أجندة تشريعية: الاقتصاد المصري في مواجهة تحديات العام 2016
يدخل الاقتصاد المصري عامه السادس بعد ثورة يناير وهو لا يزال ينزف على الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ عليه خلال العامين الأخيرين. فقد استطاع الاقتصاد رغم كل الصعوبات والتحديات أن يدخل منطقة النمو الإيجابي بعد أن كان قد سقط في منطقة نمو سلبي في أعقاب ثورة يناير. كما استطاع الاقتصاد أيضا أن يتخلص من بعض الأزمات الخانقة مثل أزمة الطاقة والانقطاعات المؤقتة لإمدادات الكهرباء عن المنازل والمصانع. ومع ذلك فإنه يجب التسليم بأن تحسن مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني في مصر لم يكن عائدا بالضرورة إلى المقومات الذاتية للاقتصاد الرسمي، ولكنه استطاع الصمود نسبيا في وجه عوامل التوتر والضعف التي صاحبت الثورة مستعينا بأربعة روافد مساندة هي:
1- المساندة التي حظي عليها من البلدان العربية الخليجية النفطية ومن بعض مؤسسات التمويل الدولية والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على خلفية مبادرة دوفيل.
2- المساندة التي حصل عليها من مالية القوات المسلحة، وهي رافد من خارج الاقتصاد الرسمي. وبناء على هذه المساندة رفض المجلس العسكري في الأشهر الأولى من الثورة الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وقدمت القوات المسلحة للدولة دعما ماليا بأكثر من مليار دولار لمواجهة العجز في الميزانية العامة للدولة. وتأخذ هذه المساندة الآن أشكالا عدة لا تتوقف على دعم الميزانية فقط، وإنما تشمل شق الطرق وإقامة المدن الجديدة (مثل مدن الضبعة والعلمين الجديدة غرب الإسكندرية ومدينة الجلالة في جبال خليج السويس) المشروعات وإنشاء المنافذ السلعية التموينية.
3- دور الاقتصاد غير المنظم أو الاقتصاد غير الرسمي سواء فيما يتعلق بتوفير السيولة أو فيما يتعلق بالإدارة التلقائية للاقتصاد. وتشهد قطاعات الزراعة والمقاولات والتجارة الداخلية سيطرة المعاملات غير الرسمية على أدائها بشكل عام.
4- وفي هذا السياق فإنه من المهم الإشارة بصورة خاصة إلى دور تحويلات المصريين العاملين في الخارج. وقد استطاع هؤلاء أن يضاعفوا تقريبا تحويلاتهم إلى ذويهم في مصر (لتقترب التحويلات السنوية من 20 مليار دولار) لإعانتهم على الظروف التي أحاطت بالبلاد خلال السنوات القليلة الماضية.
أولا- اختبار السيولة
حتى الآن، وبعد خمس سنوات من الثورة فإن الاقتصاد الرسمي لم يتمكن من النهوض بالقدر الكافي بما يؤمن إمكانات النمو غير المتعثر في السنوات المقبلة. بل إن الاقتصاد الرسمي على الأرجح سيواجه خلال العام 2016 عددا من الاختبارات الجوهرية، مثل "اختبار السيولة"، سيتحدد على نتائجها مسار الاقتصاد في الأجل القصير. ومن الضروري الإشارة بسرعة هنا إلى أن الدولة استنفذت جزءا مهما من إمكانات السيولة المحلية (في شهادات استثمار قناة السويس ثم شهادات الاستثمار المميزة التي اختص بإصدارها كل من البنك الأهلي وبنك مصر بسعر فائدة 12.5%) في مشروع قناة السويس. وقد أدى ذلك إلى إضعاف القطاع غير الرسمي انتطارا للحصول على عوائد ملائمة من مشروع قناة السويس.
إن المتغيرات الاقتصادية كما تبدو الآن تشير إلى ما يلي:
1- الدول العربية الخليجية ليست في وضع تستطيع فيه الاستمرار في المساندة الاقتصادية لمصر كما فعلت خلال السنوات الخمس الماضية. فهي تعاني من تكاليف حرب دخلتها في اليمن دفاعا عن أمنها القومي، كما إنها لم تعد تحصل على العائد الذي كانت تحصل عليه لصادراتها النفطية، فأسعار النفط انخفضت إلى نحو 40 دولارا للبرميل بعد أن كانت 140 دولارا في السابق.
2- الاقتصاد غير الرسمي في مصر ربما يعاني من ظواهر ضعف لم تكن ظاهرة خلال السنوات القليلة الماضية، ولم يعد قادرا على توفير السيولة المالية بالقدر الذي كان متاحا في العامين الماضيين 2014 و2015. كذلك فإن ضعف القطاع غير الرسمي من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة الإحساس بالمشاكل الاقتصادية الكبرى مثل البطالة وانفجار ظاهرة ارتفاع الأسعار وتراجع معدلات الاستثمار.
3- ربما يتعرض الدور الاقتصادي للقوات المسلحة لانتقادات وضغوط شديدة خلال الأشهر المقبلة، خصوصا بعد أن حصل رجال الأعمال على نصيب كبير من المجلس التشريعي الجديد. ويعتقد بعض ممثلي رجال الأعمال أن الجيش يجب أن يقف بعيدا عن الاقتصاد وأن "عسكرة الاقتصاد" تعني حرمانهم من فرص كبيرة للأعمال.
4- ستلجأ الحكومة على الأرجح إلى زيادة الميل للاقتراض من
مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها كل من صندوق النقد والبنك الدولي، تعويضا عن
انخفاض قدرة المصادر الأخرى المحلية والإقليمية على التمويل بالقدر المطلوب. لكن
لجوء الحكومة إلى هذا الطريق سيضعها تحت طائلة الخضوع لتوصيات كل من صندوق النقد
الدولي والبنك من اجل اتباع سياسات اقتصادية معينة تحاول هذه المؤسسات فرضها منذ
سنوات، ومن أهمها ضرورة تخفيض سعر الصرف للجنيه المصري أمام العملات الأخرى المتداولة
في الأسواق، إلى جانب الاستمرار في سياسات إعادة هيكلة الدعم والإصلاح الضريبي،
وهي الإجراءات التي تظهر حتى الآن انحيازا ملحوظا لمصالح كبار رجال الأعمال. إن
العلاقات المدنية – العسكرية ستكون قضية كبرى من قضايا الحوار في المجتمع المصري
في السنوات المقبلة.
ومع ذلك فإن ما تم إنجازه حتى الآن في مشروعات البنية
الأساسية العملاقة مثل قناة السويس الجديدة والبدء في مشروع شرق التفريعة وميناء
شرق بورسعيد والانتهاء من طريق العلمين وشبكة الطرق الجديدة التي يجري بناؤها على
قدم وساق غرب طريق العلمين وغيرها، من المرجح أن تفتح الباب لمشروعات استثمارية
خفيفة أو طويلة الأجل تسهم في حل المشكلات الكبرى التي تعاني منها مصر مثل البطالة
ونقص السيولة.
وعلى ضوء هذه المتغيرات سننظر إلى صورة الاقتصاد كما تبدو الآن، وإلى السياسات التي سيتعين اتباعها والتشريعات التي سيتوجب سنها في مجلس النواب الجديد، من أجل توفير أساس سياسي وتشريعي يسمح بانطلاق الاقتصاد إلى فضاء أرحب يوفر فرصا أفضل للتنمية المستدامة غير المتحيزة جغرافيا أو اجتماعيا.
ثانيًا- توقعات 2016
على الرغم من كل التحفظات السابقة فإن الصورة التي تقدمها مؤسسات التمويل الدولية الرئيسية وأهمها البنك الدولي وصندوق النقد تبدو متفائلة إلى حد كبير، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تنفيذ حزمة من السياسات التي تضمن استمرار النمو وحماية الطبقات الأقل حظا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
(1) - النمو والعجز المالي
يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في مصر في عام 2016 إلى 4.3% مقابل 4.2% متوقع في عام 2015 (World Economic Outlook, IMF October 2015)) وهي نسبة زيادة طفيفة ربما لن يشعر بها المواطن في سوق العمل والإنتاج. لكن أهمية هذا التقدير ترجع إلى أنه يحافظ على وضع الاقتصاد المصري على منحنى صاعد للنمو وليس العكس. لكننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن معدل النمو محسوب على أساس معدلات منخفضة أساسا، ليس فقط بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعرضت له مصر منذ ثورة يناير، ولكن ذلك يرجع إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير.
وطبقا لتقديرات البنك الدولي فإن تفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة هو نتيجة منطقية لانخفاض معدلات النمو بشكل عام. ويقدر البنك على صفحته الخاصة بمصر متوسط معدل النمو السنوي في مصر منذ العام 1980 بنحو 2% سنويا (www.worldbank.org) . وهذا المعدل لا يكفي بحال من الأحوال لتوفير فرص العمل الكافية وتنشيط حركة النمو الاقتصادي والوفاء بمتطلبات التنمية والتغيير وصولا إلى قدرة تنافسية أعلى للاقتصاد المصري مقارنة ببقية اقتصادات الدول النامية.
ومن النقاط المثيرة للقلق في أداء الاقتصاد المصري في السنة المالية 2014/2015 أن الإدارة المالية للبلاد لم تنجح تماما في محاصرة العجز المالي والتقليل من حدته.
وتفيد أرقام وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري إلى أن العجز النقدي والكلي في الموازنة العامة للدولة ارتفع بنسبة 50.6% و 48.6% على الترتيب خلال الشهور التسعة الأولى من السنة المالية الحالية 14/2015 مقارنة بالسنة المالية السابقة. وبلغت قيمة العجز النقدي 218.3 مليار جنيه بنسبة 9.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 145 مليار جنيه بنسبة 7.3% في سنة المقارنة. (المصدر: وزارة التخطيط، تقرير متابعة الخطة عن الربع الثالث من السنة المالية 2014/2015). ومن المرجح أن تظهر الأرقام الرسمية للحساب الختامي للدولة عدم تحقيق أهداف محاصرة العجز المالي بالكامل، بسبب عدم تحقق التوقعات الواردة في الميزانية لكل من الإيرادات والمصروفات. فقط كانت الميزانية للسنة المالية المذكورة قد اعتمدت على تقديرات مبالغ فيها للإيرادات وتقديرات متدنية للمصروفات على غير أساس منطقي.
(2)- العجز في الميزان التجاري
يبين الجدول التالي تطور قيمة العجز في ميزان التجارة السلعية لمصر خلال الفترة من 2009 حتى 2014 طبقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
السنة/ المتغير |
2009 |
2010 |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
العجز التجاري |
20.728 |
25.686 |
30.701 |
41.843 |
37.171 |
46,274 |
الإنتاج المحلي |
188.9 |
218.8 |
236 |
262.8 |
271.9 |
286.5 |
العجز % من الإنتاج المحلي |
10.9 |
11.7 |
13.00 |
15.9 |
13.6 |
16.1 |
- العجز التجاري بالمليار دولار أمريكي بالأسعار الجارية (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- مصر)
- الإنتاج المحلي الإجمالي بالمليار دولار أمريكي بالأسعار الجارية (البنك الدولي)
وتوضح أرقام الجدول أعلاه بما لا يدع مجالا للشك أن الاقتصاد المصري إزاء اختبار كبير في السنوات المقبلة يتعلق بضرورة تصحيح العجز التجاري المزمن والذي يمتد تاريخيا إلى ستينيات القرن الماضي، عندما اعتمدت خطة التنمية الخمسية الأولى إستراتيجية إحلال الواردات، وتوسعت الدولة في الاستيراد من الخارج بما أرهق ميزان المعاملات الخارجية وأسفر عن اتساع العجز في الميزان التجاري وظهور أزمة "العملة الصعبة" الذي كان يعبر عن النقص الحاد في حصيلة العملات الأجنبية. وتوضح أرقام الجدول أن نسبة العجز التجاري إلى الناتج المحلي زادت بمعدل 47.7% خلال الفترة من 2009 إلى 2014، وأن المعدلات المرتفعة للعجز التجاري هي سابقة لثورة يناير 2011 وليست نتيجة للتدهور الاقتصادي الذي حدث بعد الثورة.
وتشير التقديرات الرسمية الواردة في تقرير وزارة التخطيط عن متابعة خطة التنمية للسنة 2014/2015 أن التسعة أشهر الأولى من السنة المالية سجلت ارتفاعا في العجز التجاري بنسبة 22.8% على الفترة المقابلة من العام السابق، وذلك بسبب تراجع حصيلة الصادرات وارتفاع قيمة الواردات. وربما تظهر نتائج الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة المالية إلى زيادة في تدهور الأداء خصوصا مع تخفيض قيمة الجنيه المصري، وهو الإجراء الذي يترتب عليه عادة ارتفاع قيمة المعادل الدولاري لنفس الكمية من الواردات بنسبة أكبر من نسبة الزيادة في قيمة الدولار أمام العملة المحلية.
ويشير التقرير ذاته إلى أن قيمة الصادرات في التسعة أشهر الأولى من السنة المالية 14/2015 انخفضت بنسبة 13.8% في حين زادت قيمة المدفوعات للواردات بنسبة 6.2% . (وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري– أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي والاجتماعي خلال الربع الثالث والتسعة أشهر الأولى من العام المالي 2014/2015 يونيو 2015)
(2) - قنبلة البطالة
بلغت قوة العمل في مصر من الجنسين 27.7 مليون في نهاية مارس 2015 طبقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وفي المقابل يبلغ عدد العاطلين ما يقرب من 3.5 مليون مواطن. وعلى الرغم من أن عدد العاطلين المسجلين رسميا انخفض بنحو 200 ألف مواطن خلال السنة من مارس 14 إلى مارس 2015، فإن الخطورة الحقيقية تكمن في أن ما يزيد عل ثلثي العاطلين هم من المتعلمين ويحملون شهادات متوسطة وجامعية وفوق الجامعية. في حين تنخفض نسبة العاطلين عن العمل الأميين المسجلين نحو 3.6% فقط من إجمالي عدد العاطلين. (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
وتبلغ النسبة الرسمية للمسجلين العاطلين عن العمل نحو 13% من قوة العمل في مصر التي تبلغ نحو 28 مليون مواطن. وقد لا تبدو هذه النسبة في حد ذاتها مقلقة لبعض المسئولين، طالما أن الاقتصاد يستطيع من وجهة نظرهم أن يوفر نحو 200 ألف وظيفة سنويا! الأخطر من ذلك أن صناع السياسة الاقتصادية يجب أن يدركوا أن أكثر من خمس العاطلين عن العمل هم من حملة المؤهلات الجامعية ومن حملة الماجستير والدكتوراه. وتتوزع نسبة العاطلين من حيث مستوى التعليم على النحو التالي حسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (مارس 2015):
المستوى التعليمي |
% من العاطلين |
مؤهل جامعي وفوق الجامعي |
20.6 |
ثانوية عامة وأزهرية |
20.2 |
مؤهل فني متوسط |
16.0 |
مؤهل فوق المتوسط وأقل من الجامعي |
10.1 |
مؤهل أقل من المتوسط |
12.7 |
يقرأ ويكتب |
7.6 |
أمي |
3.6 |
المصدر: محسوب على أساس أرقام البطالة الرسمية حسب المستوى التعليمي للعاطلين عن العمل
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن إحصاءات العمل في مصر ليست بالقدر الكافي من الكفاءة و التنظيم وأنها لا تعكس واقع الحال في سوق العمل. وهناك قدر كبير من التقصير في حصر أعداد العاطلين والبحث في أسباب تعثرهم في الحصول في فرص عمل. كما أن هناك بقدر مماثل تقصيرًا في حصر الوظائف المتاحة والمهارات اللازمة لشغلها. إن هذا التقصير أدى لنشوء حالة من العشوائية في سوق العمل، حيث بات الحصول على الوظائف يرتبط بالشللية والمحسوبية والرشوة.
أما على المدى الطويل، فإن الصورة تبدو أشد خطورة حيث أنه من المتوقع أن يدخل سوق العمل سنويا ما يقرب من 2 مليون مواطن في سن العمل بعد عشر سنوات من الآن. فإذا استمر حال الاقتصاد على ما هو عليه، فإن بركان البطالة بين الشباب سينفجر بقوة خارج نطاق السيطرة ليسبب حالة من الدمار الاجتماعي الذي قد تعجز مصر عن مواجهة نتائجه. إن 2.25 مليون مولود جديد كل سنة يعني عمليا أننا يجب أن نستعد من الآن لتوفير حياة آدميه كريمة لهؤلاء تشمل مقاعد في المدارس والمعاهد والجامعات، وأماكن للعلاج والرعاية الاجتماعية ووسائل مواصلات ومساكن غير عشوائية وفرصا للعمل وتسهيلات مناسبة للرقي التعليمي والثقافي والرياضي والأخلاقي.
(1) - المكانة الاقتصادية النسبية
الجدول التالي يبين المكانة النسبية لمصر على المستوى العالمي على أساس عدد من المؤشرات الرئيسية. وقد تم إعدادها من أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المأخوذة عن مصادر دولية رسمية حسب الإشارة إلى مصدرها (2014- 2015).
المكانة التنافسية دوليا (تقرير التنافسية الدولية (2014) |
119 من 144 |
المكانة التنافسية عربيا |
12 |
الترتيب في دليل التنمية البشرية (2014) |
110 من 187 |
متوسط الناتج المحلي للفرد 2014 (البنك الدولي) |
1575.9 دولار |
% من متوسط الناتج العالمي للفرد (10,288 دولار للفرد) |
14.4% |
الترتيب الدولي حسب حجم الأسواق |
29 من 144 |
ترتيب كفاية المتطلبات الأساسية من البنية التحتية |
100 من 144 |
المكانة التعليمية والصحية (الخدمات الأساسية) |
97 من 144 |
نسبة الأمية |
25.9% |
كفاءة التعليم العالي والتدريب |
111 من 144 |
الترتيب النسبي في درجة الاستعداد التكنولوجي |
95 من 144 |
الترتيب العالمي في الابتكار |
124 من 144 |
عوامل الابتكار والتطور |
113 من 144 |
كفاءة سوق العمل |
140 من 144 |
كفاءة سوق السلع |
118 من 144 |
معدل البطالة |
13% |
الترتيب العالمي من حيث الأداء البيئي |
50 من 187 |
الترتيب في جدول الفساد |
94 |
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تقرير التنافسية الدولية، جداول البنك الدولي.
وتظهر المؤشرات الدولية بجلاء أن متوسط الناتج القومي للفرد في مصر يعادل ما يقرب من 12% من المتوسط العالمي (على أساس القيمة الاسمية) حسب تقديرات البنك الدولي. ويقدر البنك أن قيمته بلغت بين 842.7 دولار خلال الفترة العام 1960 حتى عام 2014 . قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي للعام 2014 بلغت 286.54 بليون دولار أي ما يقل عن نصف من واحد في المائة من جملة الإنتاج المحلي للعالم، أو ما يقرب من 0.46% من الإنتاج العالمي. ( www.tradingeconomics.com-worldBank )
وحسب إحصاءات 2014 يبلغ نصيب الولايات المتحدة من الإنتاج العالمي 22.35% (17.4 تريليون دولار) تليها الصين 13.4% . الدول العشر الأولي هي: الولايات المتحدة، الصين، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، البرازيل، إيطاليا، روسيا، الهند. (statistictimes.com) (المصدر الأوّلي لهذه الإحصاءات هو صندوق النقد الدولي في 21 أبريل 2015)
مصر تحتل المركز 39 عالميا بنسبة 0.37% من إجمالي الإنتاج العالمي بينما تحتل المركز الثالث أفريقيا بعد نيجيريا (1) وجنوب أفريقيا (2)
وبالتالي فإننا سواء اعتمدنا على إحصاءات البنك الدولي أو صندوق النقد فإننا سنجد أن نصيب مصر من الإنتاج الإجمالي العالمي يتراوح بين 0.37% إلى 0.46% أي أقل من نصف من واحد في المائة، وأن مكانة مصر الاقتصادية في أفريقيا وفي العالم العربي هي أقل كثيرا مما يتوقع أو يعتقد الكثيرون.
ويبين الجدول التالي المكانة النسبية لمصر بين جيرانها في صادرات السلع ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع (بالمليون دولار أمريكي بالأسعار الجارية).
الدولة/السنة |
2011 |
2012 |
2013 |
الجزائر |
2.4 |
2.00. |
3.1 |
البحرين |
1.6 |
.. |
.. |
مصر |
128.00 |
74.5 |
70.4 |
إثيوبيا |
5.2 |
5.7 |
7.9 |
اليونان |
1170.8 |
1041.4 |
854.9 |
إيران |
652.5 |
.. |
.. |
إسرائيل |
8825 |
9212 |
9634 |
الأردن |
115.6 |
102.6 |
77.6 |
الكويت |
.. |
.. |
84.07 |
لبنان |
49.3 |
39.2 |
41.2 |
المغرب |
860.9 |
889.02 |
949.9 |
سلطنة عمان |
137.1 |
167.1 |
159.9 |
قطر |
2.55 |
3.99 |
.. |
السعودية |
206.1 |
255.7 |
287.7 |
تونس |
732.2 |
569.04 |
616.3 |
تركيا |
1921.4 |
1979.03 |
2177.04 |
الإمارات |
66.6 |
.. |
.. |
المصدر:High-technology exports (data.worldbank.org)
ويبدو من أرقام الجدول أن مصر تخلفت بصورة مخيفة وراء منافسيها الرئيسيين في المنطقة مثل تركيا وإسرائيل، وأن دولا عربية شقيقة تقدمت عليها في قطاعات إنتاج وتصدير المنتجات ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع على الرغم من القاعدة العلمية والصناعية التاريخية التي تتمتع بها مصر.
ثالثًا- دور مجلس النواب
تنطلق رؤيتي للمرحلة المقبلة من حقيقة أن مصر هي بلد واعد، وأن شعبها يحتاج إلى أفضل مما يعيشه الآن في كل المجالات، وعلى رأسها مجالات تنمية الإنسان مثل التعليم والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية، وأيضا في مجالات توفير فرص العمل، وتحقيق مستويات للمعيشة تلبي احتياجات العصر، وتنتشل ما يقرب من نصف المصريين من الفقر. وتملك مصر من الموارد ما يعينها على تحقيق ذلك، بشرط تعبئة هذه الموارد وحسن استثمارها والقضاء على الفساد الذي يهدد مستقبلنا. إن شعار "الإنسان هو هدف التنمية" يجب أن يكون حقيقة، وليس ضربا من النفاق الاجتماعي.
وتتضمن رؤيتي أن ثورتي 25 يناير و 30 يونيو قام بهما المصريون وليس غيرهم. فالشعب المصري وليس غيره هو الذي قام بثورة 25 يناير التي أسقطت جمهورية الخوف والفساد. والشعب المصري وليس غيره هو الذي قام بثورة 30 يونيه لإسقاط الفاشية الدينية. لقد اشتركت الثورتان في أهداف التغيير والتنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. إن كرامة الإنسان المصري تبدأ في وطنه، ومن لا كرامة له في وطنه لا كرامة له خارج هذا الوطن. إن الثورتين التقتا على طريق إسقاط الاستبداد والفساد وبناء الديمقراطية الحقيقية.
ولقد طرحتُ تصوري الكامل بالنسبة للمستقبل في كتابي المعنون: "بعد ثورتين، الاقتصاد المصري إلى أين؟". وما زلت حتى الآن على هذا التصور لأن تحقيق أهداف الثورتين يمر في طريق صعب ومليء بالأشواك وعدم الاستقرار. ولذلك فإنني لن أعيد هنا نشر تصوري الشامل للمهام الواجب على مجلس النواب القيام بها في مجالات المشاركة في وضع السياسة العامة للدولة (من خلال مناقشة بيان الحكومة مناقشة واعية) وفي وضع السياسة الاقتصادية للدولة (من خلال مناقشة الموازنة العامة للدولة وإدخال التعديلات على ما يلزم فيها) وفي الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ومؤسساتها.
وسوف أكتفي هنا بعدد من القضايا المباشرة التي تعني الناخب في الأجل القصير، إضافة إلى بعض القضايا العامة المرتبطة بعملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي في مصر.
أولا: قضايا عاجلة تتمثل في:
1- غلاء الأسعار والارتفاع الصارخ في تكاليف المعيشة.
2- الفساد الإداري.
3- البطالة، خصوصا بين الشباب.
4- تلوث البيئة.
ويتطلب علاج هذه المشكلات العاجلة ما يلي:
1- تدخل الدولة في ميدان إمداد السلع في الأسواق المختلفة، وموازنة العرض والطلب، وفرض رقابة صارمة على الأسواق خصوصا في قطاع السلع الغذائية، لضمان استقرار الأسعار. وهنا لا يفيد القول بأن الدولة لن تتدخل، لأن مثل هذا القول يكرس فلسفة عقيمة لا توجد إلا في بطون الكتب. لقد تدخل أوباما بما يقرب من تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ مصانع وبنوك كانت على حافة الإفلاس، فكيف إذن نستكثر على الفقراء والمحرومين أن تتدخل الدولة لمصلحتهم، وأن تستخدم جزءا من حصيلة الضرائب العامة لرفع المعاناة عن الناس؟ الجانب التشريعي في هذا السياق يتمثل في ضرورة إلى إصدار تعديلات لقوانين المنافسة ومنع الاحتكار، وحماية المستهلك، والمواصفات الصناعية، والغش التجاري وغيرها.
2- يجب أن يقوم المجلس النيابي بالرقابة على السلطة التنفيذية بعد ما يقرب من خمس سنوات عاش فيها النظام السياسي ناقصا ضلعا من أضلاعه الأساسية. إن غياب البرلمان والمجالس المحلية أدى عمليا إلى استشراء الفساد في كل أجهزة الدولة. وحتى تتمكن السلطات المنتخبة من أداء دورها الرقابي، يجب إعداد وإصدار قانون لمحاسبة الوزراء ومن في حكمهم. كما يجب أيضا تعديل قانون الحكم المحلي في اتجاه تعميق اللا مركزية، وبحيث تصبح المجالس الشعبية المحلية لها سلطة فعلية وألا يقتصر دورها على كونها "سلطة استشارية" طبقا للقانون الساري حاليا وإنما يجب أن تحصل المجالس المحلية على سلطات حقيقية تتضمن الحق في تعديل الميزانية المحلية بما لا يخالف قانون الميزانية العامة للدولة، ومنح هذه المجالس حق محاسبة المسئولين، والحق في إقامة الدعوى العامة في قضايا المال العام والفساد.
3- البطالة هي إحدى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة في مصر، التي ارتبطت ببيع المصانع من خلال قوانين الخصخصة، ويزيد من حدتها إنها تتركز بين أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة، حتى وصلت معدلاتها الرسمية إلى أكثر من 13% حسب الأرقام الرسمية. ويحتاج القضاء على البطالة إلى تدخل الدولة مرة أخرى في الاقتصاد، من خلال عمليات تنموية وليس لمجرد إقامة مشروعات، بما في ذلك أولوية تشغيل المصانع العاطلة أو المتعثرة. إن خرافة ما يسمى "المستثمر الإستراتيجي" التي بشرنا بها نظام مبارك "أثبتت إنها كانت مجرد وسيلة للضحك على الناس، ولتخريب كل ما بناه المصريون من صرح صناعي منذ محمد علي وطلعت حرب وجمال عبد الناصر. وأقول بملء الفم: إن معدل البطالة لن ينخفض في مصر بصورة ملموسة إلا بتدخل الدولة في الاقتصاد مرة أخري، بطريقة تنموية حكيمة، بعيدا عن التسلط الإداري والفساد المؤسسي. وأقول هنا إن مجلس النواب الجديد يجب أن يصدر قانونا للتشغيل وتوفير فرص العمل يحشد ويعبئ موارد المصريين من أرض ومياه وأموال وخبرات تكنولوجية من أجل تقليل معدل البطالة إلى 5% على الأقل بنهاية فترته. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أهمية تشغيل المصانع العاطلة وحسن توزيع أراضي الدولة على الخريجين.
4- تعاني مصر من تلوث المياه والهواء والتربة الزراعية بمعدلات مفزعة. وأتعجب من أن وزارة البيئة لا تزال تصر على أن معدلات تلوث البيئة في مصر هي معدلات جيدة وأفضل بكثير من المتوسط العالمي. لقد بلغ تلوث مياه الشرب والري حدا خطيرا يهدد حياة المصريين بالفعل الذين تفشت بينهم أمراض الالتهاب الكبدي الفيروسي والفشل الكلوي والأورام الخبيثة. إن هذه الأمراض تتسبب في خسارة وطنية فادحة، لأن صحة الإنسان هي أغلى ما يملك، ولأن الإنسان المريض لن يكون أبدا قادرا على الإنتاج بالمعدلات العادية. إن حماية نهر النيل والبحيرات من التلوث وحماية الهواء والتربة الزراعية بما يكفل توفير بيئة صحية غذائية وتنفسية يمثل مهمة عاجلة أمام مجلس النواب المقبل. وسوف يتعين على المجلس أن يعد ويصدر التشريعات والقوانين الضرورية لضمان نظافة مياه الشرب والتربة الزراعية والهواء من التلوث. وعلى الرغم من أن العقوبات وفرض الغرامات على المخالفين تمثل وسيلة من وسائل الردع والعلاج، فإن إهمال الدولة لتوفير متطلبات حماية البيئة يمثل خطرا مؤسسيا خطيرا يهدد سلامة البيئة في مصر قبل أن نلجأ إلى تشديد العقوبات على إلقاء القاذورات في النيل أو حرق قش الأرز. وفي هذا السياق فإنني أشدد على ضرورة إصدار قانون بإنشاء وزارة لشؤون مياه النيل والبحيرات تكون مسئولة على تحقيق مستويات عالية من الحماية للبيئة المائية. كما تحتاج مصر إلى منظومة وطنية متكاملة لتدوير القمامة والمخلفات المنزلية والزراعية والصناعية والطبية، بما يقضي على احد أسباب انتشار الأمراض والأوبئة بين المصريين.
هذه باختصار هي المشكلات العاجلة الأربع التي سيتعين على مجلس النواب مواجهتها. وأعتقد أن ما غيرها يقع دونها في الأولوية مع أنه قد يزيد عنها أهمية من حيث النظرة الإستراتيجية.
ومن أجل تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة فإن العلاقة بين مجلس النواب وبين غيره من مؤسسات الدولة يجب أن تقوم على أسس التعاون وبناء الثقة بين السلطة التشريعية المنتخبة وبين السلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة. إن ما تحتاجه مصر في المرحلة الحالية هو تجنب الصدام السياسي بغرض تحقيق الدرجة الكافية من الاستقرار المطلوبة للتنمية ومواجهة التهديدات والأخطار الخارجية. إن هذا الحرص على التعاون وبناء الثقة يجب أن يكون متبادلا ويجب ألا يأتي على حساب مصالح الشعب، مصدر وأساس السيادة الوطنية.
وفي هذا السياق فإن مجلس نواب الشعب يجب أن يعمل على صياغة وإصدار عدد من القوانين التي تسهم في مكافحة الغلاء والفساد وتوفير فرص العمل وحماية البيئة. لكن احتياجات مصر في الأجلين المتوسط والطويل تتجاوز ذلك بكثير بما يساعد هذا البلد على النجاح في عدة اختبارات إستراتيجية واقتصادية وثقافية. ومن الاختبارات الاقتصادية المهمة التي يجب أن تتعاون زل سلطات الدولة على النجاح فيها اختبار "تحقيق الأمان الاجتماعي" واختبار "توفير السيولة المالية" واختبار "تقليص العجز التجاري" واختبار "القدرة التنافسية" واختبار "نظافة البيئة" واختبار "القضاء على الفقر" واختبار "إزالة العشوائيات"وغيرها. وفي هذا السياق فإنني أعتقد أن أولويات الأجندة التشريعية الاقتصادية يجب أن تتضمن ما يلي:
أولا: إصدار قانون عاجل ينص على إعفاء كل أنشطة الاستثمار في قطاعات الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر من الضرائب والرسوم الإدارية لمدة 5 سنوات من تاريخ بدء النشاط تحقيقا للعدالة وإسهاما في زيادة فرص العمل. وسوف ينص مشروع القانون أيضا على تبسيط إجراءات التسجيل الصناعي والتجاري وغيرها، بحيث لا تستغرق الإجراءات الإدارية والفنية اللازمة للتسجيل أكثر من 4 أسابيع كحد أقصى وإلغاء كل ما يخالف ذلك في القوانين المعمول بها حاليا.
ثانيا: تعديل قانون الضرائب برفع حد الإعفاء الضريبي للأشخاص إلى 24 ألف جنيه سنويا، وتعديل أسعار الضريبة بحيث يتم رفع الحد الأقصى على الضريبة من نسبته الحالية التي تبلغ 22.5% وذلك لأغراض توفير التمويل الكافي لتشغيل المصانع المتعثرة، وتطوير نظام التأمينات الاجتماعية. مع تطبيق نظام الضريبة التصاعدية داخل هذه الحدود. لقد انتهت عالميا أسطورة أن الضرائب المنخفضة تساعد على زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وحلت محلها نظرية تطهير أجهزة الدولة من الفساد وتوفير معايير الشفافية للأسواق.
ثالثا: العمل على إعداد وإصدار قانون بفرض ضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة تتراوح بين 2% إلى 5% على من تزيد ثروتهم المنتجة للدخل على 10 ملايين جنيه سنويا. على أن تستخدم حصيلة هذه الضريبة في إنشاء صندوق وطني لتشغيل المصانع العاطلة وإقامة استثمارات جديدة.
رابعا: إصدار قانون موحد للمعاشات والتأمينات الاجتماعية بما يضمن تجريم السطو على موارد المعاشات والتأمينات من جانب الدولة، ورفع الحد الأدنى للمعاشات إلى ما يعادل الحد الأدنى للدخل لكل المصريين الذين بلغوا سن التقاعد، أو غير القادرين على العمل بصرف النظر عن الجهة التي كانوا يعملون لديها أو النظام التأميني المسجلين لديه. إن من حق كل مصري في نهاية مدة خدمته لوطنه أن يحصل على معاش عادل، يصون كرامته ويكفي لتغطية احتياجاته.
خامسا: إلزام الدولة بالمشاركة في إنشاء مشروعات التنمية العامة وإقامة الاستثمارات وعدم التوقف عند شعارات بالية عفا عليها الزمن بأن تخرج الدولة من ميادين الاستثمار والإنتاج، وتعديل كافة التشريعات التي تحول دون مشاركة الدولة في الإنتاج والتنمية.
مرة ثانية، إن مصر في مفترق طرق.
ولا ينفع هنا منطق "ليس في الإمكان أبدع مما
كان" ولا سياسة "إحييني النهاردة وموّتني بكرة"! المهمة ثقيلة
والمسئولية كبيرة جدا.
*رئيس الوحدة الاقتصادية المركز العربي للبحوث والدراسات