انفتاح مخطط: القوة الناعمة الإيرانية تغزو العالم بهدوء
في اليوم الأول بعد منتصف يناير 2016 خرجت إيران من صقيع العقوبات الدولية التي خضعت لها لمدة عقد من الزمان تقريبا إلى دفء المجتمع الدولي الذي كان ينتظرها بفارغ الصبر. وقد ظهر جليا من ردود الفعل خلال النصف الثاني من يناير إن العالم يعتبر إيران الآن لاعبا مهما على الساحة الدولية، ليس فقط لأهميتها الاقتصادية، ولكن أيضا لقدرتها على فض كثير من الاشتباكات في السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط. وبينما تقاطرت قيادات الشركات الكبرى في العالم، خصوصا الأوربية والصينية، على طهران لاستطلاع فرص الأعمال والربح هناك، كانت الدبلوماسية الإيرانية هي الأخرى قد أعدت نفسها لإعادة تقديم أوراقها للعالم. وكانت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لكل من إيطاليا وفرنسا والفاتيكان في الأسبوع الأخير من يناير عنوانا لمرحلة جديدة من العلاقات بين إيران والعالم، من المتوقع أن تزيد فيها العلاقات بين أوروبا، الساعية للخروج من أزمة اقتصادية عميقة إلى معدلات نمو مستقرة، وبين إيران الطامحة إلى تعويض ما فاتها من فرص النمو في العقود الماضية ليس فقط بسبب العقوبات وإنما أيضا بسبب الحروب والنزاعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وربما ينظر بعض العرب إلى إيران على إنها "قوة عدم استقرار" في منطقة الشرق الأوسط. لكن يبدو أن طرفين فقط في العالم يؤيدان مثل هذه النظرة، إسرائيل والمحافظين المتطرفين في الولايات المتحدة. وتقدم إيران نفسها إلى العالم بوصفها الدولة الأكثر اعتدالا في الشرق الأوسط والأكثر أمنا بين دوله المختلفة، بما في ذلك إسرائيل وتركيا. وقد ثبت من تتبع الأوضاع في العراق وفي سوريا وفي لبنان، إنه لا يوجد حل لمشكلات هذه البلدان بدون مشاركة إيرانية. ومن المرجح أن تعتمد أوروبا والولايات المتحدة على إيران كلاعب إقليمي رئيسي في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقل. ولذلك فإن عودة إيران إلى دفء العلاقات الدولية من جديد يحمل في طياته مزايا اقتصادية وسياسية للنظام العالمي، فمن ناحية ستسهم ثروات إيران المجمدة في ضخ سيولة مالية للاقتصاد العالمي، كما ستتيح إيران فرصا هائلة للاستثمار الأجنبي في قطاعات الصناعة والنفط والطاقة إضافة إلى زيادة حجم التجارة العالمية. ومن ناحية أخرى فإن عودة إيران ربما تساعد على إطفاء الحرائق المشتعلة في الشرق الأوسط، وهو احتمال ضئيل، لكن دوائر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لا تقلل من شأنه.
أولاً: مهارة دبلوماسية
تملك إيران العديد من مصادر القوة المادية التي تؤهلها للقدرة على التهديد من أهمها الأسلحة الصاروخية والقوة البحرية والقدرة النووية، حتى وإن كانت الأخيرة لم تصل بعد إلى القدرة الكاملة على تصنيع سلاح نووي. وتستخدم إيران مصادر القوة المادية بفاعلية وفي حدود تمكنها من تحقيق أهدافها بدون التورط في نزاع مسلح مباشر مع جيرانها من أفغانستان في الشرق إلى البحرين واليمن في الغرب. لكن إيران تملك أيضا عددا من مصادر القوة المعنوية أو "القوة الناعمة" منها الخبرة التفاوضية والإعلام والتجارة والاستثمار والمذهبية الدينية ودورها داخل أوبيك. والأهم من ذلك يتمثل في القوة المعنوية للمثل الذي ضربته إيران في الصمود ضد العقوبات الدولية، بل والتغلب على هذه العقوبات بإنشاء صرح من الإنجازات العسكرية والسياسية تحت هذه العقوبات. إن إيران نجحت إلى أقصى حد في توظيف قدراتها الصلبة وقدرتها الناعمة والمزج بينهما في أحسن صورة ممكنة (smart power) من أجل تحقيق أهداف الأمن القومي الإيراني، مما يكسبها الآن مكانة مهمة في العالم خصوصا في وسط آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى إيطاليا وفرنسا والفاتيكان والتي جاءت بعد أيام من زيارة الرئيس الصيني لطهران، وما أسفرت عنه تلك الزيارة من تعزيز للتعاون بين الدوليتين.
لقد استطاع الرئيس الإيراني حسن روحاني أن يوجه وهو في زيارته الأوربية عددا من الرسائل الإستراتيجية والاقتصادية إلى العالم. وكان من أهم هذه الرسائل:
- إن إيران دولة معتدلة ومسئولة في الشرق الأوسط وسوف تمارس دورها بمسؤولية بالغة حفاظا على السلام الدولي.
- إن إيران دولة معتدلة آمنة، وهي من أكثر الدول أمانا واستقرارا في الشرق الأوسط.
- إن إيران برهنت على حسن نيتها تجاه العالم باحترام كل بنود وثيقة الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 والمعروفة اختصارا بـ "JCPOA" أي (Joint Comprehensive Plan of Action ) التي تتضمن التزامات إيران في مقابل إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
- إن إيران لن تستطيع تحقيق التنمية التي تطمح إليها بدون التعاون مع الغرب، سواء في قطاع النفط أو في غيره من القطاعات.
- وإضافة إلى ذلك، فقد كانت هناك رسالة غير مباشرة أظن أن الرئيس الإيراني حسن رووحاني يريد أن يمررها إلى الغرب، وتتعلق بضرورة أن تتعاون معه أوربا من أجل تعزيز قوة المعتدلين في طهران في مواجهة التيار المتشدد خصوصا بين رجال الدين الإيرانيين الذين كانوا يعارضون الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، ويسعون بكل السبل من أجل إفشاله، على الرغم من موقف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي المؤيد له.
إن الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي تم انتخابه في 2013 على أساس برنامج يوازن بين أهمية القدرات النووية الإيرانية وبين أهمية تنشيط الاقتصاد وتحقيق التنمية، يجب أن يبرهن للإيرانيين على نجاح هذا البرنامج بعد توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة الـ 5+1 والذي من شأنه أن يضع قيودا على تقدم عمليات التخصيب، وتأخير احتمال إنتاج سلاح نووي. ويتوقف نجاح برنامج روحاني الرئاسي الآن على انطلاق الاقتصاد الإيراني من عنق الزجاجة الذي كانت تفرضه العقوبات.
وبعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 16 يناير بفتح الطريق أمام إلغاء العقوبات على أساس أن إيران أوفت بتعهداتها الواردة في الاتفاق، فإن الإدارة السياسية في إيران لم يعد لها عذر في بقاء الأوضاع الاقتصادية على ما هي خصوصا فيما يتعلق بارتفاع الأسعار (التضخم) والبطالة. وقد وجد روحاني أن يبدأ هو في جولته الأوربية بدعوة الشركات الكبرى بالاستثمار في إيران والتجارة معها في كل المجالات تقريبا، وشجعه على ذلك بدء سريان إجراءات فك تجميد الأرصدة المالية الإيرانية في البنوك الغربية.
وطبقا لإجراءات إلغاء العقوبات المفروضة على إيران بمقتضى الاتفاق النووي (وهي تسري فقط على العقوبات التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي) فإن إيران تستطيع الآن استخدام نظام (swift) في التحويلات المصرفية، وهذا سيمكنها فورا من تحويل من يقرب من 30 مليار دولار من قيمة أرصدتها المجمدة التي تبلغ نحو 100 بليون دولار.
وفي مواجهة الموقف الحالي تبدو إيران أقل اهتماما بتطوير علاقاتها الاقتصادية بالولايات المتحدة الأمريكية، مفضلة تطوير علاقاتها التجارية والاستثمارية أولا مع الصين وروسيا ومع الاتحاد الأوربي. وفي المقابل فإن الولايات المتحدة هي الأخرى (خصوصا الجمهوريين المحافظين) ترى إن إيران لا يمكن الوثوق بها تماما. وسوف تظل موضوعات مثل حقوق الإنسان سلاحا من أسلحة الضغط الأمريكية على طهران، بينما ستعتمد الولايات المتحدة على بعض مقومات القوة الناعمة (مثل مطاعم ماكدونالد) وسيلة من وسائل اختراق المجتمع الإيراني.
ثانياً: الحصاد الاقتصادي لزيارة روحاني
استطاع الرئيس الإيراني أن يحقق نجاحا اقتصاديا كبيرا في أول زيارة له إلى أوربا. وكان من الواضح أن حفاوة الاستقبال لا تعكس فقط حجم المكاسب الاقتصادية من إعادة فتح الأسواق الأوربية إلى العالم، ولكنه كان أيضا يعكس رغبة من الجانب الأوربي في رؤية شرق أوسط جديد مليء بفرص الاستثمار والنمو وبعيد عن استمرار حال التوتر والصراع الراهن.
وتضمنت العقود التي وقعها روحاني في أوربا:
1- شراء ما يتراوح بين 114 و118 طائرة للنقل المدني من شركة إيرباص الأوربية بقيمة تصل إلى 23 مليار يورو (24 مليار دولار)، وذلك بغرض تجديد وتوسيع أسطول النقل التجاري الإيراني وتأهيله للقيام بدوره على ضوء القفزة المتوقعة في حركة نقل الركاب والبضائع بين إيران وأوربا وبالعكس.
2- توقيع عقود تجارية وصناعية في إيطاليا بقيمة 17 مليار يورو تقريبا، تتضمن عقدا مع شركة الخدمات النفطية الإيطالية (سايبم) بقيمة 4 بلايين يورو، وآخر بقيمة 6 بلايين يورو تقريبا مع شركة إنتاج الصلب الإيطالية دانيللي.
3- توقيع عقد مع شركة توتال النفطية الفرنسية تشتري الشركة بمقتضاه ما يتراوح بين 150 ألفا إلى 200 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني. وجدير بالذكر أن إيران تسعى إلى استعادة أسواقها النفطية في اليونان وإسبانيا وإيطاليا التي كانت تعتمد على النفط الإيراني بنسبة 10% من احتياجاتها اليومية.
4- توقيع عقد مع شركة بيجو الفرنسية للسيارات يقدر مبدئيا بنحو 400 مليون يورو لتجديد مصانع إنتاج السيارات والمركبات في إيران وزيادة الإنتاج السنوي بما يصل إلى 200 ألف سيارة اعتبارا من عام 2017، مع زيادة صادرات السيارات الإيرانية في أسواق العالم إلى أكثر من مليون سيارة سنويا. وتنتج إيران حاليا ماا يقدر بنحو 1.6 مليون مركبة سنويا (سيارات خاصة ونقل ونصف نقل ومركبات عسكرية) ويتم تصدير نسبة كبيرة من هذه السيارات إلى أسواق الدول المجاورة، خصوصا في وسط آسيا. وتعتبر شركة السيارات الإيرانية (خودرو) أكبر شركة لصناعة السيارات في منطقة الشرق الأوسط.
5- وقع الرئيس الإيراني كذلك عددا من الاتفاقات والتفاهمات بخصوص السياحة وجذب السياح الأوربيين إلى إيران منطلقا من الترويج لبلده على أنها "أكثر دول الشرق الأوسط أمانا واستقرارا".
إن إيران التي نجحت في مقاومة آثار العقوبات الدولية، وتمكنت من بناء صناعة عسكرية قوية، ونجحت في مد شبكة قوية من العلاقات بينها وبين دول وسط آسيا (طرق وسكك حديد وخطوط أنابيب وتجارة واستثمارات) ضربت المثل لدول كثيرة في آسيا وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على إن الدول النامية تستطيع أن تتحدى الولايات المتحدة والنظام الدولي بأكمله إذا أرادت أن تنتزع لنفسها حقوقا قومية يحرمها منها العالم الخارجي.
لقد وقع الرئيس الإيراني اتفاقات بقيمة 42.5 مليار دولار تقريبا خلال الأيام الأربعة التي أمضاها في أوربا، وقدم صورة جديدة لإيران في العالم، لدرجة أن بعض المظاهر التي رافقت الزيارة (مثل تجنب مصافحة النساء في الاستقبالات الرسمية) لم يتم الالتفات إليها بصورة جدية على الرغم من الطابع التهكمي الذي تناولت به الصحف العالمية تغطية بعض التماثيل في قاعات الفاتيكان! السبب ليس في أن إيران وقعت اتفاقيات مع الغرب، ولكن لأنها تمتلك السيولة الكافحة لتمويل التعاقدات التي اتفقت عليها، إضافة إلى فرص الاستثمار الواعدة في السوق العطشى للاستثمار الأجنبي.
ثالثاً: مكانة إيران النفطية
تعتبر مكانة إيران النفطية مصدرا من مصادر القوة الناعمة تحاول القيادة السياسية الإيرانية أن تستخدمه الآن على الوجه الأمثل الذي يحقق المصالح الوطنية لإيران. وقد رأينا أن الإنباء تناثرت في الأسبوع الماضي (الأخير من يناير) بشأن اتصالات روسية مع إيران لتنسيق عمليات الإنتاج والبيع في السوق حتى لا تنهار أسعار النفط، بعد أن كانت قد هبطت فعلا تحت مستوى 30 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من إن لكل طرف منهما مصلحة في ألا تنهار الأسعار في سوق النفط، إلا أن إستراتيجية إيران الحالية قد تميل إلى تفضيل استرجاع إيران لنصيبها في السوق العالمية، بزيادة الصادرات، حتى لو أدى ذلك إلى انخفاض الأسعار. ومع ذلك فإن العلاقات القوية حاليا بين موسكو وطهران، وحاجة كل منهما إلى الآخر من الناحية الإستراتيجية خصوصا في سوريا، ربما يطرح أسئلة مهمة على القادة الإيرانيين لتعديل هذه الإستراتيجية.
المهم هنا هو إن مكانة إيران النفطية داخل أوبيك قد زادت بعد إلغاء العقوبات. ومن ثم فقد زودت صانع السياسة الإيراني بمصدر إضافي من مصادر القوة الناعمة التي تستطيع طهران أن توظفها لمصلحتها. وتعتبر الصين من أهم مستهلكي النفط الروسي، وربما تتوصل الأطراف الثلاثة (إيران والصين وروسيا) إلى اتفاق يحفظ مصالحها جميعا في إطار متوازن، يضمن ألا تأتي صادرات النفط الإيراني إلى الصيني على حساب الروس وألا تؤثر زيادة الصادرات الإيرانية تأثيرا بالغا على أسعار تصدير النفط الروسي، خصوصا في أسواق الدول المجاورة ومنها الهند والصين.ومن المتوقع أن يؤدي رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إلى زيادة مستويات التشابك التجاري بين إيران وجيرانها، وذلك في إطار تنفيذ مشروع إحياء طريق الحرير الذي تتبناه وتموله جمهورية الصين الشعبية. إيران إذن تكتسب مكانة متنامية بعد رفع العقوبات.
وإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة العلاقات التجارية الإيرانية- الصينية واحتمالات نموها خلال السنوات العشر المقبلة (من 52 مليار دولار عام 2014 إلى 600 مليار دولار في عام 2025)، فإننا ندرك مدى اتساع نطاق وكثافة القوة الناعمة الإيرانية المتمثلة في إغراءات المكاسب التجارية، خصوصا إذا استقرت المنطقة (العراق وسوريا ولبنان) لصالح حلفاء إيران.
رابعاً: مكافحة الإرهاب
مع تزايد المخاوف من انتشار تنظيم الدولة الإسلامية في أوربا والعالم الغربي، إلى جانب التهديدات التي يجسدها فعلا في مناطق الشرق الأوسط والعالم العربي (المشرق والمغرب) تحاول إيران تقديم نموذجها الإسلامي إلى العالم على أنه الإسلام الصحيح غير المتطرف وغير المخيف لغير المسلمين. ومن المتوقع أن تشارك إيران في السنوات المقبلة بقوة أكبر في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والحرب ضد داعش في العالم العربي وخارجه. لكن الأهم من ذلك أن رفع القيود على حركة السفر من وإلى إيران من شأنه أن يساعد على توسيع نطاق الدعوة إلى "التشيع". وربما تتجه الدول في أوربا وفي الولايات المتحدة بشكل غير مباشر إلى تشجيع "التشيع" طالما ظل محصورا بين مسلميها، على اعتبار أن التتشيع هو سلاح من أسلحة التطرف السني الذي يتبنى استخدام العنف ضد غير المسلمين حتى في أوربا والولايات المتحدة.
وتركز إيران دعايتها السياسية في الوقت الحاضر على حقيقة أنها تشارك في الحرب على داعش، بينما بلدان أخرى على رأسها المملكة العربية السعودية تقوم بتمويل وتسليح منظمات إسلامية متطرفة مسلحة في بلدان مثل العراق وسورية. وفي السياق نفسه فإن الحرب في اليمن تمثل سلاحا من أسلحة الدبلوماسية الإيرانية لرفع مكانتها السياسية في الحرب على الإرهاب على المستوى العالمي، حيث تمثل تنظيمات حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين) الحليف الرئيسي للسعودية، وهي تنظيمات قد تنقلب هي الأخرى إلى العنف ضد الحكومة المدنية في عدن، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيدا بالنسبة لقوات التحالف العربي التي تخوض حربا شرسة في اليمن ضد سيطرة تحالف عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح.
لقد حققت إيران من الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 الكثير من المكاسب، فهي ستظل تعمل على تطوير تكنولوجيا الطاقة النووية وما يرتبط بها من القدرة على تصنيع السلاح النووي. وهي في الوقت نفسه لن تتراجع في برامج إنتاج الصواريخ متعددة القدرات، خصوصا تلك القادرة على حمل رؤوس نووية. ويجب أن نفهم أن قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي تفقد كل قيمتها الحقيقية ما لم تكن إيران قادرة على إنتاج طائرات أو صواريخ تحمل السلاح النووي إلى حيث تريد إيران إصابة أهداف محددة. ومن ثم فإن الاتفاق النووي الإيراني- الغربي الذي لم ينزع من إيران قدرتها النووية، لم يحرمها في الوقت نفسه من بناء القدرة على امتلاك الصواريخ والطائرات القادرة على حمل أسلحة نووية وضرب أهداف بعيدة. وسوف يسهم رفع العقوبات في تعزيز الاستقرار داخل إيران، وتقليل الضغوط التقشفية، وزيادة معدلات التشغيل للقضاء على البطالة، وزيادة معدلات الاستثمار الأجنبي ليس في قطاع النفط فقط ولكن في بقية القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الصناعات التحويلية، وتنويع الاقتصاد، وزيادة درجة التشابك الاقتصادي الإقليمي خصوصا مع دول وسط آسيا. إن سلة جيدة من مقومات القوة الناعمة، جاءت إلى إيران مترافقة مع الاتفاق النووي ورفع العقوبات.