المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

صناعة المستقبل: قراءة في تقارير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية (2-2)

الإثنين 23/نوفمبر/2015 - 10:55 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي
يبدو أن حلم السلطنة العثمانية، الذي كنا نراه طموحا ذاتيا لرجب طيب أردوغان، لم يكن سوى نمط من الخلافة الإسلامية على الطريقة الغربية، صنعته دوائر الاستخبارات الأمريكية، في إطار رسمها لمستقبل المنطقة، وفي هذا المقال نستكمل قراءتنا المختصرة في تقارير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي، مركزين على في منطق الاهتمام الفائق بالمنظمات غير الحكومية، وتعاطي الغرب مع حلم الخلافة الإسلامية لدى قوى الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة.
مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي، استفاد من شبكة واسعة من الخبراء والأكاديميين من أرجاء العالم، معتمدًا على المنظمات المدنية غير الحكومية، في إجراء الدراسات والبحوث ميدانية النوع
أولا: الاهتمام فائق الحد بالمنظمات غير الحكومية
يتضح من التقارير الخمسة التي صدرت حتى الآن، أن مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي (NIC)، استفاد من شبكة واسعة من الخبراء والأكاديميين والصحفيين، من أرجاء العالم، معتمدا على  المنظمات المدنية غير الحكومية، في إجراء الدراسات والبحوث ميدانية النوعية التي يحتاجها التقرير للإجابة عن بعض الأسئلة، في مجالات الصحة والتعليم والبيئة والاقتصاد. وقد شارك في تقرير2020 الذي نحن بصدده في هذا المقال أكثر من ألف خبير، وأشارت صفحة العنوان بوضوح، إلى أن التقرير يعتمد على خبراء المنظمات غير الحكومية في كل أرجاء العالم.
كل القوى الكبرى، تستخدم هذه المنظمات، بطريقة متشابهة: فهذه القوى تنشر على مستوى العالم، مؤسسات بحثية وتنموية وحقوقية، تقوم بتمويلها ورسم سياساتها العامة، وتتفاعل هذه المؤسسات مع منظمات مدنية غير حكومية في البلدان المختلفة، فتحقق فوائد مرجوة للتنمية المحلية، كما توفر للدولة المانحة فرصة كبيرة لفهم هذا الجزء من العالم، والحصول على معارف موثوقة يمكن الاستفادة منها في رسم السياسيات الخارجية لهذه القوى الكبرى.
وغالبا ما يتم توجيه العمل داخل المنظمات المحلية في الاتجاه الذي يناسب ويتسق مع السياسات المرسومة والداعمة للبلدان الممولة للمشروعات التنموية المختلفة. وهذا هو المسار الإجباري الذي تسير فيه المنظمات غير الحكومية في البلدان الفقيرة، دون أن نصدر على الفاعلين المحليين داخل هذه المنظمات أحكام واتهامات لا معنى لها، ودون أن ننزه بعضهم عن الخطأ في ذات الوقت.
وبما أن هذه المنظمات قد أصبحت في الربع قرن الأخير، هي المصدر الموثوق للمعرفة متعددة الأبعاد حول ظاهرة من الظواهر، فإنه ليس من المتصور أن يستغني الفاعلون الكبار عن دور هذه المنظمات، ومن هنا يمكن أن نفهم أمرين: (1) المطالبات المتكررة من أقطاب النظام العالمي، بدمج هذه المنظمات في دائرة صنع القرار المحلي. (2) الهجوم الشرس الذي تشنه الدول الكبرى على البلدان المغلوبة على أمرها، في حال التضييق على عمل هذه المنظمات، أو ملاحقة الكوادر العاملة بها. وهو غضب مفهوم ومبرر، لأن التضييق أو وقف نشاط هذه المنظمات، معناه أن هناك أموالا كبيرة قد أهدرت بلا مقابل، وأن أسئلة كبيرة بقيت دون إجابة.
وجملة القول، إن الاهتمام الفائق الحد بالمنظمات المدنية غير الحكومية، لا بسبب أن هذه القوى الكبرى تسعى للحفاظ على القيم الديمقراطية العالمية، أو تحرص على دعم خطط التنمية الشاملة في البلدان التي تواجه صعوبات متنوعة، ولكن بسبب أن هذه المنظمات هي المورد الأهم للمعلومات والتحليلات والدراسات حول المجتمع، التي تتيح للقوى الكبرى فهم أوضاع العالم، والتنبؤ بمساراته، ثم تعزيز المسارات المحققة لمصلحة كل قوى على حدة.
ترى الولايات المتحدة أن استخدام سلاح الإسلام السياسي سوف يجعل المنطقة واحدة من أكثر مناطق العالم توترا في المستقبل المنظور
ثانيا: الإسلام السياسي والإرهاب في تقرير2020
ذكرنا في المقال السابق، أن الولايات المتحدة ترى، وفقا لما جاء في تقرير2010، أن استخدام سلاح الإسلام السياسي سوف يجعل المنطقة واحدة من أكثر مناطق العالم توترا في المستقبل المنظور. وفي التقارير التالية، استمر معدو التقرير في تعزيز هذا الاحتمال. حيث يذهب تقرير 2020، إلى أن تأثير الإسلام السياسي سوف يتجاوز الحدود القطرية أو الوطنية، ويمارس تأثيرا عالميا، ويمكن أن يظهر للوجود في المستقبل المنظور، كيانات جديدة لا تعترف بهذه الحدود. ويورد التقرير نفس العوامل التي بشر بها في تقرير2010، التي أدت إلى هذا الصعود، كالانفجار السكاني، والتركيبة الديموغرافية الشابة، وتدني الأحوال الاقتصادية، وانتشار التعليم الديني المتزمت، والجمعيات الأهلية الدينية، وزيادة الأنشطة التجارية التي تتبع مرجعية الاقتصاد الإسلامي.
 كما يذهب التقرير أن التأثير المتزايد للإسلام السياسي، لن يمثل ضغطا على الأنظمة الاستبدادية القائمة في الشرق الأوسط فحسب، ولكنه قد يؤثر على الديمقراطيات الجديدة الناشئة في المنطقة، ويحول دون تطويرها أو حتى بقائها على قيد الحياة.
وخارج حدود الشرق الأوسط، سوف تؤدي عولمة الاتصال إلى نمو مطرد في التوجهات الراديكالية الإسلامية، وتزايد العمليات الإرهابية – كما ونوعا- داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط.
ومن الأهمية الإشارة إلى التنبؤ التالي: يتوقع التقرير أن يختفي تنظيم القاعدة في 2020، وتحل محله جماعات متطرفة أخرى. تستطيع استثمار وسائل الاتصال الحديثة، في تجنيد الكوادر وتدريبهم وقيادتهم بطريقة لا مركزية واسعة النطاق في تنفيذ عمليات نوعية مؤثرة على مستوى العالم. ولاحظ وضوح الفكرة بتفاصيلها قبل أن تظهر نوايا أبو مصعب الزرقاوي في الانفصال عن تنظيم القاعدة. ويذهب التقرير إلى أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تساند الجماعات الإسلامية الإصلاحية المعتدلة لتي لا تدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة.
يذهب التقرير إلى أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تساند الجماعات الإسلامية الإصلاحية المعتدلة لتي لا تدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة
ثالثا: الخلافة الإسلامية على الطريقة الأمريكية
يذهب التقرير، كما ذكرنا، إلى احتمال اعلان دولة الخلافة على أيدي المتطرفين، والتي ستكون في حالة  عداء صريح مع القيم والمعايير الغربية التي قام على أساسها النظام العالمي الحديث، ومكمن الخطورة من وجهة نظر التقرير، أن الخليفة في هذا النظام، يستطيع أن يحشد أتباعه في أي مكان في العالم، بما يمتلكه من سلطتين روحية وزمنية في آن واحد.
ويتضح مما سبق، أن كلا من الولايات المتحدة والغرب بالضرورة، لديهما مخاوف كبيرة من أمرين: (1) النمو المطرد في ظاهرة الإرهاب على مستوى العالم (2) احتمال نشأة كيان دولة الخلافة الإسلامية العابر للدولة والقوميات، وهو ما حدث بالفعل على نحو تدريجي بعد التدخل الأمريكي في العراق، إلى أن أعلن أبوبكر البغدادي قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام عام 2013.
وفيما يتعلق بأول المخاوف، فقد اتخذت الولايات المتحدة – ومعها الغرب بطبيعة الحال- قرارها الإستراتيجي بدعم التيارات الإسلامية، وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين وشقيقاتها، التي ترى أنها معتدلة مقابل الجماعات الإرهابية والمتطرفة. وقد ارتكبت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين بهذا التصور خطأين إستراتيجيين: الأول يتأسس على افتراض أن القوى السياسية الإسلامية تمتلك النفوذ الطاغي في الشارع العربي، وتفسير حالة الغضب واليأس والإحباط الجماهيري، على أنه ميل تلقائي لنموذج الدولة الإسلامية. رغم أن للولايات المتحدة والغرب دورهما المتواطئ في دعم الأنظمة السلطوية والاستبدادية التي أججت الغضب العربي. ويتمثل الخطأ الثاني، في أن الولايات المتحدة والغرب، يتوهمان أن الحدود واضحة ومميزة بين التيارات المعتدلة والتيارات المتطرفة، وقد ثبت خطأ هذا الزعم، بالممارسة العملية، في تونس وليبيا ومصر، حينما ارتبطت التنظيمات السلفية المتطرفة بالتيارات المزعومة بالمعتدلة، بعلاقات تنسيق وعمل مشترك ضد الآخر العلماني داخل هذه المجتمعات.
أما ما يتعلق باحتمال نشأة كيان دولة الخلافة، على أيدي الجماعات المتطرفة، فالمرجح أن الولايات المتحدة، أرادت أن تفسد هذه الطبخة على الجماعات المتطرفة، بأن تُنْشِئ هي كيانا رمزيا للخلافة يجتمع حوله المسلمون، شريطة أن يكون على رأس هذا الكيان قوة إقليمية موالية للغرب، وتؤمن بالقيم والمعايير الغربية، ولا تتوفر هذه الشروط إلا في تركيا، فهي دولة علمانية، حزبها الحاكم يمتلك رؤية إسلامية معتدلة، وهي عضو في حلف الناتو، ولا تزال تطمح أن تكون جزءا من الاتحاد الأوربي.
وعلى الولايات المتحدة وحلفائها إنفاذا لهذه الخلافة العثمانية الجديدة، أن تقنع الأنظمة العربية بالانضواء تحت لواء تركيا. وكان واضحا بجلاء في أعقاب اندلاع هبات الربيع العربي، أن التركيز والدعم الإعلامي واللوجستي موجه للتيارات الاسلامية المختارة للعب الدور الجديد دون غيرها، كما بدا واضحا أن الآلة الإعلامية العربية الموالية، وعلى رأسها قناة الجزيرة، تلبس أردوغان حُلة السلطنة، وتربطه ربطا وثيقا بكل الأحداث والمستجدات في بلدان الربيع العربي. وبالفعل اتجهت الأمور صوب إنفاذ هذا السيناريو في مصر وتونس وليبيا. إلى أن حدثت ثورة 30 يونيه التي قلبت الأمور رأسا على عقب. ومن هنا يمكن فهم الموقف الأمريكي والغربي والتركي الرافض لهذه الثورة، واعتبارها انقلابا على الديمقراطية.
وفي أعقاب الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، أصبحت لدينا ثلاث خلافات دفعة واحدة، خلافة البغدادي، خلافة العالم الشيعي في إيران، وخلافة العالم السني في تركيا. وبدا من تواتر الأحداث في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، أن الغرب ربما يبحث عن صيغة جديدة تسمح بالتعامل مع أنظمة الخلافة الثلاث، بما فيها خلافة البغدادي، فالبعض أصبح يتحدث عن إمكانية الاعتراف بدولة داعش في غضون عشر سنوات قادمة.
لكن بعد أحداث باريس الأخيرة، وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا الأبرياء، يبدو أن الولايات المتحدة والغرب والعالم، صاروا على يقين بأن منطقة الشرق الأوسط، قد تشبعت بالكراهية واستنفذ جميع الأطراف في المنطقة طاقتهم العدائية تجاه الآخر الديني والطائفي والعرقي، وأن الفترة القادمة سوف تشهد فيضان العنف من بركان الغضب الشرق أوسطي إلى المحيط العالمي.
القراءة في هذه التقارير ومثيلاتها، تجعلنا أكثر قربا من الواقع، وأكثر إمساكا بالمستقبل الذي يجري تشكيله، رغما عن إرادة العرب، والدعوة متجددة للباحثين إلى الاهتمام بهذا النوع من القراءة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟