الخريطة الطبقية ومسارات العدالة الاجتماعية في مصر
الأحد 14/فبراير/2016 - 10:57 ص
د.أحمد موسى بدوي
لا يحتاج إنفاذ العدالة الاجتماعية في مصرإلى الإرادة السياسية والتكاتف المجتمعي والنصوص الدستورية فقط، وإنما يحتاج إلى أس س معرفية علمية، ترشد صانع القرار التنموي إلى سيناريوهات وبدائل المستقبل، تعينه على تصميم البرامج واقتراح السياسات الهادفة. ولا شك أن معرفة التركيب الطبقي للمجتمع المصري، تعد من أهم الأسس التي يجب الانطلاق منها قبل الشروع في إحداث تنمية شاملة تراعي المساواة وتحقق العدالة. ونحاول في هذا المقال إعطاء القارئ نبذة تاريخية عن نشأة المجتمع الطبقي الحديث في مصر، ومقترحا لتقسيم الطبقات مدعوم بالمؤشرات الكمية الحديثة.
خلال الفترة من 1952 إلى 1970، حازت النخبة العسكرية القوة السياسية، في مصر وسوريا وليبيا والجزائر واليمن، والعراق، وأدى التوسع في التعليم إلى زيادة مضطردة في حجم الطبقة الوسطى العرب
أولا: أصول التركيب الطبقي العربي
ارتبط ظهور التركيب الطبقي العربي تاريخيا، بانتهاء الاقتصاد الاقطاعي، وبداية الانتقال الى الاقتصاد الرأسمالي، غير أن أصل التركيب الطبقي العربي يختلف عن نظيره في المجتمعات الغربية، بسبب اختلاف جوهري بين النظام الإقطاعي التي شهدته أوربا، وبين الإقطاع الذي شهدته الدول العربية، وبالتحديد ما يتعلق بحقوق الملكية، فالإقطاعي الأوربي، كان يملك الأرض وما عليها، بينما السلطان العثماني، كان المالك الحقيقي لكل الأرض، ويمنحها وفقا لاعتبارات الولاء للسلطنة لمن يشاء. أي أن الإقطاعي العربي، عكس الأوربي، كانت تعلوه سلطة حاكمة، فظل حائزا لحق الانتفاع فقط، وعليه التزامات سياسية واقتصادية تجاه المالك الأوحد. وفي هذا الظرف التاريخي، تصبح القوة السياسية مولدة للثروة في المنطقة العربية، وليس العكس كما في أوربا.
اعتبارا من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، يكتسب الملاك قوة متزايدة، بسبب أمرين: الأول استمرار التدهور في القوة المركزية العثمانية، والثاني اندماج البلدان العربية في الاقتصادي العالمي الجديد، بعد تزايد الطلب على المنتجات الزراعية العربية، وخاصة القطن، لتغذية مصانع النسيج في أوربا.
وبنشأة الدول العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية، تحول كبار الملاك إلى نخبة سياسية واقتصادية بالمعنى الحديث، فهي الطبقة التي تمتلك خبرات الإدارة، ووسائل الإنتاج، وبالتالي فإن الدول الاستعمارية، استمرت في التعامل مع هذه النخبة، ولم يحدث تطور في الأوضاع الهامشية للطبقة العاملة أو الطبقة الوسطى، لأن الاستعمار، عمل على تكريس نمط الإنتاج التقليدي – شبه الإقطاعي- ما جعل محاولات التحول إلى نمط الإنتاج الصناعي، محدودة، وغير ذات قيمة في بلورة تركيب طبقي عربي حديث.
وتشهد الفترة ما بين الحربين، تحولاً كبيراً في نشأة الطبقة الوسطى العربية، فقد سمحت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بانقسام التركيب الطبقي التقليدي شبه الثنائي إلى تركيب ثلاثي شبه حديث. فنتيجة للهلع الذي أصاب العالم، بسبب الحرب العالمية الأولى، وانخراط الدول العربية – بدرجات متفاوتة- في هذه الحرب. اتجهت الطبقة العليا في المجتمع إلى إكساب أبنائها تعليما مدنيا، بعد أن كانت حريصة من قبل على إلحاق أبنائها بالمدارس العسكرية. في هذا الظرف التاريخي، التحق أبناء العمال والفلاحين وصغار الموظفين بالكليات العسكرية، ما أدى إلى تبلور شريحة مهمة من الطبقة الوسطى العسكرية، التي امتلكت أدوات القوة لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، وصارت في وقت قياسي قائدة للنضال ضد الاستعمار، مدعومة من أصولها الفلاحية والعمالية.
وخلال الفترة من 1952 إلى 1970، حازت النخبة العسكرية القوة السياسية، في مصر وسوريا وليبيا والجزائر واليمن، والعراق، بعد إقصاء الطبقة العليا التقليدية، وشرعت تلك النخب في تنفيذ مشاريع تنموية أدت إلى تسكين قطاع كبير من الفلاحين والبدو، ضمن الطبقة العاملة بأجر، كما أدى التوسع في التعليم إلى زيادة مضطردة في حجم الطبقة الوسطى العربية. ولكن هذه النخب لم تستطع مع الوقت الوفاء باحتياجات التنمية لمواطنيها، ما أدى إلى تدهور لاحق في أحوال الطبقة العاملة والطبقة الوسطى على السواء.
ثانيا: نشأة المجتمع الطبقي الحديث في مصر
تقدم ماجدة بركة في كتابها (الطبقة العليا بين ثورتين1919-1952) دراسة هامة عن نشأة التركيب الطبقي الحديث في مصر، معتمدة على بيانات التعدادات السكانية والزراعية في النصف الأول من القرن العشرين. استخدمت بركة مصطلحات "الأعيان، الذوات، الطبقة العليا" بدلا من مصطلح "البورجوازية"، بحيث تنقسم الطبقة العليا إلى الذوات: وهي الشريحة ذات الأصول التركية الجركسية، والأعيان: وتضم وجهاء الريف؛ والنخب المشتغلة بالأعمال الصناعية والتجارية؛ إلى جانب البارزين من أصحاب المهن الحرة.
وتذهب إلى أن الطبقة العليا المصرية تشكلت في بدايات القرن التاسع عشر، من الذوات، ذوي الأصول التركية، والأعيان من وجهاء الريف، وأرباب الصناعة والتجارة، وأرباب المهن الحرة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حدثت ثلاث متغيرات أدت إلى ظهور نخبة عليا مختلطة تركية-مصرية، وبزوغ طبقة كبار الملاك في مصر، على إثر صدور قوانين حقوق الملكية، والبدء في إجراءات بيع أراضي أسرة محمد علي لسداد الديون الخارجية.
وبحلول القرن العشرين، ظهرت الطبقة الوسطى المصرية الحديثة، نتيجة حراك اجتماعي كبير، حيث تشير الدراسات إلى وجود أكثر من رافد ساعد على بلورة كيان الطبقة الوسطى المصرية، فقد خرجت من عباءة الأعيان، وبسبب دمج أبناء الفلاحين في الجيش المصري، ونتيجة زحف أعداد متزايدة المصريين إلى المدن سعيا إلى المشاركة السياسية وتعليم أبنائها، ورغبة في الاستفادة من الرغد الذي توفره الحياة الحضرية الجديدة، وأصبح بمقدور الكوادر المتعلمة تولي المناصب الإدارية العليا. ومع الوقت نجحت هذه الطبقة في الجمع بين الثروة والوعي الذاتي، واستطاعت أن تتضامن في اتحادات أهلية، زراعية وصناعية.
وعن النخبة الصناعية المصرية، تذهب بركة إلى أن هذه النخبة انحدرت، وعلى عكس معظم بلدان الشرق الأوسط، من طبقة كبار الملاك، وليس من النخبة التجارية، فقد كانت حركة الأموال بعد ثورة 1919 تتجه من الزراعة إلى الصناعة والتجارة والخدمات. وعندما تأسست الصناعة، أخذ يفد عليها وافدون جدد من أصحاب المهن الحرة. ما أدى إلى نمو سريع في الصناعة المصرية، وصارت شريحة الصناعيين تحتل ثلث الطبقة العليا في العقد الثاني من القرن العشرين، ثم انخفضت بشكل حاد في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، بسبب زيادة نشاط التجارة والمقاولات، وزيادة حجم الشريحة البيروقراطية.
ويرصد عبد الباسط عبد المعطي مسار الطبقة الوسطى المصرية، في كتابه (الطبقة الوسطى المصرية من التقصير إلى التحرير2005)، منتهيا إلى أن علاقات الإنتاج في مصر الناصرية، شهدت تنوعاً جديدا، بحسب القطاع الاقتصادي، فقد تمحورت هذه العلاقات في القطاع الزراعي على الملكية الخاصة، مع التزام الفلاحين بالتوريد الاجباري للمحاصيل الرئيسية بالأسعار التي تحددها الحكومة. وشهدت هذه المرحلة سيطرت أغنياء الفلاحين على نصف المساحة المنزرعة في مصر، بعد إزاحة طبقة كبار الملاك. أما بخصوص القطاع التجاري والصناعي والمالي، فقد احتكرت الدولة الصناعات الكبرى، وقطاع البنوك والتأمين والنقل والاتصالات والتجارة الخارجية، وتدخلت بشكل محدود في التجارة الداخلية، والصناعات الصغيرة. وبنهاية المرحلة الناصرية، شهدت مصر تحالفا سياسيا واقتصاديا بين الشرائح الرأسمالية الخاصة والعامة، وأغنياء الفلاحين، أدى إلى تفاقم مشكلات الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والفلاحين الأجراء، وتكثيف معاناتهم من ارتفاع الأسعار، وأزمات الغذاء والإسكان، وارتفاع نفقات المعيشة بصفة عامة.
ثم يرصد تحولات التركيب الطبقي بعد الانفتاح الاقتصادي في 1974، الذي تركز على تنمية القطاعين التجاري والمالي، وما تشتمل عليهما من عمليات نوعية. وفي المقابل حدث تدهور للمشاريع الصناعية القائمة، كما تدهور القطاع الزراعي في مصر، بانخفاض الإنتاجية، واستقطاع مساحات زراعية لأغراض التوسع العمراني. وبالجملة، فإن المرحلة أدت إلى تحول مصر من رأسمالية الدولة الوطنية إلى الرأسمالية التجارية-المالية التابعة.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، حدث تغير في خصائص التركيب الطبقي المصري، فقد تزايدت نسبة أصحاب المهن الفنية والعلمية، وزيادة نسبة الإداريين ومديري الأعمال، والمشتغلين بالأعمال الكتابية، وظهور شريحة وسطى من الباحثين المستقلين، والمترجمين، والمشتغلين بالدعاية والإعلان، ومصممي برامج الحاسب الآلي، ومندوبي المبيعات لدى الشركات العالمية. ولكن مع هذه الزيادة، تشهد الطبقة الوسطى تناقضا داخليا، بسبب تمايز فرص ونوعية وأجر العمل بين العاملين في القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي. وتفاقمت هذه التناقضات مع فشل وتخبط المشروع التنموي، وتحول الحراك الاجتماعي إلى حراك مزيف يعتمد على التكسب من الفساد، واستخدام النفوذ السياسي. في ظل هيمنة الدولة والحزب الحاكم على مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة النقابات المهنية، والأحزاب.
وفي دراسته عن اتجاهات التغير في الطبقة الوسطى 2009، يرصد أحمد حسين حسن، أثر الأوضاع الاقتصادية خلال الفترة بين عامي (1996-2006) على ارتفاع حجم الطبقة العاملة مقابل انكماش الطبقة الوسطى وخاصة الشريحة البيروقراطية، وشريحة البرجوازية الصغيرة التقليدية، مع زيادة محدودة في حجم الشريحة البرجوازية الحديثة المعولمة.
ارتبط ظهور التركيب الطبقي العربي تاريخيا، بانتهاء الاقتصاد الاقطاعي، وبداية الانتقال الى الاقتصاد الرأسمالي، غير أن أصل التركيب الطبقي العربي يختلف عن نظيره في المجتمعات الغربية، بسبب اختلاف جوهري بين النظام الإقطاعي التي شهدته أوربا، وبين الإقطاع الذي شهدته الدول العربية، وبالتحديد ما يتعلق بحقوق الملكية، فالإقطاعي الأوربي، كان يملك الأرض وما عليها، بينما السلطان العثماني، كان المالك الحقيقي لكل الأرض، ويمنحها وفقا لاعتبارات الولاء للسلطنة لمن يشاء. أي أن الإقطاعي العربي، عكس الأوربي، كانت تعلوه سلطة حاكمة، فظل حائزا لحق الانتفاع فقط، وعليه التزامات سياسية واقتصادية تجاه المالك الأوحد. وفي هذا الظرف التاريخي، تصبح القوة السياسية مولدة للثروة في المنطقة العربية، وليس العكس كما في أوربا.
اعتبارا من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، يكتسب الملاك قوة متزايدة، بسبب أمرين: الأول استمرار التدهور في القوة المركزية العثمانية، والثاني اندماج البلدان العربية في الاقتصادي العالمي الجديد، بعد تزايد الطلب على المنتجات الزراعية العربية، وخاصة القطن، لتغذية مصانع النسيج في أوربا.
وبنشأة الدول العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية، تحول كبار الملاك إلى نخبة سياسية واقتصادية بالمعنى الحديث، فهي الطبقة التي تمتلك خبرات الإدارة، ووسائل الإنتاج، وبالتالي فإن الدول الاستعمارية، استمرت في التعامل مع هذه النخبة، ولم يحدث تطور في الأوضاع الهامشية للطبقة العاملة أو الطبقة الوسطى، لأن الاستعمار، عمل على تكريس نمط الإنتاج التقليدي – شبه الإقطاعي- ما جعل محاولات التحول إلى نمط الإنتاج الصناعي، محدودة، وغير ذات قيمة في بلورة تركيب طبقي عربي حديث.
وتشهد الفترة ما بين الحربين، تحولاً كبيراً في نشأة الطبقة الوسطى العربية، فقد سمحت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بانقسام التركيب الطبقي التقليدي شبه الثنائي إلى تركيب ثلاثي شبه حديث. فنتيجة للهلع الذي أصاب العالم، بسبب الحرب العالمية الأولى، وانخراط الدول العربية – بدرجات متفاوتة- في هذه الحرب. اتجهت الطبقة العليا في المجتمع إلى إكساب أبنائها تعليما مدنيا، بعد أن كانت حريصة من قبل على إلحاق أبنائها بالمدارس العسكرية. في هذا الظرف التاريخي، التحق أبناء العمال والفلاحين وصغار الموظفين بالكليات العسكرية، ما أدى إلى تبلور شريحة مهمة من الطبقة الوسطى العسكرية، التي امتلكت أدوات القوة لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، وصارت في وقت قياسي قائدة للنضال ضد الاستعمار، مدعومة من أصولها الفلاحية والعمالية.
وخلال الفترة من 1952 إلى 1970، حازت النخبة العسكرية القوة السياسية، في مصر وسوريا وليبيا والجزائر واليمن، والعراق، بعد إقصاء الطبقة العليا التقليدية، وشرعت تلك النخب في تنفيذ مشاريع تنموية أدت إلى تسكين قطاع كبير من الفلاحين والبدو، ضمن الطبقة العاملة بأجر، كما أدى التوسع في التعليم إلى زيادة مضطردة في حجم الطبقة الوسطى العربية. ولكن هذه النخب لم تستطع مع الوقت الوفاء باحتياجات التنمية لمواطنيها، ما أدى إلى تدهور لاحق في أحوال الطبقة العاملة والطبقة الوسطى على السواء.
ثانيا: نشأة المجتمع الطبقي الحديث في مصر
تقدم ماجدة بركة في كتابها (الطبقة العليا بين ثورتين1919-1952) دراسة هامة عن نشأة التركيب الطبقي الحديث في مصر، معتمدة على بيانات التعدادات السكانية والزراعية في النصف الأول من القرن العشرين. استخدمت بركة مصطلحات "الأعيان، الذوات، الطبقة العليا" بدلا من مصطلح "البورجوازية"، بحيث تنقسم الطبقة العليا إلى الذوات: وهي الشريحة ذات الأصول التركية الجركسية، والأعيان: وتضم وجهاء الريف؛ والنخب المشتغلة بالأعمال الصناعية والتجارية؛ إلى جانب البارزين من أصحاب المهن الحرة.
وتذهب إلى أن الطبقة العليا المصرية تشكلت في بدايات القرن التاسع عشر، من الذوات، ذوي الأصول التركية، والأعيان من وجهاء الريف، وأرباب الصناعة والتجارة، وأرباب المهن الحرة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حدثت ثلاث متغيرات أدت إلى ظهور نخبة عليا مختلطة تركية-مصرية، وبزوغ طبقة كبار الملاك في مصر، على إثر صدور قوانين حقوق الملكية، والبدء في إجراءات بيع أراضي أسرة محمد علي لسداد الديون الخارجية.
وبحلول القرن العشرين، ظهرت الطبقة الوسطى المصرية الحديثة، نتيجة حراك اجتماعي كبير، حيث تشير الدراسات إلى وجود أكثر من رافد ساعد على بلورة كيان الطبقة الوسطى المصرية، فقد خرجت من عباءة الأعيان، وبسبب دمج أبناء الفلاحين في الجيش المصري، ونتيجة زحف أعداد متزايدة المصريين إلى المدن سعيا إلى المشاركة السياسية وتعليم أبنائها، ورغبة في الاستفادة من الرغد الذي توفره الحياة الحضرية الجديدة، وأصبح بمقدور الكوادر المتعلمة تولي المناصب الإدارية العليا. ومع الوقت نجحت هذه الطبقة في الجمع بين الثروة والوعي الذاتي، واستطاعت أن تتضامن في اتحادات أهلية، زراعية وصناعية.
وعن النخبة الصناعية المصرية، تذهب بركة إلى أن هذه النخبة انحدرت، وعلى عكس معظم بلدان الشرق الأوسط، من طبقة كبار الملاك، وليس من النخبة التجارية، فقد كانت حركة الأموال بعد ثورة 1919 تتجه من الزراعة إلى الصناعة والتجارة والخدمات. وعندما تأسست الصناعة، أخذ يفد عليها وافدون جدد من أصحاب المهن الحرة. ما أدى إلى نمو سريع في الصناعة المصرية، وصارت شريحة الصناعيين تحتل ثلث الطبقة العليا في العقد الثاني من القرن العشرين، ثم انخفضت بشكل حاد في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، بسبب زيادة نشاط التجارة والمقاولات، وزيادة حجم الشريحة البيروقراطية.
ويرصد عبد الباسط عبد المعطي مسار الطبقة الوسطى المصرية، في كتابه (الطبقة الوسطى المصرية من التقصير إلى التحرير2005)، منتهيا إلى أن علاقات الإنتاج في مصر الناصرية، شهدت تنوعاً جديدا، بحسب القطاع الاقتصادي، فقد تمحورت هذه العلاقات في القطاع الزراعي على الملكية الخاصة، مع التزام الفلاحين بالتوريد الاجباري للمحاصيل الرئيسية بالأسعار التي تحددها الحكومة. وشهدت هذه المرحلة سيطرت أغنياء الفلاحين على نصف المساحة المنزرعة في مصر، بعد إزاحة طبقة كبار الملاك. أما بخصوص القطاع التجاري والصناعي والمالي، فقد احتكرت الدولة الصناعات الكبرى، وقطاع البنوك والتأمين والنقل والاتصالات والتجارة الخارجية، وتدخلت بشكل محدود في التجارة الداخلية، والصناعات الصغيرة. وبنهاية المرحلة الناصرية، شهدت مصر تحالفا سياسيا واقتصاديا بين الشرائح الرأسمالية الخاصة والعامة، وأغنياء الفلاحين، أدى إلى تفاقم مشكلات الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والفلاحين الأجراء، وتكثيف معاناتهم من ارتفاع الأسعار، وأزمات الغذاء والإسكان، وارتفاع نفقات المعيشة بصفة عامة.
ثم يرصد تحولات التركيب الطبقي بعد الانفتاح الاقتصادي في 1974، الذي تركز على تنمية القطاعين التجاري والمالي، وما تشتمل عليهما من عمليات نوعية. وفي المقابل حدث تدهور للمشاريع الصناعية القائمة، كما تدهور القطاع الزراعي في مصر، بانخفاض الإنتاجية، واستقطاع مساحات زراعية لأغراض التوسع العمراني. وبالجملة، فإن المرحلة أدت إلى تحول مصر من رأسمالية الدولة الوطنية إلى الرأسمالية التجارية-المالية التابعة.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، حدث تغير في خصائص التركيب الطبقي المصري، فقد تزايدت نسبة أصحاب المهن الفنية والعلمية، وزيادة نسبة الإداريين ومديري الأعمال، والمشتغلين بالأعمال الكتابية، وظهور شريحة وسطى من الباحثين المستقلين، والمترجمين، والمشتغلين بالدعاية والإعلان، ومصممي برامج الحاسب الآلي، ومندوبي المبيعات لدى الشركات العالمية. ولكن مع هذه الزيادة، تشهد الطبقة الوسطى تناقضا داخليا، بسبب تمايز فرص ونوعية وأجر العمل بين العاملين في القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي. وتفاقمت هذه التناقضات مع فشل وتخبط المشروع التنموي، وتحول الحراك الاجتماعي إلى حراك مزيف يعتمد على التكسب من الفساد، واستخدام النفوذ السياسي. في ظل هيمنة الدولة والحزب الحاكم على مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة النقابات المهنية، والأحزاب.
وفي دراسته عن اتجاهات التغير في الطبقة الوسطى 2009، يرصد أحمد حسين حسن، أثر الأوضاع الاقتصادية خلال الفترة بين عامي (1996-2006) على ارتفاع حجم الطبقة العاملة مقابل انكماش الطبقة الوسطى وخاصة الشريحة البيروقراطية، وشريحة البرجوازية الصغيرة التقليدية، مع زيادة محدودة في حجم الشريحة البرجوازية الحديثة المعولمة.
تضم الطبقة المركزية المتحكمة فئة محدودة لا تتجاوز 2% من السكان، يشغل أفرادها الوظائف المركزية في جهاز الدولة، وكذلك كبار الملاك ورجال المال والأعمال
ثالثا: في تعريف التركيب الطبقي في مصر
نفترض أن التركيب الطبقي المصري، يتكون من ستة طبقات: الطبقة المركزية المتحكمةcentral ruling class ، الطبقة الوسطى العليا (المتنفذة) local ruling middle class، الطبقة الوسطى المستقرة stable middle class ، الطبقة الوسطى الفقيرةpoor middle class ، الطبقة العاملة working class ، الفئات اللاطبقية الكادحةunder class. وأن أفراد كل طبقة من الطبقات الستة، يشتركون في العديد من الخصائص الاقتصادية والثقافية والبيروقراطية: مصدر ونوع الدخل؛ مستوى الدخل؛ درجة التعليم والتدريب؛ الموقع داخل التقسيم الرسمي للعمل؛ أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك؛ المتغير الاجتماعي- السياسي.
ويمكن تعريف كل طبقة من الطبقات الستة كما يلي:
(1) الفئات اللاطبقية الكادحة: وتضم كل المتعلمين وغير المتعلمين غير القادرين على الحصول على فرصة عمل رسمية في الحكومة أو القطاع الخاص، وبعضهم يحصل على عمل مؤقت أو غير رسمي، ويشكلون حجم البطالة في مرحلة زمنية محددة، ومعظمهم من فئات الشباب المتعلم.
(2)الطبقة العاملة (فلاحية، وصناعية وتجارية) تتكون من كل الفئات المتعلمة وغير المتعلمة، التي تعمل في مهن أو حرف أو وظائف رسمية دائمة، تعتمد على الجهد البدني والمهارة اليدوية، ولا تكفي مواردهم لبلوغ مستوى المعيشة المتوسط في المجتمع، وبعضهم يقع تحت خط الفقر.
(3) الطبقة الوسطى الفقيرة:كل المتعلمين الواقعين فوق خط الفقر، وينخرطون في إدارة أعمال صغيرة، أو يمارسون مهنا فنية وذهنية غير معقدة، ووظائف يغلب عليه الطابع التنفيذي، ويستطيعون ممارسة أساليب المعيشة المتوسطة في المجتمع، بصعوبة، ويكون في الغالب على حساب رهن قوة عملهم أو عوائدهم المستقبلية، كالشراء بالأقساط، أو الاقتراض من الأفراد والبنوك.
(4) الطبقة الوسطى المستقرة:تضم كل الحاصلين على تعليم أساسي وما فوقه، من أصحاب المشاريع الوسطى، أو أصحاب المهن الذهنية المعقدة، العاملين في وظائف يغلب عليها الطابع الاشرافي أو الفكري أو العلمي، ولديهم عوائد دخل كافية لبلوغ وتجاوز المستوى المتوسط للمعيشة في المجتمع، ويمتلك بعض أفرادها القدرة على الادخار والاستثمار.
(5) الطبقة الوسطى المتنفذة:هي طبقة الحكم المحلي، وهم كل الحاصلون على تعليم أساسي وما فوق، ويمارسون مهنا ذهنية معقدة، ويتولون وظائف قيادية داخل المجالات المختلفة على مستوى أجهزةومؤسسات الدولة في الأقاليم والمناطق (المحافظات)، وتضم بجانب الوظائف القيادية، أصحاب الأعمال الاقتصادية، وأصحاب رؤوس الأموال، الذين يديرون حركة الاقتصاد على مستوى هذه الأقاليم، وتمارس هذه الطبقة أساليب معيشة، يغلب عليها الترف والتشبه بأنماط معيشة الطبقة المركزية المتحكمة، والطبقة الرأسمالية العالمية، ويمتلكون القدرة على الادخار والاستثمار.ويمثلون بطانة الطبقة المركزية الحاكمة، اللاعبون لدور المسوغ الديني والاجتماعي والثقافي، للنظام السياسي في أي مرحلة، الطامحون دائما للانتماء إلى الطبقة المركزية المتحكمة.
(6) الطبقة المركزية المتحكمة: تضم فئة محدودة لا تتجاوز 2% من السكان، يشغل أفرادها الوظائف المركزية في جهاز الدولة، وكذلك كبار الملاك ورجال المال والأعمال الذين يديرون مشروعات خاصة واسعة النطاق، أو عالمية، بعض أعضائها من أصحاب المكانة المركزية الموروثة، وبعضهم قادم من الطبقة الوسطى المتنفذة. وهي المسئولة عن التخطيط وادارة مشروعات التنمية وتوزيع عوائدها، إلى جانب أدوارها السياسية المعروفة.
ينبغي الانتباه إلى ثلاثة أمور لفهم العلاقة التي تربطالتركيب الطبقي بالعدالة الاجتماعية في المجتمع المصري:
(1) أن علاقات الاستغلال، في هذا التركيب الطبقي، تظهر مختلفة الشدة، لا وجود مطلق ولا عدم مطلق، تنحسر إذا اتجه المجتمع نحو العدالة والمساواة النسبية، وتفيض إذا اتجه نحو الظلم الاجتماعي واللامساواة. وأن هذا التركيب، ينطوي على ثلاثة أنواع من علاقات الاستغلال هي: علاقات استغلال ملكية وسائل الإنتاج والتحكم فيها؛ علاقات استغلال السلطة البيروقراطية؛ علاقات استغلال النفوذ بكل أشكاله. ومن ثم فإن أية برامج أو سياسات تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية لابد أن تتوجه مباشرة نحو تحجيم الآثار السلبية لعلاقات الاستغلال.
(2) لم تلعب التشكيلات النقابية المعبرة عن مصالح الطبقات المهنية والعمالية والفلاحية، دورا ذي بال في مأسسة الصراع الطبقي، وعجزت عن تحقيق المصالح الطبقية، خاصة الاقتصادية والسياسية، بسبب خضوعها القسري، لقوى سياسية واجتماعية: من جهة الطبقة المركزية المتحكمة، ترغيبا وترهيبا، أو من جهة قوى المعارضة التي استحلت المؤسسات النقابية، كميدان للممارسة السياسية. ما أدى في النهاية إلى تحول الكفاح الطبقي المؤسسي، إلى كفاح مشتت وفئوي، يفتقد الإستراتيجية، ويفتقد القيادة النقابية المخلصة. وأنه من الضروري البحث عن صيغ حداثية ديمقراطية لتحرير العمل النقابي بكل مستوياته.
(3)هناك ضرورة ملحة أن يعمل النظام السياسي على إشاعة وعيطبقيحقيقي، كهدف لتحقيق العدالة والمساواة، وعلى الدولة أن تحرر هذا الوعي من صور التزييف التي كانت تنشرها الطبقة المركزية المتحكمة، المتحالفة مع الطبقة الوسطى المتنفذةقبل 2011.
نفترض أن التركيب الطبقي المصري، يتكون من ستة طبقات: الطبقة المركزية المتحكمةcentral ruling class ، الطبقة الوسطى العليا (المتنفذة) local ruling middle class، الطبقة الوسطى المستقرة stable middle class ، الطبقة الوسطى الفقيرةpoor middle class ، الطبقة العاملة working class ، الفئات اللاطبقية الكادحةunder class. وأن أفراد كل طبقة من الطبقات الستة، يشتركون في العديد من الخصائص الاقتصادية والثقافية والبيروقراطية: مصدر ونوع الدخل؛ مستوى الدخل؛ درجة التعليم والتدريب؛ الموقع داخل التقسيم الرسمي للعمل؛ أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك؛ المتغير الاجتماعي- السياسي.
ويمكن تعريف كل طبقة من الطبقات الستة كما يلي:
(1) الفئات اللاطبقية الكادحة: وتضم كل المتعلمين وغير المتعلمين غير القادرين على الحصول على فرصة عمل رسمية في الحكومة أو القطاع الخاص، وبعضهم يحصل على عمل مؤقت أو غير رسمي، ويشكلون حجم البطالة في مرحلة زمنية محددة، ومعظمهم من فئات الشباب المتعلم.
(2)الطبقة العاملة (فلاحية، وصناعية وتجارية) تتكون من كل الفئات المتعلمة وغير المتعلمة، التي تعمل في مهن أو حرف أو وظائف رسمية دائمة، تعتمد على الجهد البدني والمهارة اليدوية، ولا تكفي مواردهم لبلوغ مستوى المعيشة المتوسط في المجتمع، وبعضهم يقع تحت خط الفقر.
(3) الطبقة الوسطى الفقيرة:كل المتعلمين الواقعين فوق خط الفقر، وينخرطون في إدارة أعمال صغيرة، أو يمارسون مهنا فنية وذهنية غير معقدة، ووظائف يغلب عليه الطابع التنفيذي، ويستطيعون ممارسة أساليب المعيشة المتوسطة في المجتمع، بصعوبة، ويكون في الغالب على حساب رهن قوة عملهم أو عوائدهم المستقبلية، كالشراء بالأقساط، أو الاقتراض من الأفراد والبنوك.
(4) الطبقة الوسطى المستقرة:تضم كل الحاصلين على تعليم أساسي وما فوقه، من أصحاب المشاريع الوسطى، أو أصحاب المهن الذهنية المعقدة، العاملين في وظائف يغلب عليها الطابع الاشرافي أو الفكري أو العلمي، ولديهم عوائد دخل كافية لبلوغ وتجاوز المستوى المتوسط للمعيشة في المجتمع، ويمتلك بعض أفرادها القدرة على الادخار والاستثمار.
(5) الطبقة الوسطى المتنفذة:هي طبقة الحكم المحلي، وهم كل الحاصلون على تعليم أساسي وما فوق، ويمارسون مهنا ذهنية معقدة، ويتولون وظائف قيادية داخل المجالات المختلفة على مستوى أجهزةومؤسسات الدولة في الأقاليم والمناطق (المحافظات)، وتضم بجانب الوظائف القيادية، أصحاب الأعمال الاقتصادية، وأصحاب رؤوس الأموال، الذين يديرون حركة الاقتصاد على مستوى هذه الأقاليم، وتمارس هذه الطبقة أساليب معيشة، يغلب عليها الترف والتشبه بأنماط معيشة الطبقة المركزية المتحكمة، والطبقة الرأسمالية العالمية، ويمتلكون القدرة على الادخار والاستثمار.ويمثلون بطانة الطبقة المركزية الحاكمة، اللاعبون لدور المسوغ الديني والاجتماعي والثقافي، للنظام السياسي في أي مرحلة، الطامحون دائما للانتماء إلى الطبقة المركزية المتحكمة.
(6) الطبقة المركزية المتحكمة: تضم فئة محدودة لا تتجاوز 2% من السكان، يشغل أفرادها الوظائف المركزية في جهاز الدولة، وكذلك كبار الملاك ورجال المال والأعمال الذين يديرون مشروعات خاصة واسعة النطاق، أو عالمية، بعض أعضائها من أصحاب المكانة المركزية الموروثة، وبعضهم قادم من الطبقة الوسطى المتنفذة. وهي المسئولة عن التخطيط وادارة مشروعات التنمية وتوزيع عوائدها، إلى جانب أدوارها السياسية المعروفة.
ينبغي الانتباه إلى ثلاثة أمور لفهم العلاقة التي تربطالتركيب الطبقي بالعدالة الاجتماعية في المجتمع المصري:
(1) أن علاقات الاستغلال، في هذا التركيب الطبقي، تظهر مختلفة الشدة، لا وجود مطلق ولا عدم مطلق، تنحسر إذا اتجه المجتمع نحو العدالة والمساواة النسبية، وتفيض إذا اتجه نحو الظلم الاجتماعي واللامساواة. وأن هذا التركيب، ينطوي على ثلاثة أنواع من علاقات الاستغلال هي: علاقات استغلال ملكية وسائل الإنتاج والتحكم فيها؛ علاقات استغلال السلطة البيروقراطية؛ علاقات استغلال النفوذ بكل أشكاله. ومن ثم فإن أية برامج أو سياسات تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية لابد أن تتوجه مباشرة نحو تحجيم الآثار السلبية لعلاقات الاستغلال.
(2) لم تلعب التشكيلات النقابية المعبرة عن مصالح الطبقات المهنية والعمالية والفلاحية، دورا ذي بال في مأسسة الصراع الطبقي، وعجزت عن تحقيق المصالح الطبقية، خاصة الاقتصادية والسياسية، بسبب خضوعها القسري، لقوى سياسية واجتماعية: من جهة الطبقة المركزية المتحكمة، ترغيبا وترهيبا، أو من جهة قوى المعارضة التي استحلت المؤسسات النقابية، كميدان للممارسة السياسية. ما أدى في النهاية إلى تحول الكفاح الطبقي المؤسسي، إلى كفاح مشتت وفئوي، يفتقد الإستراتيجية، ويفتقد القيادة النقابية المخلصة. وأنه من الضروري البحث عن صيغ حداثية ديمقراطية لتحرير العمل النقابي بكل مستوياته.
(3)هناك ضرورة ملحة أن يعمل النظام السياسي على إشاعة وعيطبقيحقيقي، كهدف لتحقيق العدالة والمساواة، وعلى الدولة أن تحرر هذا الوعي من صور التزييف التي كانت تنشرها الطبقة المركزية المتحكمة، المتحالفة مع الطبقة الوسطى المتنفذةقبل 2011.
بلغت نسبة الأمية 29% تقريبا، وهذه نتيجة مباشرة لتدهور مستوى جودة التعليم، وانتشار الفقر
رابعا: ديناميكية التركيب الطبقي
هذا التركيب الطبقي في حالة ديناميكية، لا يقر على اتجاه، بفعل المتغيرات المؤثرة فيه، (مصدر ونوع الدخل، مستوى الدخل، درجة التعليم والتدريب، الموقع داخل التقسيم الرسمي للعمل، أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك، المتغير الاجتماعي- السياسي). وأن الانقسام الطبقي، ليس سنة مؤكدة، تحدث باضطراد، كما تزعم بعض الكتابات الغربية والعربية. وإنما يمكن أن يحدث تقلص وانكماش في الأوعية الطبقية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أو لأي سبب آخر، كما يحدث في العراق وسوريا وليبيا الآن.
الانقسام الطبقي، بوصفه ظاهرة صحية تدل على ديناميكية المجتمع وقوته، يحدثعندما يتمكن المجتمع بصفة عامة من تطوير خصائصه الحضارية (تحديث نظمه الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية)، وعندما تنضج عملية التطوير، تزداد حدة التناقضات داخل الطبقة الواحدة، وتظهر جماعات طبقية ذات خصائص حضارية متمايزة، ومع الوقت لا يستطيع الوعاء الطبقي استيعابها، حتى تأتي لحظة تاريخية ملائمة، تنسلخ فيها هذه الجماعة عن الطبقة "الأم" مشكلة وعاء طبقيا جديدًا. وإذا توافرت هذه الشروط التاريخية، يتحول التركيب الطبقي في هذه اللحظة إلى تركيب ولود، وأحيانا تتم عملية التطوير، ببطء، في التركيب منخفض الخصوبة. وأحيانا تتوقف فيتصف التركيب بأنه عاقر. وفي المقابل يحدث الانكماش الطبقي: عندما تتدهور الخصائص الحضارية لبعض الأوعية الطبقية، ما يجعلها تتداخل في حدود طبقة مجاورة، إلى أن تختفي داخلها تماما، فيحدث انكماش في التركيب الطبقي.
خامسا: المؤشرات الكمية للخريطة الطبقية في مصر
بمراجعة ثلاث مصادر بيانات رئيسيةهي: 1- تقارير التنمية البشرية، الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2-التقرير الاقتصادي العربي الموحد. 3- تقارير أجهزة الإحصاء والتخطيط القومية، فيمكن حساب الوزن النسبي للطبقات الستة التي يتضمنها التركيب الطبقي، مع الالتفات إلى أن هذه البيانات الكمية، لا توفر فرصة للتعرف على شرائح الطبقة الوسطى الفقيرة والمستقرة والمتنفذة، ولكنها توفر فرصة لحساب الطبقة الوسطى الكلية، وبناء على ذلك فإن البيانات تشير إلى أن حجم الطبقة الوسطى الكلية في مصر يمثل 36% من حجم السكان. بينما نفترض أن الطبقة المركزية المتحكمة بناء على كل المؤشرات الدولية وفي كل المجتمعات لا تتجاوز 2% من مجموع السكان.
وإذا نظرنا للفئات العاطلة عن العمل، أو الفئات اللاطبقية، فإنها وفقا للإحصاءات الرسمية بلغت نسبة 13,5%، أكثر من نصفهم من الشباب،ومعظمهم من الفئات المتعلمة، على معنى أن خفض معدل البطالة، سوف يؤدي إلى ارتفاع تلقائي في حجم الطبقة الوسطى المصرية، لأن غالبية العاطلين عن العمل، تتوافر فيهم شروط الانتساب للطبقة الوسطى فيما عدا الحصول على فرصة عمل رسمية في القطاع الخاص او الحكومي.
وعليه فإن لدينا مؤشرات كمية تفيد بأن: الطبقة المركزية المتحكمة، تمثل 2% (نسبة افتراضية)، والطبقة الوسطى الكلية تمثل 36%، والفئات اللاطبقية تمثل 13,5% وتبقى الطبقة العاملة والفلاحية تمثل 48,5%، وهي نسبة تتضمن فئات متعلمة، فليس كل أعضاء هذه الطبقة من الأميين بطبيعة الحال، ولكن نسبة معتبرة تضطر لقبول مهن ووظائف عمالية رغم حصولها على شهادات تعليم متوسطة أو عليا، مثل:عمال الخدمات السياحية، عمال المحلات التجارية، سائقي التاكسي والميكروباص، عمال الأمن الخاص ..إلخ. وهذه الفئات مرشحة للدخول ضمن الطبقة الوسطى في حالة توافر فرص عمل لمهن الطبقة الوسطى.
هذا التركيب الطبقي في حالة ديناميكية، لا يقر على اتجاه، بفعل المتغيرات المؤثرة فيه، (مصدر ونوع الدخل، مستوى الدخل، درجة التعليم والتدريب، الموقع داخل التقسيم الرسمي للعمل، أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك، المتغير الاجتماعي- السياسي). وأن الانقسام الطبقي، ليس سنة مؤكدة، تحدث باضطراد، كما تزعم بعض الكتابات الغربية والعربية. وإنما يمكن أن يحدث تقلص وانكماش في الأوعية الطبقية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أو لأي سبب آخر، كما يحدث في العراق وسوريا وليبيا الآن.
الانقسام الطبقي، بوصفه ظاهرة صحية تدل على ديناميكية المجتمع وقوته، يحدثعندما يتمكن المجتمع بصفة عامة من تطوير خصائصه الحضارية (تحديث نظمه الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية)، وعندما تنضج عملية التطوير، تزداد حدة التناقضات داخل الطبقة الواحدة، وتظهر جماعات طبقية ذات خصائص حضارية متمايزة، ومع الوقت لا يستطيع الوعاء الطبقي استيعابها، حتى تأتي لحظة تاريخية ملائمة، تنسلخ فيها هذه الجماعة عن الطبقة "الأم" مشكلة وعاء طبقيا جديدًا. وإذا توافرت هذه الشروط التاريخية، يتحول التركيب الطبقي في هذه اللحظة إلى تركيب ولود، وأحيانا تتم عملية التطوير، ببطء، في التركيب منخفض الخصوبة. وأحيانا تتوقف فيتصف التركيب بأنه عاقر. وفي المقابل يحدث الانكماش الطبقي: عندما تتدهور الخصائص الحضارية لبعض الأوعية الطبقية، ما يجعلها تتداخل في حدود طبقة مجاورة، إلى أن تختفي داخلها تماما، فيحدث انكماش في التركيب الطبقي.
خامسا: المؤشرات الكمية للخريطة الطبقية في مصر
بمراجعة ثلاث مصادر بيانات رئيسيةهي: 1- تقارير التنمية البشرية، الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2-التقرير الاقتصادي العربي الموحد. 3- تقارير أجهزة الإحصاء والتخطيط القومية، فيمكن حساب الوزن النسبي للطبقات الستة التي يتضمنها التركيب الطبقي، مع الالتفات إلى أن هذه البيانات الكمية، لا توفر فرصة للتعرف على شرائح الطبقة الوسطى الفقيرة والمستقرة والمتنفذة، ولكنها توفر فرصة لحساب الطبقة الوسطى الكلية، وبناء على ذلك فإن البيانات تشير إلى أن حجم الطبقة الوسطى الكلية في مصر يمثل 36% من حجم السكان. بينما نفترض أن الطبقة المركزية المتحكمة بناء على كل المؤشرات الدولية وفي كل المجتمعات لا تتجاوز 2% من مجموع السكان.
وإذا نظرنا للفئات العاطلة عن العمل، أو الفئات اللاطبقية، فإنها وفقا للإحصاءات الرسمية بلغت نسبة 13,5%، أكثر من نصفهم من الشباب،ومعظمهم من الفئات المتعلمة، على معنى أن خفض معدل البطالة، سوف يؤدي إلى ارتفاع تلقائي في حجم الطبقة الوسطى المصرية، لأن غالبية العاطلين عن العمل، تتوافر فيهم شروط الانتساب للطبقة الوسطى فيما عدا الحصول على فرصة عمل رسمية في القطاع الخاص او الحكومي.
وعليه فإن لدينا مؤشرات كمية تفيد بأن: الطبقة المركزية المتحكمة، تمثل 2% (نسبة افتراضية)، والطبقة الوسطى الكلية تمثل 36%، والفئات اللاطبقية تمثل 13,5% وتبقى الطبقة العاملة والفلاحية تمثل 48,5%، وهي نسبة تتضمن فئات متعلمة، فليس كل أعضاء هذه الطبقة من الأميين بطبيعة الحال، ولكن نسبة معتبرة تضطر لقبول مهن ووظائف عمالية رغم حصولها على شهادات تعليم متوسطة أو عليا، مثل:عمال الخدمات السياحية، عمال المحلات التجارية، سائقي التاكسي والميكروباص، عمال الأمن الخاص ..إلخ. وهذه الفئات مرشحة للدخول ضمن الطبقة الوسطى في حالة توافر فرص عمل لمهن الطبقة الوسطى.
سادسا: خريطة الفقر والأمية في مصر
وترتبط بالخريطة الطبقية التي أوضحناها، حالتا الفقر والأمية في المجتمع المصري، فكلاهما ضروري لفهم الصورة الكاملة للحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يمر بها المجتمع في الفترة الراهنة، وترتيب أولويات العدالة الاجتماعية المنشودة. فيما يخص الأمية لدينا وفقا لآخر احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، نسبة أمية بلغت 29% تقريبا، وهذه نتيجة مباشرة لتدهور مستوى جودة التعليم، وانتشار الفقر، فمنذ عام 2005 والدولة غير قادرة على زيادة معدل القيد الصافي في حلقة التعليم الثانوي، عن 80% من الفئة العمرية في عمر الالتحاق بهذه المرحلة. وفي ظل تدهور جودة التعليم، تصبح الخصائص الثقافية للحاصلين على التعليم الأساسي لا تختلف كثيرا عن الأفراد الأميين. كما أن نسبة من الحاصلين على شهادات محو أمية الكبار، لا يعرفون القراءة والكتابة، وهؤلاء محسوبون على أنهم خارج نسبة الأمية.
ولا تخفى على القارئ آثار الأمية المتشعبة، على الفرد والمجتمع، حيث تؤدي إلى انخفاض معدل الإنتاجية، وتدهور مستويات المعيشة، كما أنها تعرقل جهود الدولة في تثبيت الديمقراطية، لأن ارتفاع معدل الأمية، يؤثر سلبا على الوعي السياسي للأفراد،ويتناقض مع المشاركة السياسية العاقلة، وبالتالي فإن العوامل التقليدية سوف تستمر في التأثير على الفضاء السياسي في المستقبل.
أما خريطة الفقر في مصر، فلدينا ثلاثة مستويات وطرق لحساب الفقر في مصر، فهناك الشريحة التي لا تجد قوت يومها، أو تعيش على أقل من عشرة جنيهات في اليوم، ونسبة هذه الشريحة تمثل نحو 3,4% من السكان، بينما تمثل الشريحة التي تعيش على دخل يومي أقلمن20 جنيها في اليوم الواحد نسبة 18,5% ، أما الشريحة التي تعيش علىأقل من 30 جنيها يوميا فتمثل نحو 21,8% ، ويتبقى السكان الذين يعيشون حياة لائقة ويمثلون نحو 56,3% من جملة السكان. ولا شك أن هذه البيانات الكمية، تؤشر على وجود مشكلة حقيقية في هيكل الأجور في القطاعين الخاص والحكومي، فحين يصبح دخل أكثر من 40% من السكان أقل من 30 جنيها يوميا، فمعنى ذلك أن هناك شرائح عريضة من قوة العمل المصرية لم تبلغ الحد الأدنى للأجور الذي أعلنت عنه الحكومة، ويعادل 40 جنيها يوميا.
وترتبط بالخريطة الطبقية التي أوضحناها، حالتا الفقر والأمية في المجتمع المصري، فكلاهما ضروري لفهم الصورة الكاملة للحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يمر بها المجتمع في الفترة الراهنة، وترتيب أولويات العدالة الاجتماعية المنشودة. فيما يخص الأمية لدينا وفقا لآخر احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، نسبة أمية بلغت 29% تقريبا، وهذه نتيجة مباشرة لتدهور مستوى جودة التعليم، وانتشار الفقر، فمنذ عام 2005 والدولة غير قادرة على زيادة معدل القيد الصافي في حلقة التعليم الثانوي، عن 80% من الفئة العمرية في عمر الالتحاق بهذه المرحلة. وفي ظل تدهور جودة التعليم، تصبح الخصائص الثقافية للحاصلين على التعليم الأساسي لا تختلف كثيرا عن الأفراد الأميين. كما أن نسبة من الحاصلين على شهادات محو أمية الكبار، لا يعرفون القراءة والكتابة، وهؤلاء محسوبون على أنهم خارج نسبة الأمية.
ولا تخفى على القارئ آثار الأمية المتشعبة، على الفرد والمجتمع، حيث تؤدي إلى انخفاض معدل الإنتاجية، وتدهور مستويات المعيشة، كما أنها تعرقل جهود الدولة في تثبيت الديمقراطية، لأن ارتفاع معدل الأمية، يؤثر سلبا على الوعي السياسي للأفراد،ويتناقض مع المشاركة السياسية العاقلة، وبالتالي فإن العوامل التقليدية سوف تستمر في التأثير على الفضاء السياسي في المستقبل.
أما خريطة الفقر في مصر، فلدينا ثلاثة مستويات وطرق لحساب الفقر في مصر، فهناك الشريحة التي لا تجد قوت يومها، أو تعيش على أقل من عشرة جنيهات في اليوم، ونسبة هذه الشريحة تمثل نحو 3,4% من السكان، بينما تمثل الشريحة التي تعيش على دخل يومي أقلمن20 جنيها في اليوم الواحد نسبة 18,5% ، أما الشريحة التي تعيش علىأقل من 30 جنيها يوميا فتمثل نحو 21,8% ، ويتبقى السكان الذين يعيشون حياة لائقة ويمثلون نحو 56,3% من جملة السكان. ولا شك أن هذه البيانات الكمية، تؤشر على وجود مشكلة حقيقية في هيكل الأجور في القطاعين الخاص والحكومي، فحين يصبح دخل أكثر من 40% من السكان أقل من 30 جنيها يوميا، فمعنى ذلك أن هناك شرائح عريضة من قوة العمل المصرية لم تبلغ الحد الأدنى للأجور الذي أعلنت عنه الحكومة، ويعادل 40 جنيها يوميا.
خاتمة
الخريطة الطبقية في مصر، قابلة للتغير في حال تطبيق برامج اقتصادية واجتماعية جديدة تراعي العدالة الاجتماعية والمساواة في مختلف المجالات، وربما يستطيع المجتمع المصري في الفترة القادمة احداث حراك طبقي صاعد، يمكن شرائح كبيرة من المصريين من مغادرة الطبقة العمالية أو موقع العاطلين عن العمل، والانضمام لشرائح الطبقة الوسطى، التي تعد قاطرة التنمية في المجتمعات الحديثة، ونأمل أن يقدم المقال مفتاحا معرفيا لصانعي القرار وأعضاء البرلمان الباحثين عن حياة أفضل للمصريين.
الخريطة الطبقية في مصر، قابلة للتغير في حال تطبيق برامج اقتصادية واجتماعية جديدة تراعي العدالة الاجتماعية والمساواة في مختلف المجالات، وربما يستطيع المجتمع المصري في الفترة القادمة احداث حراك طبقي صاعد، يمكن شرائح كبيرة من المصريين من مغادرة الطبقة العمالية أو موقع العاطلين عن العمل، والانضمام لشرائح الطبقة الوسطى، التي تعد قاطرة التنمية في المجتمعات الحديثة، ونأمل أن يقدم المقال مفتاحا معرفيا لصانعي القرار وأعضاء البرلمان الباحثين عن حياة أفضل للمصريين.