المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

طرق المواجهة: معركة المشكلات الست التي تعاني منها مصر

الإثنين 21/مارس/2016 - 12:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي
تعرف المشكلة الاجتماعية بأنها: عائق أو قيد بنيوي يجسد أزمة حضارية، أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية،  يحول دون اندماج جماعة من الناس في المجتمع اندماجا طبيعيا، أو يحرمهم من التمتع بحياة اجتماعية سوية،  تنشأ من عدم قدرة النظام السياسي أو انصرافه عن تلبية الاحتياجات الأساسية والمتنوعة لكافة أفراد المجتمع.ولاشك أن مصر تخوض في هذه المرحلة معركة شرسة للتغلب على المشكلات الاجتماعية الخطيرة والموروثة من مراحل تاريخية سابقة.  وفي هذا التقرير نقدم بالوصف والتحليل لأهم ست مشكلات يعاني منها المجتمع المصري. مع بعض المقترحات التي يتعين على البرلمان الجديد والحكومة، أخذها في الاعتبار من أجل التغلب على هذه المشكلات.
وفقا للتعريف الذي ننطلق منه في هذا التقرير، فإن المشكلة الاجتماعية لا تُعَّرَف إلا بالإضافة والارتباط  بواحد أو أكثر من العوامل الثقافية، الاقتصادية، السياسية، أو الديموجرافية. وتعتبر خطوة تحديد الأولويات أهم خطوة في حل المشكلات الاجتماعية المذكورة، ونذهب إلى أن التصدي العاجل بالبرامج والتشريعات إن لزم الأمر، خلال السنوات العشر القادمة، يجب أنيبدأ تنازليا من مكافحة الفساد، النمو السكاني، الفقر، البطالة، الأمية، الإدمان. وقد فرضت هذه المشكلات نفسها على طاولة البحث، بسبب انتشارها الواسع على المستوى الوطني كما سنرى بعد قليل.
وقد قدمنا الفساد على باقي المشكلات، لأن مكافحة الفساد، تصب مباشرة في تحسين كفاءة الإنفاق العام، ما يتيح الاستغلال الأمثل للموارد لتعظيم المخرجات، أو ترشيد الموارد للحصول عن نفس المخرجات، وكلاهما يؤدي إلى تحسين معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي تقليل الآثار السلبية للنمو السكاني على المدى القريب، ويؤدي إلى تحسين الخدمات، ما يدفع بمؤشرات الفقر متعدد الأبعاد إلى الانخفاض، وتحتل البطالة موقعا متوسطا على جدول الأولويات، لأنها ترتبط من جانب بمكافحة الفساد، وزيادة الاستثمارات خلال السنوات الخمس القادمة من جانب آخر. بينما جاءت الأمية والإدمان في نهاية الأولويات، لأن كليهما يحتاج إلى جهود كبيرة، وحلولا للمشكلات السابقة عليهما. وبالجملة فإن التصدي لهذه الحزمة من المشكلات، سوف يؤدي تلقائيا إلى خفض معدلات: التسرب من التعليم؛ عمالة الأطفال؛ التشرد؛ التسول؛ الجريمة...إلخ.

أن موقع مصر على خريطة المؤشرات الدولية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد يثير الكثير من علامات الاستفهام
 (1) مشكلة الفساد
لا شك أن الفساد له مظاهر متعددة تفت في عضد البناء الاجتماعي برمته، فالرشوة والمحسوبية والتكسب من وراء الوظيفة العامة، والمحاباة، وإقصاء الكفاءات، واستغلال السلطة الرسمية والنفوذ، والاستيلاء على المال العام والابتزاز، والتهاون في تطبيق القانون، كلهما ظواهر منتشرة في أروقة المؤسسات العامة في مصر، يترتب عليها عدد لا نهائي من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وتشير الإحصاءات إلى أن موقع مصر على خريطة المؤشرات الدولية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد  يثير الكثير من علامات الاستفهام كما يلي: (أ) بالنسبة لموقع مصر على مؤشرات الحوكمة العالمية، يلاحظ تدني كافة المؤشرات تدنيا ملحوظا في الأعوام الثلاثة الماضية. (ب) تسجل مصر على مؤشر النزاهة العالمية، درجة ضعيف جدا منذ بداية تسجيل مصر في هذا المؤشر وحتى الآن. (ج) تسجل مصر على مؤشر مكافحة الفساد والشفافية الصادر عن (Freedom House) درجة متواضعة، بسبب زيادة فرص الحصول على الخدمات عن طريق الرشوة والوساطة، ولعدم وجود إطار قانوني ورقابي فعال. (د) سجلت مصر درجة منخفضة على مؤشر مدركات الفساد، بلغت في عام 2013  المرتبة 114 من بين 177 دولة طبق فيها هذا المؤشر.
(1-1) مكافحة الفساد
من أسف أن البرلمان لم يوافق على استحداث لجنة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، ضمن اللجان النوعية الجديدة التي طالبت بها لجنة إعداد اللائحة الداخلية الخاصة بالمجلس. وأيا كان الأمر، فإن المنظمات الحقوقية والأعضاء المهتمين بمشكلة مكافحة الفساد وتعظيم الشفافية والنزاهة، يذهبون إلى أن مصر في حاجة إلى استحداث تشريعات جديدة لمكافحة الظاهرة، والحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى حاجة أخرى لتعديل القوانين وثيقة الصلة المعمول بها حاليا على النحو التالي:
(أ) القوانين الجديدة المقترحة بعد حوار مجتمعي واسع النطاق: قانون الخدمة المدنية الجديد، قانون تنظيم حرية تداول المعلومات، قانون حماية المبلغين والشهود والخبراء، قانون استعادة الأصول المنهوبة، قانون الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد.
(ب) التشريعات المطلوب تعديلها بواسطة البرلمان، بما يتوافق مع المعايير الدولية المنظمة، وبعد حوار مجتمعي واسع النطاق: قانون العمل الأهلي (الجمعيات) رقم 84 لسنة2002، قانون المناقصات والمزايدات رقم89 لسنة1998، قانون مكافحة غسيل الأموال رقم 80 لسنة 2002، قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة1950، قانون مباشرة الحقوق المدنية والسياسية رقم 45 لسنة2014 المعدل بقرار بقانون 92 لسنة2015، في شأن الرقابة الميدانية على تمويل وصرف الحملات الانتخابية، قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988، في شأن ضمان شفافية إعلان تقاريره النهائية على الرأي العام.
(2) مشكلة النمو السكاني
تنشأ المشكلة السكانية، كنتيجة طبيعية للتزايد السكاني الكبير تبعًا لارتفاع معدل مواليد وانخفاض معدل الوفيات، وهذا التزايد السكاني السريع يفوق كل معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وهو بذلك يهدد خطط التنمية المستقبلية. مع ملاحظة أن النمو السكاني ليس مشكلة في حد ذاته، إلا إذا اقترن بانخفاض معدلات التنمية الاقتصادية، وهم متحقق في مصر للأسف، ما يعني ارتفاع معدل الإعالة (43% من السكان في مصر دون سن العمل)، كما يترتب على المشكلة ارتفاع معدل البطالة وانهيار الخدمات، خاصة التعليمية والصحية،  وارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور جودة الحياة لشرائح عريضة من المجتمع. وبالجملة فإن هذه المشكلة تمس حياة المواطن المصري اجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا وثقافيًا وأمنيًا وسياسيا.
كما ترتبط المشكلة بالتوزيع غير المتكافئ للسكان على مساحة الدولة، حيث يتركز 99% من السكان في مناطق الدلتا والوادي (3,5% من مساحة مصر). ويترتب على هذا التوزيع المختل للسكان: زيادة مضطردة في الكثافة السكانية، إهلاك البنية الأساسية وتدهور كفاءتها، زيادة رقعة وعدد المناطق العشوائية، تدمير الرقعة الزراعية، وغيرها من المشكلات.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة، إلى أن عدد السكان في مصر بلغ 90 مليون نسمة في أول ديسمبر 2016، وأن معدل النمو السكاني بلغ 2,55% على معنى أن عدد السكان في مصر يرتفع بمقدار 1,14 مليون نسمة كل ستة أشهر.
(2-1) التحكم في النمو السكاني
 يستلزم التغلب على مشكلة النمو السكاني: زيادة الإنتاج والبحث عن موارد واستثمارات جديدة مع التصدي للمشكلة عبر ثلاثة مستويات متكاملة ومتزامنة:
(أ) مواجهة النمو السكاني السريع: ويتطلب تشريعات وبرامج جديدة لتنظيم الأسرة المصرية، تراع الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وتتبنى خطابا دينيا واضحا، لتغيير المفاهيم التقليدية، وتلتزم بأسلوب التحفيز والتمييز الإيجابي للأسر التي تطبق هذه البرامج.
(ب) تحسين الخصائص الديموجرافية: يتعين على البرلمان مراقبة أداء الحكومة لضمان تعظيم عمليات تأهيل ورعاية الطفولة، بحيث يتم تحسين خصائص السكان الناشئة، ما يتيح لهم فرص أفضل في سوق العمل، وهو ما ينعكس ايجابيا على الحالة الاقتصادية في مصر.
(ج) إعادة التوزيع العام للسكان: وهذه من بين المشكلات المزمنة في مصر، حيث تتركز الغالبية العظمى من السكان في الدلتا والوادي، ما يحمل الدولة أعباء اقتصادية ضخمة تؤثر في معدلات النمو الاقتصادية، وتحتاج مصر لإستراتيجية واضحة في إعادة توزيع السكان في مصر، عبر عدد من المشروعات القومية الكبرى.
(د) إصدار قانون السكان: تحقيقا لنص المادة 41 من الدستور التي تلزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك في إطار تحقيق التنمية المستدامة.
أن الفئات الأشد فقرًا ، لا يتمكنون طيلة حياتهم من تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، إلا بتدخل الدولة
 (3)  مشكلة الفقر
الفقر كالأمية، مُوَّلِدٌ للعديد من المشكلات الاجتماعية، ويشير التعريف الرسمي للفقر: إلى عدم قدرة الفرد على الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التي تتيح له بلوغ المستوى المعيشي اللائق في المجتمع.
ويمكن حساب معدلات الفقر في مصر، عبر  ثلاثة مستويات، فهناك الشريحة التي لا تجد قوت يومها، أو تعيش على أقل من عشرة جنيهات في اليوم، ونسبة هذه الشريحة تمثل نحو 3,4% من السكان، بينما تمثل الشريحة التي تعيش على دخل يومي أقل من 20 جنيها في اليوم الواحد نسبة 18,5% ، أما الشريحة التي تعيش على أقل من 30 جنيها يوميا فتمثل نحو 21,8% ، ويتبقى السكان الذين يعيشون حياة لائقة ويمثلون نحو 56,3% من جملة السكان. ولا شك أن هذه البيانات الكمية، تؤشر على وجود مشكلة حقيقية في هيكل الأجور في القطاعين الخاص والحكومي، فحين يصبح دخل أكثر من 40% من السكان أقل من 30 جنيها يوميا، فمعنى ذلك أن هناك شرائح عريضة من قوة العمل المصرية لم تبلغ الحد الأدنى للأجور الذي أعلنت عنه الحكومة، ويعادل  40 جنيها يوميا.   
مع الانتباه إلى حقيقة أثبتتها البحوث والدراسات وثيقة الصلة، وهي أن الفئات الأشد فقرًا ، لا يتمكنون طيلة حياتهم من تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، إلا بتدخل الدولة. كما أن هناك مشكلة في التوزيع الجغرافي للفقر في مصر، فالريف أكثر فقرا، وعدد الفقراء يزداد كلما اتجهنا جنوبا، ما يعني أن الدولة لا تزال تتبنى حتى الآن سياسات غير عادلة في توزيع الاستثمارات الحكومية على المناطق الحضرية والريفية، وعلى محافظات الجمهورية. ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في محافظات أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان، وتضم هذه المحافظات في ذات الوقت أفقر 100 قرية على مستوى الجمهورية.
(3-1) مكافحة الفقر
بالاستفادة من النماذج التنموية المشابهة، نذكر أن البرازيل خلال الفترة (2003-2011) تمكنت من التغلب على مشكلة الجوع والفقر الحاد، والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع. وقد اتبعت البرازيل خلال تلك الفترة، سياسة تقشفية لسد العجز الرهيب في الموازنة العامة دون المساس بالفقراء. وطبقت البرازيل برنامج الدعم المباشر للفقراء، على أساس إعطاء معونات مالية للأسر الفقيرة بقصد رفع مستواها وتحسين معيشتها. مع ربط هذه المعونات بشروط صارمة تشمل: التزام الأسرة بإرسال أطفالها للتعليم، والالتزام بالحصول على الأمصال واللقاحات للأطفال بشكل منتظم. وحقق هذا البرنامج نتائج متميزة خلال العقد الماضي، وفي نهاية الفترة نجحت البرازيل في نقل 23 مليون مواطن من منطقة الفقر، إلى منطقة الدخل المتوسط. وهو انجاز حضاري بكل المقاييس.
ويتعين على البرلمان والحكومة، العمل على أربعة محاور للتغلب على مشكلة الفقر، كالتالي:
(أ) التأكد من أن السياسة المالية تقوم: بحماية بنود الإنفاق العام التي تُعْنَى بالفقراء؛ ومن كفاءة الخدمات العامة التي يتم تقديمها إليهم؛ وأنها تغطي كل الشرائح السكانية؛ وأن تضمن هذه السياسات توفير ما يلزم من النهوض بالخدمات التعليمية والصحية، ومشروعات البنية الأساسية في الريف والمناطق المهمشة.
(ب) الاستفادة من التجارب التنموية العالمية، وعلى رأسها التجربة البرازيلية في تعزيز شبكات الضمان الاجتماعي، وتمكينها من تقديم الدعم والخدمات المباشرة للفقراء بكفاءة، مع توفير قاعدة معلومات حديثة، لمنع استفادة القادرين من هذه الشبكات.
(ج) سن التشريعات اللازمة لاستكمال منظومة الإصلاح الضريبي في مصر، لتوفير الموارد اللازمة للصرف على البرامج الاجتماعية.
(د) مراقبة أداء الحكومة لضمان تطبيقها لمواد الدستور فيما يتعلق بنسبة الصرف على بنود الصحة والتعليم وإسكان محدودي الدخل، ومكافحة الفقر.
أثبتت التجربة فشل جهود مكافحة الأمية في مصر، فقد آن الأوان لتغيير السياسات التقليدية الخاصة بمكافحة هذه المشكلة
(4) مشكلة البطالة وتشغيل الشباب
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة في مصر يقترب من نسبة 14% من قوة العمل في مصر. مع الالتفات إلى أن  سوق العمل لا تزال في احتياج لنسبة معتبرة من العمالة غير المتوفرة، بسبب  انخفاض الخصائص الفنية - نوع التعليم والتدريب- للقوة العاطلة عن العمل، بحيث أصبحت العمالة المتوفرة غير صالحة لاحتياجات سوق العمل، وهي مشكلة تتفاقم كلما حدث تطور معرفي وتكنولوجي في إدارة وتشغيل المؤسسات الاقتصادية.  ويبدو ذلك واضحا من الحالة التعليمية للقوة العاملة الحالية في مصر، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 24,2% من قوة العمل المصرية من الأميين، بينما 10,5% يقرأون ويكتبون،  13,6% مؤهل متوسط  فأقل، 51,7% مؤهلات فوق متوسطة فأعلى.
يضاف إلى تدهور الرأسمال العلمي والمهاري لدى القوة العاملة العاطلة، مشكلة الخلل في توزيع القطاعات الاقتصادية في مصر (الزراعة، الصناعة، الخدمات)، حيث يعتبر القطاع الخدمي أكبر طالب للعمل في مصر، لأنه يستوعب نحو 62% من قوة العمل. في حين يستوعب القطاع الصناعي ما يقرب من 12% ، والباقي للمشتغلين في الزراعة.
(4-1) التصدي لمشكلة البطالة
الحد من البطالة، يستلزم العمل في خمسة مسارات: (أ) ضمان الاستمرار في تنفيذ برامج وسياسات مكافحة الفساد، وبرامج التحكم في النمو السكاني (ب)إعادة النظر في منظومة القوانين والتشريعات المرتبطة بالاستثمار، وحسم المشكلات البيروقراطية المزمنة الخاصة بفتح المجالات الاقتصادية للاستثمار الخارجي. (ج) تبني برامج طموحة لتأهيل وتدريب الشباب لسد العجز في العمالة النوعية في مصر. (د) إعادة النظر في برامج دعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، بحيث تتولى الدولة، مهمة الربط والتكامل بين هذه المشاريع، وتسويق منتجاتها، مع التوسع في منح القروض الصغيرة والمتوسطة ذات الفائدة المنخفضة.
 (و) علاج الخلل في القطاعات الاقتصادية، مع تفعيل دور المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، وإدارتها بروح مؤسسات القطاع الخاص، ترشيدا للموارد وتعظيما للمخرجات، وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجربة الماليزية التي تمكنت عبر خططها الخمسية منذ نهاية السبعينيات أن تعظم دور القطاع العام، وتمكنت من التغلب على مشكلة البطالة وإحداث طفرات اقتصادية مشهودة.
(5) الأمية   
تتبنى الدولة منذ عام 1976، سياسات وبرامج لمكافحة الأمية، باعتبارها من أهم المشكلات الاجتماعية متعددة الجوانب والآثار. غير أن مردود هذه السياسات لم يرق للمستوى المطلوب، فما تزال مصر تقع ضمن أكثر بلدان العالم التي ترتفع فيها معدلات الأمية. حيث تشير آخر إحصاءات منظمة اليونسكو، أن موريتانيا واليمن والمغرب ومصر، على التوالي، تعد من أضعف البلدان العربية معالجة لمشكلة الأمية.
والواقع أن هناك صعوبة كبيرة في حصر نسبة الأمية في مصر، بسبب تضارب البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية، واعتمادا على بيانات الجهاز المركزي للإحصاء (2013)، نجد أن نسبة الأمية داخل   الفئة العمرية (10 سنوات فأكبر)  تبلغ  25,9% ما يعادل 17,2 مليون أمي في مصر، و يتبقى لدينا نسبة أخرى، خارج الإحصاء، وتشمل الذين لم يلتحقوا بالنظام التعليم من الأساس، فمعدل القيد الصافي في مرحلة التعليم الابتدائي في العام الدراسي (2013/2014) بلغت 90,4% على معنى أن لدينا ما يقرب من 10% من الأطفال لم يلتحقوا بحلقة التعليم الابتدائي، وعددهم نحو 900 ألف طفل، وهي نسبة كبيرة تعد أساس لتراكم أزمة الأمية في مصر. يضاف إليها بعد ذلك، المتسربين من التعليم في الحلقتين الابتدائية والإعدادية، ويمثلون نحو  5% من الفئة العمرية، بحسب بيانات المجلس القومي للسكان. ويمكن أن نستنتج بناء على المتاح من البيانات، أن عدد الأميين في مصر، يتجاوز 18 مليون نسمة.
(5-1) مكافحة الأمية
بعد أن أثبتت التجربة فشل جهود مكافحة الأمية في مصر، فقد آن الأوان لتغيير السياسات التقليدية الخاصة بمكافحة هذه المشكلة، ونقترح ما يلي:
(أ) إلغاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار. حيث إن هذه الهيئة تمثل عبئا على الدولة، تستنزف الموارد دون تحقيق أهداف ملفتة في مجال محو الأمية، والمقترح إعادة ضمها إلى وزارة التربية والتعليم، وعودة نظام التعليم الليلي، استغلالا للبنية الأساسية لوزارة التربية والتعليم، مع إيجاد الحوافز المادية اللازمة لجذب الراغبين في محو الأمية.
(ب) رفع جودة التعليم الابتدائي في مصر، وإعادة توجيه الموارد اللازمة للتوسع في البنية الأساسية لهذه المرحلة، للوصول إلى مستوى الاستيعاب الكامل للأطفال في هذه المرحلة. وهذا المقترح رغم تكاليفه المرتفعة، فإنه يؤدي إلى تجميد نسبة الأمية على المدى القصير، وانخفاضها على المدى المتوسط والبعيد تدريجيا.
أن معدل البطالة في مصر يقترب من نسبة 14% من قوة العمل في مصر
(ج) إلزام المنظمات الأهلية في مصر، وعددها نحو 44 ألف جمعية، بشراكة جادة مع الدولة في ميدان مكافحة الأمية، وربط الخدمات التي تقدمها الدولة لهذه الجمعيات بتحقيق أهداف الحد من الأمية.
(د) تركيز الجهود على مكافحة الأمية للسكان أقل من 15 عاما، وفي هذا الصدد، يمكن الاستفادة من التجربة الرائدة للجمعية المصرية للتنمية الحضارية، أسسها الدكتور إبراهيم أبو العيش. وقد تبنت الجمعية مشروعا لمكافحة الأمية بمنطقة بلبيس محافظة الشرقية، يقوم على تقديم خدمات تعليمية وثقافية، تهدف لمساعدة الأميين (أقل من 15عاما) على تعلم القراءة والكتابة، بجانب المهارات الاجتماعية التي تمكنهم من إدارة شئون حياتهم، وتشجعهم على المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية، لذلك فالأطفال الملتحقون بهذا البرنامج، الذين ينتمون إلى أسر فقيرة تدفع بأطفالها غالبًا لسوق العمل، يتلقون بجانب دروس القراءة والكتابة دروسًا أخرى تحثهم على التفكير والابتكار، مثل الرسم والموسيقى واللعب، بجانب التدريب المكثف على بعض المهارات الحرفية، وحققت التجربة نتائج متميزة بشهادة المنظمات الدولية.
 (6) مشكلة الإدمان
ويعد الإدمان من المشكلات الاجتماعية الملحة في مصر، والتي تحتاج إلى تضافر جهود الدولة والمجتمع، على عدة مستويات للشروع في تنفيذ برامج نفسية واجتماعية واقتصادية. خاصة  بعد أن فاق معدل الإدمان بين المصريين أربعة أضعاف المعدل العالمي، حتى أصبحت سوق المواد المخدرة والمهلوسة في مصر من أكبر أسواق الشرق الأوسط، بسبب انتشار التعاطي بين كل طبقات المجتمع، أغنياء وفقراء، في الريف والحضر، وبين كل الفئات العمرية. وتشير الدراسات إلى أن المشكلة تفاقمت في العشر سنوات الأخيرة، بعد الانتشار الخطير لتعاطي المواد المسكنة (الترامادول) بين الرجال(أكبر من 30 عاما) أملا في الحصول على حياة جنسية ناجحة، ما أدى إلى دخول شرائح عمرية عريضة إلى عالم الإدمان، دون أن يرتبط ذلك بممارسة المدمن الجديد للتدخين كما جرت العادة.
لا يمكن الوصول إلى تقديرات كمية دقيقة حول نسبة الإدمان في مصر، مع أن بعض تقارير مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات، تشير إلى أن 20% من السكان يتعاطون نوعا أو أكثر من مواد الإدمان، ترتفع هذه النسبة إلى 30% من مجموع السكان في عمر الشباب. ورغم أنه لا توجد جهة رسمية تستطيع تأكيد صحة هذا التقدير أو نفيه. فإن تقرير المكتب المذكور في 2014 عن المواد المضبوطة، يعطينا مؤشرًا عن صحة هذه النسبة، فقد أشار التقرير إلى أن السلطات المصرية نجحت في عام 2012 من ضبط (212 طن حشيش، 93 طنا من نبات البانجو، 75 كجم من الهيروين، 65 مليون قرص ترامادول). وبطبيعة الحال، فإن كمية المضبوطات، لا تتجاوز في أفضل الحالات 10% من كمية المواد التي يتم تداولها في سوق المخدرات في مصر. ما يحتم التعامل مع  المشكلة بالجدية المطلوبة.
(6-1) مكافحة الإدمان
لا شك أن التغلب على المشكلات السابق ذكرها، له مردود إيجابي على خفض معدلات المُقْدمين على الإدمان في مصر، وتبقى الخطط والبرامج اللازمة للوصول بالمعدل إلى المستوى العالمي (5% من جملة السكان)، وهو ما يستلزم: (أ) تضافر جهود المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية، بجانب المؤسسة الأمنية والقضائية. (ب) فضلا عن جهود الدولة في مراجعة التشريعات الضرورية لمواجهة جريمة الاتجار بالمخدرات، وسن قوانين أكثر صرامة من القوانين الحالية، وتفعيل الرقابة على المنافذ الحدودية، وكذلك تعقب عمليات تخليق وتصنيع المواد المخدرة داخل مصر. (ج) بسط مظلة صحية شاملة وجاذبة، لمعالجة المواطنين المصابين بالداء ومساعدتهم على التخلص من الإدمان. مع ضرورة أن تكون تكاليف العلاج مدعومة من الدولة، ومناسبة اقتصاديا لكافة الفئات،  أخذًا في الاعتبار أن حجم الإنفاق على معالجة المصابين بالإدمان، لا تقارن بحجم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي يتكبدها المجتمع من زيادة أعداد المدمنين. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟