المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

البحث عن الأفضل: الأداء السياسي والتشريعي للبرلمان

السبت 30/يناير/2016 - 11:27 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. يسري العزباوي
إن تقييم أي برلمان، أو مقارنته بغيره، يجب أن يخضع لمعايير وأسس علمية منضبطة، منها: أولاً، تناول أداء البرلمان خلال فصل تشريعي كامل، أو تناول أداء الأعضاء والأحزاب خلال دور انعقاد سنوي، ثانيًا، تناول أداء فئة اجتماعية معينة أو شريحة عمرية خلال دور انعقاد سنوي أو فصل تشريعي كامل. ثالثًا، موقف الأعضاء أو حزب معين من تشريع محدد، وذلك من أجل معرفة أسباب القبول والرفض لهذا التشريع، فضلاً عن الوقف على الأسباب الواقعية التي بنى على أساسها الحزب أو العضو موقفه، وبالتالي يمكن التنبؤ المستقبلي بخريطة واتجاهات التصويت لهذا الحزب داخل البرلمان.
ومن الأهمية بمكان القول إن القراءة المبكرة لأداء البرلماني مهمة، لأنه كما يقال في المثل المصري الشهير "إن الجواب بـ يبان من عنوانه"، وذلك بسبب حالة التشويه المتعمدة له، فضلا عن ضرورة الوقوف على الجوانب الإيجابية في أداء الأعضاء وتقويتها، ومعرفة جوانب الضعف للعمل على تلافيها في المستقبل القريب.

نصت المادة 156 من الدستور على ضرورة مناقشة القرارات بقوانين من قبل البرلمان خلال فترة لا تتجاوز 15 يومًا، وهي فترة غير كافية تمامًا للمناقشة الواقعية
أولا، أخطاء سرعة تقييم الأداء
من غير المنصف حقيقة تناول الأداء التشريعي للبرلمان خلال الفترة الماضية لعدة أسباب: أولها، نظرًا لطبيعة القرارات بالقوانين التي صدرت في عهدي الرئيسين عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي (341 قانونا)، منها نحو 105 قرارات بقانون ذي طبيعة خاصة، بمعنى أنه لا تترتب حقوق أو واجبات على المواطنين، والبعض الآخر قرارات بقوانين منظمة لعقود واتفاقيات بين الدولة المصرية وغيرها من الدول، والبعض الثالث قرارات متعلقة بمعالجة تنظيم العمل لبعض فئات المجتمع فقط، وأخيرًا، قرارات بقوانين تمس حياة عموم المجتمع، أو على الأقل السواد الأعظم منه، مثل قانون الخدمة المدنية وقانون التظاهر، ومنع التضارب في المصالح...إلخ.
ثانيها، سوابق الخبرة التشريعية المصرية في التعامل مع القرارات بقوانين، والتي جاءت كلها من قبل بالموافقة الكاملة على جميع القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة المجلس، على الأقل في فترة الرئيس الأسبق مبارك، والتي اتسمت بنسبة الخصوبة في إصدار القوانين، والتي وصلت في كثير من الأحيان إلى قانون كل يومين أو ثلاثة أيام، وهي ذات النسبة تقريبًا عند أثناء انعقاد البرلمان.
ثالثها، المأزق الدستوري، التي وضعته لجنة الخمسين لهذا البرلمان، بدون قصد أو عن قصد، حيث نصت المادة 156 من الدستور هي ضرورة مناقشة القرارات بقوانين من قبل البرلمان خلال فترة لا تتجاوز 15 يومًا، وهي فترة غير كافية تمامًا للمناقشة الواقعية خاصة وأن من بين القوانين التي صدرت قوانين مهمة للغاية مثل قانون مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وغسل الأموال وسوق المال وحق التقاضي والحد الأقصي للأجور ..إلخ.
رابعها، عدم وجود لائحة جديدة للمجلس، وهو ما شكل عبئًا إضافيًا على النواب بشكل عام وعلى رئيس المجلس بشكل خاص، والذي لجأ إلى تطبيق اللائحة القديمة، وهو يعلم بأن بها أكثر من 32 مادة غير دستورية، فقد نصت المادة 118 من الدستور على أن يضع المجلس لائحته الداخلية لتنظيم العمل، وكيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام داخله، وأن تصدر بقانون. وفي هذا الإطار، لجأ رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال، في أكثر من مرة، إلى تطبيق السوابق البرلمانية وليس للائحة القديمة، كإحدى السبل للخروج الآمن للمواقف المتناقضة داخل قاعة المجلس، حتى عندما رفع بعض النواب أصواتهم بالقول "لائحة يا ريس" لم يعر الأمر انتباه، لأنه يعلم تمامًا بأن اللائحة القديمة غير دستورية، وهو لا يريد أن يعول عليها إلا في الأمور التنظيمية، وليس أكثر.   
وبناء على الأسباب سالفة الذكر، يمكننا القول إنه لا يمكن تقييم الأداء التشريعي للبرلمان بشكل عادل ومنصف، وما يمكن تناوله أو دراسته للمجلس القائم الآن، هو عبارة عن مجموعة من المؤشرات العامة التي يمكن من خلالها التنبؤ أو التوقع بأدائه المستقبلي، وإلى حد ما تناول أداء المجلس لقانون الخدمة المدنية.
ثانيًا: المشاهد الأربعة الإيجابية برلمانيًا
قبل الدخول في تقييم الأداء أو رصد بعض التخوفات على أداء مجلس النواب، تجب الإشارة إلى عدد من المشاهد الإيجابية لهذا البرلمان، منها ما يلي:
المشهد الأول: انتخابات الرئيس والوكيلان، فلأول مرة في تاريخ البرلمانات المصرية، يجلس المصريون أمام شاشات التلفاز، في مشهد لم يتكرر ولم أرصده إلا في نهائي كأس الأمم الأفريقية، لمتابعة انتخاب رئيس المجلس من بين 7 مرشحين، والوكيلين من بين 15 مرشحًا، في مشهد لم نعتد عليه من قبل، وفي ظل بورصة توقعات لم تحسم إلا مع إعلان النتيجة النهائية للانتخابات من قبل اللجنة التي أشرفت عليها. والحري بالقول، إن مشهد عملية التصويت والتربيطات داخل مجلس النواب قبل عملية الاختيار تؤكد على ترسيخ مبدأ الديمقراطية في أذهان ممثلي الشعب، كما أنها تعكس حالة السيولة السياسية التي يتسم بها النظام السياسي المصري الآن. كما أن هذا المشهد يؤكد للأحزاب السياسية أن المجال السياسي مازال مفتوحًا على مصراعيه أمام الجميع وأمام من يريد أن يقوِّي مؤسسته الحزبية من أجل ليس فقط التمثيل في مجلس النواب ولكن لكي يشارك بشكل حقيقي في حكم الدولة المصرية في الفترات المقبلة أو على الأقل أن يكون رقمًا لا يستهان به في معادلة الحكم.
المشهد الثاني: التدريب والتأهيل للنواب والتواصل المجتمعي، حيث خضع عدد لا بأس به من النواب لدورات تدريبية داخل المجلس وخارجه من قبل بعض مراكز بحثية علمية، وهو أمر لم يحدث من قبل. كما قام بعض النواب بتأسيس وحدات للدعم البرلماني والتواصل المجتمعي، وهو أمر لم يلفت له النواب من قبل. واللافت للنظر، هو إقبال النواب من الشباب والمرأة على مثل هذه الدورات، التى تسهم بشكل أو بآخر في رفع قدرات والخبرات البرلمانية للنواب، حيث تعرف بعضهم على قواعد التعامل البرلمانية، ومع زملائهم من النواب، وعلى حقوقهم وواجباتهم، وطبيعة علاقاتهم مع العاملين داخل المجلس. فعلى سبيل المثال قام المجلس القومي للمرأة بعقد دورة تدريبية متخصصة للنائبات حول الأدوات الرقابية في المجلس، وكيف يمكن مناقشة الموازنة العامة للدولة، وقواعد التشبيك بين النائبات ومؤسسات الدولة، وقواعد السلوك والتعامل بين النواب وزملائهم داخل المجلس.
المشهد الثالث: نخبة تشريعية وإدارية جديدة بالكلية، حيث تولى أمين عام جديد قيادة العمل الإداري بالمجلس، وبات من المعلوم بأن مهمة ومهام الأمين العام لا تقل أهمية عن مهمة رئيس المجلس، فالأمين العام هو القوى المحركة الفعلية للعمل داخل الهيئة التشريعية، ويستطيع أن يلعب دورًا كبيرًا في مساعدة رئيس المجلس في التنسيق وإدارة العمل التشريعي أيضًا. فضلاً عن هذا فقد تم تدريب عدد كبير من العاملين في المجلس، وهم إحدى الركائز الأساسية في إدارة دولاب العمل النيابي، واستحداث عدد من الهياكل الإداري والبحثية. وهو ما يشكل في النهاية عوامل أساسية لتوفير بيئة ملائمة لعمل النواب.
المشهد الرابع: التصويت الإلكتروني، وهو مشهد يستحق أن نقف عنده كثيرًا، فقد بحت أصوات الأحزاب والمهتمين بالعمل النيابي في عهد مبارك بضرورة تطبيق التصويت الإلكتروني، حتى يمكن ضبط عملية تمرير القوانين، وهو ما قوبل بالتجاهل في كثيرًا من الأحيان. إن تطبيق التصويت الإلكتروني داخل مجلس النواب هو دليل قاطع على جدية ونزاهة وشفافية العملية التشريعية. وفي الواقع الفعلي، يمكن تلافي بعض الأخطاء التي واجهت عملية التصويت الإلكتروني عن طريق تطوير التقنيات التكنولوجية المستخدمة داخل القاعة العامة للمجلس، وهي عملية تقنية بحتة، فضلاً عن أن تكرار ممارسة عملية التصويت الإلكتروني من السادة النواب سيجعلهم يقنونها ويتعودون عليها.
تجلت مظاهر قلة الخبرة في التجاوزات التي تمت من النواب ضد رئيس المجلس عند طلب الكلمة أو رفع اللائحة في بعض الأوقات دون داعٍ أو سبب لذلك
ثالثًا: تقييم الأداء السياسي للنواب
في تناولنا للأداء السياسي لنواب مجلس 2016 يمكننا إبداء عدد من الملاحظات العامة التي يجب أخذها في الاعتبار، والتي ظهرت أيضًا من خلال ممارسة النواب:
أولاً: قلة الخبرة أو الممارسة البرلمانية، فهناك ما لا يقل عن 65% من الأعضاء يدخلون البرلمان لأول مرة، وبالتالي هناك عدم معرفة بالممارسات البرلمانية المتبعة في الأعراف والتقاليد البرلمانية المصرية على الأقل. والجدير بالذكر أن هذه الأعراف والتقاليد سارت قوتها مثل قوة القانون، ولكن تظل الإشكالية الرئيسة فيها، أنها غير مكتوبة وبالتالي غير معلومة للأعضاء الجدد، من الكبار أو الشباب، على حد سواء. وقد تجلت مظاهر قلة الخبرة في التجاوزات التي تمت من النواب ضد رئيس المجلس عند طلب الكلمة أو رفع اللائحة في بعض الأوقات دون داعٍ أو سبب لذلك. كما أن اعتذار السيد رئيس المجلس لبعض النواب، وهو شخصية قانونية ومحترم وذو كفاءة عالية، يجب ألا يحدث، لأن رئيس المجلس يطبق اللائحة على الجميع بموضوعية وشفافية كاملتين، ويجب ألا يخضع لابتزاز البعض داخل القاعة.
ثانيًا: تكالب النواب على الإعلام والعكس، حيث تم رصد عدد من النواب مهتم بالتواصل مع الإعلام أكثر من اهتمامه بتطوير أدائه داخل المجلس أو خارجه. فقد لوحظ إصدار عدد من النواب بيانات صحفية أو الإدلاء بالآراء الخاصة بهم حول بعض القضايا الخاصة بالبرلمان أو تلك المتعلقة بالأمور السياسية اليومية وتوزيعها على المواقع والجرائد، وهذا ليس فقط يفقد النائب القدرة على العطاء داخل المجلس، ولكنه ربما يوقعه في المشكلات التي قد تترتب على هذه التصريحات، وهو ما حدث مع ما يعرف باسم "نائب الحشمة" الذي طالب العضوات بارتداء ملابس أكثر حشمة، وأصبح مادة إعلامية خصبة لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على مدار أكثر من أسبوع متواصل.
وعلى الجانب الآخر، قامت بدورها وسائل الإعلام المختلفة، بتخصيص برامج يومية لتناول أداء البرلمان، والتركيز على كل القضايا المطروحة بداخل أو حتى خارج ولها علاقة بالعمل البرلماني، وذلك بعدما حققت هذا القنوات نجاحًا ملحوظًا أثناء تناولها للعملية الانتخابية. ونستطيع الجزم بأن كل القنوات الإخبارية المصرية وبعض القنوات العربية قامت بتخصيص برامج أو فقرات كاملة في برامجها القائمة لتناول أداء مجلس النواب في سابقة لم تحدث على المستوى العربي والدولي أيضًا، وهو ما يجب أن ينتبه إليه القائمين على إدارة العمل في المجلس والنواب أنفسهم لأن كثرة الظهور في الإعلام سلاح ذو حدين. كما قامت بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية بتأسيس بوابات متخصصة للمجلس تتناول بالرصد والتحليل آراء النواب وأدائهم داخل وخارج المجلس، حتى تصرفاتهم الشخصية، والتركيز عليها وإبرازها وتخصيص مساحات كبيرة لها. وهو ما تجلى في واقعة ما يعرف باسم "نائب الجزمة" والتي نالت أكثر ممن تستحق في المساحات المكتوبة في المواقع الإلكترونية والمساحات الزمنية في البرامج الحوارية في القنوات المختلفة على الرغم من أن الواقعة حدث بها تزييف متعمدة لكي تصبح مادة إعلامية غنية ومثيرة للمشاهد في نفس الوقت. كما أصبحت إحدى الوقائع التي اتخذت لمزيد من الهجوم على البرلمان والسخرية منه.   
 ثالثًا: محاولات تصدير المشكلات للحكومة، حيث اتسمت البيئة التي انعقد فيها المجلس بحالة من حالات الترصد والمراقبة لأداء البرلمان، فضلاً عن حالة الهجوم غير معلومة المصادر على المجلس، وأنه برلمان جاء ليمرر ما تريده الحكومة أو السلطة من قوانين، وأنه جاء بشعبية ضعيفة لن تؤهله لممارسة اختصاصاته. وقد وضع هذا الأمر الأعضاء تحت ضغط معنوي ونفسي كبير، وهو ما تجلت مظاهره في حالة الرفض المطلق لقانون الخدمة المدنية قبل أن يعرض حتى على لجنة القوى العاملة، والتي قامت هي الأخرى برفضه قبل مناقشته. وهو ما قوبل أيضًا من بعض الأعضاء بمحاولات مستمرة لتحسين صورة المجلس، وكأنه لحق بهم عيب أو نقص ما، وهو أمر غير حقيقي بالمرة، فهذا البرلمان لم يأت بالتزوير، على الرغم من استخدام المال السياسي في بعض الدوائر، ولكن الدولة وجهة الإدارة طبقت كل المعايير الدولية في العملية الانتخابية. وبدلاً من أن يقوم النواب بممارسة منضبطة برلمانيًا سادت حالة هجوم من قبلهم على أعضاء الحكومة، وخرجت تصريحاتهم تنهال علينا كالسهام بأنهم يحملون في جعبتهم الكثير من طلبات الإحاطة والاستجوابات للمسئولين في الدولة، حتى الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يسلم هو الآخر من هذه السهام، حينما عبر عن امتعاضه من رفض المجلس لقانون الخدمة المدنية، حيث وجّه له بعض النواب النقد على حديثه حول رفض المجلس للقانون، وأنه كان من باب أولى أن يوجّه حديثه للحكومة التي تقدمت بقانون غير منضطبة، من وجهة نظرهم، ولا يحقق العدالة بين الموظفين. ومثل هذه التصريحات قد تغذى حالة من حالات الشك والريبة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو امر غير مطلوب على الأقل في الفترات الأولى لعمل البرلمان.    
رابعًا: مرونة التحالفات داخل المجلس، فعلى الرغم من مميزات عدم وجود حزب أو ائتلاف، له الغلبة أو الأغلبية داخل البرلمان، والتي يأتي في مقدمتها: عدم سيطرته على المناصب داخل الهيكل التشريعي، وإتاحة الفرصة للأحزاب أو أية مجموعة منظمة داخل المجلس في أن تلعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا داخل أروقة المجلس، فإن هذا الأمر قد يشكل عبئًا على الحكومة، وذلك لأنها لن تستطيع أن تمرر بسهولة ما تشاء من قوانين إصلاحية، قد تتعارض مع مصالح فئوية داخل المجتمع. وفي هذا الإطار فقد سادت في البداية حالة من حالات الهجوم غير المبررة على تكوين تحالف "في دعم مصر" الذي أراد تشكيل الأغلبية في البرلمان، وقد أكد البعض – من النواب ومن الخبراء- بأننا أمام حزب وطني جديد يريد السيطرة على الهياكل البرلمانية والأجندة التشريعية، وأنه أمر غير قانوني على الرغم من النص في المادة 146 من الدستور على تكوين وتشكيل الائتلافات برلمانية. وقد تناسى هؤلاء بأن كل برلمانات العالم توجد بها أغلبية حزبية أو ائتلافية، وهو أمر طبيعي ومتعارف عليه في كل النظم السياسية (الرئاسية أو البرلمانية).
ومن الأهمية القول، وبعد أن هدأت حالة الهجوم على تحالف في "دعم مصر"، سادت حالة من السخرية منه ووصمه بأنه تحالف هشة ومفكك وضعيف ولا يمكن التعويل عليه من قبل الدولة. وأخذ الجميع يستشهد بموقفين أساسيين، هما: الموقف الأول فشل التحالف في معركة انتخاب الوكيل الثاني للمجلس، والموقف الثاني فشله بالتصويت الإيجابي لتمرير قانون الخدمة المدنية. وبدأ الجميع يقع في أخطاء تحليلية أخرى بالقول بأن التحالف قد انهار بل ذهب البعض الأخر إلى أبعد من ذلك بأنه لا يوجد من الأصل تحالف باسم "دعم مصر" وهي محاولة باءت بالفشل. وهنا نسجل التالي: أولا، إن تحالف دعم مصر ما زال الكتلة الصلبة أو النواة الرئيسة لأية تحالفات داخل المجلس، وأن التجربة مازالت في طور البناء والتكوين، وخاضعة للتطوير وإعادة الهيكلة، وهو ما يحدث الآن داخل هذا التحالف. ثانيًا، أن طبيعة التكوين السياسي داخل المجلس يؤكد على أن التحالفات ستظل على قضايا جوهرية أو قوانين محددة، وأنه في الكثير من الحالات نجد أحزاب متعارضة أو على خلاف مع "دعم مصر" تتفق معه في التصويت حول هذه القضايا، وبالتالي قوة تحالف دعم مصر الفعلية لن تظهر إلا في بعض القضايا الجوهرية، حتى حالة قانون الخدمة المدنية لا يمكن القياس عليها نظرًا للطبيعة الشعبوية لهذا القانون.
خامسًا، غياب واضح لدور زعيم الأغلبية  Majority Leader، وهو يعتبر رمانة الميزان، فهو القائد أو المايسترو داخل البرلمان، حيث يلعب دورًا مهمًا وفي كثير من الأحيان يكون موازيًا ومساويًا، في نفس القدر والصلاحيات، لدور رئيس المجلس فى هندسة وإدارة العملية التشريعية داخل البرلمان. ونعتقد أن زعيم الأغلبية في برلمان 2016 لم يظهر بعد على الرغم من الدور الذي يقوم بها النائب سامح سيف اليزل في محاولاته المستمرة في لملمة شمل تحالف " في دعم مصر"، فضلاً عن حالة عدم الوجود داخل القاعة الرئيسية للمجلس في بعض الأحيان من قبله ومن قبل الكثير من نواب دعم مصر. ونعتقد بأن الاجتماع الذي عقد يوم الأحد 24 يناير لبعض أعضاء التحالف كان الهدف الأساسي له هو إعادة اللحمة وترميم البيت من الداخل مرة أخرى، وهو أمر طبيعي وجيد في ذات الوقت، ولكن مؤشر أيضًا على بداية بلورة واقعية لخلق قيادة جماعية للتحالف، وهو أمر مهم في هذا المرحلة. وعلى الرغم من هذا لابد من أن يعي القائمون على التحالف بضرورة إعادة بناء اللوائح والقواعد المنظمة له، وتوقيع بعض العقوبات على المخالفين، حتى ولو استدعى الأمر طرد البعض من التحالف، وذلك حتى يضمن في المستقبل القريب التماسك والالتزام من قبل البعض الأخر، فضلاً عن ضرورة الاستمرار في محاولات ضم أعضاء جدد للتحالف.
سادسًا: أداء رئيس المجلس، فلا شك في أن الدكتور علي عبد العال لديه كفاءة وخبرة قانونية كبيرة ولكن المشكلة الرئيسة تكمن في العدد الضخم المشُكل منه المجلس، 596 عضوًا، والعدد الكبير من القرارات بقوانين (341)، والتي وجب على المجلس مناقشتها في 15 يومًا فقط، فضلاً عن وضع اللائحة القديمة، والتي توجد بها 32 مادة مخالفة للدستور الجديد، فضلاً عن حماسة النواب في طلب المناقشة، وهو ما وضع رئيس المجلس فى حالة من الحيرة  لبعض الوقت أو ظهر أدائه بأن به عجلة من الأمر. وعلى الرغم من هذا فإن أداء رئيس المجلس يبدو للوهلة الأولى منضبطًا وملتزمًا بالقواعد البرلمانية المتعارف عليه، ومع استقرار البرلمان بوضع لائحة جديدة وتشكيل اللجان العامة واكتمال الهياكل البرلمانية، فإنه من المتوقع بأن يكون أداء رئيس المجلس أكثر حنكة وحكمة في التعامل مع النواب، وبالتالي ستقل حجم العصبية التي ظهرت عليه خلال الفترة الماضية في التعامل مع النواب. فلا يستطيع أحد أن ينكر بأن هذه الفترة شهدت حالة من التربص من البعض ضد الدكتور علي عبد العال، وهو ما تجلت مظاهره من خلال محاولة أحد الأعضاء بتصحيح معلومة أو خطأ ما أمام الجمعية العامة للمجلس أكثر من مرة، وكأن رئيس المجلس يجهل القانون، وهو ما جعل رئيس المجلس يرد بشكل قاطع وحاسم بأنه يعلم القانون واللائحة بشكل جيد.
سابعًا: التحالفات الفئوية والجغرافية، أثار بعض النواب أكثر من مرة مسألة "الطائفية الجغرافية" أو "الفئوية الاجتماعية" لأول مرة في تاريخ البرلمانات المصرية، وذلك عن طريق تكوين تحالفات برلمانية على أساس جغرافي حيث تحدث بعض نواب محافظات الصعيد على سبيل المثال بأن هناك ضرورة بأن يكون منصب أحد الوكلاء لنواب الصعيد، وكان هناك حشد وتعبئة لنواب الصعيد في هذا الإطار، وقد تمت إثارة هذه الحديث في وسائل الإعلام. كما تحدث بعض الشباب على ضرورة تكوين تحالف يضم النواب الشباب فقط داخل البرلمان، وهو ما ينصرف بالضرورة على محاولات بعض النائبات من تكوين تحالف "نسائي" داخل المجلس.
ومن الناحية الواقعية، يمكن القول لقد تكرر هذا الأمر على مسألة تشكيل اللجان، حيث طالب البعض باستحداث منصب داخل اللجان ليكون من نصيب الشباب، وطالبت النائبات بحصة للمرأة في المناصب داخل اللجان، واجتماع رئيس المجلس بالنواب الشباب فقط دون غيرهم، وطالب ذو الاحتياجات الخاصة بضرورة إنشاء لجنة داخل المجلس تهتم بهذه الفئة في المجتمع. إن خطورة الطائفية الجغرافية والفئوية داخل النخبة التشريعية جدة خطيرة لأنها تكرس، بدون وعي، من ناحية النعرات الجغرافية والمصالح الضيقة دون غيرها والتي ربما تنصرف على الممارسة البرلمانية في المستقبل القريب، ومن ناحية ثانية، تخلق عدم تجانس بين النخبة التشريعية في اتجاهات التصويت لصالح البعد القومي. ومن ناحية ثالثة، تخلق حالة من حالات عدم قدرة من النواب على ممارسات الأدوات الرقابية حيال السلطة التنفيذية، لأن التركيز الأساس لهم يكون على مصالح فئوية وليس أكثر.  
ثامنًا: الدخول على خط المواجهة مع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، فقد كان من المبكر جدًا أن يدخل مجلس النواب كطرف في الصراع الدائر الآن بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والحكومة حول " تقرير لجنة تقصي الحقائق" الخاصة بتصريحات المستشار هشام جنينة حول تكلفة الفساد في مصر، حيث أكد النائب سليمان وهدان، وكيل مجلس النواب، إن هيئة مكتب المجلس ستقوم بتشكيل اللجنة الخاصة لدراسة تقرير لجنة تقصي الحقائق لفحص ما أثير إعلاميًا من أن تكلفة الفساد فى مصر عام 2015 بلغت 600 مليار جنيه، وذلك بناء على معايير يتم تحديدها، وأن المجلس فوض هيئة المكتب بوضع معايير لاختيار أعضاء اللجنة، التي سيتم تشكيلها من بين النواب الخبراء والمتخصصين، وبناء عليه اختيارها فيما لا يجاوز 25 عضوًا، لافتا النظر إلى أنه لم تتحدد مدة معينة لتشكيلها، وأن هيئة المكتب ستبحث فى هذا الأمر. وفي الوقت ذات، أكد وكيل المجلس بأنه، شخصيًا، مع إرجاء تشكيل اللجنة لحين انتهاء جهات التحقيق من عملها منعًا للتضارب، لافتا النظر إلى أن التقرير النهائي للبرلمان سيتم إرساله إلى لجنة تقصي الحقائق.
وفي الواقع أقرت المادة 218 من اللائحة بأن للمجلس أن يشكل لجنة خاصة أو يكلف لجنة من لجانه النوعية بتقصي الحقائق عن أمر عام له أهمية خاصة، أو لفحص أحوال إحدى المصالح العامة أو الهيئات العامة، أو وحدات الإدارة المحلية أو القطاع العام أو أيجهاز تنفيذي، أو إداري، أو أي مشروع من المشروعات العامة يدخل في نطاق الاختصاص الرقابي للمجلس، وذلك لتقصي الحقيقة عن الأحوال أو الأوضاع المالية أو الإدارية أو الاقتصادية العامة بالنسبة للموضوع أو الجهة التي شكلت اللجنة من أجلها، أو لإجراء تحقيقات في أي موضوع يتعلق بعمل من الأعمال السابقة، وكذلك للتحقق من مدى التزام أي من الجهات السابقة بسيادة القانون أو بالخطة، أو بالموازنة العامة للدولة. إن مجلس النواب هو السلطة الأعلى في البلاد، وهو يراقب ويحاسب الجميع، ولكن عليه أولا العمل على استقراره باستكمال هياكله ولوائح العمل بداخله قبل ممارسة دوره الرقابي على الجميع.
بلغ عدد النواب الذين رفضوا قانون الخدمة المدنية 332 نائبًا بنسبة 76.89%، في مقابل 150 نائبًا أيدوا القانون بنسبة 30.67% من إجمالي 489 نائبًا سجلوا حضورهم في جلسة التصويت
رابعًا: قانون الخدمة المدنية
لقد أربك رفض مجلس النواب للقرار بقانون رقم 18 لسنة 2015، والمعروف إعلاميًا بقانون الخدمة المدنية، العديد من الحسابات داخل الحكومة المصرية، ولكنه في الوقت ذات جاء رفض القانون ببعض المميزات لصالح المجلس وتحسين صورته أمام الرأي العام.
ومن الناحية الإحصائية، بلغ عدد النواب الذين رفضوا القرار بقانون 332 نائبًا بنسبة بلغت 76.89%، في مقابل 150 نائبًا أيدوا القانون بنسبة بلغت 30.67% من إجمالي 489 نائبًا سجلوا حضورهم في جلسة التصويت، وبذلك امتنع 7 نواب عن التصويت. وبذلك يمكن إبداء الملاحظات التالية: أولا، غياب 107 نواب عن الجلسة، بمعنى غياب 18% من إجمالي عدد النواب، وهو رقم ضخم وكبير للغاية، خاصة أن المجلس في بداية انعقاد الدورة البرلمانية، وأنه لا يوجد مبرر لعدم حضور هذا العدد الكبير للجلسات. ويمكن هنا تفسير هذا الأمر من عدة زوايا: أولا، عدم التزام نواب الأحزاب بمواقف أحزابهم من التصويت برفض القانون أو قبوله، وأن هذه الظاهرة ربما تتكرر في المستقبل، وذلك حسب نوع أهمية القانون المطروح للتصويت. بمعنى مغاير، فقد أكد رفض القانون على ضعف الالتزام الحزبي لنواب بعض الأحزاب داخل المجلس، وعدم التزامهم بتعليمات رؤساء الكتل البرلمانية التي يتبعونها. ويُعد حزب "المصريين الأحرار" من أهم الأحزاب التي وقعت في هذا المأزق، بعد إعلان رئيس كتلته البرلمانية أن نواب الحزب اتفقوا على تمرير القانون، وهو ما كشفت عكسه النتائج النهائية للتصويت. فقد بلغ إجمالي عدد نواب أحزاب الوفد ومستقبل وطن والنور والشعب الجمهوري والمؤتمر الذين أعلنوا رفضهم صراحة للقانون قبل بدء جلسة التصويت، بالإضافة إلى ما يقرب من 80 نائبًا مستقلا ما يقرب من 202 نائب، بنسبة بلغت 60% من إجمالي الرافضين للقانون، وهو ما يعني أن عددًا كبيرًا من نواب المصريين الأحرار خالفوا التعليمات، وشاركوا التكتل الرافض للقانون.  ثانيًا، كان رفض القانون بمثابة أداة قياس لمدى التماسك ائتلاف "دعم مصر"، وهو ما أدى في النهاية، كما سالف القول، إلى محاولة إعادة تنظيم التحالف مرة أخرى، وإيجاد أدوات جديدة تضمن تماسكه في المستقبل، حتى لو قل عدد الأعضاء المنتمين إليه.
ومن الناحية السياسية، تعددت تداعيات ودلالات رفض القانون بهذا العدد الكبير من الأصوات، أولها، تحسين صورة البرلمان أمام الناخبين، سواء من شارك في الانتخابات أو أولئك الذين لم يشاركوا فيها، وبدأ الحديث مرة أخرى عن مدى قوة البرلمان في مواجهة الحكومة والرئيس مرة أخرى، وأنه برلمان لن يكون هينًا أو طيعًا لرغبات الحكومة، وأنه يعبر عن أصوات من انتخبوه. ثانيًا، كان رفض النواب للقانون بمثابة قوة دافع لإعادة النظر من قبل مؤسسات المجتمع المدني في هذا البرلمان، وبالتالي يمكن العمل والتشبيك معه من أجل الضغط على الحكومة لتنفيذ قوانين أو قرارات محددة تمس حياة المواطنين. ثالثًا، يعتبر رفض القانون الجولة الأولى في إطار مدى قياس العلاقة بينهم وبين الحكومة، وأعتقد أنها ليست الجولة الأخيرة، فبالتأكيد ستكون هناك جولات كثيرة يمكن خلالها قياس قوة وصلابة البرلمان في مواجهة السلطة التشريعية، وهو أمر في النهاية يصب في مصلحة الوطن وإدارة عملية الانتقال الديمقراطي على الرغم من أهمية القانون لإصلاح الجهاز الإداري للدولة المصرية.
وفي النهاية، يمكن التأكيد على أن الأداء السياسي والتشريعي للبرلمان يبدو جيدًا، وأن حملات التشويه المتعمدة للبرلمان لن تؤتي ثمارها بل العكس هو ما يحدث الآن، ومع مرور الوقت يثبت أعضاء المجلس بأنهم على قدر المسئولين، وأنهم يعبرون – وبحق- عن تطلعات المواطنين وأحلامهم. كما أن استكمال الهياكل الداخلية للمجلس سيكون بمثابة دفعة قوية للأعضاء للاستخدام الأمثل للأدوات الشريعية والرقابية للمجلس.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟