المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

دفاعا عن الدولة الوطنية التنموية

الخميس 18/فبراير/2016 - 02:40 م

كان خطاب الرئيس «عبدالفتاح السيسى» الذى ألقاه فى مجلس النواب أمام النواب المحترمين فى الثالث عشر من فبراير2016 تتويجاً لمسيرة شعبية ظافرة بدأت فى 30 يونيو حين ازدحمت الميادين والشوارع بملايين المصريين من كافة الطبقات والتوجهات منادية بإسقاط الحكم الإخوانى الديكتاتورى وعزل الرئيس «محمد مرسى»، والذى كان يصدر قراراته بتوجيهات ملزمة من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين. ولم تتردد القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع آنذاك الفريق أول «عبدالفتاح السيسى» فى دعم هذه الثورة الشعبية. وبعد عزل «مرسى» أعلن «السيسى» فى حضور ممثلى الشعب خارطة الطريق فى 3 يوليو والتى تمثلت فى إصدار دستور جديد، وانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل مجلس نواب جديد عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.

وهكذا يمكن القول إن خطاب الرئيس فى مجلس الشعب كان ذروة استكمال خارطة الطريق.

والواقع أننا إذا أردنا أن نستخلص المحاور الرئيسية التى قام على أساسها خطاب الرئيس لقلنا إنها تتمثل فى موضوعين أساسيين. الأول هو نجاح الشعب فى استرداد الدولة الوطنية والتى كانت فى طريقها إلى الذوبان فى سياق خطة «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع» التى بدأت جماعة الإخوان المسلمين فى تنفيذها فور تولى «محمد مرسى» منصب رئاسة الجمهورية. ويدل على ذلك التصريح الشهير لمرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور «بديع» الذى صرح به عقب نجاح الإخوان فى الحصول على الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى حين قال يبدو أن حلم حسن البنا فى استرداد الخلافة الإسلامية قد قارب على التحقق. ويقصد بذلك إلغاء الدولة الوطنية فى مصر وتحويلها إلى مجرد ولاية من ولايات الخلافة التى ستكون القدس هى عاصمتها وليست القاهرة كما صرح بذلك «صفوت حجازى» أحد قادة الجماعة المتطرفة.

ويقرر الرئيس «السيسى» بهذا الصدد «..كانت نتائج الانتخابات تعبيرا جليا عن إرادة الشعب المصرى العظيم واستكملنا -نحن المصريين- خارطة المستقبل التى توافقنا عليها جميعا يوم قررنا استعادة الوطن ممن أرادوا اختطافه لحساب أهدافهم المنحرفة ومصالحهم الضيقة».

 

وأضاف «لقد استطاع شعبنا العظيم أن يفتقر للحرية والديمقراطية، لقد استطاع أن يستعيد حلمه للمستقبل فى مواجهة دعاوى الردة ودعاة التخلف».

وفى مجال تحديد الأهداف الكبرى قرر الرئيس «أننا ماضون قدما فى مشروع وطنى لبناء الدولة الحديثة ولن نسمح لأحد أن يعرقل مسيرة الانطلاق نحو البناء السياسى والتقدم الاقتصادى والنهوض الاجتماعى والثقافى والمعرفى والتكنولوجى» والواقع أنه تكمن فى هذه العبارات الوعى الدقيق بالمرحلة التى تمر بها الحضارة الإنسانية فى الوقت الراهن والتى تتميز بالتركيز على تحقيق التنمية المستدامة فى سياق الانتقال من مجتمع المعلومات العالمى إلى مجتمع المعرفة وعلى أساس أن تكون الأهداف العليا للتنمية هى تخفيض معدل عدم المساواة فى المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإشباع الحاجات الأساسية للجماهير العريضة.

ولعل تركيز خطاب الرئيس الأساسى على موضوع التنمية كما ظهر من استعراضه لما تم تخطيطه وتنفيذه من مشروعات قومية كبرى يؤكد ما أطلقنا عليه فى سلسلة مقالات سابقة «عودة الدولة التنموية».

والدولة التنموية - بحسب التعريف فى بحوث الاقتصاد السياسى- هى الدولة التى تخطط للتنمية من خلال أجهزتها المتخصصة، وتقوم بتنفيذ المشاريع العامة مع عدم استبعاد القطاع الخاص، وإن كان سيعمل تحت إشرافها ورقابتها منعا لتولد الفساد الذى أدى فى عصر «مبارك» من خلال الزواج المحرم بين أهل السلطة ورجال الأعمال إلى إثراء القلة وإفقار ملايين المصريين.

والدولة التنموية لها سوابق فى التاريخ المصرى. ولعل «محمد على» هو رائد هذا الشكل من أشكال الدولة لأنه خطط لتحديث مصر اقتصاديا وإداريا وصناعيا وزراعيا وعلميا. غير أن تجربته شابها عيوب الاحتكار لأنه لم يسمح بقيام طبقات اجتماعية تشارك فى التنمية. وكانت التجربة الثانية البارزة فى تأسيس الدولة التنموية هى تجربة ثورة 23 يوليو 1952 والتى كانت نموذجا حديثاً للدولة التنموية التى تأخذ على عاتقها التخطيط للتنمية كما حدث فى الخطة الخمسية الأولى والثانية. غير أن الذى عاب هذه التجربة هو أن الثورة قامت بتأميم مؤسسات القطاع الخاص وتمصير المؤسسات والشركات الأجنبية بعد عام 1956. وكانت هذه الإجراءات فى تقديرنا من بين أسباب فشل الخطة الخمسية الثانية لأن الدولة أثقلت كاهلها أعباء القطاع العام ومشكلاته المتعددة.

مع أن القطاع الخاص لو أتيح له أن يشارك فى التنمية لكانت المحصلة النهائية أفضل بكثير مما تم.

والدولة التنموية الجديدة التفتت إلى التنويع فى مجال الاستثمار وعدم قصره على المشروعات القومية الكبرى بالرغم من ميزاتها فى كونها ستتيح لآلاف المواطنين فرص عمل جيدة، ولذلك قرر الرئيس أن عام 2016 سيكون عاما للشباب «لتبدأ الدولة فى تنفيذ مشروع قومى لتمويل مشروعات الشباب الصغيرة ومتناهية الصغر بقيمة 200 مليار جنيه» وذلك بالإضافة إلى خطة تطوير مراكز الشباب.

ويلفت النظر حقا فى خطاب الرئيس ما قرره أنه «لكى نبنى مصر المستقبل علينا أن نعيد صياغة وبناء الشخصية المصرية على أساس علمى ومعرفى ولذلك فإن قضية التعليم والمعرفة تمثل لنا أمنا قوميا وتأتى على رأس أولويات الدولة المصرية».

وفى تقديرنا أن هذه الإشارة بالغة الأهمية لأن الشخصية المصرية فى رحلتها الطويلة من نكسة حرب يونيو 1967، والتى غلبت عليها الشخصية السلبية، إلى انتصار أكتوبر 1973، والذى انبثقت فيه الشخصية الإيجابية والتى تمثلت فى رفض الهزيمة والانتصار التاريخى على القوات الإسرائيلية الغازية، سرعان ما تدهورت فى عصر الرئيس «السادات» بعد انتهاء الحرب نتيجة لإلغاء السياسات الاشتراكية التى صممت لمصلحة الجماهير العريضة، وفتح الباب أمام الانفتاح الاقتصادى العشوائى والذى أدى إلى إثراء القلة وإفقار الغالبية. وقد استمر الرئيس السابق «مبارك» فى هذا الاتجاه وقام نظامه بخصخصة مشروعات القطاع العام فى صفقات شابها الفساد، مما أدى إلى تسريح العمال وشيوع الظلم الاجتماعى وسيادة الفقر.

وقد أدى الاختمار الثورى الذى استمر فى العشر سنوات الأخيرة من حكم «مبارك» إلى انبثاق الشخصية المصرية الثورية التى قامت بثورة 25 يناير والتى شارك فيها ملايين المصريين رجالاً ونساء. غير أن المسار المتعثر للثورة أدى إلى اختلاط الثورة بالفوضى، والتى تمثلت فى مظاهرات عشوائية، وسلوك اجتماعى معيب وانحدار للقيم فى مجال التعامل الاجتماعى والإدارى.

ومن هنا تأتى الإشارة المهمة للرئيس «السيسى» فى خطابه عن الحاجة إلى إعادة صياغة الشخصية المصرية حتى نصل إلى نقطة التوازن والتى من شأنها تحييد العناصر السلبية وإعلاء المفردات الإيجابية من خلال العلم والمعرفة وتجديد الخطاب الدينى فى دولة تؤمن حقا بتحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟