قيود متعددة: حدود الوظيفة "الدبلوماسية" لمجلس النواب
الإثنين 18/يناير/2016 - 11:31 ص
د.إيمان رجب
تظل الفكرة المسيطرة في العديد من الدوائر الأكاديمية عن وظائف البرلمان بصفة عامة، أنه السلطة التشريعية التي تتولى تشريع القوانين ومراقبة الأداء الحكومي ومساءلة المسئولين في الدولة، وعادة ما يتم تهميش أي دور يمكن أن يلعبه البرلمان أو نوابه في مجال الدبلوماسية، أو في مجال إدارة العلاقات الخارجية للدولة، وذلك رغم أن التطورات التي شهدتها العديد من دول المنطقة بما في ذلك مصر طوال الفترة الماضية تشير إلى تزايد أهمية البرلمان في مجال إدارة العلاقات الخارجية للدول. فعلى سبيل المثال، ظلت القناعة السائدة في الدوائر الغربية الأكاديمية والسياسية منذ ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، أن "صورة التغيير" الذي حدث في مصر بعد تلك الثورة، ستتغير في حال الإسراع بتشكيل البرلمان، باعتبار أنه سيكون الكيان المنتخب من الشعب، والمعبر عن إرادته وتوجهاته. ويرجع ذلك إلى أن إرادة الشعب تظل تمثل قيد على حكومات الدول الغربية بتوجهاتها المختلفة في إدارة علاقاتها الخارجية.
كما تكشف الممارسة الدولية عن تعدد الوظائف الدبلوماسية التي يمكن أن يقوم بها البرلمان، التي قد تساعد الدول على إدارة أفضل وأكثر فاعلية لعلاقاتها الخارجية، ولعل هذا يفسر تزايد أهمية الدبلوماسية البرلمانية parliamentary diplomacy كمجال للدراسة في حقل دراسات العلوم السياسية.
وفي هذا الإطار، تحلل هذه الورقة الأدوار المتعددة التي تلعبها البرلمانات بصورة عامة في ضوء الخبرات الدولية، وكذلك القيود أو الفرص المتاحة أمام مجلس النواب المصري الذي تشكل بموجب انتخابات نوفمبر-ديسمبر 2015 لممارسة أي من تلك الأدوار على نحو يخدم توجهات السياسة الخارجية المصرية خلال المرحلة الحالية.
كما تكشف الممارسة الدولية عن تعدد الوظائف الدبلوماسية التي يمكن أن يقوم بها البرلمان، التي قد تساعد الدول على إدارة أفضل وأكثر فاعلية لعلاقاتها الخارجية، ولعل هذا يفسر تزايد أهمية الدبلوماسية البرلمانية parliamentary diplomacy كمجال للدراسة في حقل دراسات العلوم السياسية.
وفي هذا الإطار، تحلل هذه الورقة الأدوار المتعددة التي تلعبها البرلمانات بصورة عامة في ضوء الخبرات الدولية، وكذلك القيود أو الفرص المتاحة أمام مجلس النواب المصري الذي تشكل بموجب انتخابات نوفمبر-ديسمبر 2015 لممارسة أي من تلك الأدوار على نحو يخدم توجهات السياسة الخارجية المصرية خلال المرحلة الحالية.
للبرلمان دور بلجانه المعنية في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، من خلال مساهمته في "تفكيك" القضايا الخارجية المعقدة التي تؤثر على حياة المواطنين
أولا- أدوار دبلوماسية متعددة للبرلمان
تكشف متابعة الممارسات الدولية عن لعب البرلمانات الوطنية أدوار متعددة في مجال إدارة العلاقات الخارجية لدولها، وما يحدد نطاق هذه الأدوار ومجالها، هو طبيعة النظام السياسي وما إذا كانت السياسة الخارجية تعد حكرا على السلطة التنفيذية، أم تتأثر بتوجهات المؤسسات والقطاعات الأخرى في الدولة. وكذلك تتحدد هذه الأدوار بمكانة الدولة في النظام العالمي، التي كلما تزايدت كلما اتجهت الدول للتأكيد على أهمية دور البرلمان في مناقشة علاقاتها الخارجية، ومن ذلك حرص الولايات المتحدة على تأكيد أهمية لجان الكونغرس في مناقشة قضايا السياسة الخارجية وقراراتها، على نحو جعل الكونجرس فاعلا مهما في علاقات واشنطن مع الخارج، وكذلك نقطة تأثير مهمة تستهدفها كل الدول التي ترغب في التأثير على سياسات الإدارة الأمريكية تجاهها.
ويمكن تحديد مستويين للوظيفة الدبلوماسية للبرلمان، يتمثل المستوى الأول في المستوى المؤسسي، وهو يتحدد بالقدرات المؤسسية التي يمتلكها البرلمان والمتصلة بالتأثير في علاقات الدولة الخارجية، ومن صور هذا المستوى دور البرلمان في الموافقة على الاتفاقيات الدولية، وممارسة أدوات الرقابة من قبيل الاستجواب، وتنظيم جلسات الاستماع حول قضايا السياسة الخارجية وتخصيص الميزانيات اللازمة لتنفيذ سياسات معينة تجاه تلك القضايا.
ويتعلق المستوى الثاني بالمستوى السياسي الحركي، وهو خاص بدور البرلمان في تعزيز العلاقات الثنائية مع برلمان دولة ذات أهمية، أو في إطار تعددي من خلال المنظمات الدولية المعنية بالأنشطة البرلمانية، وذلك من خلال إستراتيجيات الضغط والتأثير lobbying، ومثل هذا الدور لعبه البرلمان الألباني في مسعى لحشد التأييد للاعتراف بدولة كوسوفو، حيث استخدم عضويته في العديد من المنظمات الدولية لحشد التأييد للاعتراف بها كدولة مستقلة، وكذلك لعب دور مماثل لحشد التأييد اللازم من برلمانات الدول الأوربية حتى يتم التصويت لصالح أهلية ألبانيا لأن تكون دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوربي(1).
كذلك من صور هذا المستوي، دور البرلمان بلجانه المعنية في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للدولة(2)، من خلال مساهمته في "تفكيك" القضايا الخارجية المعقدة التي تؤثر على حياة المواطنين(3)، وهو دور تقوم به بصورة واضحة لجان الشئون الخارجية في البرلمانات، وعادة ما يصاحبه تنشيط لأدوات الدبلوماسية العامة والتي تلعب فيها مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني دورا مهما. ومن ذلك الدور الذي لعبته لجنة الشئون العربية في مجلس الشعب المصري 2011-2012، في تسوية قضية "الحوالات الصفراء" بين مصر والعراق، التي كانت من القضايا القديمة المعلقة بين الجانبين، وكذلك في الإفراج عن 58 مصريا معتقلا في السعودية بدون محاكمات(4).
كذلك أصبحت البرلمانات تلعب دورًا مهمًا في بناء ثقة الناس في التوجهات الخارجية للدولة تجاه الأزمات الإقليمية والدولية، وهو أمر لعبه البرلمان الأوربي في مناقشاته المتعددة لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في العديد من الدول في الفترة التالية على الثورات العربية، على نحو خلق ظهير شعبي لتوجهات السياسة الأوربية تجاه تلك الدول.
تكشف متابعة الممارسات الدولية عن لعب البرلمانات الوطنية أدوار متعددة في مجال إدارة العلاقات الخارجية لدولها، وما يحدد نطاق هذه الأدوار ومجالها، هو طبيعة النظام السياسي وما إذا كانت السياسة الخارجية تعد حكرا على السلطة التنفيذية، أم تتأثر بتوجهات المؤسسات والقطاعات الأخرى في الدولة. وكذلك تتحدد هذه الأدوار بمكانة الدولة في النظام العالمي، التي كلما تزايدت كلما اتجهت الدول للتأكيد على أهمية دور البرلمان في مناقشة علاقاتها الخارجية، ومن ذلك حرص الولايات المتحدة على تأكيد أهمية لجان الكونغرس في مناقشة قضايا السياسة الخارجية وقراراتها، على نحو جعل الكونجرس فاعلا مهما في علاقات واشنطن مع الخارج، وكذلك نقطة تأثير مهمة تستهدفها كل الدول التي ترغب في التأثير على سياسات الإدارة الأمريكية تجاهها.
ويمكن تحديد مستويين للوظيفة الدبلوماسية للبرلمان، يتمثل المستوى الأول في المستوى المؤسسي، وهو يتحدد بالقدرات المؤسسية التي يمتلكها البرلمان والمتصلة بالتأثير في علاقات الدولة الخارجية، ومن صور هذا المستوى دور البرلمان في الموافقة على الاتفاقيات الدولية، وممارسة أدوات الرقابة من قبيل الاستجواب، وتنظيم جلسات الاستماع حول قضايا السياسة الخارجية وتخصيص الميزانيات اللازمة لتنفيذ سياسات معينة تجاه تلك القضايا.
ويتعلق المستوى الثاني بالمستوى السياسي الحركي، وهو خاص بدور البرلمان في تعزيز العلاقات الثنائية مع برلمان دولة ذات أهمية، أو في إطار تعددي من خلال المنظمات الدولية المعنية بالأنشطة البرلمانية، وذلك من خلال إستراتيجيات الضغط والتأثير lobbying، ومثل هذا الدور لعبه البرلمان الألباني في مسعى لحشد التأييد للاعتراف بدولة كوسوفو، حيث استخدم عضويته في العديد من المنظمات الدولية لحشد التأييد للاعتراف بها كدولة مستقلة، وكذلك لعب دور مماثل لحشد التأييد اللازم من برلمانات الدول الأوربية حتى يتم التصويت لصالح أهلية ألبانيا لأن تكون دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوربي(1).
كذلك من صور هذا المستوي، دور البرلمان بلجانه المعنية في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للدولة(2)، من خلال مساهمته في "تفكيك" القضايا الخارجية المعقدة التي تؤثر على حياة المواطنين(3)، وهو دور تقوم به بصورة واضحة لجان الشئون الخارجية في البرلمانات، وعادة ما يصاحبه تنشيط لأدوات الدبلوماسية العامة والتي تلعب فيها مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني دورا مهما. ومن ذلك الدور الذي لعبته لجنة الشئون العربية في مجلس الشعب المصري 2011-2012، في تسوية قضية "الحوالات الصفراء" بين مصر والعراق، التي كانت من القضايا القديمة المعلقة بين الجانبين، وكذلك في الإفراج عن 58 مصريا معتقلا في السعودية بدون محاكمات(4).
كذلك أصبحت البرلمانات تلعب دورًا مهمًا في بناء ثقة الناس في التوجهات الخارجية للدولة تجاه الأزمات الإقليمية والدولية، وهو أمر لعبه البرلمان الأوربي في مناقشاته المتعددة لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في العديد من الدول في الفترة التالية على الثورات العربية، على نحو خلق ظهير شعبي لتوجهات السياسة الأوربية تجاه تلك الدول.
أصبحت البرلمانات تلعب دورًا مهمًا في بناء ثقة الناس في التوجهات الخارجية للدولة تجاه الأزمات الإقليمية والدولية
ثانيا: قيود متعددة على البرلمان الجديد
تواجه مصر خلال المرحلة الحالية، العديد من قضايا السياسة الخارجية التي تتطلب دورًا ما يلعبه البرلمان في التعامل معها، بحيث لا يقتصر دوره على مناقشة القضايا المحلية، وبحيث يتحول إلى طرف مساعد لمؤسسات الدولة الأخرى في صياغة وتنفيذ السياسات الخارجية تجاه تلك القضايا. ومن أهم القضايا الخارجية التي تعد من القضايا الضاغطة على مصر خلال المرحلة الحالية، التي يمكن أن يلعب فيها البرلمان دورا مؤثرا، مستقبل العلاقة بين الدولة وجماعة الأخوان وقضايا الحقوق والحريات في مصر ومستقبل التحول الديمقراطي فيها، وهي قضايا تحولت لمواضيع تناقشها برلمانات الدول الغربية، وتؤثر بمناقشاتها هذه على محتوى السياسات الخارجية لدولها تجاه مصر، وهو ما يستدعي من البرلمان المصري الاشتباك مع تلك المناقشات والعمل على التأثير عليها، وتجنب تجاهلها.
كما يندرج ضمن هذه القضايا، التهديدات والتحديات التي تواجهها مصر خلال المرحلة الحالية وعلى رأسها التطرف والإرهاب، وهما قضيتان من المهم أن يعمل البرلمان على الاهتمام بمناقشتهما مع برلمانات الدول الأخرى، خاصة تلك التي لديها مواقف متحفظة من تقديم الدعم الفني لمصر في مكافحة هذين الخطرين.
بعبارة أخرى، هناك العديد من الفرص المتاحة أمام مجلس النواب الجديد، لممارسة أدوار متعددة في مجال الدبلوماسية، ولكن تظل هناك قيود واردة على قدرة المجلس على ممارسة هذه الأدوار بصورة مؤثرة على نحو يدعم المصالح الوطنية خلال المرحلة الحالية. يتمثل القيد الأول في صلاحيات مجلس النواب المنصوص عليها في الدستور، حيث نصت مادة 101 على أنه " يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين في الدستور"، وهي صلاحيات عامة يمكن أن يندرج ضمنها وفق تأويلات متعددة أعمال السلطة التنفيذية في مجال السياسة الخارجية. وهناك مواد أخرى تحدد نطاق الدبلوماسية المؤسسية للبرلمان، حيث نصت مادة 151 على أنه يوافق المجلس على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل تصديق رئيس الجمهورية عليها، كما نصت مادة 152 على أنه يوافق على قرارات الرئيس المتعلقة بإرسال القوات المسلحة للخارج للقيام بمهام قتالية في الخارج أو في حالة إعلان الحرب. وبالتالي، تظل إمكانية ممارسة أدوار أخرى أكثر تأثيرا استنادا للمادة 101 ممكنة ولكنها تتأثر بباقي القيود التالي ذكرها.
تواجه مصر خلال المرحلة الحالية، العديد من قضايا السياسة الخارجية التي تتطلب دورًا ما يلعبه البرلمان في التعامل معها، بحيث لا يقتصر دوره على مناقشة القضايا المحلية، وبحيث يتحول إلى طرف مساعد لمؤسسات الدولة الأخرى في صياغة وتنفيذ السياسات الخارجية تجاه تلك القضايا. ومن أهم القضايا الخارجية التي تعد من القضايا الضاغطة على مصر خلال المرحلة الحالية، التي يمكن أن يلعب فيها البرلمان دورا مؤثرا، مستقبل العلاقة بين الدولة وجماعة الأخوان وقضايا الحقوق والحريات في مصر ومستقبل التحول الديمقراطي فيها، وهي قضايا تحولت لمواضيع تناقشها برلمانات الدول الغربية، وتؤثر بمناقشاتها هذه على محتوى السياسات الخارجية لدولها تجاه مصر، وهو ما يستدعي من البرلمان المصري الاشتباك مع تلك المناقشات والعمل على التأثير عليها، وتجنب تجاهلها.
كما يندرج ضمن هذه القضايا، التهديدات والتحديات التي تواجهها مصر خلال المرحلة الحالية وعلى رأسها التطرف والإرهاب، وهما قضيتان من المهم أن يعمل البرلمان على الاهتمام بمناقشتهما مع برلمانات الدول الأخرى، خاصة تلك التي لديها مواقف متحفظة من تقديم الدعم الفني لمصر في مكافحة هذين الخطرين.
بعبارة أخرى، هناك العديد من الفرص المتاحة أمام مجلس النواب الجديد، لممارسة أدوار متعددة في مجال الدبلوماسية، ولكن تظل هناك قيود واردة على قدرة المجلس على ممارسة هذه الأدوار بصورة مؤثرة على نحو يدعم المصالح الوطنية خلال المرحلة الحالية. يتمثل القيد الأول في صلاحيات مجلس النواب المنصوص عليها في الدستور، حيث نصت مادة 101 على أنه " يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين في الدستور"، وهي صلاحيات عامة يمكن أن يندرج ضمنها وفق تأويلات متعددة أعمال السلطة التنفيذية في مجال السياسة الخارجية. وهناك مواد أخرى تحدد نطاق الدبلوماسية المؤسسية للبرلمان، حيث نصت مادة 151 على أنه يوافق المجلس على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل تصديق رئيس الجمهورية عليها، كما نصت مادة 152 على أنه يوافق على قرارات الرئيس المتعلقة بإرسال القوات المسلحة للخارج للقيام بمهام قتالية في الخارج أو في حالة إعلان الحرب. وبالتالي، تظل إمكانية ممارسة أدوار أخرى أكثر تأثيرا استنادا للمادة 101 ممكنة ولكنها تتأثر بباقي القيود التالي ذكرها.
تعد خلفيات الأعضاء مهمة من حيث تحديدها حجم الوعي والخبرة بتعقيدات قضايا السياسة الخارجية، وآليات إدارتها والتأثير في مواقف البرلمانات المناظرة
كما تشير المقترحات الخاصة باللائحة الداخلية لمجلس النواب، إلى أن ما هو مقترح فيما يتعلق بدور المجلس في الدبلوماسية البرلمانية، يقتصر على دور المجلس في توثيق العلاقات مع البرلمانات المناظرة، سواء بصورة ثنائية أو في إطار المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالعمل البرلماني(5)، دون ترك مساحة أوسع للتحرك السياسي للمجلس وأعضائه بما يسمح لهم بخلق شبكات تأثير متعددة في الدول ذات الأهمية بالنسبة لمصر خلال المرحلة الحالية، على نحو يجعل هذا الأمر مرتبطًا بالتوجهات الشخصية لكل نائب.
ويتمثل القيد الثاني في نوعية الأعضاء المنتخبين في البرلمان والمعينين، من حيث خلفياتهم التعليمية والمهنية، حيث استنادا لبيانات اللجنة العليا للانتخابات، هناك 97 نائبا منتخبا كان يعمل في الجيش أو الشرطة، وعدد مقارب من النواب هم رجال الأعمال، وما تبقى إعلاميون ومحامون ومهندسون ومحاسبون ووزراء سابقون، منهم وزير خارجية سابق هو الوزير محمد العرابي(6).
وتعد خلفيات الأعضاء مهمة من حيث تحديدها حجم الوعي والخبرة بتعقيدات قضايا السياسة الخارجية، وآليات إدارتها والتأثير في مواقف البرلمانات المناظرة، فضلا عن أنها مؤشر على قدرة النواب على التشبيك مع مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني والدوائر المختلفة التي تؤثر في صنع قرارات السياسة الخارجية في الدول التي تهتم بها مصر خلال المرحلة الحالية.
والتغلب على هذا القيد يتطلب الاهتمام بخلق فرق متخصصة من staffer تتولى دعم أعضاء البرلمان خاصة في اللجان المعنية بالقضايا الخارجية، وعلى رأسها لجنة الشئون العربية ولجنة العلاقات الخارجية، في المهام المرتبطة بالدبلوماسية البرلمانية، وفي مناقشات خاصة بقضايا السياسة الخارجية، وهي مسألة لم تحظ باهتمام منظم خلال العقود الماضية، حيث كان يتم الاكتفاء بالمساعدين الفنيين والإداريين من بين العاملين في المجلس.
وينصرف القيد الثالث، إلى استمرار كون رئيس الجمهورية هو الموجه الرئيسي لعلاقات الدولة الخارجية، وبالتالي يتحدد دور البرلمان بلجانه المتعددة بقدر خدمته هذا التوجه، وذلك مع ملاحظة أن الفترة الماضية شهدت محاولات من بعض الإعلاميين والكتاب للتعبير عن توجه مختلف عن توجه الدولة المعلن فيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية، ومن ذلك تصريحات محمد حسنين هيكل في مقابلته مع جريدة السفير في 21 يوليو 2015 (7)، التي تحدث فيها عن أن " السعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها"، وهي تصريحات استدعت رد من السفير السعودي في القاهرة(8).
بعبارة أخرى، ما هو متاح للبرلمان في ظل الظروف الحالية، هو تعميق التوجه المعلن من قبل رئيس الدولة، من خلال التفاعل المنظم والمؤسسي مع دوائر التأثير المختلفة في الدول التي تمثل أهمية كبرى بالنسبة لمصر في المرحلة الحالية.
واستمرار مركزية دور الرئيس في التحرك الخارجي، مرتبطة بالانطباع الذي تكون لدى العديد من الدوائر المصرية نتيجة النشاط المكثف الذي قام به الرئيس منذ توليه السلطة في يونيو 2014، الذي يفيد بأنه لا توجد مشكلة في السياسة الخارجية، على خلاف السياسة الداخلية، التي تشير عدة تقديرات إلى أنها ستكون على قمة أولويات المجلس. ولكن يظل هذا التوجه يغفل أهمية البعد عن الطابع الشكلي في إدارة العلاقات الخارجية والمتعلق بعدد الزيارات المتبادلة وعدد الاتفاقيات المبرمة، وضرورة الاهتمام بالبعد الموضوعي لعلاقات مصر الخارجية، وحجم المصالح المشتركة التي يتم تطويرها أو تعزيزها وبطريقة تتفهمها دوائر صنع القرار في الدول الأخرى، وهي مسألة تتطلب جهودا حقيقية من البرلمان الجديد.
المراجع
(1) Mirsada HALLUNAJ ,"Parliamentary Diplomacy as a Helpful Instrument in Foreign Policy", Institute for Cultural
Diplomacy: http://www.culturaldiplomacy.org/pdf/case-studies/Mirsada_Hallunaj_-_Parliamentary_Diplomacy_as_a_Helpful_Instrument_in_Foreign_Policy.pdf
(2) George Noulas, "The Role of Parliamentary Diplomacy in Foreign Policy", Foreign Policy Journal, October 22, 2011
(3) " Shaping and Controlling Foreign Policy - Parliamentary Diplomacy and Oversight, and the Role of the European Parliament", European Parliament Think Tank, June 4, 2015: http://www.europarl.europa.eu/thinktank/en/document.html?reference=EXPO_STU(2015)549045
للمزيد حول انجازات هذه اللجنة انظر المقابلة التي أجراها د .محمد السعيد إدريس مع جريدة الشروق: الشروق، 31 أكتوبر 2015(4)
(5) للمزيد انظر مادة 365 في مشروع اللائحة المقترح من قبل المركز الإقليمي للوساطة والحوار في: خليل عبد المنعم مرعي و محمد علي أبو ريدة، "مشروع اللائحة الداخلية لمجلس النواب في ضوء أحكام دستور 2014"، في: عمرو هاشم ربيع (محرر)، اللائحة البرلمانية في مصر: مبادئ عامة ومبادرات للإصلاح، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 2015)، ص ص 282-284.
لمزيد من التفاصيل انظر الجداول التفصيلية لنتائج انتخابات مجلس النواب كما نشرتها اللجنة العليا للانتخابات على موقعها الإلكتروني: (6)https://www.elections.eg/results/stage1-winners
(7)انظر نص المقابلة الكامل: "السفير تحاور محمد حسنين هيكل: إيران بعد الاتفاق النووي وصورة المنطقة والعلاقات مع أمريكا"، جريدة السفير، 21 يوليو 2015. وفد أعيد نشر هذه المقابلة في جريدة الشروق بتاريخ 21 يوليو 2015.
" السفير السعودي: علاقتنا بمصر قوية رغم أنف هيكل.. وخاشقجى لا يمثلنا"، جريدة الوطن،4 أغسطس 2015.(8)
ويتمثل القيد الثاني في نوعية الأعضاء المنتخبين في البرلمان والمعينين، من حيث خلفياتهم التعليمية والمهنية، حيث استنادا لبيانات اللجنة العليا للانتخابات، هناك 97 نائبا منتخبا كان يعمل في الجيش أو الشرطة، وعدد مقارب من النواب هم رجال الأعمال، وما تبقى إعلاميون ومحامون ومهندسون ومحاسبون ووزراء سابقون، منهم وزير خارجية سابق هو الوزير محمد العرابي(6).
وتعد خلفيات الأعضاء مهمة من حيث تحديدها حجم الوعي والخبرة بتعقيدات قضايا السياسة الخارجية، وآليات إدارتها والتأثير في مواقف البرلمانات المناظرة، فضلا عن أنها مؤشر على قدرة النواب على التشبيك مع مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني والدوائر المختلفة التي تؤثر في صنع قرارات السياسة الخارجية في الدول التي تهتم بها مصر خلال المرحلة الحالية.
والتغلب على هذا القيد يتطلب الاهتمام بخلق فرق متخصصة من staffer تتولى دعم أعضاء البرلمان خاصة في اللجان المعنية بالقضايا الخارجية، وعلى رأسها لجنة الشئون العربية ولجنة العلاقات الخارجية، في المهام المرتبطة بالدبلوماسية البرلمانية، وفي مناقشات خاصة بقضايا السياسة الخارجية، وهي مسألة لم تحظ باهتمام منظم خلال العقود الماضية، حيث كان يتم الاكتفاء بالمساعدين الفنيين والإداريين من بين العاملين في المجلس.
وينصرف القيد الثالث، إلى استمرار كون رئيس الجمهورية هو الموجه الرئيسي لعلاقات الدولة الخارجية، وبالتالي يتحدد دور البرلمان بلجانه المتعددة بقدر خدمته هذا التوجه، وذلك مع ملاحظة أن الفترة الماضية شهدت محاولات من بعض الإعلاميين والكتاب للتعبير عن توجه مختلف عن توجه الدولة المعلن فيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية، ومن ذلك تصريحات محمد حسنين هيكل في مقابلته مع جريدة السفير في 21 يوليو 2015 (7)، التي تحدث فيها عن أن " السعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها"، وهي تصريحات استدعت رد من السفير السعودي في القاهرة(8).
بعبارة أخرى، ما هو متاح للبرلمان في ظل الظروف الحالية، هو تعميق التوجه المعلن من قبل رئيس الدولة، من خلال التفاعل المنظم والمؤسسي مع دوائر التأثير المختلفة في الدول التي تمثل أهمية كبرى بالنسبة لمصر في المرحلة الحالية.
واستمرار مركزية دور الرئيس في التحرك الخارجي، مرتبطة بالانطباع الذي تكون لدى العديد من الدوائر المصرية نتيجة النشاط المكثف الذي قام به الرئيس منذ توليه السلطة في يونيو 2014، الذي يفيد بأنه لا توجد مشكلة في السياسة الخارجية، على خلاف السياسة الداخلية، التي تشير عدة تقديرات إلى أنها ستكون على قمة أولويات المجلس. ولكن يظل هذا التوجه يغفل أهمية البعد عن الطابع الشكلي في إدارة العلاقات الخارجية والمتعلق بعدد الزيارات المتبادلة وعدد الاتفاقيات المبرمة، وضرورة الاهتمام بالبعد الموضوعي لعلاقات مصر الخارجية، وحجم المصالح المشتركة التي يتم تطويرها أو تعزيزها وبطريقة تتفهمها دوائر صنع القرار في الدول الأخرى، وهي مسألة تتطلب جهودا حقيقية من البرلمان الجديد.
المراجع
(1) Mirsada HALLUNAJ ,"Parliamentary Diplomacy as a Helpful Instrument in Foreign Policy", Institute for Cultural
Diplomacy: http://www.culturaldiplomacy.org/pdf/case-studies/Mirsada_Hallunaj_-_Parliamentary_Diplomacy_as_a_Helpful_Instrument_in_Foreign_Policy.pdf
(2) George Noulas, "The Role of Parliamentary Diplomacy in Foreign Policy", Foreign Policy Journal, October 22, 2011
(3) " Shaping and Controlling Foreign Policy - Parliamentary Diplomacy and Oversight, and the Role of the European Parliament", European Parliament Think Tank, June 4, 2015: http://www.europarl.europa.eu/thinktank/en/document.html?reference=EXPO_STU(2015)549045
للمزيد حول انجازات هذه اللجنة انظر المقابلة التي أجراها د .محمد السعيد إدريس مع جريدة الشروق: الشروق، 31 أكتوبر 2015(4)
(5) للمزيد انظر مادة 365 في مشروع اللائحة المقترح من قبل المركز الإقليمي للوساطة والحوار في: خليل عبد المنعم مرعي و محمد علي أبو ريدة، "مشروع اللائحة الداخلية لمجلس النواب في ضوء أحكام دستور 2014"، في: عمرو هاشم ربيع (محرر)، اللائحة البرلمانية في مصر: مبادئ عامة ومبادرات للإصلاح، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 2015)، ص ص 282-284.
لمزيد من التفاصيل انظر الجداول التفصيلية لنتائج انتخابات مجلس النواب كما نشرتها اللجنة العليا للانتخابات على موقعها الإلكتروني: (6)https://www.elections.eg/results/stage1-winners
(7)انظر نص المقابلة الكامل: "السفير تحاور محمد حسنين هيكل: إيران بعد الاتفاق النووي وصورة المنطقة والعلاقات مع أمريكا"، جريدة السفير، 21 يوليو 2015. وفد أعيد نشر هذه المقابلة في جريدة الشروق بتاريخ 21 يوليو 2015.
" السفير السعودي: علاقتنا بمصر قوية رغم أنف هيكل.. وخاشقجى لا يمثلنا"، جريدة الوطن،4 أغسطس 2015.(8)