لم ينضج بعد: قراءةٌ نقدية للقانونِ المُوحَد لتنظيمِ الإعلامِ والصحافة (1)
أعدت "اللجنة الوطنية
للتشريعات الصحفية والإعلامية" ما أُطلق عليه "القانون الموحد لتنظيم الإعلام
والصحافة على مدى 24 شهرا بعد أن قام ممثلوها بالتشاور مع لجنة حكومية شكلها رئيس مجلس
الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب. ترأس هذه اللجنة – كما جاء في صحيفة الأهرام
- الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وضمت العديد من القامات
القانونية والإعلامية والإدارية المتخصصة، كان من بينهم الدكتور علي عبد العال الخبير
القانوني قبل أن يترأس مجلس النواب حالياً. وتواصلت المشاورات سبع جلسات مطولة بين
اللجنتين، فكانت حصيلتها مسودة مشروع هذا القانون، التي أخذت بكل وجهات النظر، وضمت
الآراء والمقترحات المطروحة وصولاً لاتفاق حول مواد المشروع الموحد لتنظيم الصحافة
والإعلام من خلال المناقشات التي دارت خلال تلك الجلسات.
ومن هنا جاء مشروع القانون
الذي يضم 9 أبواب، أولها عن حرية الصحافة وواجبات الصحفيين والإعلاميين، والثاني عن
إصدار الصحف وملكيتها، بينما شمل الثالث سبل تأسيس وسائل الإعلام وملكيتها، فالرابع
عن المؤسسات الصحفية القومية، ويأتي الخامس عن وسائل الإعلام العامة، ثم ينفرد الباب
السادس بالمجلس الأعلى للإعلام، والباب السابع للهيئة الوطنية للصحافة، والباب الثامن
للهيئة الوطنية للإعلام، وأخيرًا الباب التاسع للعقوبات.
وفي هذه الورقة البحثية
نقدم قراءة متأنية للقانون من حيث السياق العام لإصداره أو خلال إخضاع أبوابه وفصوله
ومواده للتحليل في ضوء خبراتنا السابقة بالتشريعات الإعلامية في هذا المجال، وخبراتنا
في مجال إعداد تقارير الممارسة الصحفية بالمجلس الأعلى للصحافة لعشر سنوات متصلة، علاوة
على إعداد دراسات ضافية أخضعنا فيها عديدًا من الظواهر الصحفية المهمة مثل الأخبار
المجهلة المصدر والصحافة الصفراء والإعلانات والممارسات الصحفية أثناء فترات الانتخابات
للدراسة والتحليل.
أولاً: ملاحظات
أولية
عند النظر إلى الآلية
التي وُضع بها القانون لأول وهلة، يثور سؤالٌ مهم: هل يجوز في عصر حرية الإعلام أن
تتدخل الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب منذ البداية في تشريع قانون لتنظيم الإعلام
والصحافة، وأن يوكل رئيس الحكومة أشرف العربي وزير التخطيط برئاسة لجنة حكومية لوضع
الخطوط العريضة للقانون ومناقشة "اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية"
فيما توصلت إليه على مدار عدة جلسات مطولة لكي تأخذ بمقترحات اللجنة الحكومية عند الصياغة
النهائية للقانون؟
لقد خرج هذا القانون
إذن من رحم الحكومة بإشراف رئيس الحكومة وبإخراج وزير التخطيط، رغم أن هذا القانون
ليس قانونًا للخدمة المدنية لإصلاح الجهاز الإداري للدولة، أو قانونًا للضرائب العقارية
أو قانونًا لضريبة القيمة المضافة، وغيرها من القوانين المتعلقة بالحكومة والسلطة التنفيذية
ومن حقها صياغتها ورفعها لمجلس النواب لمناقشتها وتعديلها وإقرارها وفقًا لسلطاته التشريعية
المخولة له. إن هذا القانون هو قانون الإعلام، والذي ينص الدستور على حريته بوضوحٍ
تام دون لبس، وحرية الإعلام لا تمنحها الحكومة أية حكومة، لأن الإعلام ببساطة هو
"السلطة الرابعة"، والتي تمارس دورًا كبيرًا في الرقابة على السلطة التنفيذية
الممثلة في رئيس الدولة والحكومة، فكيف إذن للحكومة أن تشارك بل وتهيمن على عملية سن
تشريع للإعلام. أعتقد أن تضاربًا للمصالح هنا واضح تمامًا ولا لبس فيه بدرجة الوضوح
نفسها للحرية التي منحها الدستور للإعلام لتأتي الحكومة بمحاولات لنسخ ومسخ هذه الحرية
بقانون لتنظيم الإعلام يخرج من رحمها؛ فالحكومات لا تقوم بتنظيم الإعلام، وإلا لصار
إعلامَ سلطة أو إعلامًا موجهًا. وفي بلدان العالم الثالث، تحرص الجماعة الإعلامية بل
تفخر وتعتبر أنه من الحرية والشجاعة بمكان خرق وانتهاك قوانين الإعلام التي تضعها الحكومات.
وقد يقول قائل مدافعًا
عن الحكومة فيما أقدمت عليه بدس أنفها في هكذا قانون، إن الحكومة شكلت لجنة موازية
باسم "اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية"، ونحن نعلم أن اختيار
أعضاء هذه اللجنة لم تكن له أسس شفافة، وأحيانًا الاختيارات تكون موجهة ومقصودة إلى
أن تفرز نتائج محددة ومقصودة.
إذن ما الآلية البديلة
التي كان يمكن من خلالها سن هكذا تشريعات، إن هذه الآلية كان يجب أن تبدأ بأهمية إيمان
الحكومة "حكومة محلب" بوجوب عدم تدخلها في تنظيم الإعلام منذ البداية، وكان
يجب أن يُترك الأمر للجنة الإعلام لمجلس النواب بعد انتخابه، وهي اللجنة التي يمكن
أن تعقد عديدًا من جلسات الاستماع مع الجماعة الصحفية والجماعة الإعلامية على اختلاف
أعضائها دون انتقاء أو فرز للوصول إلى تشريع متكامل يكون نتيجة للتعاون المباشر بين
المشرّعية (لجنة الإعلام بمجلس النواب) وأصحاب المهنة (الصحفيين والإعلاميين)، ثم يعرض
هذا التشريع للحوار العام مجمل الجماعة الإعلامية والصحفية للاستفادة بأية مقترحات
أو تعديلات. هكذا يشعر الإعلاميون والصحفيون جميعًا أنهم شاركوا في تنظيم مهنتهم وشاركوا
في إعداد التشريع الخاص بهذه المهنة، وبالتالي يصبح لزامًا عليهم احترام القانون الذي
خرج من رحم مهنة الصحافة والإعلام، وهى المهنة التي دائمًا ما تتحسس أقلامها وميكروفوناتها
وشاشاتها عندما تتدخل الحكومة في أمرٍ يمسها.
الأمر الثاني هو ورود
مصطلح "ميثاق الشرف الصحفي" في القانون المقترح أكثر من مرة، دون توضيح آلية
وضع هذا الميثاق، ومن الذي سيقوم على صياغته، هل هي جهة معينة كالمجلس الأعلى للإعلام
أم نقابة الإعلاميين التي لم تتشكل بعد أم الصحفيين والإعلاميين في المؤسسات الصحفية
والإعلامية المختلفة، ولنا الحق أن نتساءل ولا سيما أن لدينا تجربةً فاشلة بامتياز
إبان رئاسة المهندس إبراهيم محلب للحكومة، حين خرجت علينا د. درية شرف الدين وزيرة
الإعلام في تلك الحكومة بميثاق شرف إعلامي سمّيته في إحدى مقالاتي على موقع "البوابة
نيوز" "ميثاق محلب ودرية" لأنه بالفعل لم يكن يمثل سواهما. وكما أن
الحكومات في دولةٍ حرة بعد ثورتيْن لا يليق أن تقوم الحكومة فيها بالتورط في قانون
لتنظيم الإعلام، فإنها لا يجب أن تُصدر مواثيق شرفٍ إعلامية ؛ فمواثيق الشرف الإعلامية
يكتبها أصحاب المهنة أنفسهم أي الإعلاميون، ولا أحد سواهم حتى يلتزموا بها.
الأمر الثالث هو غياب
كل ما يتعلق بوسائل الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات وصحافة
المواطن؛ فمن الواضح أن اللجنة التي وضعت هذا القانون لم يكن بها متخصصون في الإعلام
الجديد، وأن أول وآخر ما عرفه في الإعلان الجديد هو الصحافة الإلكترونية، ولم تصل إلى
أسماعهم الأشكال الأخرى المتعددة من هذا الإعلام، والتي يُطلق عليها إجمالاً
"صحافة المواطن" أو "صحافة الشبكات"، مع ما لهذا النوع من الإعلام
من تأثير على المستخدمين، وخاصةً من ينتمون لفئة الشباب منهم. ولعل ما يؤيد رأينا هذا
هو ما جاء بالمادة الأولى من القانون التي تنص على "يُعمل بأحكام القانون المرافق
في شأن تنظيم الصحافة والإعلام، وتسري أحكامه على جميع الكيانات الصحفية والإعلامية"؛
فالكيانات الصحفية والإعلامية تعد غاية في المحدودية في ظل تنوع وسائل الإعلام الجديد
وصحافة المواطن، كما قصرت المادة (1) من الأحكام العامة مفهوم الصحيفة فيما نصه
"كل إصدار ورقى أو إلكتروني يتولى مسئولية تحريره أو بثه صحفيون نقابيون، ويصدر
باسم موحد، وبصفة دورية في مواعيد منتظمة، ويصدر عن شركة مملوكة لشخص أو أشخاص طبيعيين
أو اعتباريين.
وأعتقد كذلك أن القانون
لم يُشر بشكلٍ واضح وصريح إلى "البث الإذاعي والتليفزيوني عبر الإنترنت"،
وهو اتجاه متزايد أدى إلى انتشار هذا النوع من البث لمحطات إذاعية وتليفزيونية غير
موجودة سوى على شبكة الإنترنت، علاوة على تدشين المحطات الإذاعية والتليفزيونية التقليدية
لمواقع لها على شبكة الإنترنت، يمكن من خلالها متابعة البث الحي والمباشر لها، وكذلك
متابعة البرامج والفقرات المسجلة التي لم يتسن لمستخدمي المواقع متابعتها في الوقت
الحقيقي، ويتضح ذلك من مفهوم "الإعلام المسموع أو المرئي أو الرقمي"؛ فكلمة
"الرقمي" لا تشير بالضرورة إلى البث الإذاعي والتليفزيوني عبر الإنترنت"،
لأن البث القائم للمحطات التقليدية في ماسبيرو مثلاً هو بث رقمي Digital ، وليس بثًا تناظريًا Analog.
كما أن مفهوم الصحيفة
الوارد في المادة (1) من الباب الأول ضمن الأحكام العامة، والذي ينص على أنها
"كل إصدار ورقي أو إلكتروني يتولى مسئولية تحريره أو بثه صحفيون نقابيون، ويصدر
باسم موحد، وبصفة دورية في مواعيد منتظمة، ويصدر عن شركة مملوكة لشخص أو أشخاص طبيعيين
أو اعتباريين"، يُعد مفهومًا ضيقًا في عصر الإنترنت، كما أن نقابة الصحفيين المصريين
لا تعترف بالصحفيين العاملين ضمن المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، فهل يكون هؤلاء
الصحفيون نقابة مستقلة، أم سيتم تطوير نقابة الصحفيين الحالية لكي تواكب التطوير في
مفهوم الصحيفة لتقبل هؤلاء الصحفيين أعضاءً بها، وهكذا يكون تعريف الصحفي في المادة
نفسها بأنه "كل عضو مقيد بجدول نقابة الصحفيين" فيه إجحاف لمئات من الصحفيين
العاملين في الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية ومواقع المحطات الإذاعية والتليفزيونية
ومواقع وكالات الأنباء وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لكل الوسائل السابقة.
ثانيًا: حرية
الصحافة والإعلام
تنص المادة (3) من الفصل
الأول الخاص بحرية الصحافة والإعلام على أنه "يُحظر، بأى وجه، فرض رقابة على الصحف
ووسائل الإعلام المصرية، ويحظر مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض
رقابة محددة عليها في زمن الحرب، أو فى حال التعبئة العامة"، وهنا كان يجب تحديد
مفهومي "زمن الحرب" و"التعبئة العامة"، حتى لا يتم التوسع فيهما؛
فهل الحرب المقصودة هي حربٌ مع دولة أخرى تناصبنا العداء أو قامت بالاعتداء علينا،
أم يمكن أن تدخل "الحرب على الإرهاب" ضمن هذا المفهوم. وما يجعلنا نطالب
بمزيد من التحديد، هو ما استُخدم من مصطلحات مطاطة في القوانين السابقة، وأُسيء استخدامها
أسوأ استغلال، كما حوت المادة الرابعة مصطلحات مطاطة مشابهة مثل "الأمن القومي"
و"تكدير السلم العام"، وهو ما يحتاج كذلك إلى مزيد من التحديد.
وتنص المادة السابعة
من الفصل الثاني الخاص بحقوق الصحفيين والإعلاميين على أنه: "للصحفي أو الإعلامي
حق نشر المعلومات والبيانات والأخبار التي لا يحظر القانون إفشاءها.
وتلتزم الجهات الحكومية
والعامة بإنشاء إدارة أو مكتب للاتصال بالصحافة والإعلام لتمكين الصحفي أو الإعلامي
من الحصول على المعلومات والبيانات والأخبار. كما تنص المادة الثامنة على أنه
"يُحظر فرض أي قيود تعوق حرية تداول المعلومات، أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف
الصحف المطبوعة والإلكترونية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، في حقها في الحصول
على المعلومات ،و يحظر كل ما من شأنه إعاقة حق المواطن في تلقي الرسالة المعرفية والإعلامية،
وذلك كله دون إخلال بمقتضيات الأمن القومي، والدفاع عن الوطن.
كما تنص مادة (9) على
أن "للصحفي أو الإعلامي الحق في تلقي إجابة على ما يستفسر عنه من معلومات وبيانات
وأخبار، وذلك ما لم تكن هذه المعلومات والبيانات أو الأخبار سرية بطبيعتها أو طبقًا
للقانون"، وهنا يثور أمران مُهمان:
1-
أنه
لم يصدر حتى الآن قانونٌ لتداول المعلومات ينظم عملية تداول المعلومات في المجتمع عامةً
وفي وسائل الإعلام بصفةٍ خاصة، وبالتالي تصبح مفاهيم مثل المعلومات التي تخل بالأمن
القومي والدفاع عن الوطن مسوغات للحد من تداول المعلومات، وينطبق ذلك أيضًا على مفهوم
"المعلومات والبيانات والأخبار ذات الطبيعة السرية"، وهو ما يجعل الوزارات
والمؤسسات العامة تتوسع في حجب المعلومات بحجة الحفاظ على السرية، وهو ما سوف يؤدي
إلى عدم الشفافية في أمورٍ تهم المجتمع والإعلام الذي يقوم بتوصيل المعلومات له، ويخل
بمبدأ الحق في المعرفة.
2-
إن التزام الجهات الحكومية والعامة بتأسيس
مكتب للاتصال بالصحافة لإمداد الصحفيين بالمعلومات والبيانات والأخبار يحد من حرية
الصحفي في الاستعانة بمصادر مختلفة ومتنوعة للأخبار، ويقصر مصادره في هذا المكتب وما
يصدر عنه من بيانات، وهو ما لن يتيح له التفرد عن زملائه، لتصبح المعلومة أو الخبر
المتاح متاحًا لكل الصحف ووسائل الإعلام، وهو ماسيحول الصحف إلى نشرات للعلاقات العامة،
وهو أمرٌ يمس حريتها، ويستدعي هذا سلوكيات بعض الوزراء الخاصة بمنع الصحفيين والإعلاميين
من دخول وزاراتهم، أو إصدار فرمانات لكبار الموظفين بعدم الإدلاء بأية تصريحات للصحافة
والإعلام.
تنص مادة (11) على أنه
"تلتزم كل صحيفة أو وسيلة إعلامية، بوضع سياسة تحريرية لها تتضمنها العقود التي
تبرمها مع الصحفيين والإعلاميين عند التحاقهم بها، ليحتكم إليها الطرفان عند الخلاف.
ولا يجوز إجبار الصحفي أو الإعلامي على القيام بأعمال تتناقض مع هذه السياسة"،
وتُعد هذه مادة غاية في الغرابة، لأن السياسة التحريرية هي في الأساس سياسة غير مكتوبة،
ولكن يحدث توافق بشأن خطوطها العريضة بين العاملين في الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية،
وهي سياسة غير ثابتة أو استاتيكية بل تتسم بالحيوية والتطور وفقًا لما تقتضيه الظروف
والأحداث، وبالتالي كيف يتم تضمين هذه السياسة بشكلٍ مكتوب في عقود الصحفيين أو الإعلاميين،
وإذا جاز أن يكون هناك شيء مكتوب في هذا الصدد فهي الأهداف العامة والمنطلقات الخاصة
بالوسيلة الإعلامية وليس سياستها التحريرية.
كما تنص مادة (16) على
أنه "لا يجوز فصل الصحفي أو الإعلامي من عمله إلا بعد إخطار النقابة المعنية بمبررات
الفصل لتقوم بالتوفيق بين الطرفين"، وهو ما يجعل الصحفي عُرضة للفصل التعسفي،
ولا بد هنا أن تكون محاولات التوفيق بين الطرفين عملية سابقة لقرار الفصل وليس بعدها
حال وقوع خلاف بين الطرفين، وليس كما هو موجود بالقانون الذي يبيح الفصل بشرط إخطار
النقابة المختصة بمبرراته!
وتنص مواد الفصل الثالث
الخاص بواجبات الصحفيين والإعلاميين على مبادئ جيدة ومثالية مثل الالتزام بمبادئ الدستور وأحكام القانون، والالتزام
الكامل بميثاق الشرف المهني، والالتزام بعدم نشر أو بث الدعوات العنصرية أو الدعوات
التي تنطوي على امتهان الأديان أو احتقار أي طائفة من طوائف المجتمع، وعدم التعرض للحياة
الخاصة للمواطنين، وحق الرد والتصحيح للجمهور، وحظر قبول المؤسسة الصحفية أو الوسيلة
الإعلامية أو الصحفي أو الإعلامي تبرعات أو إعانات أو مزايا خاصة بسبب عمله من أي أشخاص
أو جهات أجنبية أو محلية، سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما يحظر على الصحفي
أو الإعلامي تلقي أية إعانة حكومية بسبب عمله سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بوصفه
مندوبًا أو مراسلاً في جهة حكومية، كما يُحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية
نشر أي إعلان تتعارض مادته مع الدستور أو القانون أو الآداب العامة أو مواثيق الشرف
المهنية، كما تلتزم المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية بالفصل والتمييز على نحو كامل
وواضح بين المواد التحريرية والإعلانية، ولا يجوز للصحفي أو الإعلامي أن يعمل في جلب
الإعلانات، ولا يجوز له أن يحصل على أية مبالغ مباشرة أو غير مباشرة أو أية مزايا يحصل
عليها عن طريق نشر الإعلانات أو بثها بأية صفة، وكل هذه مبادئ مثالية وجيدة كما سبق
وذكرنا، وهى ليست بجديدة ولا مبتكرة، فهي منصوص عليها في القوانين الحالية وميثاق الشرف
الصحفي وقانون نقابة الصحفيين.
إن المثالية شيء وما
يتم تنفيذه على أرض الواقع شيء آخر، وهناك عديد من الشواهد التي تجافي هذه المبادئ
على أرض الواقع، نذكر منها:
-
إن مبادئ الدستور والقانون كانت على المحك
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعانت الأمريْن في ظل وتحت رعاية اللجنة العُليا
للانتخابات، التي لم تحرك ساكنًا، ولم تعاقب المرشحين الذين خالفوا الدستور والقانون،
بل وصلوا إلى البرلمان على جثة الدستور والقانون، بل إن نسبة لا بأس بها من النواب
لا يعترفون بالدستور ويريدون التعديل فيه والحذف منه. ببساطة يجب العمل على الاحترام
الفعلي للدستور والقانون ومعاقبة كل من يخالفهما، ليس بكلمات وعبارات منمقة، ولكن بشكلٍ
فعلي.
-
وفيما يتعلق بميثاق الشرف المهني، فقد كان
لدينا ميثاق شرف مهني أقره المجلس الأعلى للصحافة بعد نشر حادثة الراهب المشلوح الشهيرة
في صحيفة "النبأ"، وكنت ضمن الفريق الذي يعد تقارير الممارسة الصحفية التي
ترصد الأداء الصحفي لكل قطاعات الصحف القومية والحزبية والخاصة والصادرة بتراخيص من
خارج مصر، ومدى التزامها بميثاق الشرف الصحفي تحت إشراف أ.د. فاروق أبو زيد عميد كلية
الإعلام الأسبق في الفترة من 1998 إلى 2010، وكانت هذه التقارير تُرسل لكل صحيفة على
حدة، إلا أنه لم يكن يتم الالتزام بالملاحظات الواردة في هذه التقارير، كما أنه لم
تكن هناك آلية لمعاقبة من ينتهك ميثاق الشرف الصحفي، لذا فإنه لا بد من البحث عن آلية
للمسائلة والعقاب لمن يخالف ميثاق الشرف الصحفي.
-
الالتزام بعدم بث الدعوات العنصرية شيء جميل،
ولكن ماذا نقول عن ممارسات الإعلام الرسمي والخاص عن أعضاء "جماعة الإخوان المسلمين"
والتحريض عليهم وتخوينهم ووصمهم بالإرهاب، وفي المقابل نجد إعلام جماعة الإخوان يتهم
النظام ورئيس الدولة ومن يعملون معه علاوة على الجيش والشرطة والقضاء بأقذع الألفاظ،
بل يصدر شيوخهم االفتاوى التي تبيح دم أفراد الجيش والشرطة بل والقضاة أيضًا، لذا لا
بد أن يكون هناك قرار سيادي فيما يتعلق بتخفيف حدة الاستقطاب، ونشر ثقافة السلام المجتمعي
بين جميع أطراف الشعب المصري، حتى يصبح الالتزام بعد بث الدعوات العنصرية ممكنُا على
الأرض، وليس حبرًا على ورق.
-
وفيما يتعلق بعدم نشر الدعوات التي تحث على
امتهان الأديان، فهي تحدث جهارًا نهارًا من قبل السلفيين الذين أفتوا بعدم جواز تهنئة
المسيحيين بأعيادهم، فماذا لو تعاملت وسيلة إعلامية مع المسيحيين من هذا المنطلق الذي
قام السلفيون بإلباسه ثوبًا دينيًا، كما أنني في آخر خطبة للجمعة حضرتها قبل الشروع
في كتابة هذه الدراسة سمعت الخطيب الأزهري يقول إن اليهود والنصارى كفار كما ورد في
كثيرٍ من آيات القرآن والأحاديث النبوية، ومن يقول أو يؤمن بغير ذلك فهو كافر، ومن
هنا فنحن في حاجة إلى مزيد من الإعداد للدعاة، وإلى نشر الإسلام الوسطي، لأن مثل هذه
النصوص القانونية قد تكون ألغامًا في التعامل مع الإعلام، والذي قد يحول هذه الأمور
إلى حروبٍ دينية مقدسة.
-
وفيما يتعلق بالحياة الخاصة بالمواطنين، ماذا
يمكن أن نقول عن برامج التسريبات؟ ولماذا نتعامل مع بعض التسريبات بسماحة نفس ، وخاصةً
إذا كانت تشوه بعض نشطاء ثورة 25 يناير، ولماذا ننكر هذه التسريبات إذا كانت متعلقة
بمخرج سينمائي، ونرفع لافتة تبرز انتهاك الحياة الخاصة، يجب أن نؤمن بالحياة الخاصة
للمواطنين.. كل المواطنين دون تفرقة، كأن يكون هؤلاء من فريق ثورة يناير، وآخرون من
ائتلاف 30 يونيو، كما يجب تحديد مساحة الحياة الخاصة، ويجب كذلك تحديد آلية التعامل
مع الحياة الخاصة للشخصيات العامة.
-
أما مسألة قبول الصحفيين والإعلاميين للهدايا
والتبرعات فحدث ولا حرج، فما رحلات الحج المجانية السنوية عنا ببعيد، والتي يذهبون
فيها على نفقة المملكة العربية السعودية بدعوة من السفير السعودي، وكذلك ما سربه موقع
ويكيليكس من تقاضي وسائل إعلامية مصرية أموال من السفارة السعودية بالقاهرة نظير أعمال
إعلامية تخدم أهداف المملكة في مصر، وكذلك التعاقد مع بعض الشخصيات الإعلامية المصرية
المرموقة كمستشارين إعلاميين لدولٍ عربية نظير مبالغ طائلة. ناهيك عن المال السياسي
وضخه في شرايين الإعلام المصري لتحقيق أهداف دول معينة في الداخل المصري، كل ذلك في
حاجة إلى آليات محددة لضبطه والمسائلة والمحاسبة بل والعقوبات المحددة بشأنه، وليس
مجرد كلامٍ مرسل.
-
أما مسألة الخلط بين التحرير والإعلان وعمل
الصحفي في جلب الإعلانات نظير نسبة محددة، فهو أمرٌ مستقر للأسف في كبريات الصحف والمؤسسات
الصحفية المصرية، وتم إغماض الأعين عنه لسنوات طويلة، فكل من يجلب المال للصحيفة يصبح
ذا نفوذ فيها، وليس موضع ازدراء كما كان الحال عندما كانت الصحافة مهنة سامية، وليس
مهنة لجلب الأموال والشيكات، فما الآليات التي اقترحها القانون لتغيير هذه الوضعية؟
للأسف لا توجد آليات محددة لذلك.
-
إن حق الرد والتصحيح يجب أن يكون حقًا مطلقًا
للجمهور، ما دامت الوسيلة الإعلامية قد تعرضت له بما يسيء إليه، لذا فإن هذا الحق يجب
ألا يتم تقييده كما ورد في القانون الذي نصت المادة (24) من الفصل الثالث الخاص بواجبات
الصحفيين والإعلاميين على أنه "يجوز للصحيفة أو للوسيلة الإعلامية أن تمتنع عن
نشر التصحيح في الحالتين الآتيتين:
·
إذا
وصل طلب التصحيح إليها بعد مضيّ ثلاثين يومًا على النشر أو البث.
·
إذا سبق لها أن صححت من تلقاء نفسها ما يطلب
منها تصحيحه قبل أن تتسلم الطلب".
ففي الحالة الأولى قد
يكون ما نشر يمس شخصًا خارج البلاد أو لم يتابع الوسيلة الإعلامية وقت النشر أو الإذاعة،
وبالتالي يمكنه تدارك ذلك حتى بعد انقضاء فترة الثلاثين يومًأ، وفي الحالة الثانية
لا يمكن أن تضع الوسيلة الإعلامية نفسها في مكان من أساءت إليه، وتغمطه حقَ الرد بحجة
أنها قد صححت ما نشرته من تلقاء نفسها، فقد يكون ذلك غير كافٍ من وجهة نظر الشخص الذي
تمت الإساءة إليه.
وفي الفصل الخامس الذي
يحوي ضمانات التحقيق والمحاكمة في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف ووسائل الإعلام، ورد
في مادة (39) أنه "لا يجوز الحبس الاحتياطي، أو الإفراج بكفالة في الجرائم التي
تقع بواسطة الصحف أو وسائل الإعلام"، وهو مكسب مهم للصحفيين الذين عانوا من الحبس
الاحتياطي في جرائم النشر حتى وقتٍ قريب، وكذلك دفع كفالات مبالغ فيها، علاوة على نص
المادة التالية على أنه "لا يجوز أن يتخذ من الوثائق والمعلومات والبيانات والأوراق
التي يحوزها الصحفي أو الإعلامي دليل اتهام ضده في أي تحقيق جنائي إلا إذا ثبت قانونًا
أن حيازته لها كانت لأسباب غير مهنية"، كما نصت مادة (41) على أنه "لا يجوز
تفتيش مسكن الصحفي أو الإعلامي بسبب جريمة من الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو وسائل
الإعلام إلا بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة".. وهى كلها مكتسبات تصون حرية الصحفي
والإعلامي في أداء مهنته.