المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

رؤية جديدة: للتعامل مع القطاع غير الرسمي

الأحد 22/مايو/2016 - 11:30 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. يسرى العزباوى سيف الخوانكى

المقدمة

الحق في الاستثمار هو حق كل فرد في أن يشترك في العملية الاستثمارية -إذا أراد- ويؤسس كيانًا قانونيًا سواء للتجارة أو الصناعة أو أي نشاط يعود عليه بالربح دون أن يرتكب جنحة أو جناية. وكما الحال مع جميع الحقوق فإن الحق في الاستثمار يقابله واجبات مثل الالتزام بالقوانين ومعايير الجودة والمنافسة وتوفير بيئة صالحة للعاملين والحفاظ على البيئة. فإن الحق في الاستثمار يحقق مكاسب لجميع الأطراف وهم المستثمر والحكومة والعاملون والمستهلكون. وهناك حاجة إلى صيغة مؤسسية شاملة تحتوي على مواد دستورية، وتشريعات، وإجراءات، وممارسات، وجهات تنفيذية ورقابية من أجل تحسين مناخ الاستثمار بما يضمن هذا الحق.

موضوع هذه الورقة شديد الصلة بالحق في الاستثمار وهو كيفية التعامل مع القطاع غير الرسمي علماً بأن الدراسات والأرقام المختلفة تشير إلى أن نسبة القطاع غير الرسمي في العملية الاقتصادية في مصر يتراوح بين 40% إلى 60% وإن كنا لا نستطيع أن نجزم بدقة لتحديد هذه النسبة ولكنها نسبة مقاربة للعديد من البلدان النامية. وعندما يدرج القطاع الزراعي في التقييمات، تقارب نسبة الاقتصاد غير الرسمي في بعض البلدان 80 إلى 90% من الاقتصاد ككل. كما أن الاقتصاد غير الرسمي لا يقتصر على العالم النامي حصرًا، بل يشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاديات المتقدمة.([1])

وقد قام  مركز المشروعات الدولية الخاصة بإجراء العديد من الدراسات حول العالم في الثلاثين  سنة الماضية لفهم ظاهرة انتشار القطاع غير الرسمي وأسبابها وكيفية التعامل معها بما يضمن تحسين المناخ الاستثماري وتحقيق  نمو اقتصادي وكذلك تنمية اقتصادية واجتماعية. كما أجرى المركز في مصر خلال السنوات الماضية عدة دراسات خاصة بالحالة المصرية فيما  يخص القطاع غير الرسمي وقد اعتمدت هذه الورقة في جوهرها على الدراسات السابقة وبالأخص ورقة الدكتورة ريم عبد الحليم " الاقتصاد غير الرسمي في الشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر" والتي قدمت خلالها مراجعة لتعريف الاقتصاد غير الرسمى ومراجعة تشريعية فيما يخص الإشكالية المحيطة([2]). وساهم في إثراء مضمون هذه الورقة المناقشات التي دارت في ملتقى "الحق في الاستثمار" الذي نظمه المنتدى الاقتصادي "لمصر بكرة" بالتعاون مع مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية  ومركز المشروعات الدولية الخاصة وشارك فيه خبراء اقتصاديون وأكاديميون وصحفيون ورجال أعمال ومنظمات المجتمع المدني ومسئولون حكوميون  وأعضاء من مجلس النواب الحالى.

أولا: ما هو الاقتصاد غير الرسمي؟

يعتبر مفهوم القطاع غير الرسمي أحد المفاهيم الحديثة نسبيًا في الأدبيات الاقتصادية وفي ضوء الواقع المصري الحديث وفي سياق هذه الورقة من الممكن تحديد الإطار العام للقطاع غير الرسمي على النحو التالي:

التسجيل والقطاع غير الرسمي

ذهب البعض إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل الأصول العقارية والإنتاجية غير المسجلة والأنشطة الاقتصادية السلعية والخدمية غير المقننة. وطبقًا لهذا التعريف العقارات غير المسجلة تقدر بنحو 92% من السكان أي 64% من جملة الأصول العقارية في مصر وتقدر المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر والتي تعمل بصورة غير رسمية بنحو 82% من إجمالي المنشآت، وتشكل نسبة تتراوح بين 40 إلى 60% من إجمالي حجم المنشآت الصغيرة التي تعمل بشكل رسمي. وفى الآونة الأخيرة تم طرح مفهوم أوسع للاقتصاد غير الرسمي وهو يركز على علاقات العمل غير الرسمية في المنشآت، بحيث يشمل العمالة دون أجر في المنشآت غير الرسمية والعمالة بأجر بدون عقود رسمية أو تأمينات اجتماعية في المنشآت الرسمية وغير الرسمية. ويشير البعض الآخر إلى أن القطاع غير الرسمي هو الذى لا تتوافر لديه كل أو أي من الشروط المطلوبة للدخول إلى السوق، وبالتالي يعتبر الإطار القانوني والمؤسسي الحاكم للاقتصاد هو الدافع الرئيسي لعمل المنشآت خارج هذا الإطار لتجنب العوائق المختلفة التي يفرضها.

إن أول معايير انتماء المنشأة للقطاع غير الرسمي هو عدم التسجيل، أي غياب كافة أنواع القيد بالسجلات الرسمية (سجل تجاري، سجل صناعي، تراخيص عمل). كما ترتبط درجة التنظيم أيضًا بعلاقة المنشأة بالإدارة الضريبية وبنظام المحاسبة، وعلى الرغم من ذلك، لا يعني كون المنشأة تنتمي للقطاع غير الرسمي أنه لا يوجد بها قواعد أو معايير تنظم أنشطتها، حيث إن وصف القطاع بأنه قطاع غير رسمي أو غير منظم لا يعني غياب التنظيم، وإنما يعني وجود هياكل وأشكال غير قابلة للتصنيف حسب المعايير المعتادة أو المعمول بها فى الدولة، فالعاملون في القطاع غير الرسمي لهم قواعدهم وهياكلهم التنظيمية التي تنظم عملهم.

بالطبع هناك علاقة مباشرة بين القطاع غير الرسمي والتسجيل ولكن لا يمكن أن تكون علاقة حصرية بمعنى أننا لا نستطيع أن نقول إن كل منشأة مسجلة تنتمي إلى القطاع الرسمي. لأن هناك ظلالًا من غير الرسمية فمن الممكن أن تكون المنشأة مسجلة في نشاط وتعمل في نشاط آخر ومن الممكن أيضاً أن تقوم المنشأة بممارسات غير مسجلة أو رسمية مثل التعيين بدون عقود أو القيام بمشتريات ومبيعات غير مسجلة. ولذلك فالتسجيل وحده لا يكفي.

وعلى الرغم من أهمية تسهيل إجراءات التسجيل لتحفيز عملية الهجرة من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، فإن تبني إجراءات سرعة التسجيل فقط لن تحل المشكلة. فهناك بالفعل تطور في سرعة تسجيل الشركات ولكن يواجه المستثمر بعدها عقبات أخرى مثل الترخيص أو الحصول على أراضى أو تمويل أو تعنت من قبَل الجهات الإدارية والرقابية مما يدفعه أن يتوارى في أحد ظلال غير الرسمية.

وبالتالي فهناك علاقة شديدة بين عدم التسجيل وغير الرسمية ولكنهما ليسا مرادفين لنفس المعنى. وإحدى التوصيات العامة فيما يتعلق بدمج القطاع الرسمي هو تسهيل إجراءات التسجيل مع الأخذ في الاعتبار عدم الوقوف عند تلك المحطة.


ثانيًا: القطاع غير الرسمي جريمة

البعض يناقش إشكالية القطاع الرسمي من منظور جنائي فقط. فتنحصر محاولات الإصلاح في تتبع الخارجين على القانون لتقديمهم للعدالة لأنهم لا يلتزمون بالأطر القانونية الموجودة. ومنهم من يعرف القطاع غير الرسمي بأنه الممارسات التجارية المحظورة قانونا والتى تشكل جريمة وإن كانت الأدبيات الاقتصادية قد  اتفقت على أن القطاع غير الرسمى فى هذا السياق لا يشمل الأنشطة المجرمة قانونيًا.

عودة مرة أخرى لهؤلاء الذين يعملون خارج الأطر القانونية. فربما توجد مخالفة صريحة ولكن من المؤكد أن هناك عوارًا قانونيًا يدفع البعض إلى عدم الرغبة أو القدرة على "الرسمنة". وفي فقه إصدار القوانين الهادفة إلى تحسين مناخ الاستثمار ما يلي:

أولاً، إصدار القوانين بعد التشاور مع أصحاب المصلحة الحقيقيين. وبالقياس على مصر فإن المشاورات التي تتم قبل إصدار القوانين أغلبها مع كبار أصحاب الأعمال الرسميين في العاصمة برغم من مقدرتهم المالية على تخطي العوائق الإجرائية والبيروقراطية. في حين يتم تجاهل الأغلبية العظمى من أصحاب الأعمال المختلفة وبالتالي تخرج قوانين تتناسب مع فئة بعينها ولا تنظر إلى الفئات الأخرى.

ثانياً، حكم القانون يتطلب دوام المتابعة والرقابة من خلال جهة مسئولة عن إنفاذه وهو ما أثاره العديد من المشاركين في المنتدى الاقتصادي "لمصر بكرة" حيث أشار البعض إلى عدم وجود جهة مختصة بإشكالية القطاع غير الرسمي وبالتالي يصبح الملف ضالاً بين الوزارات والهيئات الحكومية. وهناك أيضاً من دعا إلى اللامركزية بحيث يتم تعزيز أواصر العلاقة بين المستثمر والجهة الحكومية بما ينعكس إيجابياً على العملية الاقتصادية في المجمل.

ثالثاً، وضوح الرؤية والهدف من القوانين وعدم تضاربها يشكل ركنًا مهمًا من أركان تحسين مناخ الاستثمار. فالبنية التشريعية في مصر شديدة التعقيد والتضارب، بالأخص إذا أضفنا إلى القوانين قرارات الوزراء. كما أنه لا يوجد تناسق بين الجهات الحكومية نفسها فأحياناً كثيرة تصدر الوزارات قرارات ذات آثار مختلفة مما يزيد من الأثقال الإجرائية والبيروقراطية.

وبناء عليه، يجب ألا نضع المستثمر في قفص الاتهام قبل تطوير المنظومة التشريعية وحينها من الممكن أن يتم التعامل مع المتهرب من القطاع الرسمي من الناحية الجنائية في ضوء ما ارتكبه من مخالفات، فإصلاح البيت من الداخل هو الخطوة الأولى والأهم.

القطاع غير الرسمي ومعايير الجودة

الجودة هي جوهر تنافسية أي اقتصاد وحق لكل مستهلك وواجب على كل مستثمر. وكون القطاع غير الرسمي يعمل في الظل فهناك صعوبة في مدى معرفة مدى التزام المنشآت غير الرسمية بمعايير الجودة مما يعرض حياة المواطنين للخطر في كثير من الأحيان. ولكن التعميم ليس صحيحًا في هذه الحالة فكثيراً ما نجد - وبالأخص في الفضاء الإلكتروني- تعاملات غير رسمية تلتزم بأعلى معايير الجودة. فبشكل عام لا نستطيع أن نجزم بأن القطاع غير الرسمي كله يتهرب عمداً من تطبيق معايير الجودة، ولكن من الممكن أن نقول إن تطبيق معايير الجودة يستلزم دمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية.

لماذا يتجه المستثمرون نحو القطاع غير الرسمي؟

بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها، فإن أسباب التوجه نحو القطاع غير الرسمي تختلف من دولة إلى أخرى حسب السياق الذي توجد فيه، ولكن وبصفة عامة، هناك أسباب، قد تكون أساسية، منها كما تشير الدراسات العلمية التي أجريت على هذا القطاع، صعوبة الدخول والخروج من الأسواق الرسمية، وارتفاع تكلفة دخول الأسواق وتعقد إجراءات الاقتصاد الرسمي وزيادة أعبائه (الضريبية التأمينات الاجتماعية) ناهيك عن الشروط الصحية والبيئية يضاف إلى ما سبق ما يتميز به الاقتصاد القومي من إسراف في الاعتماد على القوانين والقرارات السيادية والمغالاة في طلب الضمانات المسبقة لإثبات النوايا الحسنة للمتعاملين مع الجهاز الحكومي وهو ما أدى إلى زيادة الاقتصاد غير الرسمي في المجتمع. وهناك بالطبع أسباب أخرى مثل الرغبة في زيادة الأرباح دون تسجيل العمل والتهرب من أعباء التسجيل والضرائب، وعدم القدرة على الرعاية والحماية الرسمية للعاملين.  وكذلك قد تكون الرغبة في مزيد من الدخل الدافع نحو العمل غير الرسمي، أو اعتباره كخطوة أولى في سبيل التحول إلى القطاع الرسمي([3]). ولهذا سارت حركة التشغيل في المجتمع على عكس الاتجاه المستهدف والذى كان هادفًا إلى أن يستوعب القطاع الخاص المنظم المزيد من قوة العمل وليس العكس، إذ نلحظ أن معظم العمالة التي لحقت بالقطاع الخاص قد انضمت إلى القطاع غير المنظم أو غير الرسمي. وتكمن خطورة هذا الوضع إلى أنه قد بدأ يستوعب قطاعات جديدة من الشباب خاصة خريجي الجامعات والمعاهد العليا ليضافوا إلى قوته الأساسية المتمثلة في المنتقلين من الريف المصري إلى المدن أو العائدين من الخارج. ويشير ذلك إلى أن هذا القطاع لم يعد مجرد احتياطي للقطاع المنظم، بل أصبح فاعلا أساسيًا بالأسواق. وبمعنى آخر فإن هذا القطاع لم يعد يستوعب العمالة الإضافية التي لا تجد مكانا لها بالسوق النظامية كما كان سائدا من قبل، بل أصبحت هذه العمالة تتجه مباشرة إلى هذه السوق وهنا مكمن الخطورة حيث يؤدى نمو هذه القطاع إلى عدم الاستقرار الداخلي لسوق العمل وصعوبة وضع أو رسم سياسات محددة من جانب متخذي القرار، ناهيك عن صعوبة تنظيم الأوضاع بداخل هذه السوق مع ما يتلاءم واحتياجات المجتمع([4]).

ما أهمية التعامل الإيجابي ودمج القطاع غير الرسمي؟

قبل المضي نحو مناقشة المحاور العامة الإستراتيجية لتحسين مناخ الاستثمار من منطلق دمج القطاع غير الرسمي يجب الإشارة إلى أهمية التعامل الإيجابي مع هذا القطاع ومن أهم الأسباب ما يلي:

         زيادة دخل الدولة من الضرائب والرسوم.

         تطوير منظومة الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية.

         حماية المنافسة ومنع الاحتكار.

         ضمان حقوق العاملين .

         تحفيز الابتكار وريادية الأعمال.

         تسهيل عملية الحصول على تمويل .

         الحفاظ على البيئة .

         ضمان الجودة وحماية المستهلك.

         تقليل تكلفة الفساد.

         جذب الاستثمارات الخارجية .


 

ثالثًا: الطريق إلى الإستراتيجية

أزمة التشغيل

من ضمن الحجج التي تمت صياغتها لعدم المضي نحو إدماج القطاع غير الرسمي هي مساهمة هذا القطاع في الحد من البطالة. والجدير بالذكر أن مشكلة البطالة في مصر من المشكلات المزمنة التي تواجهها البلاد، حيث تشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن نسبة البطالة سجلت أعلى معدلاتها تاريخيا عند 13.4% بنهاية ديسمبر 2014، وترتفع هذه النسبة إلى 30% بين فئة الشباب دون عمر الثلاثين وفقًا لتقديرات 2011، ولكن جزءًا كبيرًا من تلك العمالة يرى أن هذا العمل مؤقت لحين وجود فرصة في القطاع الرسمي الذي يعاني من أزمة في طرح فرص جديدة، وبالتالي أصبح القطاع غير الرسمي موظفًا لقطاع عريض من العمالة خاصة من الشباب. ويمثل فرصة جيدة للحد من البطالة. ولكن هل ضمانات العمل الرسمي كافية للحد من ظاهرة العمل غير الرسمي. وطبقاً للبنك الدولي فإنه في الفترة التي شهدت فيها مصر معدلات تنمية عالية في الفترة ما بين 2005-2008 وانخفضت فيها معدلات البطالة لتصل إلى 8.7% بدلا من 11.7%، هي نفسها الفترة التي انخفض فيها معدل التشغيل في القطاع الرسمي من 34% إلى 27% في حين ارتفع في القطاع غير الرسمي. ولذلك فإن تحقيق نمو اقتصادي لا يعني بالضرورة استدامة عملية التنمية. كما أن مساهمة القطاع غير الرسمي في عملية التشغيل لا يعني بقاء الوضع كما هو عليه لعدة أسباب منها: ضياع حقوق العمال، والتهرب الضريبي، وعدم ضمان استمرارية العامل في العمل. ([5])

وتزداد المشكلة لأن الاقتصاد الرسمي لم يتمكن من النهوض بالقدر الكافي بما يؤمن إمكانات النمو غير المضطرب في السنوات المقبلة. بل إن الاقتصاد الرسمي على الأرجح سيواجه خلال العام 2016 عددًا من الاختبارات الجوهرية، مثل "اختبار السيولة"، سيتحدد على نتائجها مسار الاقتصاد في الأجل القصير.

وفي بعض الأحيان تلجأ الكيانات المسجلة رسميًا إلى الاستعانة بعمالة غير رسمية نظرًا لتعقيدات قانون العمل الذي لا يعطي صاحب العمل الصلاحيات الكافية لمعاقبة المقصرين في العمل مما يجعل صاحب العمل يقوم بممارسات غير رسمية مثل إجبار العامل على توقيع استمارة 6 (للاستقالة) قبل البدء في العمل حتى يستطيع فصله بدون أية عواقب قانونية. وفي بعض الأحيان لا يقوم صاحب العمل بتوقيع أية عقود مع العامل لتفادي مصاريف التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية بالإضافة إلى العوائق الموجودة في قانون العمل. ولذلك هناك توصية عامة بإعادة النظر في قانون العمل والتأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية.

وبشكل عام الاقتصاد غير الرسمي غير قادر على تغطية حاجة السوق من فرص عمل مستدامة وفي بعض الأحيان تغيب حقوق العمال. أما الشق الثاني فيتعلق بتدهور حالة القطاع الرسمي مما يجعله غير جاذب للعمالة أو غير قادر على توفير فرص عمل.

 

الفجوة بين التشريع والابتكار

هناك أيضًا تحد مزمن يجب الالتفات له قبل المضي نحو إستراتيجية فعالة لرسمنة قطاع الأعمال في مصر ألا وهي مواكبة التشريع للتطور الهائل الذي تشهده الأعمال وبالأخص مع انتشار فكرة ريادية الأعمال التي تعتمد في جوهرها على كسر الحواجز النمطية والابتكار. فقد أحدث التطور التكنولوجي الذي شهده العالم، مع دخوله القرن الحادي والعشرين، ثورة معلوماتية، أطلق عليها الثورة الصناعية الثالثة أو الموجة البشرية الثالثة، بعد الموجة الزراعية والصناعية التي مرت بهما البشرية في تاريخها الطويل. ويتوقع أن تقود هذه الثورة المعلوماتية إلى قيام اقتصاد جديد يطلق عليه "اقتصاد المعلومات"Information Economics ، يختلف في نوعيته وبنيته وآلياته ونظرياته عن الاقتصاد التقليدي، مما يؤدي إلى إضافة قطاع اقتصادي جديد بجانب القطاعات الاقتصادية التقليدية: الزراعية والصناعية والخدمية. واللافت للنظر أن النمو الاقتصادي لم يعد مرتبطًا فقط بالتقدم التكنولوجي وثورة المعلومات، بل أصبح أكثر من ظاهرة النمو الاقتصادي الناتج عن تراكم رأس المال (البشري والمادي) وبذلك فإن التغيرات التكنولوجية وثورة المعلومات أضحت كعوامل محددة للنمو. فالنمو الاقتصادي المرتبط بالتقدم التكنولوجي انتقل إلى التركيز على نظرية النمو المعتمدة على الابتكار والبراعة في إدارة الأعمال وتضمين المخاطر في سلسلة من الخطوات غير المتصلة، والبعيدة عن افتراض التوازن بين الثوابت المقارنة والتحولات في منحنيات العرض والطلب والاستجابات الرامية إلى التكيف.  فنظرية النمو الاقتصادي النابعة عن التقدم التكنولوجي تعترف بمجموعة واسعة من المؤسسات العاملة في نطاق الدول على المستوى الدولي والهيئات الحكومية إضافة إلى الأسواق والشركات.  وعلى هذا الأساس فقد أصبحت القدرة على الوصول إلى المعلومات ومعالجتها وتحويلها مكونًا أساسيًا في صناعة النمو الاقتصادي([6]).

ولم يكن نمو حجم القطاع غير الرسمي في العالم، بمعزل عن التطور التكنولوجي، فقد ارتبطت زيادة حجم القطاع غير الرسمي في العالم والدول النامية بشكل خاص بتأثير العولمة التي حولت العالم كله إلى سوق حرة يسهل التعامل فيها سواء بصفة رسمية أو غير رسمية. فقد زاد حجم المعاملات العابرة للحدود، كما أن هناك فجوة متسعة بين التشريعات القومية أو الوطنية والتجارة الدولية، مما يجعل الأفراد تتجه للمعاملات غير الرسمية([7]). حيث انتشرت نماذج الأعمال القائمة على التكنولوجيا الجديدة في جميع أنحاء العالم. وقد سبَب ذلك مزيدًا من القلق في الدول المتقدمة حول "تقاسم الاقتصاد" بين هذه النماذج الجديدة غير الرسمية، والاقتصاد الرسمي، بل وتنامي حجم القطاع غير الرسمي تحت بند حرية الاختيار والتحرر من أنظمة الدولة. ومع ذلك، تسهم هذه الخدمات أيضًا فى تراكم رأس المال الضخم من قًبل أولئك الذين يقومون  بتصميم تطبيقات لهذه الخدمات، وتؤدي إلى تآكل أساس ضريبة الاقتصادات الوطنية والمحلية، فضلا عن تدهور حقوق العمال ومعايير الصحة والسلامة والمعايير التي تدخلها الحكومات([8]).

في الواقع العملي، يواجه قطاع الأعمال في مصر، الرسمي وغير الرسمي، صعوبة جمة، تتمثل في عدم قدرته على اللحاق بركب التطور والتقدم التكنولوجي الحادث في العالم في مختلف أنواع الاستثمارات، سواء في مجالات الصناعة أو تجارة الخدمات أو غيرها.

فتعد مصر من الدول المتأخرة في التطور التكنولوجي عند مقارنتها بالدول المتقدمة، فلم تستطع مصر ملاحقة الثورات الصناعية والتطورات العصرية خاصة التكنولوجية، ومن ثُمً فإن مصر لن تتحرك بالسرعة الواجبة للحاق بالموجات الجديدة من التطور نتيجة عدم تحقيق الموجات السابقة. وبالتالي هناك عناصر أساسية لم تلتحق بها مصر مثل بقية الدول–ولكنها قابلة لسرعة التطبيق- منها عملية تأسيس الشركات، ففي بعض الدول يمكن تأسيس الشركة من خلال الإنترنت دون حاجة لنظام الشباك الواحد أو غيره، مع إمكانية إجراء التحريات الأمنية والتفاصيل الباقية المختلفة، وفي حال وجود مشكلة يتم استدعاء المؤسس واتخاذ اللازم.

وفي الجانب التشريعي، فإن التجارة الافتراضية أضحت واقعًا، في حين أن القوانين أصبحت غير واقعية حيث إن الواقع أسرع كثيرًا من التشريع بالإضافة إلى ضعف القدرة على تنفيذ القوانين الاقتصادية فى ظل واقع سريع التغير. وخلاصة ذلك: إن الدولة ليس لها وجود في هذه التعاملات بل يمكن القول إن الدولة لا تعلم بها. وفي حالة وصول الدولة لها، تقوم هذه التعاملات بالخروج من المجال الداخلي إلى خارج مصر، مما يجعلها تحصل على حماية دولية.

الخلاصة

إن التعامل مع القطاع غير الرسمي يجب أن يكون إيجابيًا بحيث ينطلق من فرضية مفادها دعم أصحاب الأعمال من أجل تطوير أعمالهم مما ينعكس إيجابيًا على النمو الاقتصادي، وأحوال العاملين، وجودة المنتجات والخدمات. وكأي قضية إصلاح فإن إستراتيجية التعامل مع القطاع غير الرسمي تحتاج إلى تطوير مؤسسي يشمل بناء الثقة بين المستثمر والحكومة بالإضافة إلى تغيير في سلوكيات المستثمر وجاء من ضمن المقترحات التحول إلى الاقتصاد غير النقدي.

والإصلاح المؤسسي يجب أن يحدد موقع المسئولية من قبل الجهاز التنفيذي عن طريق تحديد جهة معنية بالتعامل الإيجابي مع القطاع غير الرسمي. ويجب أن تتضمن الإستراتيجية إصلاحًا تشريعيًا متناسقًا بحيث تكون رؤية الفلسفة التشريعية للقوانين آخذة في الاعتبار تشجيع القطاع غير الرسمي على المشاركة في المساحة الرسمية من خلال تطوير المساحة الرسمية ذاتها. وللقطاع الخاص دور مهم أيضًا في دعم القطاع غير الرسمي من أجل تحقيق منافسة عادلة في السوق تشجع أصحاب الأعمال على الاستثمار في مصر.



[1][1]-ILO, "Decent Work and the informal economy", Report VI, International Labour Conference, 90th session, Genva, 2002, p.26.

[2][2] http://www.cipe-arabia.org/files/pdf/Informal_Sector/Informal_Sector_in_Egypt.pdf

[3] -Jan L.Losy, et others, “The Informal Economy: Experiences of African Americans”, Institute for Social and Economic Development (ISED) Solutions, September 2003.pp 33-39.

[4]- عبد الفتاح الجبالي، الاقتصاد غير الرسمى وآليات تطويره، الأهرام، 2 سبتمبر 2015، ص 10.

[5]- إبراهيم نوار، رؤية لبناء القدرة على المنافسة والتشابك الاقتصادي مع العالم، في الدولة التنموية رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة، في: السيد يسين (محررًا)، (القاهرة: المركز العربي للبحوث والدراسات، 2016)، ص 70.

[6]              د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب، أثر التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات على النمو الاقتصادي، جامعة أم القرى، ولمزيد من التفاصيل انظر: http://uqu.edu.sa/page/ar/85834

 

[7]John Zarobell, “THE INFORMAL ECONOMY AND THE GLOBAL ART MARKET”, SFAQ, Sept 28, 2015. Available at: http://sfaq.us/2015/09/the-informal-economy-and-the-global-art-market/

[8]José Ruijter, “The impact of global economic trends on informal economies: addressing the challenges of land governance and new technology”, knowledge Platform security and Rule of law “KPSRL”, available through:

http://www.kpsrl.org/browse/browse-item/t/the-impact-of-global-economic-trends-on-informal-economies-addressing-the-challenges-of-land-governance-and-new-technology

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟