تساؤلات مطروحة: حول خلافة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية
تتسم السياسة الداخلية الإيرانية بنوع من التشابك والتداخل، خاصة فيما يتعلق بالأمور الخاصة بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية اللـه علي خامنئي، واعتبار كل ما يتعلق بالمرشد الأعلى أو الولي الفقيه أمرًا على درجة عالية من الحساسية، خاصة بعد توارد الأنباء عن صعوبة أوضاعه الصحية خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى أن حدث أمران لا يقلان أهمية عن بعضهما، فتعلق الأمر الأول بإعلان رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام والرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رافسنجاني عن تشكيل لجنة تبت في أهلية المرشحين لتولي منصب المرشد الأعلى، وتعلق الأمر الثاني، بقيام حسن الخميني أحد أحفاد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية اللـه روح اللـه الخميني، بالترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة الإيرانية، المزمع إجراؤها في فبراير 2016، وهما كان لهما دور في تحريك المياه الراكدة والبحث في ملفات مسكوت عنها، خاصة في ظل الصراع المستتر بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي على خلفية عدد من القضايا وفي مقدمتها الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، وصولا إلى البحث عن خليفة للمرشد الأعلى الحالي.
ولذلك سوف تسعى الدراسة إلى تقديم تحليل حول أهم المرشحين لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، والعقبات أمام ترشح كل منهم، وترتيبات فترة ما بعد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وتداعيات هذا على مجمل الأوضاع الداخلية والخارجية للدولة الإيرانية من خلال طرح عدد من السيناريوهات المطروحة في هذا الخصوص، في ظل ما حققته إيران خلال الفترة الماضية من حكم الرئيس الحالي حسن روحاني من تقدم وانفتاح ملحوظ مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
أولًا- المرشد الأعلى في إيران: من الناحية القانونية، والمهام والصلاحيات
تأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إسقاط نظام الشاه عام 1979، حيث اختار المجلس التأسيسي لخبراء القيادة آية اللـه الخميني ليكون مرشدًا عامًا ووليًا للأمر، بينما كان آية اللـه علي خامنئي في مجلس الشورى الذي أنشأه الخميني بعد الثورة، وتولى عدة مناصب سياسية وتشريعية في الدولة خلال سنوات حكمه، إلى أن تولى منصب المرشد الأعلى في بعد وفاة الخميني عام 1989، بعد أن اختارته نخب النظام الحاكم -الحرس الثوري الإيراني ومجلس الخبراء – وذلك بعد تجاوز أزمة الخلافة في عام 1989 من خلال القيام بعدد من التعديلات القانونية مما سمح لرجال الدين من المرتبة الأدنى، بالتأهل لمنصب المرشد الأعلى وإلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، حيث سمحت هذه التغييرات لعلي خامنئي أن يكون مؤهلًا لمنصب مرشد الثورة.
أ- من الناحية القانونية
يعد مبدأ "ولاية الفقيه" أحد أبرز المبادئ في الدستور الإيراني، حيث تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني، على أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، وهو المنوط بـ "ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفء في الإدارة والتدبير"، وذلك وفقًا للفصل الثامن من الدستور والمادة ( 107)، حيث تنص هذه المادة (1)، بأن توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قِبل الشعب، وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخصوا فردا منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة (109) انتخبوه للقيادة، وإلّا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا، ويتمتع القائد المنتخَب بولاية الأمر ويتحمل كل المسئوليات الناشئة عن ذلك. وينص الدستور على مساواته مع كل أفراد البلاد أمام القانون (2).
أما فيما يتعلق بالصفات أو الشروط الواجب توافرها في عملية اختيار المرشد الأعلى بحسب المادة 109 من الدستور الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه، والعدالة والتقوى اللاّزمتان لقيادة الأمة الإسلامية، والرؤية السياسية والاجتماعية الصحيحة، والتدبير والشجاعة والكفاءة الإدارية والقدرة الكافية للقيادة.
عند عجز المرشد عن أداء وظائفه القانونية أو فقده أحد الشروط المذكورة في المادتين (105) و(109)، أو فقدانه لبعضها، فيتم عزله من منصبه، وفق ما تنص عليه المادة (111) من الدستور، ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة (108).
ب- صلاحيات المرشد
يعد منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، هو المنصب الأول والأعلى والأكثر تأثيرًا ونفوذًا في الجمهورية الإسلامية، وتمتد صلاحياته التي يضمنها الدستور لكل السلطات، ولكل مفاصل الدولة (3)، فالولي الفقيه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسئول عن إعلان الحرب والسلام، وهو من يعين ويعزل رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وقائد الحرس الثوري، وقادة الأمن والمسئولين في المناصب العليا في المؤسسات الأمنية (4).
وتمتد صلاحياته لتشمل تعيين وعزل رئيس مجلس صيانة الدستور، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران، كما يصادق المرشد على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ويملك صلاحية عزله والحد من سلطته، وهو بالفعل ما حدث مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، بعد أن اشتد الخلاف بينه وبين المرشد على إثر الخلاف حول إدارة الملفات الداخلية والخارجية.
كما تتولى "مؤسسة القائد" التحضير والمتابعة لأنشطة الولي الفقيه، وله العديد من الممثلين ينتشرون في جميع مؤسسات الدولة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية والأمنية، علاوة على وجود ممثلين له في عدد من الدول. بالإضافة إلى، أنه يمتلك صلاحيات أشبه بالصلاحيات المطلقة بشئون البلاد الداخلية والخارجية، إذ إن الدستور الإيراني ينص في المادة 110 على أن المرشد الأعلى مسئول عن رسم وصياغة السياسات العليا للدولة الإيرانية والإشراف على أدائها، وحل مشاكل النظام.
ج-المؤسسات الإيرانية المعنية بالاختيار
يرجع اختيار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية إلى مجلس خبراء القيادة، ويضم الآن 86 عضوا، يتم اختيارهم بالاستفتاء الشعبي المباشر لدورة واحدة كل ثماني سنوات، ذلك بحسب المادة (107) من الدستور الإيراني، وهو الهيئة الدستورية الوحيدة التي تملك الصلاحيات لعزل المرشد بحسب المادة (111)، ولكنه لم يستخدم هذا الحق منذ تشكيله عام 1979، وحتى المرحلة الحالية (5).
حيث يتولى آية اللـه محمد يزدي رئاسة مجلس الخبراء، بعد أن فاز بالمنصب بأصوات 47 من أعضاء المجلس بعد منافسة قوية مع الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي حاز على 24 صوتًا ، وبعد انسحاب آية اللـه محمود شاهرودي من المنافسة، وذلك عقب وفاة رئيسه محمد رضا مهدوي كني في أكتوبر 2014، حيث أثبتت هذه الانتخابات المحافظة على تركيبة المجلس الأصولية. إن المتابع الدقيق لمسار عمل مجلس الخبراء في إيران منذ إنشائه، ليلاحظ أن مجلس دائما ما يكون في قلب عملية التجاذب والخلاف السياسي، الأمر الذي تجلى مع إبعاد المرشد الأعلى علي خامنئي للسيد هاشمي رافسنجاني عام 2009 على خلفية التظاهرات التي اندلعت في إيران عام 2009 عقب نجاح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسة ثانية، وهو ما سيفرض العديد من التداعيات خلال المرحلة القادمة على عملية اختيار المرشد الجديد (6).
ثانيًا- أهم الأسماء المطروحة لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي
قبل التطرق إلى عرض أهم السيناريوهات المتوقعة بشأن الخليفة المحتمل لعلي خامنئي المرشد الأعلى الحالي، يمكن استعراض أهم المرشحين المحتملين لهذا المنصب الرفيع، وعرض أهم موقف القوى السياسية ذات الثقل من هذه الترشيحات، وهو ما يمكن إيجازه في الأسماء التالية:
1- آية اللـه هاشمي شاهرودي: ولد في مدينة النجف، وأول من تزعم المجلس الأعلى في العراق، وهو ما يمكن أن يعطي له تأييدًا قويًا في كل من المركزين الشيعيين في النجف وفي قم، كما ترأس السلطة القضائية في الفترة (1999 و2009)، ويرتبط شاهرودي بعلاقات وثيقة مع المرشد الأعلى علي خامنئي، وعلاقات متوازنة مع آية اللـه رفسنجاني ومحمد خاتمي كما حصل على رتبة "مرجع تقليد"، وهي رتبة دينية رفيعة في المؤسسة الدينية الشيعية مخول لها إصدار الفتاوى، ليصبح بذلك ضمن عدد قليل ممن يحملون صفات تخولهم لمنصب المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية، كما يشغل شاهرودي اليوم منصب رئيس الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث في إيران، والتي تشكلت بأمر من خامنئي في العام 2011، وهو عضو في مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
وعلى الرغم من أن مؤهلات شاهرودي تعطيه مزايا تجعل فرصته في تقلد هذا المنصب وفيرة، بالإضافة إلى أنه ينظر إليه باعتباره محافظا معتدلا، فإنه في الوقت ذاته يواجه عقبات كثيرة تحول دون المنصب، لعل من أبرزها أصوله العراقية ورئاسته للمجلس الأعلى في العراق واحدة من هذه العقبات التي تثير أسئلة بشأن هويته الإيرانية، فضلًا عن افتقاده للكاريزما الشعبية.
2- آية اللـه مصباح يزدي: وهو من مواليد يزد يعد مصباح يزدي شخصية أصولية بارزة، وقد كان مواظبا على دروس الخميني، ولذلك فهو محسوب على التيار المحافظ اليميني، كما يرأس مصباح يزدي مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في مدينة قم، بتعيين من المرشد، ورئاسة المجلس الأعلى للمجمع العالمي لأهل البيت بمدينه قم، وعلى الرغم مما يتمتع به مكانة رفيعة، فإنه لا يحظى بشعبية واسعة، علاوة على قوة خصومه ومنهم رجال دين بارزون في قم، فضلًا عن أنه لا يحظى بأي تأييد داخل التيار الإصلاحي، حيث سبق أن هاجم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في واحدة من خطب الجمعة، ووصفه بأنه انحرف عن أصول الثورة (7).
ولكن إذا تمت قراءة هذا الأمر من ناحية أن اختيار المرشد الأعلى لن يحسم فقط من خلال مجلس الخبراء بينما سيتم من خلال النخب السياسية المؤثرة، فإن الاختيار سيكون لرجل الدين المتشدد مصباح يزدي نظرًا لصلته الوطيدة بالحرس الثوري ومساندته له، ولذلك فمن المتوقع أن يكون للحرس الثوري الايراني الدور الأكبر في حال حصول مصباح يزدي على هذا المنصب.
1- مجتبى خامنئي: من مواليد 1969 في مدينه طهران، وهو الابن الثاني لعلي خامنئي ويأتي في مقدمة الأسماء التي تطرح على هذا الصعيد، فهو ما زال شابا مقارنة بباقي المرشحين ، ولديه نفوذ مالي وأمني، ويحصل على تأييد الحرس الثوري وقوات التعبئة "باسيج"، وعدد من كبار القادة العسكريين والسياسيين في إيران، بالإضافة إلى تأييد عدد من رجال الدين، في مقدمتهم آية اللـه مصباح يزدي، وانخرط في الدروس الدينية سعيا للوصول إلى مرتبة مجتهد(8)، وقد تعاظم حضور مجتبى ونفوذه الداخلي خلال السنوات الأخيرة في مختلف المؤسسات القوية في إيران، علاوة على علاقاته القوية مع حزب اللـه اللبناني، ولكن على صعيد آخر لا يحظى مجتبى خامنئي بتأييد داخل التيارات الإصلاحية، خاصة تيار رفسنجاني، ومن الملاحظ أن بداية ظهور اسمه كان خلال احتجاجات التي دعا إليها مهدي كروبي على نتائج انتخابات 2005.
لكن من أبرز نقاط ضعف مجتبى خامنئي صعوبة حصوله على دعم الحوزة العلمية في قم، خاصة وأنه لم يقدم ما يدعم موقعه في مجال الاجتهاد الديني، وكذلك صعوبة طرح فكرة "توريث ولاية الفقيه"، وقوة خصومه ومنافسيه على هذا المنصب خاصة أتباع الإمام الخميني المشهورين.
2- حسن الخميني: وهو حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية اللـه الخميني، وابن أحمد الخميني، ووالدته فاطمة الطبطبائي ابنة آية اللـه سلطاني، درس الخميني في الحوزة العلمية بمدينة قم، وفي الوقت الحالي فإنه من المدرسين البارزين في حوزة قم، ورغم أن حسن الخميني أظهر في أكثر من موقف أنه ليس على نفس الصفحة مع التيار الأصولي وأعضاء مجلس الخبراء فإن لديه إرثًا واحترامًا داخل المجتمع الإيراني، ويحظى بقبول كبير من الأوساط الإصلاحية وتيار رفسنجاني.
ويعد التغير في ميزان القوى في إيران إحدى أهم العقبات أمام حسن الخميني، نظرًا لوجود العديد من التكهنات باحتمالية منعه من الترشح لمجلس الخبراء، حيث إنه سبق أن ترشح مرات عدة إلى مجلس الشورى وكان يتم استبعاده، علاوة على صغر سنه (43 عاما)، وهو ما يمكن ترجمته بأنه قليل الخبرة بين المرشحين لمجلس الخبراء، وهو ما يصعب فرص وصوله إلى منصب المرشد الأعلى، ولكن من ناحية أخرى، يرى البعض في التيار الإصلاحي أن دخول حسن الخميني لمجلس الخبراء سيسمح بدوره تشكيل محور ثلاثي بينه وبين رفسنجاني وحسن روحاني في مقابل المحور الأصولي الذي يقوده المرجع محمد تقي مصباح يزدي وسكرتير مجلس صيانة الدستور احمد جنتي، وسكرتير هيئة التدريسيين في المؤسسة الدينية محمد يزدي.
1- آية اللـه أحمد خاتمي: وهو أحد أعضاء مجلس الخبراء ويلقي خطبة الجمعة في المسجد الكبير في طهران، وهو يحظى بقبول كبير في الأوساط الأصولية، وكذلك أوساط قادة الحرس الثوري، وهو عضو في مجلس الخبراء، ومدرسة الحوزة العلمية في قم، لديه مقاربات متشددة تجاه القضايا الاجتماعية والحجاب الإجباري، وانتقد بشدة دعوة رفسنجاني للرقابة على عمل المرشد، ولعل هذه النقاط من أهم أوجه ضعفه، علاوة على أنه لا يتمتع بقوة في مؤسسات انتخاب المرشد، وفرصه قليلة في الوصول إلى منصب المرشد الأعلى.
2- آية اللـه رافسنجاني: من مواليد عام 1934 في جنوب شرقي إيران وأحد أهم المناصرين والداعمين للخميني، وبعد الإطاحة بنظام الشاه رضا بهلوي وطد رفسنجاني مكانته مع قيام الثورة الإسلامية فازداد نفوذه تدريجيا وتولى منصب رئاسة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بين 1980 و1989، وفي آخر أعوام الحرب العراقية -الإيرانية (1980 - 1988) عينه الخميني قائدا للقوات المسلحة بالوكالة، كما وليَ رفسنجاني رئاسة الجمهورية لدورتين (1989 - 1997) أعاد خلالها إعمار إيران معتمدا سياسة الانفتاح الاقتصادي على الخارج وسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار، ولكن تم توجيه عدد من تهم الفساد له ولعدد من أفراد أسرته.
من أبرز نقاط التي قد تحول دون تمكنه من الوصول إلى منصب المرشد؛ أنه يعتبر رمزًا للاعتدال الذي يخل بمبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعدم انتمائه إلى آل البيت، علاوة على قوة المحافظين في مجالس انتخاب المرشد.
ثالثاً: أهم السيناريوهات المطروحة
أصبح من الصعب تحديد سيناريوهات محدودة لعملية خلافة المرشد الأعلى في إيران، كما حدث بعد وفاة الإمام الخميني عام 1989، حيث تكمن المعضلة الرئيسية ليس فقط في عملية اختيار البديل من بين عدد من الأسماء المطروحة، بل أصبح الأمر يكمن في كيفية إدارة المرحلة الانتقالية حتى يتم الاختيار والإعلان عن اسم المرشد الجديد دون وقوع أي صراعات داخلية قد تؤثر على قوة وتماسك الدولة الإيرانية، ولذلك فسوف يتم في هذا الجزء الأخير من الدراسة طرح عدد من السيناريوهات المتوقعة، في الآتي:
1- السيناريو الأول: ( الإبقاء على الوضع القائم): وذلك من خلال اختيار أحد الأسماء المطروحة والمرشحة لتولي هذا المنصب، على أن يتم اختيار مرجع ديني ذي ثقل وحضور سياسي وقبول شعبي إلى حد كبير، وهو ما يعني استمرار إعلاء مبدأ ولاية الفقيه، وإعطاء رجال الدين دورا كبيرا في إدارة شئون الدولة، والإمساك بزمام الأمور في المجتمع، وهو السيناريو الذي يؤيده علماء الحوزة العلمية في قم، وكذلك الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يعني دخول إيران في إطار سيطرة المحافظين المتشددين بصورة أوسع، وهو ما ستكون له تداعيات مباشرة على علاقة إيران بالغرب في ظل التخوف الغربي من هذا الأمر.
2- السيناريو الثاني: (إلغاء منصب المرشد الأعلى): وذلك من خلال تشكيل مجلس قيادي مكون من عدد من رجال الدين ليتولى هذا المجلس القيادة بدلا من المرشد، ومن أهم المطالبين بهذا الاقتراح عدد من رموز التيار الإصلاحي كرفسنجاني بدعم وتأييد ضمن من الرئيس حسن روحاني، ولذلك سوف تكون انتخابات مجلس الخبراء المزمع إجراؤها في فبراير 2016 اختبارا حقيقيا لهم، ولمدى قدرتهم على تطبيق مبدأ "شورى القيادة "، وعلى صعيد آخر يمكن قراءة هذا السيناريو بأنه سوف يتسبب في خلل في صلب النظام السياسي الإيراني، ويفتح المجال لصراعات داخلية تؤثر على استقرار وتماسك الدولة الإيرانية.
إذن، وعلى الرغم من نقاط قوة وضعف كل اسم من الأسماء سابقة الذكر، فإن اختيار المرشد الأعلى الجديد لن يتوقف على هذه النقاط فحسب، وكذلك ليس فقط على مجلس الخبراء، بل سيتوقف الأمر على عدد من النقاط الرئيسية لعل من أهمها:
1- دور الحرس الثوري الإيراني: نظرًا لتحكم الحرس الثوري في عدد كبير من مفاصل الدولة الإيرانية خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فسيكون هو اللاعب الرئيسي في عملية اختيار الخليفة الجديد، علاوة على دوره الحيوي والفاعل في ضبط الأوضاع الأمنية الداخلية، في حال حدوث اضطرابات شعبية خلال المرحلة الانتقالية، أو في حال حدوث صراعات مفصلية بين المحافظين والإصلاحيين على المنصب، وما لذلك من تداعيات على تماسك الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لذلك فسوف يحرص الحرس الثوري الإيراني على الحفاظ على السيناريو التقليدي الحالي، وتقويض أي فرص لوصول شخصية معتدلة لهذا المنصب.
2- نتائج انتخابات مجلس الخبراء في فبراير 2016: حيث إن بقاء سيطرة التيار الأصولي على تركيبه المجلس على حساب التيار الإصلاحي ستعطي مؤشرًا على طبيعة المرشد القادم، خاصة أنه خلال السنوات العشر الماضية حصل المحافظون على معظم مقاعد مجلس الخبراء والبرلمان.
الهوامش:
1- الدستور الإيراني، المادة الخامسة، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
2- الدستور الإيراني، المادة 107، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
3- الدستور
الإيراني، المادة 110، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
4- كريم سجادبور، في فهم الإمام الخامنئي: رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، مؤسسة كارنيغي للسلام، 2008،http://carnegieendowment.org/files/reading.pdf
5- الدستور الإيراني، موقع وزارة الخارجية الإيرانية: http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
6- مروة وحيد، " هيمنه المحافظين: انتخاب يزدي رئيس لمجلس خبراء النظام في إيران"، مركز روابط للبحوث والدراسات السياسية، 15 مارس2015.
7- السيرة الذاتية، الموقع الرسمي لآية اللـه مصباح يزدي، مارس
2015:
http://mesbahyazdi.org/arabic/?biography/index.htm
8- كريم سجادبور، في فهم الإمام الخامنئي: رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، مؤسسة كارنيغي للسلام، 2008 http://carnegieendowment.org/files/reading.pdf