المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

صعود مؤشرات الفشل: تعامل حكومة الإخوان مع الملف الاقتصادي أثناء حُكم مرسي

الخميس 24/مارس/2016 - 09:28 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
أ.د. شريف درويش اللبان - د. دعاء عادل محمود

واجهت حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي تركة اقتصادية ثقيلة من عهد مبارك الذي شهد انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا غير مسبوق إذ تصدَّرت المشهد العام للاقتصاد المصري أزمات بطالة، وفقر وسوء توزيع الدخل، وفساد شابَ عمليات الخصخصة وتوزيع أراضي الدولة، وجمود هيكل الإنتاج ، وضعف تقدمه التقني وما ترتب على ذلك من انخفاض في الإنتاجية، وضعف معدل الاستثمار الضروري للنمو الاقتصادي، مما انعكس على ضعف الإنفاق على الصحة والتعليم بصورة تعتدي على حقوق الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى في التعليم والرعاية الصحية، وغيرها من القضايا . 

تولَّى الرئيس الأسبق محمد مرسي السلطة في منتصف عام 2012، وقد مرت في هذا العام  على المجتمع المصري حكومتان و4 جهات للتشريع (المجلس العسكري، البرلمان، ثم المجلس العسكري مرة أخرى، ثم الرئيس محمد مرسي، ثم مجلس الشورى) و4 إعلانات دستورية مُكمِّلة (أحدها من المجلس العسكري في يوليو وثلاثة في حكم مرسي) وشهد إقرار دستور جديد، وعلى مدار عام من تولِّي الرئيس مرسي الحكم أصدر مجلس الشورى مجموعة قوانين هامة خاصة على المستوي الاقتصادي في غياب مجلس الشعب وطُرحت مشاريع قوانين في مختلف وسائل الإعلام أثارت الكثير من الجدل داخل المجتمع كما ساءت الأوضاع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن تقييم هذه الفترة من خلال ما يلي:

أولاً- تقييم لمشروع النهضة "البرنامج الانتخابي للرئيس الأسبق مرسى" 

من الناحية النظرية نال  الرئيس الأسبق محمد مرسي مرشح حزب "الحرية والعدالة" ثقة الناخبين على أساس برنامجه الرئاسي المسمي بمشروع النهضة ذي المرجعية الإسلامية، أما من وجهة النظر العملية فإن الرئيس الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان قد فاز على أرضية العمل الميداني للجماعة بشقيه السياسي والاجتماعي، وخصوصا على أرضية "نظام الرعاية الاجتماعية الخيري" الذي أقامته الجماعة مستفيدة من إمكاناتها المالية ومن فساد نظام مبارك، ومع ذلك فإن تقييم الأداء السياسي والاقتصادي لمرسي يكون على أساس البرنامج الانتخابي الرسمي الذي أعلن "حزب الحرية والعدالة" الالتزام بتحقيقه خلال فترة حكمه.

وقد وضع البرنامج في مقدمة أولوياته بشكل عام ضرورة التعامل مع ثلاث مشكلات عاجلة هي الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي ثم مكافحة الفساد. 

ورغم ذلك فقد رأي بعض خبراء الاقتصاد أن مشروع النهضة مجرد نسخة مكررة من الإصلاح  الذي دعا له الحزب الوطني، واعتبروا أن هذا هو الوصف الدقيق للسياسة الاقتصادية التي طرحها البرنامج الانتخابي للإخوان للتعامل مع المشاكل الآنية والآجلة التي يعاني منها الاقتصاد، فما جاءت به السياسة الاقتصادية المقترحة في مشروع النهضة من وسائل وأساليب لتحقيق أهدافها لا يختلف جوهريًا عما كان يقدمه الحزب الوطني المنحل من وسائل وأساليب، إلا في بعض التعديلات والإصلاحات التي تَردَّد معظمها حتى بين جماعات من نواب الحزب الوطني وقياداته في سنواته الأخيرة.

ومن أهم الانتقادات التي وجهت للرؤية الاقتصادية لمشروع النهضة، ما يلي:

§        لم يعارض الإخوان سياسة الخصخصة وإنما تحدثوا فقط عن "ترشيدها" واقتراح تبني أشكال أخرى من الخصخصة مثل "خصخصة الإدارة" و"المشاركة"، فكان الحديث عن ترشيد سياسة الخصخصة وليس استبدالها بسياسات إنتاجية.

§        لم يقدم المشروع جديدًا فيما يتعلق بالدور الاقتصادي للدولة، فقد أعاد الإخوان الحديث عن دور الدولة في المشروعات العملاقة مثل تنمية سيناء وخليج السويس ومشاريع استصلاح الأراضي العملاقة بالكيفية ذاتها التي كانت في الخطط الاقتصادية لنظام مبارك، فدور الدولة هنا يتمثل في "إنشاء البنية الأساسية اللازمة للمشروعات" وتشجيع الاستثمار العربي والأجنبي في هذه المشروعات "جنبًا إلى جنب" مع المستثمر المصري.

§        لم يأتِ برنامج الإخوان بجديد فيما يتعلق بإصلاح النظام العام للأجور، وما أورده البرنامج في هذا السياق لا يختلف في جوهره عما كان يتردد في اجتماعات المجلس القومي للأجور في عهد مبارك، ويري الخبراء أن هيكل الأجور يجب تعديله بحيث يمثل الأجر الأساسي النسبة الأعظم من قيمة الأجر الكلي (80 %) كما يتعين وضع حدين أدني وأقصي للأجور، وقد قرر الإخوان في برنامجهم أنهم يسعون إلى رفع الحد الأدنى للأجور"إلى 1200 جنيه شهريا خلال 5 سنوات" وهو ما يعني من الناحية العملية أن معدل النمو الحقيقي في الأجور (بعد استبعاد نسبة التضخم) خلال السنوات الخمس موضوع البرنامج لن يزيد على 2% (بافتراض أن معدل التضخم سيبقى على حاله في حدود 12% وأن نسبة الزيادة السنوية في الأجور ستكون في حدود 14%) وبذلك نجد أن قيمة الرقم الذي حدده الإخوان كحد أدنى للأجور بعد 5 سنوات، سيكون في الواقع أقل من الحد الأدنى للأجور عند تولي مرسي الحكم.

§        استند الإخوان في برنامجهم الاقتصادي الخاص بالمنافسة ومحاربة الاحتكار على الانتقادات الشعبية التي وجهها خبراء وإعلاميون وأعضاء في مجلس الشعب للنسخة الأخيرة من قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ولم يأت برنامج الإخوان هنا بجديد على الإطلاق كذلك فإن الإخوان لم يقدموا حلولًا شافية لكيفية مواجهة الغش التجاري والاستغلال في السوق.

§        يشير البرنامج إلى تقليص هائل في نسب البطالة وإنفاق واسع على التعليم والصحة وفي الخدمات العامة أما التمويل فهو بالأساس عبر القطاع الخاص ويتجاهل ذلك أن العدالة الاجتماعية تقتضي تعديلًا جذريًا في نظام الضرائب (فلا يكلمنا تفصيلًا عن إعمال الضرائب التصاعدية مثلًا)، كما تتطلب تغييرًا منهجيًا في منطق عمل النظام الاقتصادي، ويعيد البرنامج إنتاج مقولات «تساقط الثمار» الذي سيحدث عندما تعمل ماكينة الأرباح بكامل طاقتها فتشد معها المجتمع بأسره، نظرية المدِّ التي تركِّز على الأغنياء بتوسيع عددهم برفع السقف الذي كان موضوعًا لإخوان الـ١٪ وغيرهم فيرفع معه كل مراكب الفقراء، وهي مقولات تسببت بفشلها في قيام الثورة من الأساس .  

§        كرر البرنامج الاقتصادي للإخوان الشعارات التي كان الحزب الوطني المنحل يرددها فيما يتعلق بتشجيع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمار الأجنبي والقضاء على البطالة ومحاربة الفقر لجذب أصوات الناخبين وطمأنة رجال الأعمال.

§        البرنامج الاقتصادي لا يدعو إلى وقف تصدير الغاز والبترول إلى إسرائيل، وإنما يتبني "إعادة النظر" في اتفاقيات تصدير الغاز والبترول والكويز.

§        ومن الأهداف التي تضمنها البرنامج الانتخابي تخفيض العجز في الميزانية بنسبة 20% سنويًا، وقد أشار البرنامج إلى عبارات عامة بشأن كيفية تنفيذ هذا التعهد مثل ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، وهذه كلها عبارات مطاطة لا تنطوي على تحديد للأدوات والآليات التي ستعتمد عليها.  

هذه أهم المرتكزات الاقتصادية التي جاء بها البرنامج الاقتصادي للإخوان "مشروع النهضة" ولا يختلف في جوهره عما كان يطرحه نظام مبارك، وإنما يضيف فقط بعضَ ما يمكن أن نطلق عليه "الإجراءات الاحترازية" التي تدخل في باب إصلاح السياسة الاقتصادية السابقة أو ترشيدها، حتي في حالة الحديث عن الدعم فقد أفاض البرنامج في الحديث عن "ضرورة وصول الدعم إلى مستحقيه" وهي الصيغة نفسها التي كان يستخدمها صناع السياسة الاقتصادية في النظام السابق.

رأى بعض خبراء الاقتصاد أن مشروع النهضة مجرد نسخة مكررة من الإصلاح الذي دعا له الحزب الوطني

ومما سبق يتبين أن التيار الإسلامي الذي تولي مقاليد السلطة في مصر فضَّل استمرار نظام اقتصاد مبارك على نطاق واسع على الرغم من أنه مثل جميع الأطراف السياسية الأخرى تشدد على الحاجة إلى مزيد من العدالة الاجتماعية والحد من الفساد.

وفي الحقيقة لم تتحقق حتى الوعود المبدئية الخاصة بالأجور والحد من البطالة وبناء المصانع التي طرحها البرنامج خلال العام الأول من حكم الرئيس مرسي بل أعلن الحزب رسميا تعليق مشروع النهضة وأرجع ذلك للبيروقراطية والصراعات الداخلية .

ثانيًا- الدستور والحقوق الاقتصادية

رغم أن الكثيرين كانوا يتوقعون من الدستور الذي قُدِّم بعد ثورة 25 يناير أن يتضمن مواد تحول دون تكرار مظاهر الفساد التي شهدها حكم مبارك والتي سمحت باستغلال واسع لموارد الدولة وبتساهل كبير في التعامل معها، إلا أن هذا لم يحدث ويتضح هذا من نصوص مواد الدستور نفسه، فالدستور وضعه الإخوان بمنأى عن القوى السياسية الأخرى ورُفِض من قِبَل غالبية القوي الوطنية.

كما أن عملية إقرار الدستور شابتها مخالفات جسيمة وتزوير فقد تم وضعه من خلال لجنة تأسيسية منعت المحكمة الدستورية من قول كلمتها بشأنها بفعل إرهاب القوى والتيارات المتشددة التي رفعت «لافتات باسم الدين» وأيضا من خلال الرئيس نفسه الذي شنَّ حملة عدوانية تجاه المحكمة الدستورية.

هذا الدستور من الناحية السياسية منح سلطات واسعة للرئيس تؤثر على استقلالية مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والرقابية، ومن الناحية الاقتصادية لا يقدم الضمانات الأساسية لكثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، فقد خلا الدستور من المواد التي تضمن حسن استغلال الموارد وتطوير الاقتصاد المصري وحمايته من صور الفساد التي شهدها عصر مبارك والتي كانت سببا رئيسيا في قيام ثورة 25 يناير.

الكثير من مواد الدستور تتضمن سَحقًا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، فقد جاءت غالبية نصوص العدالة الاجتماعية إنشائية دون التزامات محددة على الدولة.

ثالثًا- القضايا الاقتصادية الأبرز في عام حكم الرئيس الأسبق "محمد مرسي"

نتناول هنا عدد من القضايا الاقتصادية التى تم أثارتها في عهد مرسى، وهي:

1- قانون الصكوك الإسلامية

طرح مجلس الشورى قانون الصكوك الإسلامية رغم أنه قد تم انتخابه كمجلس استشاري ومنحه الدكتور محمد مرسي سلطة التشريع من خلال إعلانه الدستوري فأصبح جهة تشريع وسنِّ وناقش أهم القوانين الاقتصادية والتي كان منها مشروع قانون الصكوك التي سُمِّيَت من قِبَل السلطة بالإسلامية.

وقد أقرت المذكرة الإيضاحية التي أعدتها اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، لمشروع  قانون الصكوك الإسلامية مجموعة محاور أهمها، أن يكون قانونًا موحدًا وشاملًا لكل الإصدارات الحكومية والخاصة، ويستهدف الصكُّ سد جزء من الفجوة التمويلية داخل منظومة الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في تمويل المشروعات والأنشطة الاستثمارية المتعددة.

ويحق لمالك الصكُّ استخدامه في البيع والرهن والهبة، وحظَرَ القانون استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية في مقابلها إلا بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض من وزير المالية.  

وقد اختلفت وجهات النظر بين خبراء الاقتصاد حول جدوى قانون الصكوك الإسلامية، وثارت العديد من علامات الاستفهام لدى الرأي العام والقوى السياسية حول مدي خطورة هذا القانون على الممتلكات السيادية للدولة، فيما اعتبرها البعض أداة جديد للخصخصة في حين كان هناك مَنْ رأى في هذا المشروع الحل المناسب للخروج من الأزمة الاقتصادية.

2- قرض صندوق النقد الدولي

بدأ الحديث عن ضرورة اقتراض مصر من صندوق النقد الدولي عقب ثورة 25 يناير بعدة أشهر مع تراجع إيرادات السياحة وخروج الكثير من الاستثمارات الأجنبية، وسط ارتفاع مطَّرد في المطالب الفئوية التي رفعت من حجم المصروفات، وشرَعَ المجلس العسكري وحكومة الدكتور كمال الجنزوري على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.

وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الأغلبية البرلمانية في مجلس الشعب في ذلك الوقت رفضها التام لقرار الاقتراض من الصندوق بدعوى أن المجلس العسكري يدير مرحلة انتقالية سيُسلِّم بعدها السلطة إلى رئيس مُنتَخب ولا يجب أن يُسلِّم البلاد مثقلة بالديون الخارجية، كما أن الحكومة المصرية لم تقدم خطة الإجراءات الاقتصادية المتعلقة بالقرض، ولم توفر المعلومات المطلوبة حول الاحتياج الحقيقي للموازنة العامة وكيف سيتم استغلال هذا القرض وطرق سداده، وأن القرض سيمثل عبئًا على الشعب الذي من حقه أن يعرف مصارف إنفاقه وطرق سداده، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حرَّموا  القرض واعتبروا فوائده ربا، كما اتهم حزب الحرية والعدالة الحكومة بأنها لم تبذل الجهد المطلوب لإيجاد بدائل أخرى لا تزيد من أعباء الدَّين العام.  

وبعد تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين السلطة استأنف مفاوضات قرض صندوق النقد الدولي ووجهت إليه الانتقادات التي سبق أن وجهها وجماعته لحكومة الجنزوري وأصبح القرض الذي سبق اعتباره حرامًا لأنه يدخل ضمن الربا بسبب الفوائد المحملة عليه محل ترحيب من الإخوان والتيارات الإسلامية بعد أن اعتبرت فوائده مجرد مصاريف إدارية.

وقد انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لقرض صندوق النقد الدولي.

وما بين حُجج المؤيدين والمعارضين للقرض فإنه من الجليّ أن المساعدات المالية الخارجية لا يمكن أن تكون الحل الدائم، فالدعم الطارئ والسعي لقرض الـ4.8  مليار دولار المُقترح من صندوق النقد الدولي قد يقلل من تآكل احتياطي النقد الأجنبي المصري، لا سيما في ظل عائدات سياحة متواضعة وواردات متزايدة من الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى، في مواجهة التزامات المدفوعات الخارجية، إلا أن تطبيق شروط القرض ستؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الشعب.  

وقد تم وقف المفاوضات حول القرض بعد فترة ولم تنجح الحكومة في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في الحصول عليه، ولم يكن ذلك استجابة للاعتراضات السابقة أو لآثاره السلبية فقد كان السبب الأهم تخفيض التصنيف الائتماني لمصر فقد خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني لمصر إلى «c» وهو التخفيض الرابع على التوالي خلال المرحلة الانتقالية، وقد عنا ذلك بوضوح دخول مصر منطقة خطرة تعني تراجع الثقة في القدرة على السداد، الأمر الذي أثَّر على قدرة مصر في الحصول على القروض التي طلبتها من مؤسسات التمويل الدولية، وقد جاء التخفيض الأخير بسبب غياب خطط معالجة عجز الموازنة وعدم الاستقرار السياسي.

وفي الواقع فإن قرض صندوق النقد الدولي لم يكن القرض الوحيد الذي سعَت حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي للحصول عليه، فقد اقترضت الحكومة من عدة دول مما أثر سلبًا على الاقتصاد القومي وكبَّله بمزيد من الديون وهو الأمر الذي وصفه خبراء الاقتصاد أنه البديل الأسوأ للتنمية وزيادة الاستثمار لزيادة الدخل القومي، ووفقا للبيانات الرسمية:

§        استلم د. مرسي مصر وديونها الخارجية 34,4 مليار دولار، فاقترض من قطر 7 مليارات دولار واقترض من ليبيا 2 مليار دولار واقترض مليار دولار من تركيا، وتم سحب نحو مليار دولار من قرض قيمته 2,5 مليار دولار تم عقده مع بنك التنمية الإسلامي بما يعني أنه أضاف 11 مليارا للديون الخارجية لتصبح 45,4 مليار دولار بعد أقل من عام من حكمه، صدَّر خلاله صورة الدولة الساعية للاقتراض دون أن يفعل شيئًا بشأن تعبئة الموارد المحلية.

§        كما أن إجمالي الدَّين العام لأجهزة الدولة قد بلغ 1310 مليار جنيه بما يوازي 85% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي 2011/2012 أي عند استلام د. مرسي الحكم فارتفع إلى 1553 مليار جنيه في العام المالي 2012/2013 بما يعادل 89% من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه وفق تقديرات الحكومة بمشروع موازنة 2013/2014)

3- برنامج المائة يوم

إنجازات المائة يوم الأولي كانت من بين أهم ما تعهد به الرئيس الأسبق محمد مرسي في برنامجه الانتخابي فقد تعهد بحل مشكلات المرور والنظافة والوقود والخبز والأمن، لكن ما حدث كان زيادة الأوضاع سوءًا، خاصة أزمة الوقود التي انعكست سلبًا على المخابز وحركة المرور والكهرباء.

وقد أثارت وعود مرسي في المائة يوم الكثير من الجدل فرأي مؤيدو مرسي أنه عمل جاهدًا على إنجاز ما وعد به وأنه ورث تركة مُثقلة بالفساد والفوضى من سلفه الرئيس الأسبق مبارك كما أنه كان يحتاج لمزيد من الوقت للعمل على إصلاح الأوضاع في مصر.

أما مرسي فقد أعلن في خطاب رسمي أنه حقق نجاحًا نسبته 70% في مجال توفير الأمن و85% في مجال توفير الغاز للمواطنين و40% في ملف النظافة كما أشار إلى أن معدل التضخم انخفض إلى أقل مستوياته في عشر سنوات.

غير أن منتقدي مرسي رأوا أنه فشل في تحقيق وعود المائة يوم فشلًا تامًا كما أن خطابه الذي أعلن فيه نجاحه في تنفيذ الوعود كان مليئًا بالمغالطات، وأنه كان مجرد نوعًا من الدعاية حيث لم يتحدث عن آليات محددة لعلاج المشكلات التي يواجهها المواطن المصري، كما كانت هناك فجوة كبيرة بين ما تحدث عنه من إنجازات وما يواجهه الشعب المصري من مصاعب في حياته اليومية.

استلم د. مرسي مصر وديونها الخارجية 34,4 مليار دولار .. أضاف 11 مليارا للديون الخارجية لتصبح 45,4 مليار دولار بعد أقل من عام من حكمه

وقد أظهر موقع «مرسي ميتر» الذي أنشأه عدد من النشطاء على شبكة الإنترنت لرصد تنفيذ وعود المائة يوم الأولي أن مرسي لم يحقق سوى 4 وعود فقط من أصل 64 وعدًا  وكان هناك نقد وُجِّه لفكرة برنامج المائة يوم وطريقة تنفيذها، فقد رأى البعض أن هذه الإصلاحات تبدو بسيطة بالمقارنة بما هو مطلوب على مستوى الاقتصاد ككل وبما هو ضروري فيما يخص إعادة توزيع الثروة لحساب الـ٩٩٪ المتضررين من نظام الاستغلال، فالمشكلة التي واجهها برنامج الـ١٠٠ يوم ليست بالأساس فنية ولا ذات طابع اقتصادي، إنه الإصلاح الذي لا يتم إلا بثورة سياسية كاملة فعلي سبيل المثال لا يمكن أن يفكك مرسي احتكارات استيراد وتوزيع السلع الأساسية دون أن يدخل في مواجهة سياسية مباشرة مع قطاع من رجال الأعمال هو نفسه الذي يتوجه له الإخوان باحثين عن مكان فيه، وليس من الممكن أن تُحلَّ مشكلة النظافة بنفس المنطق الذي خلقها وهو إدخال الشركات العالمية الكبرى والقطاع الخاص الكبير الذي فاقم المشكلة بالقضاء على الطرق التقليدية لحساب أرباحه التي تحوَّل للخارج، لذلك فإن مشكلة أي خطوات ولو بسيطة تتعلق بإصلاح الاقتصاد وتحسين ظروف المعيشة أنها ترتبط مباشرَة بإعادة توزيع الدخل والثروة وإعادة توجيه الاقتصاد لبوصلة جديدة وهي الـ٩٩٪ وهم غالبية المواطنين، وهذه معركة سياسية بامتياز تتطلب تحالفًا مختلفًا على أرضية مصالح مناقضة لما يرتبه نظام الإخوان(1).

1- أزمة الوقود

شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة من عام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي أزمة وقود خانقة غير مسبوقة تسببت في تكدس السيارات أمام محطات البنزين في مختلف أنحاء البلاد لساعات طويلة، خاصة في القاهرة التي تعرضت لشلل مروري في العديد من المناطق بسبب الطوابير الممتدة أمام محطات البنزين.

وتعد أزمة البنزين والسولار أحد الأسباب الرئيسية لخروج مظاهرات 30 يونيو ضد مرسي، ويمكن القول إنه لم يكن هناك تفاعل مع دعوات المعارضة ضد مرسي منذ أول أسبوع لحكمه غير أن أزمة الوقود تسببت في حنق المواطنين وتفاعلهم مع دعوات النزول إلى الشارع نظرًا لما سببته تلك الأزمة من شلل تام للبلاد وارتفاع للأسعار تأثرًا بالوقود.

وتباينت أسباب الأزمة لتُلقي الرئاسة المصرية والقائمين على وزارة البترول آنذاك باللوم على عمليات التهريب المستمرة، ورفض القائمين على توزيع الوقود من أصحاب المستودعات ومحطات البنزين تطبيق منظومة جديدة لتوزيع البنزين والسولار بالكروت الذكية للحد من التهريب وترشيد الدعم، كما أشار المسئولون في وزارة البترول أن الأزمة جاءت بسبب نقص كبير في المعروض لعطل فني في معملين للتكرير من أكبر معامل مصر.   

وكانت الرئاسة المصرية أوضحت في تقرير لها في يونيو 2013 أن أسباب أزمة الوقود ترجع إلى "ارتفاع احتياجات السوق عن معدلات الاستهلاك الطبيعية، وعمليات التهريب التي وصلت إلى 380.5 مليون لتر سولار و52.1 مليون لتر من البنزين في الفترة من يونيو 2012 وحتى مايو 2013" أي قبل شهر واحد من الإطاحة بمرسي.

ولم تكن أزمة الوقود وحدها كفيلة بتأجيج الشارع وإنما تسببت في ارتفاع أسعار مختلف السلع بشكل كبير لاعتماد النقل على السولار والبنزين، كما تزايدت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لنقص الوقود أيضًا الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء في توليد التيار.

وتبادل مؤيدو ومعارضو الرئيس الأسبق اتهامات بغير أدلة عن أسباب الأزمة ففي حين أشاع معارضو الرئيس الأسبق امتثال وزير البترول في تلك الفترة بتعليمات غير مكتوبة لتنفيذ توجيهات مكتب الإرشاد والرئيس برَصد كميات كبيرة من السولار لمحطات كهرباء قطاع غزة لضمان عدم انقطاع الكهرباء في الصيف مما أحدث اختناقًا في الشوارع، واستمرت الوزارة في ضخ كميات كبيرة لقطاع غزة مما ضاعف الاختناق والطوابير في القاهرة والمحافظات، في المقابل اتهم مؤيدو الرئيس أصحاب محطات الوقود المملوكة لأعضاء في الحزب الوطني المنحل برفض بيع الوقود للمواطنين وتهريبه للسوق السوداء وللسفن في قناة السويس والبحر الأحمر بأسعار مضاعَفة لإحداث الأزمة .   

ولم تستطع الحكومة حل الأزمة من خلال منهج جذري شامل بل اقتصرت على مجرد وعود وتعهدات حكومية جاذبة، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة خاصة في ظل استمرار الضعف الرقابي على توزيع المواد البترولية، وعدم تحرك الحكومة نحو دعم منظومة إنتاج المواد البترولية خاصة السولار أو التوسع في استخدام الطاقة المتجددة مما أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي الذي كان أحد أهم أسباب إنهاء حكم الرئيس الأسبق وجماعة الإخوان في 30 يونيو. 

2- أزمة الكهرباء

شهد قطاع الكهرباء انقطاعات متكررة على مدار العام الذي حكم فيه مرسي، واعتبرت إحدى الأزمات الرئيسية التي أدت إلى تصاعد الغضب الشعبي ضد مرسي حيث وصلت الأزمة ذروتها في شهري مايو ويونيو 2013.

فقد عانت القاهرة وعدد من المحافظات من الانقطاع المتكرر للكهرباءK حيث كان يتم قطع التيار الكهربائي لعدة ساعات يوميًا في جميع المحافظات بسبب نقص إمدادات الوقود المُغذِّي للمحطات، مما زاد من سخط المواطنين في الوقت الذي ناشدت فيه الحكومة مُمَثَّلة بوزارة الكهرباء المواطنين بالعمل على ترشيد الاستهلاك.

وأظهرت مؤشرات وزارة الكهرباء مطلع يوليو 2013 أن نسبة العجز في التيار الكهربائي في الفترة من يونيو2012 وحتي نفس الشهر من 2013 بلغت 25% بما يصل إلى خمسة آلاف ميجاوات لتشهد البلاد انقطاعات متكررة في الكهرباء.

وأرجعت وزارة الكهرباء الأزمة حينها إلى عدة أسباب من بينها، نقص الوقود وخروج وحدات بشكل طارئ من العمل، وعمليات الصيانة في أكثر من محطة للتوليد إضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر في البلاد، فقد طالبت الوزارة بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لمحطات توليد الكهرباء خاصة في المحطات التي شهدت اضطرابات أمنية قوية والتى أدي غياب العنصر الأمني بها إلى مغادرة نحو 50% من الخبراء الأجانب المشرفين على العمل بها، وقد أدت الأزمة إلى تصاعد مشاعر السخط لدى المواطنين من استمرار انقطاع الكهرباء يوميًا والذي اضطر البعض خاصة أصحاب المحلات التجارية إلى اللجوء لتشغيل المولدات الكهربائية.

ولم يكن تعامُل الحكومة على مستوي الأزمة فقد جاءت تصريحات رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل محبطة للمصريين، حيث نصح قنديل بضرورة أن يلبس المواطنون ملابس داخلية من القطن ويجلسون بحجرة واحدة بالمنزل لتوفير استهلاك الكهرباء، واكتفت حكومة محمد مرسي في هذا الوقت بهذه التصريحات المستفزة التي لم يجنِ منها المواطن أي استفادة بل ازداد الأمر سوءًا، أما على مستوى الرئيس فقد أشار في إحدى خطبه بأن الانقطاع يتم بسبب رجال مبارك الذين يدفعون عشرين جنيهًا لعامل الكهرباء لفصل"سكينة" التيار، وهي الإشارة التي لاقت سخرية شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقررت عدة حركات شبابية تنظيم حملات احتجاجية ساخرة في الشارع منها حملة باسم "منَور يا كبير"، ولا سيما في المناطق التي يُعاني سكانُها انقطاع الكهرباء بشكل متكرر، وأدَّى تصاعد الأزمة وتعامل الحكومة السطحي والمتخاذل معها أن أصبحت من أهم أسباب الإطاحة بحكومة الإخوان. 

رابعاً- رأسمالية المحاسيب من عهد "مبارك" إلى عهد "مرسي"

تُعرَف رأسمالية المحاسيب في مصر بوصفها اقتصادًا سياسيًا يقوم على تزاوج السلطة والثروة ويتوقف فيه نجاح الأعمال على علاقات الفساد الوثيقة بين رجال الأعمال والمسئولين الرسميين، وقد تمكَّن رجال الأعمال المحاسيب لعهد مبارك من الحفاظ على نفوذهم وسلطتهم الاقتصادية والسياسية بعد ثورة 25 يناير2011 مع ما كانت تمثله هذه الثورة من تهديد لهم.

وفي دراسة عن رأسمالية المحاسيب، تتبعت أعمال 32 شخصا كانوا على علاقة سياسية بجمال مبارك والقطاعات التي يعملون بها ويملكون 105 شركات، ووجدت الدراسة أن الآلية الأساسية المستخدمة لمنح الامتيازات للشركات المتصلة بمبارك الابن هي وضع قيود على دخول مستثمرين جدد، والسماح لهم بالحصول على قروض من البنوك وزيادة حجمهم، حيث يعمل معظم رجال الأعمال التابعين للابن جمال مبارك في القطاعات المحمية مثل مواد البناء والمعادن والخدمات وهي قطاعات تخدم الطلب الداخلي وليس التصدير، مما يبعدها عن المنافسة الأجنبية. 

ونفت الدراسة أن تكون لسياسات جمال أي أثر جيد على النمو، وأكدت أنه لا يمكن اعتبار المزايا التي حصل عليها رجال جمال تُعبِّر عن سياسات صناعية ناجحة، لأنه وزع الأموال على شركات أقل كفاءة مما أدَّي إلى تخفيض معدل النمو كما أضر بالمنافسة في السوق، وهو ما يعتبر محسوبية غير كفئة، لأنه في حالة ذهاب القروض التي حصلت عليها هذه الشركات إلى شركات أخري لكانت الدولة حققت نموًا أعلي بـ3%  وولَّدت وظائف أكثر.

وقدَّرت الدراسة تأثير المحسوبية على السياسة المصرية بـ«أسوأ بكثير من تأثيرها على الاقتصاد» حيث وجدوا تسربًا بنسبة 1% من أرباح هذه الشركات(نحو 300 مليون دولار كل عام) من 30 مليار دولار القيمة السوقية للشركات ذات الصلات السياسية يذهب جزء كبير منها إلى الرشاوى الانتخابية واعتبرت الدراسة أن هذه الدولارات كانت تستطيع أن تخلق مساهمة فاعلة في الانتخابات لو وجهت توجيهًا صحيحًا، وربما يُفسِّر هذا لماذا بقي النظام لفترة  طويلة، وتطلب تغييره ثورة مكلفة بدلا من طرق أكثر كفاءة.

وانتهت الدراسة إلى أن العلاقات الواسعة بين الدولة ومجتمع الأعمال كانت مصدر الفساد الذي شوَّه السياسة ومحفزات الاستثمار، وطالبت بدراسة الواقع السياسي كمدخل للسياسات

الاقتصادية، خاصة وأن 20% أو أكثر من قيمة الشركات عبارة عن علاقة سياسية.

وقد نتج عن ذلك تكوين عدد كبير من المراكز الاحتكارية في فروع مهمة من النشاط الاقتصادي حيث لعبت آليات الفساد دورًا في تعزيز تزاوج الثروة والسلطة في مصر تمثل في الفجوة الكبيرة في توزيع الدخول وسياسات الأجور وفي مسارات العملية التعليمية.   

ورغم ذلك فإن الحكومات التي تلت رحيل مبارك عن السلطة لم تسعَ إلى مواجهة جدية مع فساد رأسمالية المحاسيب بما في ذلك حكومة الإخوان، بل ما حدث أن هذه الحكومات سعَت لخطب ودِّ رجال أعمال هذه الرأسمالية وسنَّت من التشريعات واتخذت من الإجراءات ما يُحصِّن فسادهم وضمَّت إليهم رجال أعمال جماعة الإخوان المسلمين، فقد أظهرت حكومة الإخوان استمرارًا وتواصلًا مع عهد مبارك ليس فقط في السياسات الاقتصادية.

إن النفوذ السياسي الذي تتمتع به مصالح رجال الأعمال من المحاسيب يضر التوازن الاجتماعي للسياسة الاقتصادية في مصر وعززت عدم المساواة في البلاد، وحاول النظام تخفيف التوترات الاجتماعية من خلال تشغيل نظام دعم مُكلِّف وغير فاعل.     

ورغم أن الرئيس الأسبق محمد مرسي لم يتمكن من الحصول على قرض صندوق النقض الدولي، فإنه ووفقا للبيانات الرسمية اقترض من عدة دول مما أضاف11 مليارًا للديون الخارجية لتصبح 45,4 مليار دولار بعد أقل من عام من حكمه دون أن يفعل شيئًا بشأن تعبئة الموارد المحلية وإصلاح الموازين المختلة .   

إن العلاقات الواسعة بين الدولة ومجتمع الأعمال كانت مصدر الفساد الذي شوَّه السياسة ومحفزات الاستثمار

فقد اتبع مرسي وحكومته سياسات غير مستقرة ولجأوا للحلول السريعة غير الفاعلة من خلال الدفع بالعملات الأجنبية داخل الاقتصاد المصري‏-‏ في شكل قروض ومنح دولية-‏ وذلك بدلا من اتباع سياسات إصلاحية لها تأثير طويل المدى.

لذلك يمكن القول إن مبارك وخليفته محمد مرسي لم يتم خلعهما فقط لأنهما قمعا الحقوق السياسية والدستورية ولكن لأن الإصلاحات الاقتصادية كانت متقطعة وفشلت في التصدي للفقر(الذي يؤثر على نحو 50% من السكان) مع ارتفاع معدلات البطالة إلى (13 %) وارتفاع البطالة بين الشباب بنسبة (25 %) والتضخم الجامح بنسبة(11%).

خامسًا- موازنة مرسي كوثيقة كاشفة للانحيازات الاقتصادية والاجتماعية لنظام الإخوان

عكست الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2013/2014  التي قدمتها حكومة مرسي استمرار السياسات القديمة المتبعَة في عهد نظام مبارك، والتي اتسمت بتحيزها ضد الفقراء والطبقة الوسطي وبنقل أعباء عجزها وفشلها إلى الحكومة والرئيس القادمَين والأجيال القادمة من خلال الاستدانة، وبأنها تعمل لصالح الرأسمالية المحلية والأجنبية بصورة أساسية، ويتضح ذلك من استعراض الخطوط العامة لهذه الموازنة التي تأتي بإيراداتها من حقوق الدولة في الموارد الطبيعية والشركات العامة القديمة وهي حقوق مملوكة لكل المواطنين بالتساوي، وبالتالي تعود غالبيتها الساحقة للفقراء والطبقة الوسطى، كما أن الضرائب وفقًا لهذه الموازنة ترتفع حصيلتها من 267 مليار جنيه إلى 357  مليار جنيه يتم تحصيلها من الفقراء والطبقة الوسطى، حيث إن أرباح الرأسماليين من ملكيتهم للأسهم في شركاتهم المُدرَجة في البورصة مُعفاة من الضرائب بحكم القانون.

وتضمنت موازنة" مرسى" عجزًا يقدر بنحو 197,5 مليار جنيه، كما يرتقع بند مدفوعات فوائد الديون بأكثر من 36% في العام المالي 2013/2014 ، حيث أشارت تقديرات وزارة المالية إلى أنه سيبلغ 182 مليار جنيه منها نحو 43 مليار جنيه فوائد القروض التي اقترضها الرئيس الأسبق مرسي في العام المالي الأول لحكومته، وكانت مدفوعات فوائد الديون قد بلغت نحو 133,6  مليار جنيه عام 2012/2013 بزيادة 26,9% على مدفوعات الفوائد في العام المالي 2011/2012.

أما بند الدعم والتحويلات يتم توجيه غالبيته الساحقة للأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية في صورة دعم لمواد الطاقة لشركات تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية ولا تستحق أي دعم والذي قُدِّر في الموازنة الماضية بنحو 145 مليار جنيه، ثم تزايد أثناء السنة ليبلغ 182 مليار جنيه ليرتفع في الموازنة الجديدة 2013/2014 ليبلغ 205,5 مليار جنيه. وبالتالي فإن سياسة الدعم والتحويلات المتحيزة للأثرياء تستمر كما هي، خاصة أن هذه الزيادة في مخصصات الدعم جاءت في وقت يتم فيه تخفيض دعم البوتاجاز الموجَّه للفقراء والطبقة الوسطى، وتستمر فيه معاشات الضمان متدنية وتغيب إعانات البطالة.

أما الاستثمارات المحركة للنمو وخلق فرص العمل الحقيقية فإنها اقتصرت على 63,7  مليار جنيه تعادل 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا توقعنا استثمارات خاصة ثلاثة أمثال هذا الرقم فإن ذلك سيعني أن معدل الاستثمار سيكون شديد التدني وفي حدود 12% وهو مستوى لا يساعد على معالجة البطالة والفقر.

أما مخصصات الأجور وما في حكمها فتبلغ 172 مليار جنيه بزيادة نحو 22% على العام السابق لحكم مرسى، وهي زيادة تلتهمها زيادة الأسعار التي تزايدت بعد انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وبعد اختناقات مواد الطاقة وما ترتَّب عليها من ارتفاعات في أسعار كل السلع وإضافة لذلك يستمر سوء توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها في ظل عدم استجابة الحكومة لمطالب رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1500 جنيه، ووضع حد أقصي للأجر الشامل لا يزيد على 15 مثل الحد الأدنى بالنسبة للعاملين لدي الدولة حيث تحدثت وزارة المالية عن حد أقصي يبلغ 35 مثل الحد الأدنى ويختلف من جهة لأخرى، فضلًا عن أن "الدستور" يسمح باختراق الحد الأقصى بقانون.   

أما سياسات مرسي تجاه قضية الفقر والإنفاق العام على الصحة والتعليم؛ فإن موازنة 2013/2014 تؤكد أنه سار على درب مبارك وتؤكد انحيازه ضد الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة الوسطى، لذلك تعتبر الموازنة المقدمة من حكومة الإخوان المسلمين للعام المالي 2013/2014 وثيقة كاشفة عن نمط التحيزات الاجتماعية والاقتصادية التي تبناها نظام الإخوان، فالمتأمل «لبناء» مشروع الموازنة العامة وطريقة إعداد بياناتها وتقديراتها «كأهداف» مالية سواء في مجال الإنفاق العام أو في مجال الحصول على الإيرادات العامة، خصوصًا الإيرادات الضريبية يكتشف أننا بصدد الطريقة ذاتها التي كانت تُدار بها السياسة المالية والموازنة العامة طوال الثلاثين عامًا الماضية.

إن أهداف وإجراءات الموازنة العامة تعمِّق الأزمة الاقتصادية والمالية، وتزيد من التأثيرات السلبية على مستوى معيشة المواطنين الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة المتوسطة من عدة زوايا، أهمها استمرار اختلال البناء الهيكلي في الموازنة العامة المصرية وتعاظُم العجز في الموازنة، وضعف وسائل معالجته، بالإضافة إلى زيادة الاقتراض الداخلي والخارجي ومخاطره والتحيزات الاجتماعية للأغنياء.   

سادساً- المؤشرات الاقتصادية لعام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى

بنهاية عام حكم الرئيس الأسبق انخفض التصنيف الائتماني لمصر إلى‏CCC‏ وهذه المكانة المنخفضة وضعت مصر في مكانة قبرص وأعلى من اليونان(التي أعلنت إفلاسها) بدرجة واحدة، وجاء الانخفاض في التصنيف الائتماني نظرًا لعدم وجود التوافق المجتمعي والسياسي داخل البلاد كأحد أهم الأسباب، وهذا الانخفاض في التصنيف الائتماني يعني انخفاض قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية والداخلية.

انخفضت الاستثمارات الأجنبية والعربية في مصر خلال الفترة من يونيو2012 وحتى يونيو2013 إلى أقل مستوياتها

وقد أوضحت دراسة أعدها مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية أهم المؤشرات الاقتصادية خلال فترة رئاسة محمد مرسي:

§        انخفض الاحتياطي النقدي المصري لأقل مستوياته فقد وصل الاحتياطي النقدي في ديسمبر2010 إلى 35.8 مليار دولار في حين أنه بلغ فى30 يونيو2012 إلى15.5 مليار دولار عندما تولى الرئيس مرسي الحكم، ورغم أنه فى30 يونيو2013 أصبح 16.4 مليار دولار.

§        انخفضت الاستثمارات الأجنبية والعربية في مصر خلال الفترة من يونيو2012 وحتى يونيو2013 إلى أقل مستوياتها فبعد أن كانت الاستثمارات الأجنبية والعربية وصلت إلى13.4 مليار دولار خلال عام 2009 انخفضت خلال عام 2012 لتصل إلى2 مليار دولار ثم انخفضت خلال عام 2013 لتصل إلى أقل من مليار دولار.

§        مؤشرات أداء البورصة: وعلي صعيد أداء البورصة التي تأثرت بالأحداث السياسية جليًّا أثناء السنة الأولي لمرسي فلم تَعُدْ إلى نفس مستويات ما قبل الثورة ففي حين بلغ الرأسمال السوقي )في شهر يونيو 2012( نحو 340مليار جنيه سجلت البورصة أعلي قيمة لها في سبتمبر 2011 بنحو 13 مليار جنيه ثم تهاوت مرة أخرى خلال الأشهر التالية لتبلغ في مايو 2013 نحو 632 مليار جنيه.

§        الضرائب: استلم د. مرسي حكم مصر ولديها قانون ضرائب متحيز يعفي الأغنياء من ضرائب المكاسب الرأسمالية ويقهر الفقراء والطبقة الوسطى بضرائب قاسية على الدخل والمبيعات والدمغات، فما كان منه إلا الاستمرار بهذا القانون وأضافت إليها الحكومة المزيد من الضرائب على المبيعات التي تصيب بأعبائها الفقراء والطبقة الوسطى أساسًا.

§        استلم د. مرسي الحكم والجنيه يساوي 0,17 دولار فانخفض إلى 0,14 دولار بنسبة انخفاض تزيد على 16% مما أدى لارتفاع كبير في الأسعار يؤذي الفقراء والطبقة الوسطى، وبشكل محدد يتوجه الأذى الأكبر منه إلى العمال والمهنيين وأرباب المعاشات حيث تتآكل القدرة الشرائية لدخولهم، بينما تتزايد أسعار الأصول والممتلكات فتزيد ثروات ودخول أصحاب الملكيات.

§        المواد التموينية والغذائية رحل مرسي عن السلطة ومخزون البلاد من القمح أقل مما كان عليه يوم تسلمه السلطة بفارق مليون و47 ألف طن، من حيث الرصيد فقد جاء مرسي ورحل بعدما أفقد البلاد مليون طن قمح من رصيدها بسبب سوء إدارته لهذه القضية، وهو ما يكشف بوضوح عدم صحة ما روَّج له مرسي والإخوان نجاحهم في تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي من القمح قدروها بنحو 80%.

§        التضخم وارتفاع الأسعار وفقًا للبيانات الرسمية سيطرت حالة تأرجح على تقلبات الأسعار ومستويات الغلاء في الشهور الأولى لحكم الدكتور مرسي وبعد أكثر من ستة أشهر وبدايات عام 2013 بلغ معدل التضخم 8,7% وهو أعلى مستوى له منذ عام 2010 وتواصلت موجة الغلاء والتضخم لتصل إلى مستوى قياسي في نهاية حكم مرسي وسجل معدل التضخم 9%.



أ.د. شريف درويش اللبان: وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية

بالمركز العربي للبحوث والدراسات

د. دعاء عادل محمود: الأستاذ المساعد بقسم الصحافة والإعلام كلية الآداب والعلوم الإنسانية

بجامعة جازان السعودية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟