المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

أبعاد مترابطة: التطورات المتلاحقة للأحداث الإرهابية في فرنسا

الإثنين 30/نوفمبر/2015 - 10:41 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم منشاوي
يأتي هذا المقال تكملة للمقال التحليلي السابق المنشور بموقع المركز العربي للبحوث والدراسات، الذي جاء تحت عنوان "تداعيات محتملة: الأحداث الإرهابية في فرنسا وقضايا الشرق الأوسط"، ليسلط الضوء على التداعيات والأبعاد المختلفة لهذه الأحداث على قضية مكافحة الإرهاب، وعلى الأوضاع السياسية الداخلية في كل من فرنسا ودول الاتحاد الأوربي.
    حيث انعكس الوضع الداخلي في باريس عقب تلك الأحداث على الحالة العامة في معظم الدول الأوربية، وقد كان لهذا دلالة واضحة على مستقبل الاتحاد الأوربي، حيث خلقت تلك الأحداث نوع من الترابط على الأقل على مستوى التصريحات الرسمية الأوربية، لكون تداعياتها ممتدة إلى كل المناطق والدول الأوربية. كما امتدت تأثيراتها لأبعد من حدود الاتحاد الأوربي، إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال تعزيز وضع مكافحة الإرهاب، واتخاذ عدد من الترتيبات في هذا الصدد مثل تحريك حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" للمشاركة في ضرب تنظيم داعش الإرهابي.

أصدر مجلس الأمن القرار 2249 والذي ينص على ضرورة تكثيف الدول جهودها وتنسيقها لمنع ووقف الأعمال الإرهابية التي يرتكبها داعش ومجموعات أخرى
أولا- داخليًا (على المستوى الفرنسي)
فقد اتخذت فرنسا عددا من الإجراءات عقب تفجيرات باريس، حيث أوقفت العمل مؤقتًا باتفاقية شنجن، وفرضت حالة الطوارئ، ولكن الحدث تطلب أمورًا أبعد من ذلك، حيث مس بصورة مباشرة صورة الدولة، لكونه حدثًا استثنائيًا ومتطورًا عن الأحداث الإرهابية السابقة.
•    مد حالة الطوارئ: حيث فرض الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، حالة الطوارئ عقب الأحداث مباشرة وفقًا لقانون الطوارئ الفرنسي الصادر عام 1955، والذي يحدد الحد الأقصى لفرض حالة الطوارئ بـ 12 يومًا. ونتيجة لرغبة الحكومة الفرنسية في مد حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، تم التوجه لمجلس للجمعية الوطنية "البرلمان الفرنسي" لمد حالة الطوارئ، حيث وافقت على مدها لثلاثة أشهر في 19 نوفمبر 2015. ويمنح قانون الطوارئ الفرنسي السلطات الأمنية صلاحيات استثنائية، مثل حظر التجوال، ومنع التجمعات، وتفتيش المارة بدون إذن، والرقابة على وسائل الإعلام. ويمكن القول في هذا الإطار إن الحكومة الفرنسية تنظر إلى أبعد من مد حالة الطوارئ، حيث تعتزم تعديل القانون برمته لكي يتواكب مع التغيرات المختلفة. وتثير مد حالة الطوارئ العديد من الشكوك حول موقف الدولة الفرنسية من الحقوق والحريات العامة، خاصة أن عددًا من النواب الفرنسيين أعربوا عن قلقهم من مد حالة الطوارئ، ومدى تأثير ذلك على الحقوق والحريات الشخصية في المجتمع الفرنسي.
•    طلب تعديل الدستور الفرنسي لمواجهة الإرهاب: ففي خطابه أمام البرلمان بغرفتيه طالب الرئيس الفرنسي ضرورة تعديل الدستور لمواجهة ما سمّاه "بالإرهاب الحربي"، ويتعلق التعديل المقترح بالمادة 36 من الدستور الفرنسي التي تتعلق بحالة الطوارئ. وطالب الرئيس الفرنسي بتعديلها لكي تتماشى مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. ومن الممكن أن يطال التعديل أيضًا المادة 16 من الدستور، التي تتعلق بالإجراءات الواجد اتخاذها عندما تتعرض البلاد لظروف استثنائية.
•    التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار أممي لمواجهة كل الكيانات الإرهابية: حيث توجهت باريس إلى مجلس الأمن من أجل العمل على توحيد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ولاستصدار قرار من المجلس ضد تنظيم داعش الإرهابي، وقد صوّت مجلس الأمن بالإجماع على مشروع القرار الفرنسي يوم الجمعة الموافق 20 نوفمبر 2015، وأصدر القرار 2249 والذي ينص على  ضرورة تكثيف الدول جهودها وتنسيقها لمنع ووقف الأعمال الإرهابية التي يرتكبها داعش ومجموعات أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة وجبهة النصرة. ومنع مواطنيها من الانضمام إلى داعش، وتجفيف مصادر تمويل الحركات المتشددة.
ثانيا- على مستوى القارة الأوربية
كذلك كانت للأحداث الإرهابية تداعياتها على الدول الأوربية، حيث تأتي تلك الأعمال مع ما تشهده القارة الأوربية من تدفق للاجئين السوريين، وبالتالي الربط بينهم وبين تلك الأحداث، وعدم قدرة الدول الأوربية من ناحية أخرى على استيعاب ودمج المسلمين في مجتمعاتهم. لذلك قام عدد من الدول باتخاذ مجموعة من التدابير لمواجهة تلك الأزمة.
•    إعلان حالة التأهب القصوى في بروكسل ببلجيكا: وذلك كنتيجة للربط بين أحداث باريس ومنفذي تلك الأحداث، حيث تم التخطيط لها في بروكسل من خلال بعض الأشخاص المسلمين البلجيكيين مثل عبد الحميد أباعود وهو بلجيكي من أصل مغربي. حيث أعلنت السلطات البلجيكية حالة التأهب القصوى في العاصمة بروكسل عند المستوى الرابع والذي يعني وجود تهديد جدي ووشيك، وقامت السلطات على إثره بعدد من المداهمات والاعتقالات لعدد من المشتبه فيهم، وصل عددهم إلى 16 معتقلًا، كما أغلقت المدارس ومحطات مترو الأنفاق. كما عممت حالة التأهب على كل الأقاليم الأخرى في الدولة، ولكن عند المستوى الثالث الذي يعني تهديدا محتملا.
ظهرت عدد من الدعوات من قبل الأحزاب اليمينية الأوربية بضرورة إعادة النظر في سياسات الهجرة وإيقاف تدفق اللاجئين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط وأفريقيا
•    التعزيزات الأمنية في الدول الأوربية: حيث ظهرت عدد من الدعوات من قبل الأحزاب اليمينية الأوربية بضرورة إعادة النظر في سياسات الهجرة وإيقاف تدفق اللاجئين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد كان لهذه الدعوات مردودها على بعض الدول الأوربية، حيث أغلقت بعض الدول حدودها في مواجهة اللاجئين مثل المجر والتشيك وسولوفاكيا وبولندا، في حين أعلن عدد من الدول الأخرى رفع حالة التأهب الأمني واتخاذ عدد من الإجراءات الأمنية ذات الطابع الوقائي مثل النمسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا. ومما يتعين الإشارة إليه في هذا الصدد أن الإجراءات والتدابير الأمنية التي تتخذها الدول الأوربية، إلى جانب تصاعد دور الأحزاب اليمينية، سيقود إلى التضييق على مسلمي أوربا، والتأثير على أوضاع اللاجئين القادميين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار تخوفت بعض المنظمات الدولية من تأثير تلك الإجراءات على أوضاع اللاجئين السوريين مثل منظمة اليونسييف، والتي انتقدت عملية إغلاق الحدود أمام اللاجئين السوريين.
•    استنفار همم بعض الدول الأوربية لاتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة الإرهاب: وقد اتضح هذا من خلال جانبين؛ الأول: تمثل في التحرك لفردي من قبل بعض الدول لمواجهة الإرهاب من خلال مجموعة من التعزيزات الأمنية السابق ذكرها، ولكن اتخذت الحالة البريطانية في هذا الصدد بعدًا آخر تمثل في لجوء رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى مجلس العموم البريطاني، للموافقة على مشروع قانون يخول الحكومة توجية ضربات جوية لتنظيم داعش في سوريا، وتعلل في ذلك بحماية الأمن القومي البريطاني من تهديد الجماعات الإرهابية، كما أعلن عن خطة من عشرة بنود لمواجهة الإرهاب اشتملت بعضها على غلق المؤسسات التعليمية التي تدعم التطرف، وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وتجفيف منابع تمويل وتدفق المقاتلين الأجانب. والثاني: اتضح في التحرك الثنائي، حيث اتفقت كل من بريطانيا والنمسا على تعزيز التعاون المشترك في سبيل مواجهة الإرهاب، ومعالجة أزمة اللاجئين على مستوى دول الاتحاد الأوربي، وقد حثا الطرفان الدول الأوربية على ضرورة التعاون المشترك في هذا المجال، حيث تكشف السياسات الأوربية المتبعة بعد أحداث باريس عن تباعد واضح في المواقف الأوربية، وعدم القدرة على تبني رؤية موحدة لمواجهة الإرهاب.
ثالثا- شرق أوسطيًا
    يعد التأثير الأبرز للأحداث الإرهابية في باريس، هو ذلك المتعلق بإقليم الشرق الأوسط، وخاصة على قضية مكافحة الإرهاب ومواجهة تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، وقد بوادر ذلك في عدد من الأمور مثل تعزيز الضربات الجوية على التنظيم.
•    تعزيز الضربات الجوية الفرنسية على تنظيم داعش الإرهابي في كل من العراق وسوريا: وقد ارتبط هذا التطور بدخول حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" الخدمة لمواجهة ذلك التنظيم، التي بدأت عملها ضد التنظيم يوم الإثنين الموافق 23 نوفمبر 2015، مما ممكن القوات الجوية الفرنسية من القدرة على تكثيف ضرباتها الجوية في سوريا والعراق ثلاثة أضعاف ما كانت عليه. كما كثفت باريس من تعاونها الاستخباراتي مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد مواقع التنظيم في سوريا والعراق لاستهدافها، والتنسيق بين الجهود المشتركة في سبيل مكافحة الإرهاب.
•    العمل على تطوير استراتيجية دولية موحدة لمكافحة الإرهاب: ومما يدلل على ذلك ما قامت به فرنسا من التوجه لمجلس الأمن "القرار 2249" الذي سبق الحديث عنه، فضلًا عن الجولات التي قام بها الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، بعد وقوع الأحداث، والتي شملت كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية. فعقب الأحداث الإرهابية في باريس وجه بوتين قادة الجيش بضرورة التنسيق مع الفرنسيين لمواجهة داعش، وهي خطوة غير مسبوقة خاصة مع كون فرنسا عضوًا في حلف شمال الأطلنطي، والخلاف في وجهات النظر حول مصير بشار الأسد، واستهداف المعارضة السورية المعتدلة. ومن الممكن القول هنا إن التحالفات الدولية من الممكن أن تتبدل في قادم الأيام في ضوء التهديدات الإرهابية المتصاعدة، والتحركات والتصريحات غير المسبوقة للدول الكبرى. ومما يدعم من تشكيل تحالف روسي- فرنسي في هذا الصدد، تقارب وجهات النظر بشأن مصير بشار الأسد، حيث تحدث لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، عن إمكانية مشاركة الجيش العربي السوري في الحرب على تنظيم داعش.
خلاصة القول؛ إن هناك أبعادا وتطورات جوهرية في مواقف الدول الأوربية والكبرى تجاه قضية الإرهاب بعد أحداث باريس، ولكن يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو القضاء الحاسم على منابع الإرهاب، واتخاذ إجراءات جادة لمنع تدفق الجهاديين، وتجفيف منابع تمويل الإرهابيين، ووجود رؤية دولية واضحة لمواجهة الإرهاب. ويكمن دور الدول العربية في هذا الإطار في الحفاظ على كيانها مع ضرورة الوقوف خلف رؤية عربية موحدة لمواجهة التطرف والإرهاب، وتطوير آليات جديدة في هذا المضمار، ولعل في إنشاء قوة عربية مشتركة، الذي سبق أن دعت له مصر، أملا غاليًا يتمناه كل مواطن عربي، لتدعيم وتوطيد أركان الدولة القومية العربية، والوقوف في وجه التهديدات القائمة والمحتملة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟