المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الصراع بين البربرية والحضارة (2)

الأحد 29/نوفمبر/2015 - 10:36 ص

استطاع تنظيم «داعش» الإرهابي مفاجأة العالم بثلاث وقائع بارزة. الواقعة الأولى أنه نجح في احتلال أراض شاسعة في سورية وامتدت ميليشياته إلى عمق العراق إلى أن وصلت إلى مدينة الموصل واحتلتها، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من بغداد عاصمة الدولة العراقية.

وبغض النظر عن أسباب نجاح تنظيم «داعش» في احتلال هذه المساحة الشاسعة التي تمتد من سورية إلى العراق، فإن نجاحاته المذهلة على الأرض هي التي سمحت لأبو بكر البغدادي أن يعلن قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وهذه كانت المفاجأة الثانية التي جعلت العالم يقف مدهوشاً من هذا الاندفاع «الداعشي»، والذي أدى إلى عقد تحالف دولي لمواجهة «دولة الخلافة» الناشئة، يضم عشرات الدول، غير أنه في الممارسة تبين أن اقتصار المواجهة على الضربات الجوية لم يكن فعالاً بالمقدار الكافي، إضافة إلى الموقف الأميركي المتخاذل والذي عبرت عنه تصريحات الرئيس أوباما من أن الولايات المتحدة الأميركية لن تستطيع مواجهة «داعش» برياً.

وربما كان هذا الموقف هو الذي دفع بالرئيس بوتين إلى أن ينظم حملة عسكرية بالغة القوة ضمت سلاح الطيران الذي ضرب عصابات «داعش» الإرهابية ضربات موجعة، إضافة إلى سلاح البحرية الذي يلعب في المواجهة دوراً رئيساً.

وإذا أردنا أن نشير إلى المفاجأة الثالثة التي واجه بها تنظيم «داعش» أو «دولة الخلافة الإسلامية» العالم فإنها تتمثل في «البربرية» التي يمارسها «الداعشيون»، والتي تمثلت أساساً – إضافة إلى تطبيق سياسات التطهير العرقي في بعض المناطق - في سياسة ذبح الرهائن أو إحراقهم علناً أو إغراقهم وتوثيق ذلك بالصور التي تشاهد على الشبكات العالمية.

وقد حار المراقبون في تفسير هذا السلوك البربري الذي يرتد بممارسات الحروب إلى القرون الوسطى، وقيل في تفسير حرص تنظيم «داعش» على بث الأشرطة المصورة المتعلقة بالذبح والحرق والإغراق أن الغرض من ذلك هو بث الخوف والفزع في نفوس المشاهدين، سواء كانوا عرباً أو مسلمين أو حتى أجانب، لإظهار القوة الهائلة التي يمتلكها «داعش» وعدم خشية قادة التنظيم الإرهابيين من عقاب الدول التي تم ذبح رهائنها أو إحراقهم أو إغراقهم.

غير أن هذا التفسير، على رغم وجاهته الظاهرة، ليس مقنعاً لأن هذه المناظر المشهدية المعروضة على العالم تعتبر في الواقع جرائم حرب مكتملة الأركان.

وقد أدركت بعد البحث المتعمق سر السلوك البربري «الداعشي» حين اطلعت على كتاب ألفه أحد منظري تنظيم «القاعدة» هو أبو بكر ناجي وعنوانه المثير «إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة». ومما هو جدير بالذكر أن أبو بكر ناجي هو اسم حركي لهذا المنظّر الإرهابي واسمه الحقيقي هو محمد خليل الحواكمة، وقد قُتل سنة 2008. والكتاب الذي تحت أيدينا، والذي صورناه من شبكة الإنترنت هو في الواقع موجز للكتاب الأصلي والذي كتب بالعربية. وهو صادر عن «مركز الدراسات والبحوث الإسلامية» ومن دون إشارة كافية إلى كنه هذا المركز أو موقعه.

2

يلفت النظر في مقدمة الكتاب أن المؤلف عني بتصنيف تيارات الحركة الإسلامية. ويقرر «أن من كل تيارات الحركة الإسلامية لم يضع مشاريع مكتوبة إلا خمسة تيارات. فبعد إخراج تيار «التبليغ والدعوة» وتيار «سلفية التصفية والتربية» (السلفية الصوفية) وتيار «سلفية ولاة الأمر» سنجد أن التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة وتصلح للنقاش لما لها من واقع عملي هي خمسة تيارات:

تيار السلفية الجهادية وتيار سلفية الصحوة وتيار الإخوان وتيار إخوان التراب وتيار الجهاد الشعبي.

وأبو بكر ناجي ينتقد «الإخوان المسلمين» بعنف شديد.

وسنتجاوز نقده باقي التيارات الإسلامية لكي نركز على توصيف أبو بكر ناجي لدراسته التي ضمنها الكتاب.

يقول: «هذه الدراسة الموسومة بـ «إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» عبارة عن خطوط عريضة لا تعنى بالتفاصيل وإنما تترك التفاصيل لفريقين، فريق «المتخصصين» في الفنون التي تتحدث عنها الدراسة وفريق «قيادات الواقع» في مناطق إدارة التوحش. ويستطرد «إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة – بإذن الله - هي المعبر إلى دولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة، وإذا أخفقنا - أعاذنا الله من ذلك - لا يعني ذلك انتهاء الأمر ولكن هذا الإخفاق سيؤدي إلى مزيد من التوحش».

وسنعتمد أساساً في تعريف إدارة التوحش على عبارات أبو بكر ناجي بنصها لأهميتها البالغة، والتي يتبين منها أن إدارة التوحش في نظره «هي نظام متميز من أنظمة الحكم وليس هناك ما يدعو إلى استنكاره أو نقده لأنه يعبر عن مرحلة أساسية لا بد أن يمر بها المسلمون تمهيداً لإقامة دولة الخلافة الإسلامية».

يقول أبو بكر ناجي وأنا أقتطف من عباراته مع الاعتذار عن طول الاقتباس: «قلنا فيما سبق أن المتأمل في القرون السابقة وحتى منتصف القرن العشرين يجد أنه عند سقوط الدول الكبرى أو الإمبراطوريات – سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية - ولم تتمكن دولة مكافئة في القوة أو مقاربة للدولة السابقة من السيطرة على أراض ومناطق تلك الدولة التي انهارت تتحول بالفطرة البشرية مناطق وقطاعات هذه الدولة للخضوع تحت ما يسمى إدارات التوحش... لذلك، نعرف إدارة التوحش باختصار شديد بأنها: إدارة الفوضى المتوحشة»!

أما التعريف بالتفصيل فهو يختلف تبعاً لأهداف أفراد هذه الإدارة وطبيعتهم، فلو تخيلناها في صورتها الأولية نجدها تتمثل في: إدارة حاجيات الناس من توفير الطعام والعلاج، وحفظ الأمن والقضاء بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش وتأمين الحدود من خلال مجموعات الردع لكل من يحاول الاعتداء على مناطق التوحش، إضافة إلى إقامة تحصينات دفاعية.

وقد ترتقي إدارة احتياجات الناس من طعام وعلاج إلى تحمل مسؤولية تقديم خدمات مثل التعليم ونحو ذلك، وقد يرتقي حفظ الأمن وتأمين الحدود إلى العمل على توسيع منطقة التوحش.

ويتساءل أبو بكر ناجي: لماذا أطلقنا عليها «إدارة التوحش» أو «إدارة الفوضى المتوحشة» ولم نطلق عليها «إدارة الفوضى»؟

«ذلك لأنها ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني الفوضى أو مجموعة من الجيران في حي أو منطقة سكنية أو حتى مجتمعاً مسالماً يعاني من الفوضى، ولكن طبقاً لعالمنا المعاصر وللسوابق التاريخية الماثلة وفي ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية وفي ظل الصورة التي نتوقعها في هذا البحث يكون الأمر أعم من الفوضى. بل إن منطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان... منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية يتعطش أهلها الأخيار منهم، بل وعقلاء الأشرار لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخياراً كانوا أو أشراراً إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش»!

الصورة المثالية لمهمات إدارة التوحش كما يراها أبو بكر ناجي:

هي نشر الأمن الداخلي، وتأمين منطقة التوحش من غارات الأعداء وإقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش، ورفع المستوى الإيماني، ورفع الكفاءة القتالية أثناء تدريب شباب منطقة التوحش، وإنشاء المجتمع المقاتل بكل فئاته وأفراده من طريق التوعية بأهمية ذلك، والعمل على بث العلم الشرعي (الأهم فالمهم) والدنيوي (الأهم فالمهم) وبث العيون واستكمال بناء إنشاء جهاز الاستخبارات المصغر، وتأليف قلوب أهل الدنيا بشيء من المال والدنيا بضابط شرعي وقواعد معلنة بين أفراد الإدارة على الأقل، وردع المنافقين بالحجة وغيرها وإجبارهم على كبت وكتم نفاقهم وعدم إعلان آرائهم المثبطة ومن ثم مراعاة المطاعين منهم حتى يُكف شرهم.

- الترقي حتى تتحقق إمكانية التوسع والقدرة على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة.

- إقامة التحالفات مع من يجوز التحالف معه ممن لم يعط الولاء الكامل لإدارة التوحش.

هذه هي الخطوط العريضة للتنظير الإرهابي لنمط «الخلافة الإسلامية الداعشية»، والذي استبق قيام هذه الخلافة فعلاً، ما يبين أن الفكر التكفيري له مخططات إرهابية متكاملة سعياً وراء استرداد حلم الخلافة الإسلامية!

  

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟