المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

المواجهة المأزومة: قراءة في خريطة المرشحين على المقاعد الفردية

السبت 21/نوفمبر/2015 - 12:16 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.يسرى العزباوى
إن المرحلة الثانية للعملية الانتخابية مختلفة كلية عن المرحلة الأولى، من حيث: أولاً: أداء المرشحين، أحزابًا أو مستقلين، الذين يحاولون بكل جهد حشد الناخبين من أجل ليس فقط التصويت لصالحهم ولكن للمشاركة التصويتية عن طريق استمالتهم بطرق وأدوات مختلفة، وإن كانت تقليدية، مثل تكثيف اللقاءات المباشرة والجولات الميدانية وعقد المؤتمرات الانتخابية، فضلا عن استخدام «دبلوماسية العزاء أو الأفراح»، وتقديم بعض الخدمات المباشرة للناخبين كما لو أنها عربون انتخابى.
 ثانيًا: الأداء الإعلامى، حيث تحاول بعض القنوات الفضائية أن تقدم تغطية مغايرة عن المرحلة الأولى، وذلك من خلال شرح طبيعة النظام الانتخابي، وعدد الدوائر، واستضافة عدد أكبر من المرشحين من دوائر بها تنافس قوي. وفى الوقت ذاته، مازالت بعض القنوات بعيدة تماما عن عملية الموضوعية، وبها توجيه لصالح مرشحين بذاتهم وأحزاب بعينها، ولم تحاول الاقتراب من المهنية أو الموضوعية.
ثالثًا: أداء الحكومة، التى قامت بعمل بعض المبادرات من أجل رفع الوعى الانتخابى وحث الناخبين على المشاركة واختيار المرشح الأفضل، والذى يكون أهلا لتمثيل الدائرة فى البرلمان.
رابعًا: قامت بعض مؤسسات المجتمع المدنى أيضا بدور، وإن كان مازال ضعيفًا، فى توعية الناخبين بأهمية المشاركة، ووضعت مجموعة من المواصفات والمؤهلات التى يمكن من خلالها اختيار المرشح المناسب.

قامت الحكومة بعمل بعض المبادرات من أجل رفع الوعى الانتخابى وحث الناخبين على المشاركة واختيار المرشح الأفضل، والذى يكون أهلا لتمثيل الدائرة فى البرلمان.
أولا- ظواهر انتخابية مستمرة

تضرب ظاهرة المستقلين داخل البرلمان بجذورها إلى تاريخ نشأة مجلس شورى النواب فى عهد إسماعيل باشا، واستمرت الظاهرة فى الوجود حتى ثورة 23 يوليو 1952 التى اعتمدت على التنظيم السياسى الواحد: هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكي، ولكنها سرعان ما عادت الظاهرة إلى الوجود مرة ثانية مع سياسة الانفتاح التى اتبعها الرئيس السادات فى عام 1976. وقد أخذت ظاهرة المستقلين فى التعاظم حتى مع وجود حزب واحد مسيطر على المشهد السياسى منذ ذلك الوقت حتى الآن، ماعدا الدورة التشريعية لعام 1984 التى طبق فيها نظام القائمة النسبية المشروطة، والتى اقتصر فيها الترشيح على ممثلى الأحزاب فقط دون المستقلين.
ومن الأهمية القول، ترجع تعاظم ظاهرة المستقلين فى البرلمان المصرى إلى جملة من العوامل، يأتى على رأسها: أولا: الأحزاب السياسية، التى لم تستطع أن تقوم بوظيفتها الأساسية، وهى تربية كوادر بشرية مدربة ومؤهلة على خوض العملية الانتخابية، التى أصبحت مهنة وحرفة مثل باقى الحرف، والتى بحاجة ليس فقط للمال، كما يدعى البعض، ولكن إلى مواصفات وقدرات شخصية ومؤسسية خاصة.
وبدلاً من أن يعترف قادة الأحزاب بهذا الخطأ الذى ارتكبوه فى حق مؤسساتهم، ادخلوا نظام «الاحتراف» فى العملية الانتخابية، حيث اعتمدوا على شراء مرشحين أكثر جاهزية وخبرة فى الممارسات الانتخابية، وذلك بغض الطرف عما إذا كانوا منتمين للحزب الوطنى السابق أم لا: وبالتالى، اعتبر قادة الأحزاب أن الانتخابات، هى بمثابة «مباراة صفرية» لا يوجد بها بدائل أخرى عن الفوز بالمقعد، وبذلك نسوا متعمدين على أن العملية الانتخابية هى فرصة لتربية كوادر جديدة، وهى فرصة لنشر مبادئ الحزب بالأساس مع الفوز بعدد من المقاعد بالتأكيد.
ثانيًا: طبيعة الناخب المصري: الذى استعصى على التغيير، وبحاجة دومًا إلى التوجيه أو الحشد للتصويت لصالح حزب ما أو مرشح. فالناخب يسعى دومًا لتحقيق منفعة أو مصلحة ضيقة من العمليات الانتخابية، ولم يبحث قط عن الأفضل أو الأكفأ، ولم يكبد نفسه عبء البحث عن مرشحين ذوى صفات محددة. وقد رأينا جميعًا الشكوى من الناخبين على زيادة عدد المرشحين فى الجولة الأولى، على الرغم من أنه لا يوجد فى القانون أو الدستور ما يمنع أى مواطن من الترشح. كما أن زيادة عدد المرشحين هو ميزة لفتح الباب على مصراعيه لتعدد الاختيارات أمام الناخبين، ولكن العكس هو الذى حدث.
ثالثًا: منطق الوراثة البرلمانية، حيث اعتبرت بعض العائلات ذات النفوذ المالى والسياسى أن مسألة العضوية داخل البرلمان هى مسألة حق مكتسب لا يمكن التخلى عنه، وبالتالى ظهر التصويت العائلى والقبلى على حساب الكفاءة، وهو ما حرم البرلمان المصرى العديد من الكفاءات التشريعية أو السياسية التى خاضت الانتخابات ولم تستطع الوصول إلى البرلمان.
ورابعًا: النظام الانتخابي، حيث يؤكد البعض أن النظام الفردى أدى إلى تعظيم ظاهرة المستقلين، وهو رأى يحترم ولكنه بحاجة إلى مراجعة مرة ثانية فى ضوء نتائج المرحلة الأولى على الأقل، التى حصلت فيها الأحزاب على 108 مقاعد مقابل 105 مقاعد للمستقلين، فى مقابل حصول المستقلين على 41 مقعدًا على القوائم مقابل 19 للمنتمين للأحزاب. وبالتالى نستطيع القول إن النظام الانتخابى ليس هو السبب الأساسى فى تعاظم ظاهرة المستقلين فى البرلمانات المصرية بدليل أن أغلبهم انتمى فيما بعد إلى الهيئة البرلمانية للحزب الوطني، فعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد انضم أكثر من 56 عضوًا للحزب الوطنى المنحل فى انتخابات 2005.
ثانيا- تنافس حزبي قوى
إن خريطة المرشحين المستقلين فى المرحلة الثانية لم تتغير عن سابقتها، حيث ينقسم المستقلون فى هذه الجولة إلى فئات مختلفة، ويأتى على رأسهم المرشحون الحزبيون على المقاعد الفردية، حيث يخوض عدد من الأحزاب سباق التنافس مع المستقلين على المقاعد الفردية، ويأتى فى مقدمتهم حزب المصريين الأحرار الذى يخوض بعدد كبير من المرشحين فى أغلب الدوائر الانتخابية، خاصة فى العاصمة، فضلاً عن نصف المقاعد تقريبًا فى محافظات المرحلة الثانية. وهو ما يضمن له أن يظل فى مقدمة الأحزاب داخل البرلمان. ويأتى بعده حزب مستقبل وطن، الذى اعتمد، مثله مثل المصريين الأحرار والشعب الجمهورى وغيرهم، على أعضاء الحزب الوطنى المنحل أو أبنائهم، مما وفر لهم فرصا كبيرة فى الفوز بعدد مقبول بالنسبة لهم من المقاعد داخل البرلمان.
أما حزب الوفد، فيخوض بالعدد الأكبر من مرشحيه فى هذه المرحلة، ويعتقد انه يستطيع أن يعدل فى النتائج، وأن يقلل الفارق بينه وبين الأحزاب صاحبة المراكز الأولى، خاصة أن امتدادات الحزب وشعبيته فى محافظات هذه المرحلة حيث عائلات الوفد التاريخية والتى تتمتع بشعبية وتاريخ سياسى حافل. فى حين يوجد حوالى 80 مرشحًا لحزب النور منتشرين فى محافظات المرحلة الثانية.
واللافت هنا، عدم تركيز حزب النور على مرشحيه من القائمة مقابل المرشحين على المقاعد الفردية، حيث لم نرى لافتة انتخابية واحدة لقائمة الحزب مقابل دعاية متواضعة للمرشحين على المقاعد الفردية، ويعتمد الحزب على التواصل المباشر مع الناخبين. ولكن اللافت، أن الحزب يدخل المرحلة الثانية، وهو أقل حماسًا بعد خسارته فى المرحلة الأولى، التى يتركز فيها مناطق شعبيته ونفوذه، خاصة فى الإسكندرية والبحيرة.
أما أحزاب اليسار، والتجمع والتحالف الشعبى الاشتراكى والاشتراكى المصري، فتخوض هذه الجولة ولديها 19 مرشحًا، وبالتالى فإن فرصها فى الفوز محدودة للغاية، وذلك بسبب قلة جاذبية الخطاب اليسارى للناخب المصري، وضعف الدعاية الانتحابية، والانقسام والتشرذم بين أحزابه. وهو أمر بحاجة إلى إعادة مراجعة من قادة هذه الأحزاب. أما أحزاب اليسار الوسط، مثل حزب الديمقراطى الاجتماعي، فربما يكون الحصان الأسود فى هذه المرحلة، لأنه يمتلك فيها عددا أكبر من المرشحين الذين يمتلكون الخبرة الانتخابية، فضلاً عن أن بعضهم كان ممثلاً فى البرلمان السابق.
ونافلة القول، فإن الأحزاب التى فازت بعدد محدود من المقاعد فى محافظات المرحلة الأولى ستحاول تعويض أو تعظيم تمثيلها فى هذه المرحلة، ومن هذه الأحزاب حزب الجبهة المصرية والمؤتمر ومصر الحديثة وحماة وطن والسلام الديمقراطي..إلخ. كما ربما نجد تمثيلا، ربما بمقعد أو مقعدين، لأحزاب لم تفز فى المرحلة الأولى.
إن الأحزاب التى فازت بعدد محدود من المقاعد فى محافظات المرحلة الأولى ستحاول تعويض أو تعظيم تمثيلها فى المرحلة الثانية
ثالثا- مرشحى الحزب الوطنى المنحل
لا يوجد فى الدستور أو القانون ما يمنع الأعضاء السابقين للحزب الوطنى المنحل من خوض العملية الانتخابية، بل على العكس، يخوضون هذه الانتخابات وهم فى موقف قوي، وذلك لعدة أسباب من بينها.. أولا: السباق بين الأحزاب على ضمهم لقوائمهم، حيث سعت إليهم أغلب الأحزاب الجديدة والقديمة، على حد سواء، على تقديم مزايا وإغراءات مادية لهم، وبالتالى كانت أمامهم فرص كبيرة للاختيار بين أحزاب متعددة الأيديولوجية أو المرجعية السياسية، وإن كان بعضها مؤسس من قبل أعضاء سابقين فى الوطنى أيضًا. ثانيًا: قيام عدد كبير من رؤساء الأحزاب، مثل نجيب ساويرس والسيد البدوى وغيرهم، بالدفاع عنهم، خاصة أن أغلبهم لم يوجه له أية اتهامات جنائية. ثالثًا: فشل نخبة ما بعد 25 يناير و30 يونيو فى تقديم بدائل جديد من كوادر قادرة على الحشد والتعبئة الجماهيرية، خاصة مع فشل كل محاولات التحالفات الانتخابية بينهم.
وبالتالى، انتقل نواب الوطنى السابقين من منطقة الدفاع إلى منطقة الهجوم على كل التيارات التى جاءت بعد الثورة، والتى لم تقدم رؤى حقيقية لما يجب أن تكون عليه الدولة المصرية، فضلاً عن فشلها فى إدارة ما اسند إليها من مؤسسات، مع موجات إرهابية ضربت الدولة المصرية التى اهتزت أركانها لأول مرة منذ ثورة يوليو. وبناء على ما سبق، فتح الباب على مصراعيه أمام عودة المنتمين للوطني، فلا توجد دائرة انتخابية واحدة فى محافظات المرحلة الثانية إلا وبها مرشح كان ينتمى فى السابق للحزب الوطني، سواء فى البرلمان أو فى المجالس الشعبية المحلية.
رابعاً- انتخابات الجنرالات
إحدى الظواهر اللافتة للنظر فى هذه الانتخابات هو تعاظم عدد المرشحين من العاملين السابقين فى المؤسسة العسكرية أو الأجهزة الشرطية المختلفة، ومع إقرارنا الكامل بأنه لا يوجد ما يمنع من ترشحهم فى القانون والدستور، إلا أن هذا العدد الكبير لم يحدث من قبل فى تاريخ الانتخابات المصرية. وهناك عدة تفسيرات لنمو هذه الظاهرة:
التفسير الأول: وهو ما يتبناه الباحث، هو الدور الوطنى الكبير الذى لعبته المؤسسة العسكرية فى مرحلة الثورات المصرية، وما تلاها، وهو ما تجلى فى مظاهر حب وإجلال من المصريين لهذا الدور فى تفويض وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسى فى محاربة الإرهاب، ثم انتخابه رئيسًا للجمهورية، وهو ما فتح شهية عدد كبير من الجنرالات السابقين لخدمة الوطن عبر محاولة الدخول إلى مجلس النواب مستغلين فى هذا الإطار شعبية المؤسسة العسكرية واحتمالية التصويت لصالحهم.
أما التفسير الثانى: فإنها ظاهرة قديمة، حيث لم تخل أية انتخابات مصرية من قبل من وجود مرشحين، أو حتى نواب، ينتمون إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، خاصة أن بعضهم ينتمى إلى عائلات كبيرة صاحبة تاريخ سياسى وحزبى كبير.

انتقل نواب الوطنى السابقين من منطقة الدفاع إلى منطقة الهجوم على كل التيارات التى جاءت بعد الثورة، والتى لم تقدم رؤى حقيقية لما يجب أن تكون عليه الدولة المصرية
خامسا- المرشحون الجدد
هناك عدد كبير من المرشحين يخوض الانتخابات للمرة الأولى فى حياتهم السياسية، بعضهم من القادة الطبيعيين فى المجتمع، والبعض الآخر من أصحاب المهن الحرة مثل المحامين والمهندسين أو أصحاب الأعمال أو الصحفيين..إلخ، وهم يرون أن الوقت أصبح مناسبًا أن تتقدم الصفوف وجهوه جديدة تحمل رؤية مغايرة عن تلك التى حملتها الأحزاب أو النواب السابقين الذين لم يقدموا لدوائرهم أية خدمات تعمل على خروج المواطن من مشاكله التقليدية. وأخيرًا، يمكن القول إن المرحلة الثانية، ربما تحمل مفاجآت، لنرى ما يحدث.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟