من تعثر لحكومة حسن روحاني دليل آخر على وجود قناعة تتزايد يوماً بعد يوم بحاجة إيران إلى تيار ثالث قادر على أن يقود البلاد ويخرجها مما هي فيه من صراعات داخلية واشتباكات خارجية، لكن ما هو أهم أن يكون قادراً على تقديم إجابات مقنعة بل وملهمة لملايين الشباب الإيراني الذي يقف متشككاً في مستقبل إيران مع نظام الجمهورية الإسلامية في ظل التداعيات الخارجية لتيار الإسلام السياسي على المستوى العالمي والإقليمي على وجه الخصوص، وفي ظل تعثر السياسات الداخلية، لكن ما يقلق الإيرانيين أكثر هو ضبابية رؤية مستقبل إيران ما بعد عهد علي خامنئي وغياب البديل، بل والتشكك في وجود البديل.
والبديل المثار ليس البديل الشخص، بل البديل الرؤى والسياسات والإستراتيجيات والقيم السياسية في عالم أخذ يعيش حياة ما بعد الحداثة وما بعد العولمة وشيوع مناخات مجتمع المعلومات العالمي الذي أخذت الأيديولوجيات تتراجع أمام مفرداته وما يعنيه مصطلح "القرية الكونية" الذي أخذ يتحول إلى واقع مفروض تعيشه إيران خلسة رغم أعين الرقيب ورغم تحذيرات المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري من أن تتعرض إيران لاختراق قيم المجتمعات الغربية مغلّفة في برامج التعاون الاقتصادي مع الغرب والانفتاح على هذا الغرب في شكل شراكات اقتصادية وربما سياسية.
ما يهمنا الآن هو أن الأمر الواضح من كسب تيار الأصوليين والمحافظين لمعركة رئاسة مجلس خبراء القيادة والأصوات التي حصل عليها أحمد جنتي وظهور مرشح ثالث هو محمود هاشمي شهروردي إلى جانب إبراهيم أميني وأحمد جنتي أن الإصلاحيين ومعهم المعتدلين باتوا خارج دائرة قيادة مجلس خبراء القيادة، والواضح أيضاً أن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي مدرك تماماً قيمة الفوز الذي حققه أنصاره داخل مجلس خبراء القيادة لذلك خاطبهم في رسالة مهمة قائلاً: "أن أهمية مجلس الخبراء تكمن في الحراسة الدقيقة والشاملة للهوية الإسلامية والثورية للنظام في البلاد وتوجيه أجهزته المترابطة نحو الأهداف السامية والرفيعة".
رسالة خامنئي هي إشارة حمراء لدعوة البحث عن تيار ثالث، وهي أيضاً رسالة حمراء للإصلاحيين والمعتدلين داخل مجلس الشورى (البرلمان) الذي بدأت ولايته يوم 28 مايو 2016، حيث كانت المواجهة حاسمة على رئاسة المجلس بين التيارين وبالذات بين مرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف مرشح الرئيس محمد خاتمي ونائبه السابق الذي قاد لائحة الإصلاحيين لانتخابات مجلس الشورى بدعم من الرئيس خاتمي، وبين مرشح الأصوليين علي لاريجاني خصوصاً بعد أن فشلت وساطة علي أكبر ناطق رئيس مجلس الشورى الأسبق والمستشار في مكتب المرشد الأعلى مع الرئيس خاتمي لإقناعه بدعم ترشيح علي لاريجاني لرئاسة مجلس الشورى لولاية ثالثة. وعندما عقدت أول جلستين لمجلس الشورى يوم الأحد (29/5/2016) تكشفت خريطة توازن القوة داخل المجلس بوضوح، عندما طرح التصويت على شخص علي لاريجاني وأمامه منافسه محمد رضا عارف كرئيس مؤقت إلى حين إقرار المجلس بأكمله أوراق اعتماد أعضائه وفقاً للدستور. فقد جاءت نتيجة التصويت صادمة بكل المعاني للإصلاحيين من ناحية لكنها جاءت من ناحية أخرى متوافقة مع رسالة أخرى بعثها المرشد الأعلى للمجلس تكمل في مضمونها ما ورد في رسالته لمجلس خبراء القيادة.
فقد حصل علي لاريجاني على 173 صوتاً مقابل 103 صوتاً حصل عليها محمد رضا عارف في حين تركت خمسة أوراق بيضاء في تصويت يكشف ويؤكد أن تيارا "الأصوليين والمحافظين" حريص على أن يجمع كل الأوراق بين يديه، وأن يتحكم في كل السلطات اعتقاداً منه أن هذا هو وقت حماية الثورة الإسلامية ونظامها السياسي المعرضان للخطر بسبب ما يدركه الجميع أن البلاد باتت على أبواب مرحلة انتقالية في أي لحظة يغادر فيها المرشد الحياة، فضلاً عن كثافة ما تتعرض له إيران من ضغوط خارجية.
التصويت الأولي الذي جاء لصالح علي لاريجاني الأرجح أنه لن يختلف كثيراً عن التصويت النهائي الذي سيحدث قريباً لاختيار الرئيس وهيئة مكتب رئاسة البرلمان، وهو تصويت يفسر أسباب رفض لاريجاني القبول بصفقة "تشكيل مشترك" مع الإصلاحيين يضمن له الاحتفاظ بالرئاسة.
رسالة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي لمجلس الشورى بمناسبة افتتاح دورته الجديدة تضمنت الدعوة إلى دعم "الاقتصاد المقاوم ونشر الثقافة الإسلامية وتعميقها"، وطالب المجلس أن يكون "ركيزة الشعب المؤمن والثوري، وخندقاً حصيناً يتصدى لأطماع الاستكبار الوقحة"، داعياً أعضاء المجلس إلى "منح الأولوية للمصالح العامة بعيداً عن التلهي بقضايا حزبية وفئوية، والحذر وأخذ زمام المبادرة في مواجهة الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم". هذه الرسالة جاءت منسجمة مع رسالة خامنئي لمجلس الخبراء وما تضمنته من معاني قوية لهوية النظام السياسي كانت تعني أن الأصوليين سيخوضون معركة كسر عظم مع الإصلاحيين للفوز برئاسة المجلس خصوصاً بعد أن أكدت نتائج الانتخابات التكميلية التي جاءت لصالح الإصلاحيين أن أياً من التيارين: المحافظين والإصلاحيين لم يحصل على الأغلبية البسيطة (50+1) التي تمكنه من الفوز برئاسة المجلس وضمان أغلبية لقيادة مريحة داخله، فحصة الإصلاحيين 129 نائباً وحصة المحافظين هي 125 نائباً ونال المستقلون 26 نائباً وخسر الإصلاحيون النائبة مينو خالقي الفائزة عن دائرة أصفهان بتهمة أنها سارت في مظاهرة عارية الرأس وأسقط مجلس صيانة الدستور عضويتها عن البرلمان. ومن ثم كان التنافس قوياً بين التيارين على أصوات المستقلين، ويبدو أن الأصوليين والمتشددين من المحافظين هم من استطاعوا استقطاب الجزء الأكبر من أصوات المستقلين، ليس هذا فقط بل أن عدداً من الإصلاحيين والمعتدلين صوتوا لصالح علي لاريجاني حيث أن الأصوات التي حصل عليها محمد رضا عارف كانت كما أشرنا 103 أصوات في حين أن أصوات الإصلاحيين والمعتدلين، حسب اللوائح الانتخابية هي 129 نائباً.
كان كل من رفسنجاني وروحاني يأملان بفوز مرشحهما لرئاسة مجلس الخبراء لإدراكهما أن هذا المجلس الذي انتخب يوم 26 فبراير الماضي من المرجح أن يلعب الدور الأهم في تقرير مستقبل إيران وذلك لأنه سيكون مسئولاً عن اختيار القائد أو الزعيم الجديد للبلاد بديلاً للسيد علي خامنئي (76 عاماً) في حالة خلو المنصب، لذلك كانت صدمتهما واضحة لفوز عدوهما اللدود أحمد جنتي الذي، وعلى يده، نال الإصلاحيون ما نالهم من تضييق ومحاصرة سواء عن طريق التحكم في اختيار مرشحي رئاسة الجمهورية (على نحو ما حدث لهاشمي رفسنجاني عندما رفضه مجلس صيانة الدستور مرشحاً رئاسياً عام 2009 أمام المرشح محمود أحمدي نجاد) أو عن طريق التحكم في اختيار مرشحي البرلمان والمحليات، فضلاً عن التضييق على الصحافة الإصلاحية وإغلاق معظمها على نحو ما كان يحدث في سنوات حكم الرئيس الأسبق للجمهورية محمد خاتمي.
واقع التربص المتبادل هو حال العلاقة بين التيارين وكانت معركتا انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) ومجلس خبراء القيادة الأخيرتين (21/2/2016) أكبر شاهد على ذلك حيث رفض مجلس صيانة الدستور برئاسة أحمد جنتي أكثر من 99% من أسماء الإصلاحيين والمعتدلين المرشحين، الأمر الذي دفع الإصلاحيين والمعتدلين إلى تقديم مرشحين على قائمة المستقلين، كما اقتصوا في عملية الاقتراع حيث أسقطوا كل مرشحي المحافظين في العاصمة طهران وفازوا بكل مقاعدها الثلاثين، كما أسقطوا رمزين كبيرين للمحافظين في انتخابات مجلس خبراء القيادة هما آية الله محمد يزدي وآية الله محمد تقي مصباح يزدي. هذا الواقع التربصي المتبادل بين التيارين زاد من قناعة استحالة التعاون بين التيارين داخل مجلس الشورى أو داخل مجلس خبراء القيادة أو في الحياة السياسية بشكل عام ومن ثم كان سؤال البحث عن تيار سياسي بديل هو أحد أهم ردود الفعل التي فرضت نفسها على أجواء الصراع المحتدم بين هذين التيارين.
طرح سؤال هل من بديل لهذين التيارين المتناحرين يتضمن إقراراً بفشل كل منهما في قيادة البلاد، فشل تجربة أحمدي نجاد وفشل تجربة محمد خاتمي قبله، وما يحدث حالياً من تعثر لحكومة حسن روحاني دليل آخر على وجود قناعة تتزايد يوماً بعد يوم بحاجة إيران إلى تيار ثالث قادر على أن يقود البلاد ويخرجها مما هي فيه من صراعات داخلية واشتباكات خارجية، لكن ما هو أهم أن يكون قادراً على تقديم إجابات مقنعة بل وملهمة لملايين الشباب الإيراني الذي يقف متشككاً في مستقبل إيران مع نظام الجمهورية الإسلامية في ظل التداعيات الخارجية لتيار الإسلام السياسي على المستوى العالمي والإقليمي على وجه الخصوص، وفي ظل تعثر السياسات الداخلية، لكن ما يقلق الإيرانيين أكثر هو ضبابية رؤية مستقبل إيران ما بعد عهد علي خامنئي وغياب البديل، بل والتشكك في وجود البديل.
والبديل المثار ليس البديل الشخص، بل البديل الرؤى والسياسات والإستراتيجيات والقيم السياسية في عالم أخذ يعيش حياة ما بعد الحداثة وما بعد العولمة وشيوع مناخات مجتمع المعلومات العالمي الذي أخذت الأيديولوجيات تتراجع أمام مفرداته وما يعنيه مصطلح "القرية الكونية" الذي أخذ يتحول إلى واقع مفروض تعيشه إيران خلسة رغم أعين الرقيب ورغم تحذيرات المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري من أن تتعرض إيران لاختراق قيم المجتمعات الغربية مغلّفة في برامج التعاون الاقتصادي مع الغرب والانفتاح على هذا الغرب في شكل شراكات اقتصادية وربما سياسية.
ما يهمنا الآن هو أن الأمر الواضح من كسب تيار الأصوليين والمحافظين لمعركة رئاسة مجلس خبراء القيادة والأصوات التي حصل عليها أحمد جنتي وظهور مرشح ثالث هو محمود هاشمي شهروردي إلى جانب إبراهيم أميني وأحمد جنتي أن الإصلاحيين ومعهم المعتدلين باتوا خارج دائرة قيادة مجلس خبراء القيادة، والواضح أيضاً أن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي مدرك تماماً قيمة الفوز الذي حققه أنصاره داخل مجلس خبراء القيادة لذلك خاطبهم في رسالة مهمة قائلاً: "أن أهمية مجلس الخبراء تكمن في الحراسة الدقيقة والشاملة للهوية الإسلامية والثورية للنظام في البلاد وتوجيه أجهزته المترابطة نحو الأهداف السامية والرفيعة".
رسالة خامنئي هي إشارة حمراء لدعوة البحث عن تيار ثالث، وهي أيضاً رسالة حمراء للإصلاحيين والمعتدلين داخل مجلس الشورى (البرلمان) الذي بدأت ولايته يوم 28 مايو 2016، حيث كانت المواجهة حاسمة على رئاسة المجلس بين التيارين وبالذات بين مرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف مرشح الرئيس محمد خاتمي ونائبه السابق الذي قاد لائحة الإصلاحيين لانتخابات مجلس الشورى بدعم من الرئيس خاتمي، وبين مرشح الأصوليين علي لاريجاني خصوصاً بعد أن فشلت وساطة علي أكبر ناطق رئيس مجلس الشورى الأسبق والمستشار في مكتب المرشد الأعلى مع الرئيس خاتمي لإقناعه بدعم ترشيح علي لاريجاني لرئاسة مجلس الشورى لولاية ثالثة. وعندما عقدت أول جلستين لمجلس الشورى يوم الأحد (29/5/2016) تكشفت خريطة توازن القوة داخل المجلس بوضوح، عندما طرح التصويت على شخص علي لاريجاني وأمامه منافسه محمد رضا عارف كرئيس مؤقت إلى حين إقرار المجلس بأكمله أوراق اعتماد أعضائه وفقاً للدستور. فقد جاءت نتيجة التصويت صادمة بكل المعاني للإصلاحيين من ناحية لكنها جاءت من ناحية أخرى متوافقة مع رسالة أخرى بعثها المرشد الأعلى للمجلس تكمل في مضمونها ما ورد في رسالته لمجلس خبراء القيادة.
فقد حصل علي لاريجاني على 173 صوتاً مقابل 103 صوتاً حصل عليها محمد رضا عارف في حين تركت خمسة أوراق بيضاء في تصويت يكشف ويؤكد أن تيارا "الأصوليين والمحافظين" حريص على أن يجمع كل الأوراق بين يديه، وأن يتحكم في كل السلطات اعتقاداً منه أن هذا هو وقت حماية الثورة الإسلامية ونظامها السياسي المعرضان للخطر بسبب ما يدركه الجميع أن البلاد باتت على أبواب مرحلة انتقالية في أي لحظة يغادر فيها المرشد الحياة، فضلاً عن كثافة ما تتعرض له إيران من ضغوط خارجية.
التصويت الأولي الذي جاء لصالح علي لاريجاني الأرجح أنه لن يختلف كثيراً عن التصويت النهائي الذي سيحدث قريباً لاختيار الرئيس وهيئة مكتب رئاسة البرلمان، وهو تصويت يفسر أسباب رفض لاريجاني القبول بصفقة "تشكيل مشترك" مع الإصلاحيين يضمن له الاحتفاظ بالرئاسة.
رسالة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي لمجلس الشورى بمناسبة افتتاح دورته الجديدة تضمنت الدعوة إلى دعم "الاقتصاد المقاوم ونشر الثقافة الإسلامية وتعميقها"، وطالب المجلس أن يكون "ركيزة الشعب المؤمن والثوري، وخندقاً حصيناً يتصدى لأطماع الاستكبار الوقحة"، داعياً أعضاء المجلس إلى "منح الأولوية للمصالح العامة بعيداً عن التلهي بقضايا حزبية وفئوية، والحذر وأخذ زمام المبادرة في مواجهة الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم". هذه الرسالة جاءت منسجمة مع رسالة خامنئي لمجلس الخبراء وما تضمنته من معاني قوية لهوية النظام السياسي كانت تعني أن الأصوليين سيخوضون معركة كسر عظم مع الإصلاحيين للفوز برئاسة المجلس خصوصاً بعد أن أكدت نتائج الانتخابات التكميلية التي جاءت لصالح الإصلاحيين أن أياً من التيارين: المحافظين والإصلاحيين لم يحصل على الأغلبية البسيطة (50+1) التي تمكنه من الفوز برئاسة المجلس وضمان أغلبية لقيادة مريحة داخله، فحصة الإصلاحيين 129 نائباً وحصة المحافظين هي 125 نائباً ونال المستقلون 26 نائباً وخسر الإصلاحيون النائبة مينو خالقي الفائزة عن دائرة أصفهان بتهمة أنها سارت في مظاهرة عارية الرأس وأسقط مجلس صيانة الدستور عضويتها عن البرلمان. ومن ثم كان التنافس قوياً بين التيارين على أصوات المستقلين، ويبدو أن الأصوليين والمتشددين من المحافظين هم من استطاعوا استقطاب الجزء الأكبر من أصوات المستقلين، ليس هذا فقط بل أن عدداً من الإصلاحيين والمعتدلين صوتوا لصالح علي لاريجاني حيث أن الأصوات التي حصل عليها محمد رضا عارف كانت كما أشرنا 103 أصوات في حين أن أصوات الإصلاحيين والمعتدلين، حسب اللوائح الانتخابية هي 129 نائباً.
لويد آستن قائد القيادة المركزية الأمريكية: "يجب أن نتنبه إلى أنه في حال هزيمة داعش واستقرار الأمر في سوريا سنواجه نحن وشركاؤنا القوات التابعة لإيران، والتي تسمى بشبكة التهديد الإير
هذه النتيجة الأوليّة للتصويت على رئاسة البرلمان التي قد تتكرر في التصويت التالي لانتخاب هيئة مكتب رئاسة المجلس الدائمة تعني أن الإصلاحيين سيدفعون ثمناً غالياً هو انفراط وحدتهم الهشة داخل البرلمان وخارجه وانقسامهم بين إصلاحيين قريبين من الرئيس خاتمي ومعتدلين موالين للرئيس روحاني، إضافة إلى أنصار هاشمي رفسنجاني، عندها بالتحديد ستبدأ معركة رئاسة الجمهورية مبكراً وسيكون من الصعب على حسن روحاني أن يحلم بولاية ثانية، وستكون الفرصة متاحة أمام أحمدي نجاد، الذي أخذ يجدد طرح نفسه مرشحاً، ليصول ويجول من الآن كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية العام القادم.
ثانيا: البحث عن مخرج
وسط هذه الأجواء يرى كثيرون أنه مع غياب الخيار الثالث أو التيار الثالث أنه لم يعد أمام التيارين سوى التفاهم أن هذا هو الحل الوحيد المتاح لإدارة البلاد على نحو ما يرى أحمد توكلي النائب الأصولي الذي لم يوفق في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، الذي يطالب التيارين داخل البرلمان بالتعاون المشترك، كما يطالب البرلمان بالتعاون مع الحكومة في ظل التحديات الداخلية والخارجية الهائلة، ومن هنا يرجح توكلي اقتراح المفكر الإصلاحي سعيد حجاريان الذي يطالب بتشكيل برلمان ظل لكلا التيارين بسبب وجود عدد كبير من النواب الجدد في البرلمان عديمي الخبرة، ويرى أن تطوير العمل الحزبي الجاد قد يكون أحد المخارج المهمة لتطوير الحياة السياسية في البلاد (60% من النواب هم نواب جدد انتخبوا للمرة الأولى).
يمكن أيضاً أن يكون التوافق بين التيارين مخرجاً مهماً لأزمة إدارة السياسة والحكم وصعوبة وجود تيار ثالث قادر على أداء المهمة وكان هذا يمكن أن يحدث إذا كان قد حدث تفاهم بين التيارين مثلاً على حسم قضية رئاسة مجلس الشورى بأن يبادر التيار المحافظ والأصولي بترك رئاسة المجلس لمرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف طالما أنهم فازوا برئاسة مجلس خبراء القيادة، ولهم أيضاً رئاسة مجلس صيانة الدستور، ومن ثم يتحقق التوازن بين التيارين، عندها سيكون لكل منهما رئاسة مجلسين حيث أن الإصلاحيين أو بالأحرى المعتدلين منهم لهم رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولكن للأسف لم يحدث هذا التفاهم، وما حدث هو حرص شديد من الأصوليين والمحافظين المتشددين على إقصاء الإصلاحيين.
ما حدث على أرض الواقع كان مختلفاً تماماً حيث أن خبرة عمل مجلس الشورى الذي انتهت ولايته في 28 مايو 2016 الذي سيطر عليه الأصوليون والمحافظون اختار أن يدخل في صدامات مع سياسات حكومة الرئيس حسن روحاني، سواء كانت الداخلية أم الخارجية وبالذات العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة على الأخص وفي القلب منها الاتفاق النووي، ولعل في الزيارة التي قام بها الرئيس روحاني إلى مدينة قم مركز الحوزة الدينية العلمية (منتصف مايو 2016) طامحاً في دعم المراجع العليا لسياساته ما يؤكد ذلك. فقد ذهب روحاني إلى قم والتقى بكبار آيات الله باستثناء آية الله محمد مصباح يزدي المتشدد في عدائه للإصلاحيين والمنحاز إلى دعم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهناك عرض روحاني برامج حكومته لمعالجة مشاكل المواطنين والآليات التي تعتمدها في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، كما قدم تقريراً مفصلاً عن الوضع الاقتصادي والسياسي وعلاقات إيران مع الأسرة الدولية، وحصل على دعم كبير من المراجع خاصة آية الله مكارم الشيرازي، الذين أيدوا برامجه في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة مع التأكيد على ضرورة التركيز على حل المشاكل الاقتصادية للمواطنين وتعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية والتعامل الإيجابي مع الأسرة الدولية.
هذا المسعى للتفاهم الداخلي وللتفاعل الإيجابي مع الخارج يواجه بتحديين أولهما، أن صقور الأصوليين والمحافظين ليسوا مع إنجاح حكومة روحاني، وهم يتعجلون الخلاص من هذه الحكومة ويسعون للحيلولة دون التجديد له لولاية ثانية ي الانتخابات الرئاسية المقبلة (يونيو 2017)، وثانيهما الخارج، الأمريكي بالذات إضافة إلى الاشتباك القوي من جانب أطراف إقليمية وخاصة السعودية، لكن ما أهو أهم هو أن ضغوط الأطراف الخارجية باتت تعمل ضد إنجاح حكومة روحاني وضد تمكين الإصلاحيين من قيادة البلاد، حيث يحرص الأصوليون والمحافظون معاً على توظيف الضغوط الخارجية لانتزاع السلطة من الإصلاحيين والمعتدلين على نحو ما كشف المفكر الإصلاحي على أكبر نجى في حديث مع راديو زمان (20/4/2016).
يقود المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي الحملة الضارية ضد الحكومة والإصلاحيين ولعل في فوز أحمد جنتي المفاجئ برئاسة مجلس خبراء القيادة والفوز المرجح لعلي لاريجاني برئاسة مجلس الشورى ما يكشف ثقل الجهود التي بذلت من جانب المرشد لتحقيق هذا الفوز، كما أن رسالته إلى المجلس المشار إليه تؤكد أنه يعطي الأولوية للمحافظة على صلابة النظام وقيمه الثورية وسد كل ثغرات يمكن أن تتغلغل من خلالها القيم الغربية، ويجد في تقاعس الأمريكيين عن الالتزام بتعهداتهم في الاتفاق النووي مع إيران وخاصة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة مدخله للنيل من حكومة روحاني والإصلاحيين معاً.
الهجوم الضاري الذي شنه المرشد الأعلى علي خامنئي في 30 مارس 2016 على شخص هاشمي رفسنجاني لحديثه الإيجابي عن أولوية التفاوض مع الخارج كمنهج للعمل الحكومي، وتركيز خامنئي على أن القوة وامتلاك القوة هي من يدعم التفاوض وأن زيادة القدرة الدفاعية هي من يصد التهديدات، هذا الهجوم فتح أبواب جهنم على حكومة روحاني والإصلاحيين من جانب غلاة المتطرفين وخاصة في الحرس الثوري وقادته على غرار ما جاء على لسان الجنرال جعفري قائد الحرس الثوري (5/4/2016) محذراً حكومة روحاني والإصلاحيين بمآل شديد السوء بقوله: "كل من سعى، وبينهم حكومة خاتمي والبرلمان السادس والحركة الخضراء، إلى تغيير النظام محاه النظام وجعله بلا وزن".
ثانيا: البحث عن مخرج
وسط هذه الأجواء يرى كثيرون أنه مع غياب الخيار الثالث أو التيار الثالث أنه لم يعد أمام التيارين سوى التفاهم أن هذا هو الحل الوحيد المتاح لإدارة البلاد على نحو ما يرى أحمد توكلي النائب الأصولي الذي لم يوفق في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، الذي يطالب التيارين داخل البرلمان بالتعاون المشترك، كما يطالب البرلمان بالتعاون مع الحكومة في ظل التحديات الداخلية والخارجية الهائلة، ومن هنا يرجح توكلي اقتراح المفكر الإصلاحي سعيد حجاريان الذي يطالب بتشكيل برلمان ظل لكلا التيارين بسبب وجود عدد كبير من النواب الجدد في البرلمان عديمي الخبرة، ويرى أن تطوير العمل الحزبي الجاد قد يكون أحد المخارج المهمة لتطوير الحياة السياسية في البلاد (60% من النواب هم نواب جدد انتخبوا للمرة الأولى).
يمكن أيضاً أن يكون التوافق بين التيارين مخرجاً مهماً لأزمة إدارة السياسة والحكم وصعوبة وجود تيار ثالث قادر على أداء المهمة وكان هذا يمكن أن يحدث إذا كان قد حدث تفاهم بين التيارين مثلاً على حسم قضية رئاسة مجلس الشورى بأن يبادر التيار المحافظ والأصولي بترك رئاسة المجلس لمرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف طالما أنهم فازوا برئاسة مجلس خبراء القيادة، ولهم أيضاً رئاسة مجلس صيانة الدستور، ومن ثم يتحقق التوازن بين التيارين، عندها سيكون لكل منهما رئاسة مجلسين حيث أن الإصلاحيين أو بالأحرى المعتدلين منهم لهم رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولكن للأسف لم يحدث هذا التفاهم، وما حدث هو حرص شديد من الأصوليين والمحافظين المتشددين على إقصاء الإصلاحيين.
ما حدث على أرض الواقع كان مختلفاً تماماً حيث أن خبرة عمل مجلس الشورى الذي انتهت ولايته في 28 مايو 2016 الذي سيطر عليه الأصوليون والمحافظون اختار أن يدخل في صدامات مع سياسات حكومة الرئيس حسن روحاني، سواء كانت الداخلية أم الخارجية وبالذات العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة على الأخص وفي القلب منها الاتفاق النووي، ولعل في الزيارة التي قام بها الرئيس روحاني إلى مدينة قم مركز الحوزة الدينية العلمية (منتصف مايو 2016) طامحاً في دعم المراجع العليا لسياساته ما يؤكد ذلك. فقد ذهب روحاني إلى قم والتقى بكبار آيات الله باستثناء آية الله محمد مصباح يزدي المتشدد في عدائه للإصلاحيين والمنحاز إلى دعم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهناك عرض روحاني برامج حكومته لمعالجة مشاكل المواطنين والآليات التي تعتمدها في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، كما قدم تقريراً مفصلاً عن الوضع الاقتصادي والسياسي وعلاقات إيران مع الأسرة الدولية، وحصل على دعم كبير من المراجع خاصة آية الله مكارم الشيرازي، الذين أيدوا برامجه في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة مع التأكيد على ضرورة التركيز على حل المشاكل الاقتصادية للمواطنين وتعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية والتعامل الإيجابي مع الأسرة الدولية.
هذا المسعى للتفاهم الداخلي وللتفاعل الإيجابي مع الخارج يواجه بتحديين أولهما، أن صقور الأصوليين والمحافظين ليسوا مع إنجاح حكومة روحاني، وهم يتعجلون الخلاص من هذه الحكومة ويسعون للحيلولة دون التجديد له لولاية ثانية ي الانتخابات الرئاسية المقبلة (يونيو 2017)، وثانيهما الخارج، الأمريكي بالذات إضافة إلى الاشتباك القوي من جانب أطراف إقليمية وخاصة السعودية، لكن ما أهو أهم هو أن ضغوط الأطراف الخارجية باتت تعمل ضد إنجاح حكومة روحاني وضد تمكين الإصلاحيين من قيادة البلاد، حيث يحرص الأصوليون والمحافظون معاً على توظيف الضغوط الخارجية لانتزاع السلطة من الإصلاحيين والمعتدلين على نحو ما كشف المفكر الإصلاحي على أكبر نجى في حديث مع راديو زمان (20/4/2016).
يقود المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي الحملة الضارية ضد الحكومة والإصلاحيين ولعل في فوز أحمد جنتي المفاجئ برئاسة مجلس خبراء القيادة والفوز المرجح لعلي لاريجاني برئاسة مجلس الشورى ما يكشف ثقل الجهود التي بذلت من جانب المرشد لتحقيق هذا الفوز، كما أن رسالته إلى المجلس المشار إليه تؤكد أنه يعطي الأولوية للمحافظة على صلابة النظام وقيمه الثورية وسد كل ثغرات يمكن أن تتغلغل من خلالها القيم الغربية، ويجد في تقاعس الأمريكيين عن الالتزام بتعهداتهم في الاتفاق النووي مع إيران وخاصة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة مدخله للنيل من حكومة روحاني والإصلاحيين معاً.
الهجوم الضاري الذي شنه المرشد الأعلى علي خامنئي في 30 مارس 2016 على شخص هاشمي رفسنجاني لحديثه الإيجابي عن أولوية التفاوض مع الخارج كمنهج للعمل الحكومي، وتركيز خامنئي على أن القوة وامتلاك القوة هي من يدعم التفاوض وأن زيادة القدرة الدفاعية هي من يصد التهديدات، هذا الهجوم فتح أبواب جهنم على حكومة روحاني والإصلاحيين من جانب غلاة المتطرفين وخاصة في الحرس الثوري وقادته على غرار ما جاء على لسان الجنرال جعفري قائد الحرس الثوري (5/4/2016) محذراً حكومة روحاني والإصلاحيين بمآل شديد السوء بقوله: "كل من سعى، وبينهم حكومة خاتمي والبرلمان السادس والحركة الخضراء، إلى تغيير النظام محاه النظام وجعله بلا وزن".
يقود المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي الحملة الضارية ضد الحكومة والإصلاحيين ولعل في فوز أحمد جنتي برئاسة مجلس خبراء القيادة ما يكشف ثقل الجهود التي بذلت من جانب المرشد لتحقيق هذا ا
الأمر لم يتوقف على التهديد بالتصريحات ولكن تعمد الدخول في صدامات مع الخارج والاحتكاك الساخن به للتضخيم من خطورة التهديدات الخارجية ومن ثم توظيف هذه التهديدات لفرض خيار أن "التشدد هو الحل" وإغلاق أي أفق للتوافق مع الإصلاحيين في البرلمان ومع حكومة الرئيس روحاني والسعي للتعجيل برحيل هذه الحكومة.
تأكيدات نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري العميد حسين سلامي بأن "طهران ستغلق مضيق هرمز أمام السفن الأمريكية التي تهدد أمنها" نموذج واضح على هذا التصعيد فقد قال بوضوح أنه "لا توجد أي إرادة سياسية أو عسكرية أجنبية تمنعنا من إجراء مناوراتنا في مياهنا الإقليمية والدولية"، وأكد "نحن مضطرون للتصدي بحزم لأي حركة عبور مُضِّرة من مضيق هرمز" وحذر واشنطن وحلفاءها الإقليميين من أنه "إذا أرادوا استخدام لغة التهديد ضدنا فإننا سنستفيد من قانون العبور غير المضر (العبور البرئ) ي معاهدة 1982 حول البحار، ولن نسمح بالعبور لأي سفينة وقطعة بحرية"، أي أنه يرى أن مضيق هرمز مياه إقليمية إيرانية ومن حق إيران أن تفرض حق المرور البرئ وليس المرور الحر على السفن الأجنبية وأن تمنع أي سفن حربية من المرور في هذا المضيق.
على الجانب الآخر فإن الأمريكيين وحلفاءهم بتعمدهم عدم الالتزام بنصوص الاتفاق النووي مع إيران وتعمد التصعيد ضدها على عكس ما يجري الترويج له يخدمون تيار التشدد في إيران ويعطونه أوراقاً قوية في صراعه السياسي الداخلي ضد حكومة حسن روحاني وضد الإصلاحيين. كما أن هذه الضغوط وجدت لها أصداء قوية لدى المتشددين في صراعهم على السلطة مع الإصلاحيين على نحو ما حدث بالنسبة لجريمة اغتيال القائد العسكري لحزب الله مصطفى بدر الدين (الملقب بالسيد ذو الفقار) في سوريا.
فما كتبه معلقون "إسرائيليون" على اغتيال مصطفى بدر الدين وبالذات على توجيه حزب الله الاتهام لـ "التكفيريين" باغتياله، واعتبارهم أن هذا الاتهام محاولة للهروب من المسؤولية على أساس أن اغتيال بدر الدين "تم بواسطة قنبلة ذكية لا تملكها، ولا تقدر على تفعيلها سوى دولة قوية في المنطقة"، أثار ردود فعل غاضبة مزدوجة داخل إيران التي بدأت تدرك أنها باتت تواجه بالفعل "حرب استنزاف ساخنة مخططة ومدبرة"، هي وحليفها اللبناني داخل سوريا. فعملية الاغتيال لهذا القائد العسكري، وفي هذا الوقت بالذات، خسارة كبيرة لحزب الله وإيران وللحرب التي يجري خوضها في سوريا، لكن الوصف "الإسرائيلي" لتفسير عملية الاغتيال بأنه "إغلاق لقضية اغتيال بدر الدين بأنين خافت" ضاعف من مشاعر الغضب الإيرانية، وفاقم من ضغوط المعارضة المحافظة ضد الرئيس حسن روحاني وحكومته وتيار الإصلاحيين، وقدم لهم ورقة قوية لتجديد فتح ملف سؤال "الاتفاق النووي إلى متى؟"، بمعنى إلى متى سوف تلتزم إيران بنصوص هذا الاتفاق في ظل التعمد الأمريكي النكوص بالالتزامات الواردة فيه، بل وعلى ضوء رصد مواقف وتصريحات أمريكية تتضمن إمكانية التراجع عن الالتزام بنصوص الاتفاق النووي وانتهاج سياسات أكثر عدوانية نحو إيران إذا ما فشلت واشنطن في مشروع الرئيس أوباما لاحتواء إيران الذي كان الدافع الأساسي لانحياز الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران على نحو ما نشرت صحيفة ""كيهان" في عددها الصادر في 17/3/2016.
فقد حرصت الصحيفة على نشر تصريحات اعتبرتها مناهضة لإيران وردت على لسان أرفع مسؤول عسكري أمريكي في إقليم الشرق الأوسط هو الجنرال لويد آستن قائد القيادة المركزية الأمريكية في جلسة استماع بلجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، حيث وصف السياسة الخارجية الإيرانية بأنها تهدد المصالح الإستراتيجية الأمريكية، وقال "يجب أن نتنبه إلى أنه في حال هزيمة داعش واستقرار الأمر في سوريا سنواجه نحن وشركاؤنا القوات التابعة لإيران، والتي تسمى بشبكة التهديد الإيرانية والتي قويت بشدة ولها تجربة في حروب كثيرة"، كما حرصت الصحيفة على نشر إجابة لسؤال ما العمل إزاء الخطر الإيراني المتصاعد وردت على لسان دينيس روس مستشار الإدارة الأمريكية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل حالياً بمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
ففي حوار أجراه روس مع دورية "بوليتيكو" منذ ما يقرب من شهر قال "لو أردنا أن نرى التغييرات المطلوبة في إيران ونرى انحساراً في السياسات الإقليمية الإيرانية العدائية يجب أن نستخدم نفس المنطق الذي تم استخدامه بإشراك إيران في مائدة المفاوضات النووية، (أي سياسة أوباما لاحتواء إيران)، لكن لو واصل قاسم سليماني توسيع نفوذ إيران من دون دفع الثمن من الممكن ألا يصمد الاتفاق النووي".
هذا ما أرادت صحيفة "كيهان" الوصول إليه، أي اعتبار إنهاء العمل بالاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة وشركائها أحد الخيارات المحتملة للتعامل مع إيران، إضافة إلى خيارات أخرى بدأت تنتهجها واشنطن للضغط على إيران في ملفات متنوعة، حتى لا تكون مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي مرحلة التقاط أنفاس بالنسبة لطهران، وجعل هذه المرحلة، على العكس "مرحلة التشدد مع إيران" وليس المهادنة معها. من بين هذه الخيارات أو الإجراءات التي تمارس الآن ضد إيران يمكن أن نذكر زيادة العقوبات على إيران تحت ذريعة دعم الإرهاب أو حقوق الإنسان، أبرزها كان قرار محكمة أمريكية تغريم إيران نحو أحد عشر مليار دولار بتهمة التورط في أحداث 11 سبتمبر 2001، ومنها أيضاً العمل على تحجيم القدرة الصاروخية الإيرانية، مع السعي إلى إلغاء بند نهاية الاتفاق النووي الشامل وجعله اتفاقاً أبدياً أي إبقاء خضوع إيران لضغوط وشروط هذا الاتفاق الخاص بتقليص قدراتها النووية إلى أدنى حد ممكن بحيث تبقى للأبد خارج خيار امتلاك أو تصنيع القنبلة، إضافة إلى إتباع سياسات أخرى من نوع تهيئة ودعم ظهور مناخات عدم استقرار داخل إيران، وتكوين قوات خاصة لاستغلال فرص انتفاضات عرقية قد تحدث، أو ينبغي أن تحدث، داخل إيران ودعم الدول العربية ضد المعارضات الشيعية الموالية لإيران.
هذه المآخذ والاعتبارات يحرص التيار المحافظ والأصولي على استغلالها ضد الحكومة والرئيس روحاني وتيار المحافظين لمنع تمكين كل هؤلاء من تحويل الاتفاق النووي إلى انتصار داخلي يدعم الوزن السياسي للإصلاحيين والمعتدلين على حساب المحافظين المدعومين من الحرس الثوري الذين يعملون على النيل من هذا الاتفاق وتصويره على أنه نقمة وليس نعمة لإيران، والهدف هو إبعاد تيار الاعتدال كاملاً عن أن يكون طرفاً في تحديد مستقبل النظام السياسي في إيران.
تأكيدات نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري العميد حسين سلامي بأن "طهران ستغلق مضيق هرمز أمام السفن الأمريكية التي تهدد أمنها" نموذج واضح على هذا التصعيد فقد قال بوضوح أنه "لا توجد أي إرادة سياسية أو عسكرية أجنبية تمنعنا من إجراء مناوراتنا في مياهنا الإقليمية والدولية"، وأكد "نحن مضطرون للتصدي بحزم لأي حركة عبور مُضِّرة من مضيق هرمز" وحذر واشنطن وحلفاءها الإقليميين من أنه "إذا أرادوا استخدام لغة التهديد ضدنا فإننا سنستفيد من قانون العبور غير المضر (العبور البرئ) ي معاهدة 1982 حول البحار، ولن نسمح بالعبور لأي سفينة وقطعة بحرية"، أي أنه يرى أن مضيق هرمز مياه إقليمية إيرانية ومن حق إيران أن تفرض حق المرور البرئ وليس المرور الحر على السفن الأجنبية وأن تمنع أي سفن حربية من المرور في هذا المضيق.
على الجانب الآخر فإن الأمريكيين وحلفاءهم بتعمدهم عدم الالتزام بنصوص الاتفاق النووي مع إيران وتعمد التصعيد ضدها على عكس ما يجري الترويج له يخدمون تيار التشدد في إيران ويعطونه أوراقاً قوية في صراعه السياسي الداخلي ضد حكومة حسن روحاني وضد الإصلاحيين. كما أن هذه الضغوط وجدت لها أصداء قوية لدى المتشددين في صراعهم على السلطة مع الإصلاحيين على نحو ما حدث بالنسبة لجريمة اغتيال القائد العسكري لحزب الله مصطفى بدر الدين (الملقب بالسيد ذو الفقار) في سوريا.
فما كتبه معلقون "إسرائيليون" على اغتيال مصطفى بدر الدين وبالذات على توجيه حزب الله الاتهام لـ "التكفيريين" باغتياله، واعتبارهم أن هذا الاتهام محاولة للهروب من المسؤولية على أساس أن اغتيال بدر الدين "تم بواسطة قنبلة ذكية لا تملكها، ولا تقدر على تفعيلها سوى دولة قوية في المنطقة"، أثار ردود فعل غاضبة مزدوجة داخل إيران التي بدأت تدرك أنها باتت تواجه بالفعل "حرب استنزاف ساخنة مخططة ومدبرة"، هي وحليفها اللبناني داخل سوريا. فعملية الاغتيال لهذا القائد العسكري، وفي هذا الوقت بالذات، خسارة كبيرة لحزب الله وإيران وللحرب التي يجري خوضها في سوريا، لكن الوصف "الإسرائيلي" لتفسير عملية الاغتيال بأنه "إغلاق لقضية اغتيال بدر الدين بأنين خافت" ضاعف من مشاعر الغضب الإيرانية، وفاقم من ضغوط المعارضة المحافظة ضد الرئيس حسن روحاني وحكومته وتيار الإصلاحيين، وقدم لهم ورقة قوية لتجديد فتح ملف سؤال "الاتفاق النووي إلى متى؟"، بمعنى إلى متى سوف تلتزم إيران بنصوص هذا الاتفاق في ظل التعمد الأمريكي النكوص بالالتزامات الواردة فيه، بل وعلى ضوء رصد مواقف وتصريحات أمريكية تتضمن إمكانية التراجع عن الالتزام بنصوص الاتفاق النووي وانتهاج سياسات أكثر عدوانية نحو إيران إذا ما فشلت واشنطن في مشروع الرئيس أوباما لاحتواء إيران الذي كان الدافع الأساسي لانحياز الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران على نحو ما نشرت صحيفة ""كيهان" في عددها الصادر في 17/3/2016.
فقد حرصت الصحيفة على نشر تصريحات اعتبرتها مناهضة لإيران وردت على لسان أرفع مسؤول عسكري أمريكي في إقليم الشرق الأوسط هو الجنرال لويد آستن قائد القيادة المركزية الأمريكية في جلسة استماع بلجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، حيث وصف السياسة الخارجية الإيرانية بأنها تهدد المصالح الإستراتيجية الأمريكية، وقال "يجب أن نتنبه إلى أنه في حال هزيمة داعش واستقرار الأمر في سوريا سنواجه نحن وشركاؤنا القوات التابعة لإيران، والتي تسمى بشبكة التهديد الإيرانية والتي قويت بشدة ولها تجربة في حروب كثيرة"، كما حرصت الصحيفة على نشر إجابة لسؤال ما العمل إزاء الخطر الإيراني المتصاعد وردت على لسان دينيس روس مستشار الإدارة الأمريكية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل حالياً بمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
ففي حوار أجراه روس مع دورية "بوليتيكو" منذ ما يقرب من شهر قال "لو أردنا أن نرى التغييرات المطلوبة في إيران ونرى انحساراً في السياسات الإقليمية الإيرانية العدائية يجب أن نستخدم نفس المنطق الذي تم استخدامه بإشراك إيران في مائدة المفاوضات النووية، (أي سياسة أوباما لاحتواء إيران)، لكن لو واصل قاسم سليماني توسيع نفوذ إيران من دون دفع الثمن من الممكن ألا يصمد الاتفاق النووي".
هذا ما أرادت صحيفة "كيهان" الوصول إليه، أي اعتبار إنهاء العمل بالاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة وشركائها أحد الخيارات المحتملة للتعامل مع إيران، إضافة إلى خيارات أخرى بدأت تنتهجها واشنطن للضغط على إيران في ملفات متنوعة، حتى لا تكون مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي مرحلة التقاط أنفاس بالنسبة لطهران، وجعل هذه المرحلة، على العكس "مرحلة التشدد مع إيران" وليس المهادنة معها. من بين هذه الخيارات أو الإجراءات التي تمارس الآن ضد إيران يمكن أن نذكر زيادة العقوبات على إيران تحت ذريعة دعم الإرهاب أو حقوق الإنسان، أبرزها كان قرار محكمة أمريكية تغريم إيران نحو أحد عشر مليار دولار بتهمة التورط في أحداث 11 سبتمبر 2001، ومنها أيضاً العمل على تحجيم القدرة الصاروخية الإيرانية، مع السعي إلى إلغاء بند نهاية الاتفاق النووي الشامل وجعله اتفاقاً أبدياً أي إبقاء خضوع إيران لضغوط وشروط هذا الاتفاق الخاص بتقليص قدراتها النووية إلى أدنى حد ممكن بحيث تبقى للأبد خارج خيار امتلاك أو تصنيع القنبلة، إضافة إلى إتباع سياسات أخرى من نوع تهيئة ودعم ظهور مناخات عدم استقرار داخل إيران، وتكوين قوات خاصة لاستغلال فرص انتفاضات عرقية قد تحدث، أو ينبغي أن تحدث، داخل إيران ودعم الدول العربية ضد المعارضات الشيعية الموالية لإيران.
هذه المآخذ والاعتبارات يحرص التيار المحافظ والأصولي على استغلالها ضد الحكومة والرئيس روحاني وتيار المحافظين لمنع تمكين كل هؤلاء من تحويل الاتفاق النووي إلى انتصار داخلي يدعم الوزن السياسي للإصلاحيين والمعتدلين على حساب المحافظين المدعومين من الحرس الثوري الذين يعملون على النيل من هذا الاتفاق وتصويره على أنه نقمة وليس نعمة لإيران، والهدف هو إبعاد تيار الاعتدال كاملاً عن أن يكون طرفاً في تحديد مستقبل النظام السياسي في إيران.