تطورات مختلفة: السلطة القضائية وبناء الدستور في بعض دول الثورات العربية
الثلاثاء 16/فبراير/2016 - 10:21 ص
د. إبراهيم منشاوي
أحدثت ثورات الربيع العربي نقلة كبيرة في عمليات الإصلاح داخل بعض الدول العربية، حيث طالت تلك العملية نواحي عدة منها؛ الإصلاح الدستوري والتشريعي، وقد لعبت السلطة القضائية دورًا مهمًا في هذا الإطار، خاصة دورها في التأثير على بعض جوانب عملية بناء الدساتير في دول الثورات العربية. وقد انطلقت السلطة القضائية في لعب ذلك الدور المؤثر من خلال الحق المخول لها دستوريًا والمتمثل في دورها في الرقابة على دستورية القوانين بواسطة المحكمة الدستورية العليا في مصر، والمحكمة العليا في ليبيا على سبيل المثال، بالإضافة إلى دور القضاة كخبراء أو قانونيين شاركوا كمستشارين معينين في اللجان المختلفة التي شكلت لوضع الدساتير.
تخللت عملية وضع دستور 2012، محاولات عدة جرت لتغيير وضع السلطة القضائية في الدستور خاصة المحكمة الدستورية العليا
أولا: التجربة المصرية
كان الدور الأبرز الذي لعبته السلطة القضائية في مصر عقب وصول الإسلاميين إلى السلطة. ففي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، أصدر المجلس الأعلى للقوات المصرية، الذي تولى بصورة مؤقتة إدارة شئون البلاد، بيانًا دستوريًا تضمن تعطيل العمل بأحكام دستور 1971، وإجراء تعديل دستوري تم طرحه للاستفتاء العام في 19 مارس 2011، تضمنت مادة منه تحديد آلية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وفي 30 مارس 2011 أصدر المجلس العسكري إعلانًا دستوريًا من 63 مادة، منها المادة 60 التي نصت على تشكيل تلك الجمعية.
وبالفعل تم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية الأولى ( 100 عضو) في 24 مارس 2012، ولكن نتيجة لوجود استقطابات أدت في بعض الحالات إلى الاحتقان بين التيارات الفاعلة في المجتمع المصري، وبروز خلافات في وجهات النظر حول عدد من القضايا لعل أهمها علاقة الدين بالدولة، وديمقراطية الحكم والتداول السلمي للسلطة، والحقوق والحريات وضمانات تحقيقها، والعدالة الانتقالية، تم الطعن عليها أمام محكمة القضاء الإداري، والتي قضت بتاريخ 10 أبريل 2012 بضرورة حلها بسبب هيمنة الإسلاميين عليها ولعدم تمثيلها بشكل عادل لجميع أطياف الشعب المصري، ولكون أغلب أعضاء الجمعية من أعضاء مجلسي الشعب والشورى. وبعدها بأيام تم انتخاب جمعية تأسيسية جديدة، وفي اليوم التالي لانتخابها قضت المحكمة الدستورية العليا في 14 يونيو 2012 بحل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وقد أدى هذا المشهد إلى حدوث ارتباك شديد في عمل الجمعية التأسيسية الثانية، خاصة في ظل سيطرة التيار الإسلامي عليها، وإحالة عشرات الدعاوى التي تطالب بحلها إلى المحكمة الدستورية العليا، مع انسحاب قرابة 15 عضوًا من الليبراليين وممثلي الكنيسة المصرية منها نتيجة لتجاهل مقترحاتهم، مما حدا بالرئيس الأسبق، محمد مرسي، بإصدار إعلانًا دستوريًا حصن به عمل الجمعية التأسيسية الثانية من الرقابة القضائية. ونتيجة لذلك تم الإسراع في وضع دستور 2012، والذي تم إقراره في 25 ديسمبر 2012، بعد طرحه للاستفتاء الشعبي. وقد أحدث هذا الوضع خلافات حادة بين القوى السياسية المختلفة والإسلاميين، مما أثر على عملية الاستقرار السياسي في الدولة المصرية، حيث دفع هذا الوضع إلى قيام ثورة 30 يونيو والتي عطلت العمل بدستور 2012، ودعت إلى وضع دستور جديد للبلاد، وهو دستور 2014.
وقد تخللت بالطبع عملية وضع دستور 2012، محاولات عدة جرت لتغيير وضع السلطة القضائية في الدستور خاصة المحكمة الدستورية العليا، التي حاصرها الإسلاميين لحلها لمجلس الشعب، فقد أعلنت المحكمة الدستورية العليا أن جميع النصوص التي تخصها في الدستور (2012) تعتبر انتهاكًا واضحًا لسلطة المحكمة وسلبًا لاختصاصاتها، وتبيح تدخل السلطات المختلفة في شئون المحكمة على نحو يمثل انتهاكًا صارخًا لعملها ومكتسباتها الدستورية والقانونية المستقرة. ولذلك فقد جاء دستور 2014 لتعبر عن استقلالية المحكمة الدستورية العليا، ومكانتها كصرح قضائي كبير. كما جاء دستور 2014 ببعض الأحكام الجديدة الخاصة بضمان استقلال السلطة القضائية، وتنظيم قواعد ندب القضاة، مما دفع البعض إلى المطالبة بضرورة تعديل قانون السلطة القضائية لكي يتوافق مع الدستور الجديد.
كان الدور الأبرز الذي لعبته السلطة القضائية في مصر عقب وصول الإسلاميين إلى السلطة. ففي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، أصدر المجلس الأعلى للقوات المصرية، الذي تولى بصورة مؤقتة إدارة شئون البلاد، بيانًا دستوريًا تضمن تعطيل العمل بأحكام دستور 1971، وإجراء تعديل دستوري تم طرحه للاستفتاء العام في 19 مارس 2011، تضمنت مادة منه تحديد آلية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وفي 30 مارس 2011 أصدر المجلس العسكري إعلانًا دستوريًا من 63 مادة، منها المادة 60 التي نصت على تشكيل تلك الجمعية.
وبالفعل تم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية الأولى ( 100 عضو) في 24 مارس 2012، ولكن نتيجة لوجود استقطابات أدت في بعض الحالات إلى الاحتقان بين التيارات الفاعلة في المجتمع المصري، وبروز خلافات في وجهات النظر حول عدد من القضايا لعل أهمها علاقة الدين بالدولة، وديمقراطية الحكم والتداول السلمي للسلطة، والحقوق والحريات وضمانات تحقيقها، والعدالة الانتقالية، تم الطعن عليها أمام محكمة القضاء الإداري، والتي قضت بتاريخ 10 أبريل 2012 بضرورة حلها بسبب هيمنة الإسلاميين عليها ولعدم تمثيلها بشكل عادل لجميع أطياف الشعب المصري، ولكون أغلب أعضاء الجمعية من أعضاء مجلسي الشعب والشورى. وبعدها بأيام تم انتخاب جمعية تأسيسية جديدة، وفي اليوم التالي لانتخابها قضت المحكمة الدستورية العليا في 14 يونيو 2012 بحل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وقد أدى هذا المشهد إلى حدوث ارتباك شديد في عمل الجمعية التأسيسية الثانية، خاصة في ظل سيطرة التيار الإسلامي عليها، وإحالة عشرات الدعاوى التي تطالب بحلها إلى المحكمة الدستورية العليا، مع انسحاب قرابة 15 عضوًا من الليبراليين وممثلي الكنيسة المصرية منها نتيجة لتجاهل مقترحاتهم، مما حدا بالرئيس الأسبق، محمد مرسي، بإصدار إعلانًا دستوريًا حصن به عمل الجمعية التأسيسية الثانية من الرقابة القضائية. ونتيجة لذلك تم الإسراع في وضع دستور 2012، والذي تم إقراره في 25 ديسمبر 2012، بعد طرحه للاستفتاء الشعبي. وقد أحدث هذا الوضع خلافات حادة بين القوى السياسية المختلفة والإسلاميين، مما أثر على عملية الاستقرار السياسي في الدولة المصرية، حيث دفع هذا الوضع إلى قيام ثورة 30 يونيو والتي عطلت العمل بدستور 2012، ودعت إلى وضع دستور جديد للبلاد، وهو دستور 2014.
وقد تخللت بالطبع عملية وضع دستور 2012، محاولات عدة جرت لتغيير وضع السلطة القضائية في الدستور خاصة المحكمة الدستورية العليا، التي حاصرها الإسلاميين لحلها لمجلس الشعب، فقد أعلنت المحكمة الدستورية العليا أن جميع النصوص التي تخصها في الدستور (2012) تعتبر انتهاكًا واضحًا لسلطة المحكمة وسلبًا لاختصاصاتها، وتبيح تدخل السلطات المختلفة في شئون المحكمة على نحو يمثل انتهاكًا صارخًا لعملها ومكتسباتها الدستورية والقانونية المستقرة. ولذلك فقد جاء دستور 2014 لتعبر عن استقلالية المحكمة الدستورية العليا، ومكانتها كصرح قضائي كبير. كما جاء دستور 2014 ببعض الأحكام الجديدة الخاصة بضمان استقلال السلطة القضائية، وتنظيم قواعد ندب القضاة، مما دفع البعض إلى المطالبة بضرورة تعديل قانون السلطة القضائية لكي يتوافق مع الدستور الجديد.
اعترض أعضاء جمعية القضاة التونسيين على صياغة قانون المجلس الأعلى للقضاء من قبل البرلمان، حيث اعتبروه مكرسًا لمبدأ التبعية، وبعيدًا عن روح دستور 2014
ثانيا: الحالة التونسية
أما في تونس؛ فإن مطالب الثورة كانت تصب في اتجاه إحداث قطيعة تامة مع الدستور القديم، وبداية عهد جديد بصياغة دستور يحقق طموحات الشعب التونسي، لذلك تم تشكيل مجلس وطني تأسيسي لصياغة الدستور بالانتخاب الحر في 23 أكتوبر 2011، وتكون من 6 لجان تأسيسية لنظر ستة أبواب هي: المبادئ العامة - والحقوق والحريات - والسلطة التنفيذية والتشريعية - والسلطة القضائية – الهيئات المستقلة – المجالس المحلية. وقد امتدت فترة عمل المجلس التأسيسي لأكثر من عامين، منذ تأسيسه وحتى 26 يناير 2014، وتخللت تلك الفترة عدد من الأحداث المهمة، والتي انتهت بالمصادقة على الدستور التونسي. ويمكن القول في هذا الإطار إنه على الرغم من تقديم ثلاث مسودات للدستور التونسي، وموجة عدم الاستقرار السياسي التي عانت منها البلاد جراء اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، والتي أثرت على عمل المجلس التأسيسي، كان للسلطة القضائية دور محدود مقارنة بالتجربة المصرية فيما يتعلق بالتأثير على مسار العملية الدستورية، حيث تمثل دور القضاء في إصدار المحكمة الإدارية قرارًا في 26 يونيو 2013 بالتخلي عن النظر في الطلب الذي تقدمت به مجموعة من النواب في المجلس التأسيسي، لوقف تنفيذ أشغال الهيئة المشتركة لتنسيق وصيانة الدستور، وكذلك الاستماع لرئيسة جمعية القضاة التونسيين حول الاقتراحات المتعلقة بباب السلطة القضائية في مشروع الدستور في 29 ديسمبر 2013.
ولكن الموضوع الأكثر أهمية هنا هو المتعلق بموضوع إصلاح السلطة القضائية في تونس، حيث تم تشكيل الملامح العامة لاستقلال القضاء التونسي في باب السلطة القضائية، حيث تم تطوير وتحديث المجالس القضائية المنبثقة عن المجلس الأعلى للقضاء مثل؛ مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، بالإضافة إلى النص على تشكيل المحكمة الدستورية ليعهد عليها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من أجل توفير الضمانات الأساسية لبناء قضاء مستقل. وقد رسم الدستور التونسي الملامح الأولية ووضع الخطوط العامة ذات العلاقة باستقلالية السلطة القضائية، ويعد ذلك تطورًا مهمًا بالنسبة للقضاء التونسي، بعدما عانى طيلة السنوات الماضية من هيمنة السلطة التنفيذية، وغياب الاستقلالية. ولكن أفرزت محاولات إصلاح السلطة القضائية في تونس مجموعة من التظاهرات من جانب أعضاء جمعية القضاة التونسيين لاعتراضهم على صياغة قانون المجلس الأعلى للقضاء من قبل البرلمان، حيث اعتبروه مكرسًا لمبدأ التبعية، وبعيدًا عن روح دستور 2014.
أما في تونس؛ فإن مطالب الثورة كانت تصب في اتجاه إحداث قطيعة تامة مع الدستور القديم، وبداية عهد جديد بصياغة دستور يحقق طموحات الشعب التونسي، لذلك تم تشكيل مجلس وطني تأسيسي لصياغة الدستور بالانتخاب الحر في 23 أكتوبر 2011، وتكون من 6 لجان تأسيسية لنظر ستة أبواب هي: المبادئ العامة - والحقوق والحريات - والسلطة التنفيذية والتشريعية - والسلطة القضائية – الهيئات المستقلة – المجالس المحلية. وقد امتدت فترة عمل المجلس التأسيسي لأكثر من عامين، منذ تأسيسه وحتى 26 يناير 2014، وتخللت تلك الفترة عدد من الأحداث المهمة، والتي انتهت بالمصادقة على الدستور التونسي. ويمكن القول في هذا الإطار إنه على الرغم من تقديم ثلاث مسودات للدستور التونسي، وموجة عدم الاستقرار السياسي التي عانت منها البلاد جراء اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، والتي أثرت على عمل المجلس التأسيسي، كان للسلطة القضائية دور محدود مقارنة بالتجربة المصرية فيما يتعلق بالتأثير على مسار العملية الدستورية، حيث تمثل دور القضاء في إصدار المحكمة الإدارية قرارًا في 26 يونيو 2013 بالتخلي عن النظر في الطلب الذي تقدمت به مجموعة من النواب في المجلس التأسيسي، لوقف تنفيذ أشغال الهيئة المشتركة لتنسيق وصيانة الدستور، وكذلك الاستماع لرئيسة جمعية القضاة التونسيين حول الاقتراحات المتعلقة بباب السلطة القضائية في مشروع الدستور في 29 ديسمبر 2013.
ولكن الموضوع الأكثر أهمية هنا هو المتعلق بموضوع إصلاح السلطة القضائية في تونس، حيث تم تشكيل الملامح العامة لاستقلال القضاء التونسي في باب السلطة القضائية، حيث تم تطوير وتحديث المجالس القضائية المنبثقة عن المجلس الأعلى للقضاء مثل؛ مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، بالإضافة إلى النص على تشكيل المحكمة الدستورية ليعهد عليها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من أجل توفير الضمانات الأساسية لبناء قضاء مستقل. وقد رسم الدستور التونسي الملامح الأولية ووضع الخطوط العامة ذات العلاقة باستقلالية السلطة القضائية، ويعد ذلك تطورًا مهمًا بالنسبة للقضاء التونسي، بعدما عانى طيلة السنوات الماضية من هيمنة السلطة التنفيذية، وغياب الاستقلالية. ولكن أفرزت محاولات إصلاح السلطة القضائية في تونس مجموعة من التظاهرات من جانب أعضاء جمعية القضاة التونسيين لاعتراضهم على صياغة قانون المجلس الأعلى للقضاء من قبل البرلمان، حيث اعتبروه مكرسًا لمبدأ التبعية، وبعيدًا عن روح دستور 2014.
كان للقضاء الليبي دور مهم في التأثير على المشهد السياسي، وقد تمثل ذلك في حكم المحكمة العليا من خلال دائرتها الدستورية بحل مجلس النواب الليبي في 6 يونيو 2014
ثالثا: الحالة الليبية
وفي ليبيا؛ عقب قيام ثورة 17 فبراير 2011 التي أدت إلى تنحية الرئيس السابق معمر القذافي عن الحكم في 20 أكتوبر 2011، أصدر المجلس الوطني الانتقالي إعلانًا دستوريًا في 3 أغسطس 2011، قام المؤتمر الوطني العام بمقتضاه بتشكيل لجنة لإعداد قانون الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، والذي وقع بمدينة البيضاء يوم 20 يوليو 2013 تمهيدًا لإجراء انتخابات ما أطلق عليها "لجنة الستين" لوضع الدستور الليبي الجديد. ولكن نتيجة لتأزم الوضع السياسي في ليبيا تعطل عمل لجنة الستين كثيرًا، ولا يخفى على أحد القول في هذا الإطار إن ليبيا لم تكتب دستورها حتى الآن، كذلك تنبغي الإشارة أيضًا إلى أنه كان للقضاء الليبي دور مهم في التأثير على المشهد السياسي هناك، وقد تمثل ذلك في حكم المحكمة العليا من خلال دائرتها الدستورية بحل مجلس النواب الليبي في 6 يونيو 2014، وقد رفض مجلس النواب هذا الحكم على أساس أنه تم تحت تهديد السلاح، في نفس الوقت الذي تتمسك به القوى السياسية المناوئة في طرابلس مما يشكل عائقًا قويًا أمام طاولة المفاوضات.
وقد أدى هذا الحكم القضائي إلى وجود حكومتين في آن واحد على الأراضي الليبية، واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق، مما عطل كثيرًا من عمل لجنة الستين لوضع الدستور، حيث تطورت الأمور في البلاد ووصلت إلى حد الحرب الأهلية نتيجة للانتشار الكثيف للجماعات المسلحة. ونتيجة لتأزم الموقف السياسي هناك أدى ذلك إلى قيام الأمم المتحدة برعاية حوارًا سياسيًا بين أطراف الأزمة في ليبيا في مدينة الصخيرات المغربية. والذي تم على أساسه الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني لم تخرج إلى النور حتى الآن. وما زال أطراف المعادلة السياسية الليبية يتسارعون على الخروج بأكبر المكاسب الممكنة.
خلاصة القول، يتبين من خلال ما سبق أنه كان للقضاء دور مؤثر ليس فقط على المسار الدستوري بل على المسار السياسي برمته، واتضح هذا في التجربتين المصرية والليبية، وقد أثر بدرجة أقل في الحالة التونسية. حيث أدى التصارع بين السلطات داخل هذه الدول إلى تعطيل المسار السياسي، بل والدخول في النفق المظلم كما في الحالة الليبية، وهذا بالطبع إلى جانب عوامل أخرى كثيرة.
وفي ليبيا؛ عقب قيام ثورة 17 فبراير 2011 التي أدت إلى تنحية الرئيس السابق معمر القذافي عن الحكم في 20 أكتوبر 2011، أصدر المجلس الوطني الانتقالي إعلانًا دستوريًا في 3 أغسطس 2011، قام المؤتمر الوطني العام بمقتضاه بتشكيل لجنة لإعداد قانون الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، والذي وقع بمدينة البيضاء يوم 20 يوليو 2013 تمهيدًا لإجراء انتخابات ما أطلق عليها "لجنة الستين" لوضع الدستور الليبي الجديد. ولكن نتيجة لتأزم الوضع السياسي في ليبيا تعطل عمل لجنة الستين كثيرًا، ولا يخفى على أحد القول في هذا الإطار إن ليبيا لم تكتب دستورها حتى الآن، كذلك تنبغي الإشارة أيضًا إلى أنه كان للقضاء الليبي دور مهم في التأثير على المشهد السياسي هناك، وقد تمثل ذلك في حكم المحكمة العليا من خلال دائرتها الدستورية بحل مجلس النواب الليبي في 6 يونيو 2014، وقد رفض مجلس النواب هذا الحكم على أساس أنه تم تحت تهديد السلاح، في نفس الوقت الذي تتمسك به القوى السياسية المناوئة في طرابلس مما يشكل عائقًا قويًا أمام طاولة المفاوضات.
وقد أدى هذا الحكم القضائي إلى وجود حكومتين في آن واحد على الأراضي الليبية، واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق، مما عطل كثيرًا من عمل لجنة الستين لوضع الدستور، حيث تطورت الأمور في البلاد ووصلت إلى حد الحرب الأهلية نتيجة للانتشار الكثيف للجماعات المسلحة. ونتيجة لتأزم الموقف السياسي هناك أدى ذلك إلى قيام الأمم المتحدة برعاية حوارًا سياسيًا بين أطراف الأزمة في ليبيا في مدينة الصخيرات المغربية. والذي تم على أساسه الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني لم تخرج إلى النور حتى الآن. وما زال أطراف المعادلة السياسية الليبية يتسارعون على الخروج بأكبر المكاسب الممكنة.
خلاصة القول، يتبين من خلال ما سبق أنه كان للقضاء دور مؤثر ليس فقط على المسار الدستوري بل على المسار السياسي برمته، واتضح هذا في التجربتين المصرية والليبية، وقد أثر بدرجة أقل في الحالة التونسية. حيث أدى التصارع بين السلطات داخل هذه الدول إلى تعطيل المسار السياسي، بل والدخول في النفق المظلم كما في الحالة الليبية، وهذا بالطبع إلى جانب عوامل أخرى كثيرة.